** لورانس ويثنر
السياسيون الأمريكيون مولعون بالقول لسامعيهم إن الولايات المتحدة هي أعظم بلد في العالم . فهل هناك أي أدلة على هذا الادعاء؟
في الواقع، نعم، فعندما يتعلق الأمر بالعنف والاستعدادات للعنف، الولايات المتحدة هي حقاً الرقم واحد . وحسب تقرير معهد أبحاث السلام الدولي في استوكهولم، احتلت الولايات المتحدة في العام 2013 المرتبة الأولى عالمياً في الإنفاق العسكري، حيث بلغت حصتها 37% من مجموع الإنفاق العالمي، في حين أن أقرب منافسين لها كانا الصين (11%) وروسيا (5%) . وفي 2004 إلى ،2013 كانت الولايات المتحدة أيضاً الرقم واحد عالمياً في تصدير الأسلحة . علاوة على ذلك، الولايات المتحدة تخوض بصورة شبه متواصلة سلسلة من الحروب والتدخلات العسكرية منذ ،1941 ما يجعلها على الأرجح متفوقة على جميع منافسيها في مجال العنف الدولي .
وهذه الأرقام القياسية يوازيها على الجبهة الداخلية تبوؤ الولايات المتحدة المرتبة الأولى عالمياً في حيازة الأسلحة الفردية وفي أعداد الوفيات المرتبطة بهذه الأسلحة .
غير أن الولايات المتحدة ليست الأولى عالمياً على الإطلاق في عدد كبير من المجالات الأخرى .
ولنأخذ التعليم، ففي أواخر ،2013 أصدر البرنامج الدولي لتقييم الطلبة (دراسة علمية سنوية تجريها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية) تقريراً حول أداء الطلاب في عمر 15 سنة في اختبارات نظمت في 65 بلداً . وأظهرت النتائج أن الطلاب الأمريكيين احتلوا المرتبة 17 في المطالعة، والمرتبة 21 في الرياضيات . وفي وقت سابق من العام ذاته، أظهر استقصاء دولي أجرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن البالغين الأمريكيين سجلوا مرتبة حتى أدنى من ذلك .
وأداء الولايات المتحدة سيئ أيضاً في مجال الصحة والرعاية الصحية . وقد أجرى الصندوق التعاوني (مؤسسة خاصة أمريكية تعنى بالرعاية الصحية خصوصاً بالنسبة إلى المسنين) دراسة هذا العام في 11 بلداً صناعياً متقدماً، وشملت وفيات الرضع، ومتوسط العمر المتوقع، والوفيات لأسباب يمكن توقيها، فأظهرت النتائج أن الولايات المتحدة احتلت المرتبة الأخيرة بين هذه البلدان . وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن نظام الرعاية الصحية الأمريكي يحتل المرتبة 30 في العالم .
وفي مجال البيئة، طور علماء في جامعة ييل في الولايات المتحدة "مؤشر أداء بيئي" متطوراً جداً من أجل تفحص سلوك الدول . وحسب هذا المؤشر للعام ،2014 احتلت الولايات المتحدة المرتبة 35 في مجال حماية الصحة البشرية من الأذى البيئي، والمرتبة 36 في مجال المياه والصرف الصحي، والمرتبة 38 بالنسبة إلى نوعية الهواء .
أما انتشار الفقر على نطاق واسع، خصوصاً بين الأطفال، فهو عار على أغنى بلد في العالم . وقد وجد تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أجري في العام ،2013 أنه من بين الدول ال 35 المتقدمة اقتصادياً التي شملتها الدراسة، وحدها رومانيا سجلت نسبة أعلى من الأطفال الذين يعيشون في الفقر بعد الولايات المتحدة .
وطبعاً، الولايات المتحدة ليست محكومة بتسجيل هذه المراتب المحزنة . فهي تستطيع تقديم أداء أفضل بكثير إذا ما استخدمت ثرواتها، ومواردها، وتكنولوجياتها بطرق مختلفة عما هي الحال في الوقت الراهن . ولكن هذه في النهاية مسألة أولويات . فعندما يخصص معظم الإنفاق الحكومي الاستنسابي (الجزء من الميزانية الذي يتم التفاوض بشأنه بين الرئيس والكونغرس) للحرب والاستعدادات للحرب، لن يكون هناك ما يدعو إلى الدهشة أن تبرز الولايات المتحدة الأولى في العالم من حيث قدرات العنف، وأن تتخلف كثيراً في مجالات توفير الرفاه لشعبها .
-----------------------
** بروفيسور أمريكي (موقع "هانينغتون بوست")
* نقلا عن دار الخليج، الأحد، 23/11/2014.
رابط دائم: