لا جدال في أن من الحقوق السيادية لدولة قطر الشقيقة أن تستضيف من تشاء على أراضيها، وهي حقوق لا يستطيع عاقل رشيد أن ينازعها فيها، حتى لو تحولت أرض الأشقاء في قطر العزيزة إلى مأوى لمن لا مأوى له، أو اتخذت الجماعات والتنظيمات والعناصر المتطرفة والمحرضة على الفرقة والتعصب والفوضى منها وطناً. ولكن أن تتطاير شرور هذه العناصر والتنظيمات حتى تصل إلى دولة أخرى ورموزها وتمس سيادتها وتنال من كبريائها الوطني، فهذا ما نتصور، من باب حسن الظن، أن الأشقاء في قطر لا يرضونه ولا يقبلون به، ولو من أجل الحفاظ على تقاليد وأعراف طالما حكمت علاقات نحسب أنها أخوية تسود بيننا في دول الخليج العربية على مر التاريخ.
لا أتحدث هنا عن ممارسات إعلامية أو سياسية غائبة عن الأذهان، بل أقصد تحديداً خطاب التحريض والكراهية الصادر عن المواطن القطري/ المصري يوسف عبدالله القرضاوي، الذي لا يترك مناسبة إلا وزجَّ فيها باسم دولة الإمارات العربية المتحدة ورموزها متطاولاً وساعياً إلى الإساءة، وزاعماً أن دولتنا «تقف ضد كل حكم إسلامي وتسجن المتعاطفين معه»!!!
ترى هل فات القرضاوي أن دستور دولة الإمارات العربية المتحدة ينص على أن «الإسلام هو الدين الرسمي للاتحاد، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع فيه»، وبالتالي فمن الغرابة الادّعاء بأنها تقف ضد كل حكم إسلامي!! والأصح أنها تقف فعلاً وقولاً ضد أي جماعة تتاجر بالدين وتتخذ منه مطية لتحقيق أهدافها على حساب الشعوب ومصالح الدول. كما أن المسألة لا علاقة لها بالإسلام الذي هو أيضاً الدين الرسمي في دول شقيقة نعتز بعلاقاتنا التاريخية مع شعوبها وقياداتها، وأن الحكم القضائي الصادر بسجن عناصر انخرطت في مؤامرة ضد الدولة لا علاقة له بتعاطف هذه العناصر مع «نظام حكم إسلامي»، بل بالتآمر ضد مصلحة الوطن وتجاوز حدود الولاء والانتماء الوطني!
سأحاول هنا تفادي المهاترات التي يجيدها هذا الصنف من تجار الدين جيداً، ولن أمسك بقلمي لأحاول حصر دور دولة الإمارات العربية المتحدة في خدمة الإسلام والمسلمين وإغاثة الملهوفين والمحتاجين ورفع الظلم عن المظلومين، سواء لصعوبة مهمة حصر مفردات هذا الدور، أو لكونه معلوماً ومعروفاً بحيث يصبح اجتراره واستذكاره نوعاً من الاستطراد الذي لا يقدم ولا يؤخر في مقامنا هذا. وبقدر محاولتي التركيز على الاحتكام لمنطق الأمور وعدم الانجرار إلى فخ تبادل الشتائم والسباب، يبقى من حقنا، كمواطنين إماراتيين مسلمين، أن نطرح تساؤلات نعتقد أنها مشروعة على الأشقاء في دولة قطر.
لن أضيف جديداً لهؤلاء الأشقاء حين أشير إلى أن لعبة توظيف المعارضين والمارقين واستخدامهم في الضغط على الدول، في شرق العالم وغربه، باتت من الألعاب السياسية الممجوجة والفاشلة بعد أن انقلب السحر على الساحر في كثير من حالات ممارسة هذه اللعبة، سواء بالنسبة للإرهابيين الذين آوتهم دول أوروبية عدة لعقود وسنوات، أو لأنه لم يعد هناك ما يمكن إخفاؤه ولم يعد من السهل خداع الآخرين وتشكيل اتجاهاتهم وتغيير قناعاتهم من خلال مزاعم واهية وادعاء زائف باحتكار الحقيقة وحصرية الفكر.
أثق تماماً بأن الكثيرين يتعففون عن الرد على ما يتفوه به القرضاوي وغيره من خلال قناة «الجزيرة» بحق دولة الإمارات العربية المتحدة، وأثق أيضاً بأن الأشقاء في قطر يدركون تماماً أننا في دولة الإمارات العربية المتحدة قادرون على أن نمارس السلوك ذاته ضدهم عبر قنواتنا الفضائية وأدواتنا الإعلامية ووسائل وآليات أخرى عديدة هم يعلمونها، ولكننا نلتزم قول الله تعالى: «ومَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً».
أسئلتي التي أتصور أنها مشروعة للأشقاء في قطر عديدة، فما يشغل البال بشأن سياسة قطر المحيرة لا يكفيه مقال، ولكني سأكتفي بالإشارة إلى جزئيات بسيطة حفاظاً على ما تعهدت به وما أثق بصوابه، ومن هنا أقول: هل يتصور الأشقاء في قطر أن كيل السباب والشتائم لدولة الإمارات العربية المتحدة عن طريق الوكلاء هو الطريق القويم لتحقيق أهداف السياسة القطرية؟ ولماذا ضاقت السبل بالسياسة القطرية حتى باتت تتخيل أن مكانتها الاستراتيجية في الإقليم ومصالحها السيادية لابدّ أن تمر عبر بوابة تنظيم إرهابي خطّط وتآمر من أجل دفع أكبر الدولة العربية سكاناً إلى مربع الفوضى وعدم الاستقرار؟ ثم هل يتصور الأشقاء في دولة قطر أن التاريخ سيغفر لهم ترك الحبل على الغارب لدعاة الفتن والمؤامرات لنشرها عبر بوابة الدين تارة، وعبر ادعاء التدريب على ديمقراطية مزعومة تارة أخرى؟ وكيف تتحول الدوحة وفنادقها إلى أوكار لاختفاء قيادات تنظيمات إرهابية، ثم تتصور أن نار الفتن والمؤامرات لن تمسَّها، وأن الشرر سيتطاير باتجاه الخارج فقط؟ ثم، كيف يصدق أي عاقل رآك تأكل مع الذئب بكاءك على مصيبة الراعي؟!!
لم يعد هناك من يصدق أن ما يحدث من خراب وفوضى وانتهاك للحرمات في منطقتنا العربية هو مسيرة يانعة بريئة للبحث عن الحريات وحقوق الإنسان، ولم يعد هناك من يرى في التخريب والتفجيرات صراعاً للحق ضد الباطل، ولم يعد هناك من يؤمن بأن الكفاح من خلال فنادق فخمة هو السبيل لانتشال فقراء أمتنا من المعاناة، ولم يعد هناك من يجادل بأن أطفال سوريا المشردين في مخيمات متناثرة هم ضحايا لتجارة الدين والمصالح، ولم يعد هناك من يقول إن ما يسمى «اتحاد علماء المسلمين» الذي يتزعمه القرضاوي قد حقق للإسلام شيئاً يُذكر سوى المزيد من الفرقة ونشر الفتن والخرافات، ولم يعد هناك من لم يسمع بالثروات الطائلة التي جمعها القرضاوي وغيره من قادة الجماعات والتنظيمات الإرهابية من وراء فتاوى الدم وتجارة الحلال والحرام، ولم يعد هناك من لا يعرف الفارق بين خدمة الدين واستخدام الدين وبين حرية التعبير وحرية التشهير!!. هذه وغيرها تصورات عابرة لا أثق بأن هؤلاء سيتدبرون حروفها، فلم يعد القرضاوي وغيره يأبهون بمأساة الأرامل واليتامى وقتل الرجال وتخريب الأراضي، ولم يعد هؤلاء يرون سوى أهدافهم الضيقة، ولكني لا زلت أثق بحسن تدبير الأمور وتقدير المصالح وأن الحكمة لا يزال لها موطن في الدوحة عاصمة قطر الشقيقة ولؤلؤتها الجميلة.
اللهم إني أشهدك أننا بريئون من الخطب المشبوهة التي تزج بدينك الإسلامي الحنيف في صراعات المصالح والمناصب والسلطة واختطاف الدول والشعوب وتأجيج الخلافات.
---------------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الإثنين، 3/2/2014.
رابط دائم: