عبد الغفار حسين
إن دولة الإمارات ليست مركزاً اقتصادياً فحسب، وليست محطة سياحية بين الشرق والغرب، بل نحن مركز إنساني مهم على الساحة العالمية .
محمد بن راشد
في كتابه "ومضات من فكر"
كانت "إسرائيل" تحاول دائماً منذ نشأتها أن تتظاهر زيفاً بأنها دولة ديمقراطية وليبرالية، وسط حشد من أنظمة قومية ودينية إفراطية ومتشددة محيطة بها، وكان الغرب، أوروبا وأمريكا، أكثر الناس تصديقاً لمزاعم "إسرائيل" وافتراءاتها وأكثر دعماً لها مادياً ومعنويا، ومازال هذا الدعم مستمراً حتى يومنا هذا، وإن كانت وطأته قد خفت نتيجة للجرائم التي ترتكبها "إسرائيل" ضد الفلسطينيين الموجودين على أرض فلسطين من سلب للممتلكات والأراضي وإقامة مستوطنات يهودية واعتداءات وخروقات للقانون الدولي وانتهاك كامل لحقوق الإنسان الفلسطيني .
وبالرغم من أن العديد من الدول المراعية لحقوق الإنسان كانت تعرف أن ماتصف "إسرائيل" به نفسها من أنها مجتمع مدني وليبرالي، غير صحيح، وأن "إسرائيل" تسعى لإقامة مجتمع قومي يهودي عنصري ليس لغير اليهودي فيه مكان طيب العيش، لكن بعضاً من هذه المجتمعات الدولية مازالت تتردد في تصديق عنصرية "إسرائيل" . . وقد كشف الآن غطاء تزييف الحقائق التي كان يعرفها مسبقاً الكثيرون كما قلنا، وذلك بالإعلان الرسمي للحكومة "الإسرائيلية"، أن "إسرائيل" دولة يهودية السمة والهوية، وهذا يعني أن المجتمع "الإسرائيلي" ليس مجتمعاً مدنياً تتعايش فيه مختلف الطوائف وتتساوى فيه الحقوق بين اليهودي وغيره من الناس الذين يعيشون في "إسرائيل"، وأن العنصرية التي كانت تمارس تحت غطاء الليبرالية المزعومة باتت مكشوفة بشكل علني لا يسترها قناع ولا ستار .
وبالنسبة لنا في العالم العربي كان الزيف الذي كانت عنصرية "إسرائيل" تغطي به وجهها، وأعمالها معروفاً، وبائناً لكل عين، وليس هذا الإجراء العنصري بجديد، ولكن ماذا على الفلسطينيين الذين يناضلون من أجل إقامة دولتهم على أراضيهم المحتلة، أن يفعلوه، وماذا يفعله العرب عامة كأمة من واجبها مناصرة الحق الفلسطيني؟
الجواب على هذا السؤال، هو أن يتحول المجتمع العربي إلى مجتمع غير أيديولوجي النزعة وغير مؤمن بالقوميات الشوفينية المتطرفة التي تفرق بين خلق الله بسبب انتماءاتهم العرقية، ولا يؤمن بالتعصب والتطرف الديني الذي يميز بين دين ودين، وطائفة وطائفة، ولا يقول بالتفصيل بين الناس لأسباب انتمائية من قبلية وعشائرية وعرقية .
فإذا استطاع الإنسان العربي أن يرقى بمستواه الفكري إلى هذا المستوى الذي تتطلبه تشريعات حقوق الإنسان، وينبذ كافة أشكال التفرقة بين إنسان وأخيه الإنسان . . عندئذ يكون المواطن العربي أو الإنسان العربي مؤهلاً لكي يقول للعالم ويثبت له أن "إسرائيل" بإعلانها، أنها دولة يهودية، وبما تمارسه من أعمال القمع ضد من هو غير يهودي، يقول ويثبت، أن "إسرائيل" أمة عنصرية ويقوم نظامها العنصري على التفرقة بين الناس وتعمل على بث الكراهية والفتن والبغضاء بين اليهودية وغيرها من الأديان والأعراق، بحيث يصبح اليهودي حتى ولم يكن "إسرائيلياً" ولا ذنب له فيما تفعله "إسرائيل"، مكروهاً في المجتمعات الآخرى مما يعرض المجتمعات في كل مكان إلى الاضطراب وعدم الاستقرار .
وفي رأيي أن الدول الخليجية أو دول مجلس التعاون العربية، وبالذات دولة الإمارات العربية المتحدة، هذه الدول أكثر تأهيلاً من غيرها من الدول العربية الأخرى التي تجابه اضطراباً وفتناً طائفية وفئوية، أن تكون ليبرالية الوجه واليد واللسان، وتحقق لمن يعيش على أرضها مجتمعاً فاضلاً يتساوى فيه الناس على اختلاف مشاربهم ومللهم ونحلهم، ويكون القانون العادل هو الحكم والخصم، وتبني بنياناً قوياً من المواطنة الصالحة التي تتقدم فيها الكفاءات والمؤهلات المعرفية والعلمية على الفئوية والطائفية والقبلية .
وعندما نقول إن دول الخليج العربية أكثر تأهيلاً من غيرها لمحاربة فكر التطرف الديني والقومي وغيره من الأفكار المنبوذة، وإحلال القوانين المدنية ذات البعد الإنساني في إجراءاتها التشريعية، فإننا نشير إلى التقدم المدني الذي أحرزته هذه الدول خلال عقود قليلة من الزمن، من تشريعات متقدمة وقوانين تساير ما تتطلبه مراعاة حقوق الإنسان، وأصبح الإنسان الإماراتي بوجه خاص مشدوداً إلى الولاء الوطني أكثر من أي ولاء آخر، وهنا على الوطن السير المستدام في هذا الاتجاه الحضاري الجميل من دون تباطؤ في الخطى، لأن هذا الاتجاه هو السبيل الأمثل لاكتساب احترام العالم المتحضر وتوقيره . . وإقناع المجتمع الدولي أن "إسرائيل" دولة عنصرية كهنوتية متطرفة وتحية للقيادة الرشيدة التي ما أنفكت تراعي المشي المستقيم في هذا الدرب الحضاري .
ومما يثلج الصدر أن نرى مشروع الخدمة الوطنية الذي أعلنت عنه الدولة لانخراط جمع غفير من الشباب في هذا المشروع الوطني المهم، بات يأتي أكله الطيب، وفي الأيام القليلة الماضية استمع الكثيرون منا إلى محاضرة قيمّة ألقاها في ندوة الثقافة والعلوم العميد الركن محمد عبدالله الملا (ثقافة المواطنة والخدمة الوطنية)، بيّن فيها مدى إقبال المواطنين وحماسهم لأداء الخدمة، ليس لأن الإمارات لها شغل بالاتجاه العسكري والاستعداد له، ولكن من أجل العمل الإيجابي الذي يرسخ حب الوطن، والولاء له في القلوب، واستعداد المواطن الإماراتي لكي يكون مؤهلاً لخدمة الوطن من مدنية وعسكرية على السواء عندما يطلب منه ذلك .
---------------------
* نقلا عن دار الخليج، الخميس، 27/11/2014.
رابط دائم: