اذا لم تنجح الأمم المتحدة في تغيير مواقف أطراف نزاع الصحراء، فإن تمديد ولاية بعثة «المينورسو» والدعوة إلى استئناف المفاوضات وإقرار معايير مستقلة لحماية أوضاع حقوق الإنسان... إلى غير ذلك من تمنيات قرارات مجلس الأمن، لن تحقق الاختراق الذي طال انتظاره. وسيكون على الأطراف عينها أن تنتظر موسم نيسان (أبريل) من كل عام لمعاودة طرح الإشكالات التي لا تتغير.
بعض جوانب الأزمة يرتبط برؤية الأمم المتحدة التي تبدو معنية بالتهدئة وعدم وصول الأوضاع إلى شفير التدهور. وبعضها الأكثر تأثيراً له علاقة بطبيعة النزاع وخلفياته ومعطياته، كونه بعد مرور قرابة أربعة عقود لم يستقر على توصيفات محددة تساعد في الإمساك بالخيط الرفيع الذي يختفي وراء الصورة الظاهرة. وعندما اتفق الأطراف كافة على صيغة «الحل السياسي» التي استنسخت ما قبلها من مفاهيم وآليات، بدا أن الوفاق الذي تستند إليه المرجعية الدولية لا يواكبه وفاق على أرض الواقع، أقله تباين التأويلات والقراءات بين من يراه دعماً لخطة الحكم الذاتي ذات البعد الوفاقي، أي التوصل إلى حل أقل من الضم النهائي للإقليم وأكبر من التبعية المركزية، ومن يحبذه مزيجاً بين الاستفتاء والحكم الذاتي، ومن يدفع في اتجاه الاستقلال الكامل.
لكن الواقع على الأرض يتماهى بين التصورات جميعها، فالمغرب يتعاطى والأوضاع في الأقاليم الواقعة تحت نفوذه بمنطق لا رجعة فيه، فيما بوليساريو حولت مخيمات تيندوف إلى مختبر إنساني وسياسي لا يمكن إلغاء معطياته، أقلها أن أكثر من جيلين من السكان فتحوا عيونهم على واقع اللجوء إلى أراض واقعة تحت نفوذ دولة مجاورة. العلاقات المغربية– الجزائرية والوضع الإقليمي لا يسمح بالتقاط ضوء خافت في نهاية النفق، ونتيجةَ هذا المأزق السياسي برزت إشكالات أوضاع حقوق الإنسان كقضية محورية، ترى الأمم المتحدة أنها قد تسمح بحدوث اختراق نسبي.
الأكيد أن الأمم المتحدة التي لم تفلح جهودها، على رغم قرارات مجلس الأمن، في مجرد إجراء إحصاء دقيق لسكان المخيمات، سيكون عسيراً عليها أن تفرض ما تراه معايير مستقلة إزاء أوضاع حقوق الإنسان، لأن المشكل في جوهره سياسي وليس حقوقياً. فيما استئناف المفاوضات ليس هدفاً، ولكنه آلية لبلورة تفاهمات وفاقية تستند إلى مرجعية الحل السياسي الذي أقره مجلس الأمن. وبعد سبع جولات توزعت بين المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، لم تصل الأطراف المعنية إلى مسودة اتفاق بأجندة والتزامات واضحة.
من غير الوارد أن يتحقق شيء من هذا، ما لم يحدث الاختراق الكبير، أقله تحديد مسؤوليات كل الأطراف. فقد دلت تجارب إشراك كل من الجزائر وموريتانيا في الجلسات الافتتاحية ذات الطابع الرسمي، أنه لا يساعد في تشجيع الطرفين على القيام بمبادرات إيجابية، ليس نتيجة تباين المنطلقات حول أرضية المفاوضات فحسب، ولكن لأن المشكل يوجد في مكان آخر. ولعله لهذا السبب حرصت قرارات مجلس الأمن على دعوة الأطراف إلى التعاون في ما بينها ومع الأمم المتحدة لإحراز تقدم مشجع. لكن مفهوم التعاون يظل فضفاضاً، على مقاس المواقع والمنطلقات. وربما كان أجدى أن يبدأ ما بين الأطراف، بخاصة وأن القرار الدولي 2152 يتطلع إلى دور أكبر لدول المنظومة المغاربية في التصدي للانفلات الأمني وتنامي الإرهاب في منطقة الساحل جنوب الصحراء. وهو يطاول مواقف الدول بالدرجة الأولى. غير أن المعطيات على أرض الواقع لا تسير في ذات الاتجاه، فالعلاقات المغربية– الجزائرية لا تعاني من التباين الصادم في المواقف إزاء قضية الصحراء فحسب، بل تشمل سريان مفعول إغلاق الحدود وتناقض الرؤية إزاء العلاقة مع بلدان الجوار الإفريقي، فضلاً عن ركام تداعيات سنوات القطيعة اقتصادياً وتجارياً.
تصلح وصفة التعاون مدخلاً لتحقيق بعض الانفراج. لكن ما عساه يحدث إن تُرك المغرب وبوليساريو وحدهما، من دون تأثير أي طرف ثالث في مسار المفاوضات؟ للسؤال أهميته وفرضيته وانعكاساته. غير أن ليس كل ما هو مقبول نظرياً يظل قابلاً للتنفيذ عملياً، وتلك بعض ظلال نزاع الصحراء التي لا يلاحقها أحد بالقدر ذاته من الاهتمام لإنهاء مشكل طال أمده.
-----------------------------
نقلا عن الحياة اللندنية، الأحد، 5/5/2014.
رابط دائم: