الأردن ليس مجرد نظام حكم، وليس مجرد دولة عادية، وليس مجرد ممر للدولة الفلسطينية المحتملة، بل أكبر من ذلك بكثير، للأردن دور ومكانة ووظيفة سياسية محورية في قلب المنظومة العربية بكاملها، وتقاس قوة وفعالية الدور الأردني من خلال اعتبارات كثيرة، على رأسها دور نظام الحكم في العديد من القضايا وخصوصاً القضية الفلسطينية، وبحكم الحدود الطويلة بين الأردن وفلسطين المحتلة التي ستحكم علاقته مع الفلسطينيين كما الحال بالنسبة إلى منطقة نهر الأردن والأغوار التي لا يمكن تصور حل العقدة الأمنية في هذه المنطقة الاستراتيجية من دون دور أردني . وكون الأردن بموقعه الجغرافي منطقة عازلة بين "إسرائيل" وأطماعها شرقاً لذا لا يمكن تصور حل لقضية القدس من دون دور أردني بحكم الدور التاريخي والديني الذي لعبه في مدينة القدس، كما لا يمكن تصور حل لمشكلة اللاجئين من دون دور أردني بحكم تواجد عدد من اللاجئين على أرضه .
ولا أذهب بعيداً إذا قلت إن الأردن يقع في قلب القضية الفلسطينية، وفي قلب التحولات العربية التي نشهد بعض إرهاصاتها ومظاهرها الآن . ومن دون الأردن قد يصعب حل العديد من القضايا الرئيسية، وقد لا نتصور قيام الدولة الفلسطينية بلا تكامل مع الدور الأردني .
من منظور الدور الأردني هذا، أي دور الشريك والصانع لمخرجات العملية التفاوضية، لا بد للأردن أن يكون له موقف واضح ومحدد من المشاريع المطروحة للتسوية، أي أن يقوم بدور الشريك الذي تصب سياساته في المصلحة الفلسطينية العليا . ومما يزيد من أهمية الدور الأردني حاجة "إسرائيل" لهذا الدور للحفاظ على معاهدة السلام معه، ولإدراك "إسرائيل" أن هذه المعاهدة تلعب دوراً مهماً بالنسبة إلى أمن "إسرائيل" . وهو ما قد يفسر لنا الدور الأردني الذي يمكن أن يشكل ضغطاً على "إسرائيل"، ويخفف من الضغوط التي تمارس على المفاوض الفلسطيني . هذا الدور التكاملي للأردن يفترض وضع تصورات مشتركة للقضايا التفاوضية مثل القدس واللاجئين الحدود والأمن .
والأمر لا يقتصر على مثل هذه التصورات المشتركة، بل إن الدولة الفلسطينية لا يمكن لها أن تنفرد بمعالجة قضايا وتحديات ما بعد قيام الدولة، وعليه فالدور الأردني تفرضه حالة ما قبل الدولة الفلسطينية، وهي المرحلة التي تستوجب أن يكون الدور الأردني مباشراً وفاعلاً ودوراً لمرحلة ما بعد قيام الدولة الفلسطينية، التي تفرضها طبيعة التحديات، والحتمية الجغرافية والسكانية والأمنية والاقتصادية التي تربط بين الأردن وفلسطين، وهي المرحلة التي قد تذهب بالتنسيق المشترك إلى حد صياغة المشاريع التكاملية مثل الكونفيدرالية في كل المجالات التي تفرضها هذه الحتمية، والتي من شأنها أن تضع حلولاً مشتركة للعديد من المشكلات والتحديات . لا يمكن تصور حل مشكلة القدس أو اللاجئين حتى مع قيام الدولة الفلسطينية من دون الأردن، وبكل المعايير لن تستطيع السلطة الفلسطينية حلها بمفردها بحكم تداخل هذه القضايا والتحديات على المستوى الأردني والفلسطيني .
إن الموقف الأردني تحكمة أولاً المصلحة العليا الأردنية التي تتمثل في التمسك بقيام الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية، ورفض الاعتراف بيهودية "إسرائيل" كدولة، رغم أن علاقاته ب"إسرائيل" تحكمها معاهدة سلام، وبموجبها يوجد اعتراف متبادل، أما الاعتراف بيهودية "إسرائيل" فله دلالات سياسية خطرة على مستقبل مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الأردنية، ومفهوم الدور الشريك للأردن ينطلق أيضاً من التداعيات التي يمكن أن تترتب على أي اتفاق فلسطيني "إسرائيلي" . فطبيعة هذا الدور تستوجب أن يكون الأردن على علم بكل التصورات والحلول التي تطرح لحل مشكلات جوهرية مثل اللاجئين والقدس والحدود والأمن وحق العودة، وكلها للأردن مصلحة عليا طبيعة الحلول المقترحة فيها .
في هذا السياق يأتي الدور الأردني وعلاقاته بالمفاوضات الفلسطينية "الإسرائيلية"، فهو دور المشارك التكاملي في هذه العملية، وفي التصورات والحلول التي تطرح بما يدعم الموقف الفلسطيني، ولا يتعارض مع المصلحة العليا للأردن كدولة، وليس كوطن بديل ..
---------------------------
* نقلا عن دار الخليج، الثلاثاء، 18/3/2014.
رابط دائم: