عرض : سارة خليل- باحثة في العلوم السياسية
Zaid Al-Ali, The Struggle for Iraq's Future: How Corruption, Incompetence and Sectarianism Have Undermined Democracy, (USA: Yale University Press, 2014
ينفرد هذا الكتاب بتناوله الأزمات التي يعانيها الشعب العراقي، في ظل تركيز الكثير من المحللين الغربيين على تقديم تفسيرات عدة لبناء الدولة العراقية، عقب الغزو الأمريكي عام 2003، والانسحاب النهائي للقوات الأمريكية من البلاد.
ويرجع اهتمام مؤلف الكتاب، زيد العلي، بأوضاع المجتمع العراقي إلى تخصصه في مجال القانون الدستوري المقارن والتحكيم التجاري الدولي، كما أنه عمل كمستشار قانوني للأمم المتحدة في العراق، خلال الفترة من 2005 إلى 2010 في شئون الإصلاح البرلماني والقضائي والدستوري. علاوة على ذلك، فإنه تربطه علاقات جيدة مع الشعب والحكومة العراقية، ومسئولي المجتمع الدولي، وعلى دراية كاملة بمشاكل المجتمع العراقي.
ويحاول الكتاب الإجابة على تساؤل رئيسي مفاده: لماذا وكيف فشلت الحكومة العراقية بعد انتهاء الغزو الأمريكي في تحقيق المشروعية، وتحسين مستوى المعيشة لمواطنيها؟. ويركز الكتاب على تناول الوضع السياسي العراقي، وأزمة الدستور العراقي، وما نتج عنه من تداعيات سياسية وأمنية عصفت باستقرار البلاد.
الأزمات التي يعانيها المجتمع العراقي:
يرى العلي أن الأوضاع في المجتمع العراقي غير مطمئنة إلى حد كبير، خاصة مع تزايد أعمال العنف، والتفجيرات المميتة، وتنامي الصراعات الطائفية، والفساد الحكومي المتفشي الذي يمنع تقدم البلاد، ويعيق البدء في حل قضايا الأمن، والرعاية الصحية، والطاقة.
وذكر أنه منذ انسحاب القوات الأمريكية من العراق في ديسمبر 2011، تحول الاهتمام الدولي بعيدا عنها، وعاني الكثير من العراقيين صعوبة الحياة. ولم يقتصر الأمر على المواطنين العراقيين فحسب -كما أوضح الكاتب- بل إنه بعد مرور عقد على الغزو وثلاث سنوات منذ الانسحاب، فإن المؤسسات العراقية مشتملة على البنية المؤسسية والهيكل الحكومي غير فعالة. ومن هنا، ركز الكاتب على الأزمات التي يعانيها المجتمع العراقي كما يأتي:
أولا- الأزمة الأمنية والطائفية في البلاد:
أوضح الكاتب أن العراق يعاني تدهور الأوضاع الأمنية منذ أكثر من عقد، فقد ساءت الأوضاع الأمنية بشكل كبير بين عامي 2006 و2007، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من ثلاثة آلاف مدني عراقي شهريا خلال تلك الفترة. بينما تضاءلت أعداد القتلي إلى 300 قتيل شهريا في الفترة بين عامي 2008 و2009، وبذلك انخفضت مستويات العنف في البلاد منذ تلك الفترة ولمدة عدة سنوات حتى عام 2011، حيث عادت أعمال العنف مرة أخرى بشكل مخيف، بالرغم من أنها ليست كحدة أعمال العنف في عام 2006، إلا أنها أودت بحياة ألف شخص شهريا.
وقد تطرق الكاتب إلى عودة أعمال العنف في الفلوجة، ودلل على ذلك بمقتل ما يقرب من ألفي شخص من القوات الأمنية. وأرجع الكاتب أعمال العنف لعدة أسباب، أولها: أن الفلوجة تقع في غرب البلاد بالقرب من الحدود مع سوريا، وبالتالي انفلات السيطرة الأمنية على تلك المنطقة بسبب الجماعات لإرهابية. أما السبب الآخر، فيرجع إلى الفساد المستشري ليس فقط في القطاع المدني، بل إنه متغلغل في القطاع الأمني العراقي أيضا -على حد قول الكاتب- مضيفا أنه من اليسير إعطاء رشوة لبعض الأفراد للحصول على معلومات، أو السماح بتفجير أماكن معينة.
واستطرد حديثه بأن تدهور الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع معدل البطالة أسهما بشكل كبير في تصاعد أعمال العنف. فهناك 300 ألف شاب عراقي يبحثون عن وظائف كل عام، بينما 10٪ منهم هم الذين يجدون وظائف، وبالتالي الكثير منهم ليس لديه مصدر دخل منتظم.
