في ظرف وجيز احتل الاهتمام بإفريقيا مركز الصدارة. وبعد التئام القمة العربية – الإفريقية في الكويت استضافت بروكسيل طبعة جديدة في الحوار الإفريقي – الأوروبي. وقبل ذلك أبدت الإدارة الأميركية انشغالاً متزايداً بالتطورات التي تعرفها القارة السمراء، فيما نفذ المارد الصيني إلى الأدغال الإفريقية، يغزو الأسواق ويتمدد عبر خدمات اقتصادية وتجارية أقل كلفة.
الفرنسيون كانوا سباقين في الالتفات إلى مستعمراتهم القديمة. وأبقوا على القمة الإفريقية – الفرنسية والمنظومة الفرنكفونية إطاراً لصون الروابط الثقافية والتجارية، ثم انتبه باقي الشركاء الأوروبيين إلى أن المجال الحيوي البكر لاستنفاذ مخزون الأزمة الاقتصادية والمالية لن يكون بعيداً عن الساحة الإفريقية الواعدة. فقد استبدلت الحرب الباردة التي لم تخمد نهائياً بحرب مواقع النفوذ والتوازنات. وبدا الكل منشغلاً بما يتفاعل في الخط الإفريقي من أحداث. ليس أبعد أن شبح الإرهاب الذي قدم من الشرق الأدنى أوجد لنفسه مراتع في الساحل امتد نفوذها إلى نيجيريا وإفريقيا الوسطى، من دون إغفال الصومال ومعاقل التوترات العرقية والطائفية.
أوروبا تنظر إلى الحريق المتنامي عند حدود ضفتها الجنوبية، وفي الاعتبار أنه قادر على الامتداد أكثر، فالهجرة غير الشرعية وتهريب الأسلحة واستشراء الجريمة المنظمة، كلها عوامل ترجح فرضيات ذلك التمدد، بخاصة في ظل عدم تطويق تداعيات الانفلات الأمني في بلدان الشمال الإفريقي التي تأثرت بما يعرف بالربيع العربي. والأميركيون بدورهم واعون أن غياب الاستقرار بات مرادفاً للتهديدات الإرهابية العابرة للحدود، لذلك فإن وزير الخارجية الأميركي جون كيري ذهب إلى الجزائر والمغرب وفي جعبته مشروع الأمن الاستراتيجي الذي يمكن أن تضطلع فيه دول الشمال الإفريقي بدور حيوي. ولا يهم في غضون ذلك أن يترك لباريس والدول الأوروبية صوغ استراتيجيات مماثلة على مقاس تبادل وتوازن المصالح. فثمة أعداء جدد يطلون برؤوسهم من أدغال إفريقيا، ويتشكلون من اتساع هامش الفقر والأمية والنزاعات الطائفية والكوارث الطبيعية، والافتقار إلى مشروعات كبرى لتحقيق الدمج الإنمائي والديموقراطي.
لم تكن الدول العربية غائبة عن رصد تطورات الأوضاع في إفريقيا، فقد أدمجت دولاً إفريقية مثل السينغال والنيجر ومالي وغينيا كوناكري في منظومة مؤتمر العمل الإسلامي منذ عقود. وتماهت عواصم إفريقية منتجة للنفط مع قرار المقاطعة العربية بعد حرب تشرين 1973، فيما استحالت الساحة الإفريقية إلى حديقة خلفية لتداعيات الصراع العربي – الإسرائيلي. وبعد فتور عاد الحوار العربي – الإفريقي إلى الواجهة كأحد الخيارات الأساسية في صون النظام الإقليمي. ويعكس هذا التقاطع في الاهتمام بإفريقيا وعياً جديداً، حتمته تطورات الانكماش الاقتصادي على الصعيد الدولي. إذ ينظر إلى إفريقيا الصاعدة، في حالة امتلاك مقومات التأهيل الذاتي، ذي المقومات السياحية والاقتصادية والثقافية، أنها عنوان المستقبل.
بيد أن هذا الخيار الاستراتيجي لن يجد طريقه إلى التنفيذ، من دون اضطلاع بلدان الشمال الإفريقي إلى جانب مصر العميقة في انتمائها الإفريقي بأدوار محورية، كونها جزءاً من القارة ومن العالم العربي في آن واحد. ولعل المبادرة التي أقدمت عليها دول مجلس التعاون الخليجي بتوسيع الشراكة مع المغرب، تشكل منعطفا حاسما في هذا الانفتاح. فالأمر يتجاوز إبرام اتفاقات شراكة تجمع المشرق بالمغرب. وفي إمكانها أن تصبح أكثر مردودية في حال تعافي الاتحاد المغاربي وتوسيع مجالات التعاون لتشمل تنظيمات إقليمية أخرى مثل تجمع الساحل ودول غرب إفريقيا.
مسار التعاون والانفتاح متعدد الأطراف، ولا يعني الالتفات إلى إفريقيا في هذا الظرف تحديداً سوى أن العالم في صدد معاودة بناء ترتيبات وتحالفات جديدة. وليس أقرب إلى الأسرة الإفريقية جغرافياً وتاريخياً من العالم العربي الذي أقام معها علاقات انصهار حضاري، كانت تقتصر في الماضي على تجارة القوافل والإشعاع الديني والروحي، وفي إمكانها اليوم أن تعاود بناء روابط متينة، على مقاس العصر.
أصدقاء اليوم هم حلفاء الغد، وربما هاجس التوسم في أن أضلاع الحوار مع إفريقيا قد تستقر عند هرم ثلاثي محوره الحوار العربي – الإفريقي – الأوروبي الذي قد يصبح ضاغطاً في صيرورة التحولات العالمية.
-----------------------
* نقلا عن الحياة اللندنية، الأحد، 6/4/2014
رابط دائم: