عُرف السير ريتشارد فرانسيس برتون، المكلف من «الجمعية الجغرافية الملكية» بتقويم (ما قد نعتبره) «أخطار البلاد» في شتى مناطق الخليج العربي، بمقولته الشهيرة: «تعريف هذه المناطق صعب جداً، سياسياً وجغرافياً على حد سواء».
وفي حين ترك الكساد العالمي الكبير، و «الربيع العربي» الذي تلاه، تداعيات كبيرة في كثير من دول جنوب أوروبا، وشمال أفريقيا، والشرق الأوسط، وتسببا في تقلبات غير مسبوقة في مقاييس أخطار الدولة، تبدو دول مجلس التعاون الخليجي محصنة نسبياً، خصوصاً ضد التراجع الاقتصادي.
وفي الوقت الراهن، تناهز نسبة نمو إجمالي الناتج المحلي في دول مجلس التعاون 4 في المئة (مقارنة بمتوسط 1 في المئة في ما تبقى من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، مع الإشارة إلى أن المالية العامة سليمة عموماً في هذه الدول، وإلى أن أسعار العقارات في وسط دبي تزيد على مستوياتها السابقة للأزمة، إلى جانب نيل الحكومة القطرية حرية «تحويل» المشهد التاريخي في وسط مدينة لندن ببناء ناطحات سحاب.
ولكن إن تخطينا هذه المقاييس الشاملة المتفائلة، والبحوث حول الدورة الاقتصادية التي تبدو مستقرة ظاهرياً، يظهر عاملا خطر كبيران لا يمكن لمستثمري الشركات تحمل عقباتهما في حال تجاهلهما. الأول هو أن نمو إجمالي الناتج المحلي في السنوات الثلاث الماضية، في القسم الأكبر منه (ما يصل إلى 70 في المئة وفق بعض التقديرات) ينحصر في إنفاق على البنى التحتية، وفي استثمارات عقارية، تشمل طرقات سريعة، ومطارات وملاعب عملاقة، ومشاريع «إسكان اجتماعي» راقية، علماً أن إنجاز ذلك ما كان ليتسنى لولا استقرار سعر النفط عند مستويات عالية نسبياً (في حدود 100 دولار للبرميل)، عكس ما حصل في كل حقبات الركود السابقة منذ ثمانينات القرن العشرين (عند مطلع حرب الخليج الأولى). بَيد أن إبقاء مستويات سعرية مماثلة لن يكون ممكناً إلى الأبد.
ويواجه صناع السياسات في دول مجلس التعاون الخليجي خيارات صعبة، نظراً إلى ضرورة استغلال العائدات النفطية في شكل أساسي لتمويل البنى التحتية العامة، والمخصصات الاجتماعية. وإن تجاوزنا إيران وغيرها من التهديدات الخارجية، نرى عامل خطر ثانياً، ففي 5 آذار (مارس) 2014، أعلنت السعودية، والإمارات، والبحرين، سحب سفرائها من قطر، في خطوة ديبلوماسية تُعتبَر سابقة.
وفي حين تحبذ الرياض وأبو ظبي الاستقرار السياسي محلياً والاعتدال في الخارج، تروج الدوحة لمنحاها القائم على «التحول الاجتماعي» الجذري في أرجاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وفي أجزاء من القوقاز وأفريقيا جنوب الصحراء، يتميز الوضع الآن بصراع بين كبار منتجي النفط والغاز الطبيعي في العالم، ستكون تداعياته أعمق وستدوم لفترة أطول من «أزمة القرم» المبالغ في تقدير أهميتها.
-----------------------------
* نقلا عن الحياة اللندنية اللندنية، الخميس، 10/4/2014.
رابط دائم: