تشكل الانتخابات الرئاسية المصرية القادمة، بحسبانها المرحلة الثانية والرئيسية من خريطة الطريق، المحدد الرئيسي لتوجيه مسار البلاد، وموجهاً رئيسياً في إعادة ضبط العلاقات المصرية- العربية، والعلاقات المصرية- الغربية. ونظرا للأهمية الكبيرة التي تشكلها عملية إجراء الانتخابات، خصوصا بعد ترشح المشير عبد الفتاح السيسي، عقدت لجنة العلوم السياسية بالمجلس الأعلى للثقافة ندوة بعنوان " الانتخابات الرئاسية القادمة"، شارك فيها كل من الدكتور إكرام بدر الدين ، مقرر اللجنة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتور عمرو هاشم ربيع، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، حيث أسهما في تقديم رؤية سياسية وقانونية حول الانتخابات الرئاسية القادمة والإشكاليات المثارة حولها، لاسيما تلك المتعلقة بقانون تنظيم الانتخابات الرئاسية، وذلك بحضور عدد من أعضاء لجنة العلوم السياسية إلى جانب نخبة من الأكاديميين والصحفيين والمحللين .
الوضع القانوني والسياسي:
تناول المتحدثون عددا من النقاط المهمة المتعلقة بالانتخابات الرئاسية والسياق العام المحيط بها، يأتي في مقدمتها الظاهرة الجديدة وغير المألوفة المتمثلة في عدم الاستقرار السياسي على مستوى مؤسسة رئاسة الجمهورية، وهو ما يتضح في سياق أحداث السنوات الثلاث الماضية، حيث تولى أكثر من شخص مسئولية إدارة البلاد في فترة وجيزة ، على عكس ما عهدته مؤسسة الرئاسة من فترات حكم طويلة ومستقرة .
الأمر الثاني يتعلق بإيفاء أهمية خاصة للانتخابات الرئاسية القادمة، نظرا لتعبيرها عن الاستحقاق الثاني في خريطة الطريق، خاصة عقب الإيفاء بالاستحقاق الأول المتمثل في تعديل الدستور .
أما الأمر الأخير، فقد ارتبط بالتحديات والظروف الصعبة التي تواجه مصر، وتحيط بعملية الانتخابات الرئاسية ، سواء علي المستوى الداخلي، من مشاكل تتعلق بالإرهاب والأمن والانقسامات السياسية، أو على المستوى الخارجي، بشقيه الإقليمي والدولي، من تحديات وضغوط تتعرض لها من أطراف عدة لها مصلحة في عدم حدوث هذا التطور الديمقراطي المرغوب فيه في مصر .
من جهة أخرى، ركز المتحدثون على الجانب القانوني ، مؤكدين أن الإطار القانوني المنظم لعملية الانتخابات الرئاسية القادمة، لاسيما قانون الانتخابات الرئاسية، وقانون 73 لسنة 56 الخاص بمباشرة الحقوق السياسية، جاء معبرا عن أكثر من تنظيم قانوني لهذه الانتخابات، علي نحو مغاير لما كان متوقعا، وهو أن تكون لدينا حزمة واحدة من قوانين العمل السياسي، تنظم هذه المسألة. ومن ثم، أدى ذلك إلى نوع من التضارب نتيجة التداخل والتكامل المخل أحيانا الذي أفضى إلى قدر كبير من العشوائية. فعلى سبيل المثال، اختلفت العقوبات الواردة بهذه القوانين بخصوص التهمة الواحدة ، ذلك أن تهمة إهانة القاضي، أو العبث بقاعدة البيانات لها عقوبات مختلفة في كلا القانونين.
قراءة دقيقة في قانون الانتخابات الرئيسية:
أشار المتحدثون إلى أن الدستور وفقا للمادة 142 يؤكد أن هناك طريقتين للترشح في الانتخابات الرئاسية، إما من خلال حصول المرشح على تأييد 20 عضوا من أعضاء المجلس التشريعي، أو من خلال حصول المرشح علي تأييد 25 ألف مواطن من 15 محافظة على الأقل بحد أدنى ألف مواطن من كل محافظة. ونظرا للوضع الحالي الذي تشهده البلاد في ظل غياب المجلس التشريعي، تصبح هناك طريقة واحدة فقط للترشح، هي نظام التأييد من المواطنين.
وقال المتحدثون إن الهدف الأساسي من قانون الانتخابات الرئاسية الذي صدق عليه الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور هو الاتجاه نحو استكمال الخطوة الثانية من خربطة المستقبل السياسي، من خلال وضع شروط الترشح لمنصب الرئاسة إلى جانب بعض الضوابط التنظيمية الأخرى. وأشار المتحدثون إلى أن القانون أتي بأمر جديد، ألا وهو شرط حصول المرشح على مؤهل عال ، وهذا الشرط لا يعد إخلالا بمبدأ المساواة، كما أشيع من قبل البعض، بل هو ضرورة نابعة من أهمية هذا المنصب . وأكد المتحدثون أن الفلسفة الأساسية التي يستند إليها هذا القانون جاءت مرتبطة بإجراء انتخابات رئاسية في ظروف خاصة تتصف بعدم الاستقرار، وبالتالي بضرورة إجراء انتخابات رئاسية سريعة من خلال محاولة تجاوز العقبات علي قدر الإمكان.
واتفق المتحدثون على أن أخطر مواد هذا القانون وأكثرها جدلا هي المادة السابعة الخاصة بتحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات، والتي تنص على أن" قرارات اللجنة نهائية ونافذة بذاتها، وغير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام أي جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ أو الإلغاء" ، إذ يصفونها بأنها الخطيئة الكبرى في هذا القانون وذلك لسببين رئيسيين، يرتبط الأول بوصف القانون للجنة بأنها تختص بإصدار قرارات، ولم يذكر أنها تصدر أحكاما، وبالتالي فهي ذات طابع إداري، وليست لجنة قضائية. والآخر يتمثل في كونها تتعارض مع المادة 97 من الدستور، التي تنص على أن "التقاضي حق مصون ومكفول للكافة مع حظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء". في هذا الشأن، أكد المتحدثون وجوب التفرقة بين إمكانية الطعن والتحصين ، لأن التحصين يختص فقط بالمرحلة النهائية الخاصة بإعلان النتيجة. أما الطعن، فيجوز تقديمه طوال الفترة السابقة لإعلان النتيجة العامة للانتخابات.
وتطرق المتحدثون إلى مسألة الدعاية والإعلام، إذ وضع القانون سقفا أعلى للدعاية الانتخابية تم تحديده بمبلغ 20 مليون جنيه. وفي حالة وجود جولة أخرى، يصبح 5 ملايين جنية كحد أقصي ، وذلك حتى لا يكون رأس المال هو العنصر الحاكم لنتائج الانتخابات. وأشاروا إلى إلزام القانون جميع وسائل الإعلام بالمساواة بين جميع المرشحين، ويقصد بذلك وسائل الإعلام المملوكة للدولة، ولم يأت على ذكر وسائل الإعلام الخاصة. كذلك، نوهوا إلى إغفال القانون نقطة مهمة كان يتوجب إضافتها إلى مواده، ألا وهي جنسية الأبناء، حيث لم يرد نص في الدستور أو قانون الانتخابات الرئاسية يتعلق بجنسية الأبناء. وفي هذا الصدد، فرق المتحدثون بين طريقتين لحصول الأبناء على جنسية دولة أجنبية، حيث رأى أن المرشح الذي يحصل أبناؤه على جنسية دولة أجنبية بعلم وموافقة السلطات المصرية يكون له حق الترشح للرئاسة. أما المرشح الذي يحصل أبناؤه علي جنسية دولة أجنبية بدون علم أو موافقة السلطات المصرية، فإنه ليس باستطاعته الترشح للرئاسة، إلا في حالة التنازل عن هذه الجنسية الأجنبية.
في ضوء تلك الإشكاليات المتعلقة بقانون الانتخابات الرئاسية، أكد المتحدثون وجود تخوف وتوجس لدى الكثيرين حول إمكانية إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وذلك لأن الشواهد حتى الآن تبدو مقلقة إلى الحد الذي قد دفع ببعض المرشحين المحتملين إلى العزوف عن المشاركة في هذه الانتخابات، خاصة في ظل تدخل مؤسسات الدولة لتأييد شخص بعينه. ومن ثم، رأى أن ضمانات النزاهة والشفافية في العملية الانتخابية سوف تمثل حجر الزاوية في هذه الانتخابات، إذ سينصب اهتمام كبير حول ما إذا كانت اللجنة العليا للانتخابات قادرة على تفعيل ما جاء في نصوص القانون بخصوص هذا الشأن أم لا ، وذلك من حيث حياد مؤسسات الدولة، وإصدار ميثاق شرف إعلامي، والمساواة بين جميع المواطنين.
السيناريوهات المحتملة للمشاركة في عملية التصويت:
ذكر المتحدثون عدة سيناريوهات متوقعة في الانتخابات الرئاسية القادمة، وهي:
- انخفاض عدد المرشحين في هذه الانتخابات ، حيث يتوقع أن يكون العدد ضئيلا بنسبة قد تصل إلى أقل من نصف مرشحي الانتخابات الرئاسية السابقة.
- ميل بعض الأحزاب إلى التكتل، وبالتالي ستقدم مرشحا واحدا بدلا من عدة مرشحين.
- عدم وجود مرشح عن جماعة الإخوان المسلمين، نظرا لكونها جماعة محظورة ، وبالتالي ستتجه إلى تأييد مرشح مدني معتنق لأفكارها وغير منتم لها تنظيميا، وهو ما أطلق عليه " مرشح سري للإخوان" . كما أنهم قد يلجئون إلى الضغط على أحد المرشحين المحتملين للانسحاب، أو الدفع بأشخاص آخرين للترشح.
إلى جانب ذلك، وضع المتحدثون محددين أساسيين كمعيار لنجاح أي مرشح رئاسي، تمثل الأول في شخص المرشح، ومدى تقبل الشعب له. أما الآخر، فقد تعلق بالبرنامج الانتخابي للمرشح، والكيفية التي يتعامل بها مع الأزمات الحالية، في إطار حلول مطروحة وفقا لخطط وتوقيتات زمنية محددة.
كذلك، أشاروا إلى حقيقة مؤداها أنه لا يوجد أي مرشح رئاسي إلا بعد فتح باب الترشح للرئاسة، وإيفاء المتقدم بجميع الشروط المطلوبة، وأن ما يوجد قبل ذلك هو إعلان نيات عن الترشح، وليس ترشحا رسميا. ومن ثم، يمكن وصفه بأنه مرشح محتمل للرئاسة، وليس مرشحا نهائيا.