7 مايو 2014
ليس خافياً مسعى إيران لعب دور إقليمي بارز، حتى وإن لجأت إلى تكثيف مظاهر تدخلها في الشئون الداخلية لغيرها من الدول. ويبرز هنا على نحو خاص الدور الذي تلعبه إيران على الساحة اليمنية، بدعم جماعات من المعارضة، محاولة في إطار ذلك إيجاد موطئ قدم في محيط استراتيجي شديد الأهمية، بما يسمح لها بتوسيع نفوذها من جهة، والتأثير فى توزانات القوى الإقليمية من جهة أخرى، الأمر الذي يضر بفرص استكمال المرحلة الانتقالية في اليمن، وهو ما اضطر معه الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، إلى تكرار مطالبته إيران بالتوقف عن التدخل في شئون بلاده الداخلية، والالتزام بقواعد حسن الجوار.
أبعاد التدخل الإيراني في اليمن:
خلال الفترة التي أعقبت "ثورة الشباب اليمنية" في 11 فبراير 2011، حاولت إيران استغلال حالة عدم الاستقرار على الساحة اليمنية لتحقيق أهدافها الخاصة، بتوسيع نفوذها في تلك المنطقة الاستراتيجية المهمة. غير أن تاريخ التدخل الإيراني هناك إنما يعود إلى ما بعد الثورة الإسلامية في طهران، ومحاولاتها تصدير الثورة إلى نطاقها المحيط، وخصوصاً إلى اليمن الذي دعّم في المقابل نظام صدام حسين في حربه مع إيران خلال الفترة من 1980إلى 1988، غير أن تلك الجهود لم تكلل بالنجاح.
ولكن مع التحسن النسبي الذي شهدته تلك العلاقات خلال الفترة من 1994إلى 2004، تمكن الإيرانيون من التبشير المذهبي بشكل كبير.وكان ذلك التبشير على محورين، الأول التبشير بالاثنى عشرية، وكانت نتائجه غير مشجعة، وخصوصاً بسبب الاختلافات المذهبية مع النظام الزيدي الذي يتبناه شيعة اليمن، فيما تمثل المحور الثاني، وهو الأهم، فى إقامة علاقة جيدة مع رموز الزيدية الشيعية، التي أثمرت بعد ذلك الدور العسكري لجماعة الحوثي، والتي فجرت منذ يونيو 2004 وحتى عام 2010 ست جولات من المواجهات المسلحة مع قوات النظام اليمني في محافظة صعدة بشمال البلاد.
لكن المنحى الأهم في مسار العلاقات الإيرانية- اليمنية كان خلال الفترة التي تلت ثورة فبراير، والتي ساعدت في تحول جماعة الحوثي إلى قوة مؤثرة على الساحة اليمنية سياسياً وعسكرياً، حيث استغلت الفراغ الذي تركه نظام صالح للسيطرة الكاملة على محافظة صعدة وأجزاء من محافظتي حجة والجوف، ولم تتوان في هذا الإطار من الإيحاء بأن الثورة في اليمن هي امتداد واستلهام طبيعي للثورة الإسلامية في طهران. وبجانب ذلك، برز في الآونة الأخيرة الحديث عن دور لإيران في تغذية مطالب يمنيين جنوبيين بالانفصال، ودعم الفصيل المسلح الذي يرأسه الرئيس الجنوبي السابق، علي سالم البيض، محاولة التأثير فى فرص نجاح "المبادرة الخليجية" في اليمن.
مظاهر دعم إيران للمعارضة اليمنية:
مع اهتمام إيران بتوسيع نفوذها في اليمن، مستغلة التطورات السياسية الأخيرة التي تشهدها البلاد، اتخذ دعمها لعناصر من المعارضة اليمنية المظاهر والأبعاد التالية.
- دعم جماعة الحوثي بالسلاح: إذ كشفت السلطات اليمنية عن اعتراض عدد من السفن المحملة بأسلحة ومتفجرات على سواحل البحر الأحمر والبحر العربي، كانت متوجهة في الغالب إلى جماعة الحوثي، وذلك ما بين عامي 2012 و2013. وكانت الحادثة الأبرز هنا ما كشفته السلطات اليمنية في يناير 2013 عن ضبط سفن تحمل أسلحة، بينها صواريخ ومتفجرات عسكرية، وقذائف صاروخية، ومعدّات تستخدم لصناعة المتفجرات محلياً في البحر العربي، والكشف عن أن مصدر تلك الأسلحة كان إيران متوجهة إلى جماعة الحوثي.
وفي شهر مارس من العام نفسه، كشفت الأجهزة الأمنية عن ضبط سفينة أجنبية متورطة في تهريب أسلحة إيرانية إلى السواحل اليمنية تحمل اسم "جيهان- 2"، بجانب أن السفينة التي أعلنت إسرائيل عن اعتراضها في البحر الأحمر أمام السواحل الإريترية في مارس 2014، والتي قيل إنها كانت متجهة إلى حركة حماس في غزة، أشارت معلومات أخرى إلى أنها كانت متجهة في الأصل إلى السواحل اليمنية لجماعة الحوثي.
- تدريب عناصر من المعارضة اليمنية: لم تكتف إيران بالدعم المادي المباشر بالسلاح الموجه إلى جماعة الحوثي، إذ كشفت أطراف يمنية عن دورات تدريبية تقدمها إيران للشباب اليمني، ولكن في لبنان بهدف تدريبهم على قيادة وتنظيم الفعاليات الرافضة للوحدة اليمنية. ولكن مع صعوبة استئناف هذه التدريبات في لبنان بسبب تدهور الأوضاع في سوريا، وانشغال حزب الله اللبناني بالحرب هناك، كشفت مصادر سياسية ودبلوماسية يمنية عن أن إيران تدرب أعداداً كبيرة من الحوثيين في دولة إريتريا المجاورة لليمن على الساحل الإفريقي للبحر الأحمر.
وتشير المعلومات إلى أن الحكومة الإيرانية تقوم بتدريب جماعة الحوثي تحديداً في ثلاثة معسكرات تقع على الأراضي الإريترية بإشراف وخبرات وتمويل إيراني، وأحد هذه المعسكرات يوجد بالقرب من ميناء "عصب" قبالة المعسكر الكبير للجيش الإريتري المسمى "ويعا"، والمعسكر الثاني يوجد في الساحل الشمالي بين منطقتي "حسمت" و"إبريطي" على ساحل البحر الأحمر، والمعسكر الأخير يوجد في منطقة "ساوى"، وهو أحدث المعسكرات التي أقامها الحرس الثوري الإيراني لتدريب الحوثيين، وهو قريب من الحدود السودانية.
- تكثيف النشاط الاستخباري في اليمن: على صلة بالتدريب الذي تقدمه إيران لعناصر يمنية معارضة، فهي تكثف نشاطها الاستخباري على الساحة اليمنية ذاتها. وقد أشارت مصادر أمنية يمنية إلى أن عشرات من النشطاء والإعلاميين والسياسيين اليمنيين تم استقطابهم عبر جماعة الحوثي وحزب الله للعمل ضمن شبكات تجسس إيرانية في مناطق عدة يمنية، وتم تدريبهم في طهران ولبنان، وتمت تغطية عملهم ضمن مؤسسات إعلامية وتعليمية وأنشطة خدمية وإنسانية.
وفي هذا الإطار، أوقفت السلطات اليمنية، في يناير 2014، سفر 30 طالباً أثناء مغادرتهم مطار صنعاء الدولي بمعية أحد الدعاة التابعين للحوثي. وأعلن هشام شرف، وزير التعليم العالي اليمني، أن ابتعاث طلبة يمنيين إلى إيران من قِبل الحكومة متوقف منذ تسعة أعوام، في إشارة إلى أن جميع الطلبة الدارسين في إيران حالياً تم ابتعاثهم عن طريق جمعيات ومؤسسات موالية لجماعة الحوثي وإيران. وتشير تقارير رسمية إلى أن جميع من زاروا طهران عبر بيروت تم السماح لهم بالدخول إلى إيران بوثائق خاصة منحت لهم في بيروت، وتجنب استخدام جواز السفر اليمني للدخول إلى إيران.
والجدير بالذكر أن تلك الاتهامات الموجهة إلى اليمن بالتوسع في نشاطها الاستخباري على الساحة اليمنية لم تكن بعيدة عما كشفه الرئيس اليمني، منذ عام 2012، من أن الأجهزة الأمنية اليمنية ضبطت 6 شبكات تجسس تعمل لمصلحة إيران، وكان ذلك إثر الإعلان عن ضبط شبكة تجسس إيرانية تعمل في اليمن طوال 7 سنوات يقودها ضابط سابق في الحرس الثوري الإيراني، وتدير عمليات تجسس في اليمن والقرن الإفريقي.
- استغلال الأدوات الإعلامية: مع اهتمام إيران بتقديم الدعم العسكري والمادي المباشر لجماعات المعارضة اليمنية، فإنها لم تغفل أساليب القوى الناعمة في محاولة التأثير فى مجريات الأمور في اليمن. ولذلك مع دعمها إطلاق عدد من القنوات الفضائية الموجهة، وتحديداً من الضاحية الجنوبية ببيروت، فقد تم من هناك إطلاق قناة "المسيرة" التابعة لجماعة الحوثي، وقناة "الساحات" التابعة لمجموعة من الناشطين المحسوبين على اليسار، وكذلك قناة "عدن لايف" التابعة للحراك الانفصالي، وذلك مع رعاية إصدار عدد من الصحف الأسبوعية المعارضة، ومنها: "المسار"، و"الديمقراطي"، و"الصمود"، مع عدد آخر من الصحف التي تصدر في مدينة عدن باسم الحراك الانفصالي.
ثانياً- خطورة تدخلات إيران على الساحة الإقليمية:
الأمر الجدير بالاهتمام أن تأثيرات التدخل الإيراني في اليمن تتسع لتشمل الساحة الإقليمية، ذلك أن هذا التدخل إنما يرتبط بالمخططات الطائفية لإيران، واهتمامها بالسيطرة على الممرات المائية الحيوية، وتطويق دول الخليج العربية -ولاسيما المملكة السعودية- على تخومها الجنوبية.
1. المخططات الطائفية لإيران:
يظهر من خلال دعم إيران للمعارضة اليمنية البعد الطائفي في ذلك الدعم، فإيران تحاول تصدير مذهبها العقدي عبر التقارب الظاهري مع المذهب الزيدي، وعلاقتها بأتباع هذا المذهب التي تأخذ أشكالاً متعددة اقتصادية، وسياسية، وعسكرية، وثقافية، كما سبقت الإشارة.
وهذا الأمر يمكن تأكيده بمظاهر التدخل الإيراني في الشئون الداخلية للدول الأخرى في المنطقة، ولاسيما سوريا، ولبنان، والبحرين، فقد حوّلت إيران الصراع في سوريا إلى نزاع طائفي، مع الدعم العسكري المباشر الذي تقدمه إلى قوات بشار الأسد من خلال حزب الله اللبناني، بل والاعتراف بتقديم المشورة العسكرية إلى تلك القوات من خلال "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري.
وتستمر إيران أيضاً في تقديمها الدعم للمعارضة الشيعية في البحرين، الأمر الذي بدا جلياً باستقبال المرشد الأعلى، علي خامنئي، لوفد من المعارضة البحرينية في فبراير 2014، حيث دعاهم إلى "الصمود"، في دعم علني للحركة الاحتجاجية بالبحرين، مما أثار التوتر في علاقات طهران بالمنامة، وخصوصاً مع تنامي الشكوك البحرينية في دور لإيران بتغذية عدد من الهجمات الإرهابية التي شهدتها المملكة أخيراً، وبما يدفع نحو إحباط جهود المصالحة الوطنية بالبحرين.
2. التحكم في الممرات المائية الحيوية:
مع أهمية البعد الطائفي في مخططات إيران، فإن اهتمامها بالنفاذ إلى اليمن، من خلال تقديم الدعم والتدريب للعناصر المناوئة للحكومة اليمنية، رده المحللون إلى أسباب عملية أخرى، يأتي من بينها استهداف طهران إيجاد موطئ قدم لها في المحيط المجاور لمضيق "باب المندب"، بجانب تحكمها في "مضيق هرمز"، لتعزز سيطرتها على الممرات المائية الحيوية على البحر الأحمر والخليج العربي، مما يحسن وضعها التفاوضي مع القوى الكبرى بخصوص برنامجها النووي، بجانب ما يؤكده الوجود الإيراني في اليمن من تنافس استخباراتي مع الولايات المتحدة على الساحة اليمنية.
وقد أكدت تقارير استخباراتية توجه الحوثيين نحو شراء وتأجير محلات وأراض في محافظة عدن وعلى ساحل البحر العربي في الجنوب، وهو الأمر الذي لم ينفه الناطق باسم الحوثيين، محمد عبد السلام، الذي قال في لقاء تليفزيوني إن من حق جماعته أن "تشتري حيث تشاء".
غير أنه لا يمكن تصور أن عملية تأجير محلات في محافظة عدن وعلى سواحل بحر العرب من قِبل الحوثيين عملية عفوية لأغراض تجارية، بل يمكن ربط الأمر، ليس فقط بضمان تدفق السلاح إلى اليمن من إيران، ولكن أيضاً بمسعى الأخيرة التحكم –وإن بصورة غير مباشرة- بمضيق "باب المندب" الاستراتيجي على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، الذي يمر خلاله ما يقرب من 3.2 مليون برميل نفط يومياً، لتوجد في أهم شريان بحري للتجارة الدولية، الأمر الذي يستدل عليه كذلك بنشاط إيران في إريتريا، ومحاولاتها إيجاد نفوذ لها في الصومال، وجيبوتي، وكينيا.
3. تطويق دول الخليج:
إن اهتمام إيران بالسيطرة على مضيق "باب المندب"، وتوسيع نفوذها في اليمن بوجه عام، ليسا بعيداً عن اهتمامها بتطويق دول الخليج جنوباً، والمملكة السعودية على نحو خاص، في إطار التنافس الإقليمي القائم بين الدولتين، مما يفسر تنامي النشاط الإيراني في اليمن، عقب توقيع المبادرة الخليجية نهاية نوفمبر 2011.
وأهمية اليمن هنا بالنسبة لمخططات إيران أنها تمثل البوابة الجنوبية للوطن العربي عموماً، والجزيرة العربية والخليج بشكل خاص.
وبعد أن نجحت إيران في إيجاد موطئ قدم لها على الساحة الشرقية لدول الخليج، بتأثيرها الواسع في العراق سياسياً ومذهبياً، فهي تسعى كذلك إلى دعم حليف لها في اليمن، ممثلاً في جماعة الحوثي، ليكون على شاكلة حزب الله في لبنان، ذلك أن ظهور جماعة شيعية قوية في جنوب شبه الجزيرة العربية قد يحرك النزعة التشيعية الموجودة لدى الأقليات الشيعية في شرق المملكة السعودية، ودول مجلس التعاون الخليجي بنحو عام.