أثبتت الحقائق الموضوعية أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان ولا يزال ضعيفاً ومتردداً وسلبياً إزاء العديد من القضايا الجوهرية الماسة بالأمن القومي الأمريكي بشكل خاص، والأمن الدولي بشكل عام، على خلاف سلفه جورج بوش الابن الذي كان قوياً ومقداماً لكنه متهور .
وحقيقة الأمر هي أن المرحلة التي تزعم فيها الرئيسان الأمريكيان تبدو وكأنها المرحلة النهائية في تاريخ الصعود الأمريكي، إذ مثلت مرحلة بوش الابن تجاوزاً لمعظم القوانين الحاكمة للعلاقات الدولية . بغض النظر عن الاستباقية السريعة والمتهورة لمعظم الأحداث في مرحلة بوش الابن نجد أن الرئيس أوباما لم يمتلك أية ردة فعل إيجابية أو سريعة في العديد من الأحداث الدولية .
ويقيناً أن ذلك بمجمله يعبر عن ملامح أو بدايات انهيار الولايات المتحدة ليس بوصفها دولة مهيمنة على النظام الدولي، بل إنها دولة تتهاوى استجابة لمتطلبات أو لضرورات موضوعية لانهيار الإمبراطوريات التسلطية في العالم، على اعتبار أن الإجراءات الأمريكية لم تغير بشكل جدي طبيعة التحولات الأساسية في النظام الدولي .
ومن هنا ينبغي النظر إلى مستقبل النظام الدولي الجديد بوصفه نظاماً لم يتشكل بعد لكن ملامحه الواقعية يمكن تلمسها على قاعدتين أساسيتين .
التعددية في المقام الأول أو الانفراد في مقام آخر، ومن هنا كذلك ينبغي للعرب أن يفتشوا عن مضامين هذا التحول في النظام الدولي الجديد، وأن يجدوا لأنفسهم فرصة جديدة لترتيب أولوياتهم في هذا النظام .
إن ملامح الاشتراطات الجديدة للتحالفات الدولية تتمثل في بدايات تشكيل القوى الأوروآسيوية التي أشار إليها صموئيل هنتنغتون بالتحالف الإسلامي البوذي، وهنا نستطيع القول إن هذه القوى تتمثل بشكل مباشر بروسيا والصين والهند وإيران، أي بمعنى آخر التحالف الإسلامي المسيحي البوذي في مواجهة التطرف البروتستاني الصهيوني، هذه القوى الصاعدة هي في مقابل قوى متراجعة وتحديداً الأوروأطلسية التي بانت ملامح الضعف فيها واضحة في مجمل القضايا، لاسيما الاقتصادية والأمنية والسياسية، وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط، بغض النظر عما يشاع بأنها تمتلك القدرة على معاقبة الآخرين بوسائل متعددة، وبغض النظر أيضاً عن طبيعة العقوبات المتهالكة التي لم تصب إيران أو كوريا الشمالية أو روسيا الاتحادية في الصميم .
إن ما ينبغي النظر إليه في مجال تراتبية النظام الدولي الجديد هو أن الصعود المفاجئ لبعض القوى الدولية كمنظومة "البريكس"، وكذلك التحالفات البائنة بين روسيا وإيران وإلى حد ما الصين تنذر بخطر شديد على مستوى التشكيلات الجديدة في العالم، وموقع العرب منها، لاسيما بعد الفوضى التي أحدثتها سياسات الولايات المتحدة في المنطقة العربية التي ينبغي أن تنظر إلى هذا التحول بجدية كبيرة .
وانطلاقاً من فرضية أن قلب النظام العربي هي منطقة الخليج العربي والعراق، لذلك ينبغي لتلك المنطقة أن تبحث عن تحالفات جديدة تقيها شرور التحول المقبل .
ومن هنا أيضاً ينبغي قراءة الإدراك الأمريكي المبكر لضرورات التحول في التوجهات العربية على أنه إجراء وقائي يدفع باتجاه الإبقاء على التحالفات التقليدية .
ولذلك يمكن النظر إلى أن الفشل في المفاوضات "الإسرائيلية" الفلسطينية على أنه نجاح ينبغي التمهل في نتائجه النهائية، كونه تعبيراً عن فشل مخرجات التحالف الأوروأطلسي "الإسرائيلي" في المنطقة العربية، وينبغي الاستنتاج وببساطة متناهية بأن "إسرائيل" ستدفع فاتورة التحالف الصهيوأمريكي بقيمة عالية جداً لا يمكن أن يتحملها الكيان الصهيوني المتهالك .
إن النظام العربي سيكون مدعواً إلى المساهمة في تشكيلات النظام الدولي الجديد، وعليه ألا يتراجع في اتخاذ القرار المناسب في تشكيلات هذا النظام، لا سيما أن النظام الإقليمي العربي قد شهد تحولاً واضحاً في موازين القوى التقليدية قبل الحرب العالمية الأولى، وأفضى بالنتيجة إلى الانخراط في مؤسسات نظام دولي جديد كعصبة الأمم المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة فيما بعد .
كذلك نستطيع القول أيضاً إن القوة الاقتصادية العربية لابد أن تسهم بقدر كبير في تشكيلات النظام الدولي المقبل، لا سيما على المستوى الاقتصادي الذي يشهد تصاعداً كبيراً في مستوى التوازنات الدولية المقبلة، وهنا ينبغي أن يشار إلى النظام الاقتصادي العربي بوصفه نظاماً اقتصادياً متماسكاً يمكن أن يكون اقتصاداً فاعلاً في تشكيلات النظام الدولي المقبل، وبالتحديد اقتصادات دول الخليج العربي والعراق .
-------------------------
* نقلا عن دار الخليج، الثلاثاء، 15/4/2014.