كما ناقش مشكلة الطائفية التي يعانيها سكان الفلوجة على عكس بقية الدولة العراقية، حيث يعانون التمييز، والاعتقالات، وأعمال التعذيب بسبب انتماءاتهم الدينية، ومعاملة أكثر صرامة عما يعانيه الجنوب. وذكر أنه مع تزايد التفجيرات وأعمال العنف الطائفي، فإن ذلك ينذر باندلاع حرب أهلية تفتك بمستقبل البلاد. فبالرغم من اهتمامه
بمستقبل العراق في بداية الغزو، فإنه سرعان ما أحبط بسبب التوترات المستمرة في البلاد.
ثانيا- أزمة النظام القانوني:
انطلاقا من خلفية الكاتب القانونية، فقد طرح عدة تساؤلات: لماذا تتزايد الاتجاهات السلبية نحو مستقبل البلاد؟، ولماذا من المرجح أن تستمر؟، وأرجع ذلك إلى عدم وجود قوانين صارمة يلتزم بها الشعب والساسة العراقيون، ويعني بالقوانين هنا الدستور والإطار القانوني. فبالرغم من وجود دستور بالفعل، فإن طريقة صياغته جعلت من المستحيل تطبيقه. وأوضح أن طريقة صياغة الدستور أدت إلى الانقسام بين شرائح واسعة بين المواطنين، بدلا من الحصول على إجماع الآراء، والاعتماد على الكفاءة والمهنية لدي النخب السياسية العراقية.
ثالثا- فساد المسئولين:
ذكر الكاتب أن معظم كبار المسئولين في العراق أمضوا حياتهم في المنفي، وليس لديهم أية مهارات تؤهلهم لتولي مناصب لإدارة البلاد، كما أنهم متورطون في قضايا فساد، ولا يعملون لمصلحة البلاد. وبدلا من أن يلجئوا للشعب للتغلب على إخفاقاتهم في إدارة البلاد، عملوا على تأجيج النزعة الطائفية للدفاع عن سياساتهم، ودرء أية انتقادات توجه لهم. ويرى العلى أن فشل السياسيين العراقيين، والنظام السياسي القائم في معالجة الأوضاع السياسية، زاد من حدة الانقسامات بين السنة والشيعة والأكراد، وتنامت حدة الخلاف بينهم مقارنة بما قبل عام ،2003 مما أدي إلى حدوث خلل في أداء وظائف الدولة، فأصبحت هناك أزمة في النظام القانوني، وزادت انتهاكات حقوق الإنسان، كما تدهورت الأوضاع البيئية بصورة أكثر مما كانت عليه في عهد صدام حسين بسبب مشاريعه المدمرة، مثلما أوضح.
وقد استدل العلي علي عدم وجود مسئولين ذوي كفاءة بالحكومة، في نموذج نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، الذي عاش أغلب حياته بالخارج، منها 20 عاما بسوريا وإيران، ولم يحقق أي إنجازات تؤهله لتولي هذا المنصب، فضلا عن أنه ليس على دراية كاملة بأوضاع المجتمع العراقي، وتسبب في إثارة بعض الصراعات الطائفية أخيرا بسبب انحيازه إلى الطائفة الشيعية -التي ينتمي إليها - وتهميشه للسنة وحقوقهم.
مقارنة بين عهد صدام حسين وما بعده:
عرض الكاتب مقارنة بين العراق قبل وبعد نظام صدام حسين، موضحا أن العراق في عهد صدام كان يعاني القبضة الأمنية الصارمة، فلم تكن هناك نهائيا حرية رأي. وفي هذا السياق، سرد معاناته مع أسرته في المنفي، وصعوبة تلك الحياة التي فرضها عليهم نظام صدام حسين.
أما بعد رحيل نظام صدام، فيرى أن حرية الرأي أصبحت متاحة للجميع، ولكن تدهورت الأوضاع الأمنية بشكل كبير، مما يجعل المقارنة بين الفترتين صعبة للغاية، مشيرا إلى أن الحكم على تلك الفترتين يتوقف على منظور كل شخص، وتفسيره للسياسات المتبعة في تلك الفترة.
يرى العلي أن سوء تخطيط الاحتلال الأمريكي دمر الدولة العراقية، وأتاح الفرصة للنخبة الفاسدة لتولي أمور البلاد، موضحا أنه على الرغم من الجهود المبذولة لتفريق العراقيين، فإنهم لا يزال لديهم شعور قوي بالهوية الوطنية.
ويختتم العلي كتابه بنظرة تفاؤلية إلى بأن العراق يحتاج إلى وقت طويل حتى يتخلص من عقود حكم الديكتاتورية، وأن أسس الثقافة الديمقراطية موجودة بالفعل في العراق، مشددا على ضرورة تغلب الساسة على الطائفية في البلاد، وتقديم برامج إصلاح حقيقية تدفع مستقبل البلاد نحو التقدم، موضحا أن تلك الجهود جارية بالفعل، لكنها ستستغرق عدة سنوات لتنفيذها.