تمخضت الانتخابات الأخيرة في الائتلاف السوري عن خروج عدد من ممثلي الاتجاه الديمقراطي من الهيئة السياسية للائتلاف، وهي الهيئة القيادية التي ينتظر أن تلعب دورا كبيرا في المرحلة المقبلة من عمر الائتلاف على نحو ما جرى التأكيد عليه في الاجتماعات الأخيرة.
وترك خروج بعض ممثلي الاتجاه الديمقراطي انطباعات متفاوتة في الوسط السوري، حيث نظر إليه بوصفه تراجعا للاتجاه الديمقراطي ودوره في الائتلاف، وتقدما للمختلفين مع هذا الاتجاه وزيادة لدورهم فيه بالمرحلة المقبلة، وهذا يعني أن الائتلاف أمام مرحلة جديدة، سيكون خلالها، وفي المرحلة التي تليها، حالة مختلفة عما كان عليه الوضع في الأشهر التسعة الماضية.
لقد اعتاد السوريون على قياس الربح والخسارة في العمل العام بمقدار عدد المقاعد التي يحتلونها في الحياة العامة وداخل مؤسساتها السياسية والاجتماعية، ورغم أن ذلك بين مؤشرات قياس القوة والضعف، فإنه ليس القياس الوحيد، بل إنه قد يكون قياسا شكليا ومخادعا بالمقارنة مع طرائق أخرى لقياس الحجم والنفوذ والدلالة عليهما عبر التعبيرات الأعمق على نحو ما تظهر في الأفكار والسياسات.
وانتقالا لرؤية الوضع في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، يمكن القول إن الائتلاف رغم كل ما فيه من مشكلات وإشكالات، فإنه شهد تطورا سياسيا وتنظيميا في المستويين الداخلي والخارجي منذ توسعة الائتلاف في صيف العام الماضي وزيادة عدد ممثلي التيار الديمقراطي فيه، وكان بين مؤشرات تطور الائتلاف حراك سياسي على المستويين الخارجي والداخلي، وسعي إلى تحسين الوضع التنظيمي بالتوجه نحو المأسسة وتعزيز العلاقة مع الجيش الحر وتشكيلاته، إضافة إلى ضم المجلس الوطني الكردي وتشكيل الحكومة المؤقتة.
ورغم أن هذه الخطوات عانت وتعاني من مشكلات وإشكالات، تجعلها غير مرضية، فإن التقدم فيها هو أحد طموحات الائتلاف للتقدم نحو مهماته الوطنية إزاء الشعب السوري والثورة السورية، وكلاهما بات بحاجة إلى إنجازات استثنائية وجبارة، وليس إلى خطوات بسيطة ومتواضعة، تصب في مسار على طريق، ينبغي السير فيه بسرعة كبرى نحو أهداف السوريين في السلام والحرية والعدالة والمساواة.
وترافق مع التقدم المحدود للائتلاف الوطني انقسام في صفوفه، اختلطت فيه الأسباب وتداخلت أشكال التعبير عنه، وهذه بعض أمراض المعارضة السورية، التي لم تتخلص منها رغم التحديات التي تواجه السوريين وسوريا، التي تفرض وحدة المعارضة أو توافق جماعاتها على النقاط الأساسية في الحد الأدنى، وقد دفعت ظروف الائتلاف الداخلية والخارجية إلى تقدم فكرة الخروج من الانقسامات إلى قائمة الأولويات في اهتمامات كثير من كتل وأعضاء الائتلاف على أعتاب الاجتماعات الأخيرة وانتخاب هيئة سياسية للائتلاف بوصفها فرصة لتوافقات وتقاربات داخلية، وبدا ذلك مطلبا لكثيرين ولو من زوايا مختلفة وربما متصارعة، مما جعل من النقاش في نبذ الانقسام وإقامة توافق أمرا صعبا وحساسا، ويحمل كل احتمالات تكريس الاختلافات، وربما الذهاب نحو التفجير.
إن يومين من النقاشات الصعبة وسط إرادة مقبولة في سويتها ومحتواها، أوصلا أغلبية كتل وأعضاء الائتلاف إلى توافق في معالجة الانقسام والذهاب إلى هيئة سياسية تمثل الأغلبية، سوف يناط بها (وبمشاركة الهيئة الرئاسية) استكمال فكرة التوافق التي تتجاوز ما تم القيام به إلى توافق أكبر يتصل بالبرنامج السياسي للائتلاف، وهو ما زال غائبا على أبواب عامين من عمره، وخلق بنية تنظيمية ومؤسسية قادرة على التجاوب مع الأهداف والغايات التي يسعى إليها الائتلاف، وإطلاق روح إيجابية تستطيع جعل الائتلاف قوة إنجاز عملي رغم الاختلافات والتباينات القائمة فيه.
لقد اعترى الخطوة الأولى من التقدم على طريق التوافق إشكالات ومشكلات، تم تجاوز معظمها، وبعضها خلف آثارا ينبغي معالجتها، لكن الأمر في النهاية يمكن اعتباره مؤشرات على طريق صحيح، ينبغي الذهاب فيه إلى نهاياته، فمصالح الشعب السوري الذي يصف الائتلاف نفسه بأنه ممثله، ومصلحة المعارضة التي يشكل الائتلاف قوتها الرئيسة، ومصلحة الائتلاف، تتطلب التقدم وبناء تشاركية وتوافقية تقود السوريين إلى أهدافهم.
إن المسار الذي بدأ مع التوافق على قائمة واحدة للهيئة السياسية للائتلاف منسجم مع جوهر الديمقراطية في الفكرة والممارسة، والمضي نحو استكمال مسيرة التشارك والتوافق داخل الائتلاف وفي عموم المعارضة، يمثل الأمر الأهم في مساعي الديمقراطيين السوريين الذين بادروا في بدايات العقد الماضي إلى محاولة إنهاض المجتمع ونخبته السياسية من أجل إحداث تغيير عميق في الحياة السورية، والخروج من مسار العيش تحت سلطة نظام الأسد. ولأن الأمر على هذا النحو من الأهمية، فإن خسارة مقاعد وأصوات في الهيئة السياسية، لا تعني خسارة للديمقراطيين الذي ربحوا روح توافق مع شركائهم في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، ووضعوا لبنة أولى في طريق نحو تقدم سوري علينا أن نتمم السير فيه إلى نهاياته المأمولة.
--------------------
* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية، الأحد، 13/4/2014.
رابط دائم: