ظل الشرق الأوسط، على مدى تاريخه بأهميته الاستراتيجية المعروفة، مركزا لاهتمام القوي الكبري، منذ عصور الإمبراطوريات الأوروبية الاستعمارية التي تقاسمت واحتلت مناطق الشرق الأوسط في القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين، حتى ظهور الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كقوتين عظميين بديلتين عن بريطانيا وفرنسا، إبان أزمة السويس 1956، وتحول العلاقة بينهما من التحالف إلى الصراع الحاد أثناء الحرب الباردة، ووقوع دول الشرق الأوسط فريسة لهذا الصراع الذي لم يخفف منه نظريا سوى ظهور حركة عدم الانحياز.
وقد انتهت هذه الحقبة بانهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات من القرن العشرين، الذي أسهم في تفرد الولايات المتحدة بقمة النظام الدولي، وتأكيد هيمنتها العالمية في الشرق الأوسط، من خلال قيادة التحالف الدولي لتحرير الكويت 1990 - 1991، وغزو أفغانستان 2001، واحتلال العراق 2003، وغيرها من السياسات والمبادرات التي دشنت للحقبة الأمريكية إقليميا وعالميا علي مدي العقدين الفائتين ويزيد. وقد بدا الشرق الأوسط في حالة تحول منذ انطلاق ثورات الربيع العربي التي أربكت حسابات القوي الكبري في المنطقة، حيث تعاملت معها بقدر من التباين بين الاندهاش والارتباك، بين التحفظ والتردد، بين التأييد والمناوءة.
ولا شك في أن هذه التطورات قد أسهمت في حدوث حالة من التحول والتغير في بنية الشرق الأوسط بتفاعلاته وفاعليه، كما كشفت هذه التطورات عن حالة من التغير في سياسات القوي الكبري تجاه إقليم يتحول، سرعان ما بدت تلقي بتأثيراتها علي وتيرة الأحداث في الشرق الأوسط.
فقد شهد عام 2013 العديد من الأحداث المهمة في الشرق الأوسط ذات الدلالات المهمة بالنسبة لأدوار القوي الكبري وسياساتها في الإقليم.
الحدث الأول كان ثورة 30 يونيو في مصر التي كشفت عن مدي التباين في مواقف واشنطن والقاهرة، وأدت إلي حدوث تقارب بين موسكو والقاهرة، وإلي حدوث تباعد نسبي لسياسات دول الخليج العربي المؤيدة لمصر عن سياسات الحليفة، واشنطن.
أما الحدث الثاني، فهو التوصل لإتفاق نزع الأسلحة الكيميائية السورية، بعد استخدام هذا السلاح في غوطة دمشق الشرقية، وإعلان الولايات المتحدة عن عزمها استخدام القوة العسكرية تجاه نظام بشار الأسد الذي انتهك الخطوط الحمر -من وجهة نظر واشنطن- واستخدم السلاح الكيميائي ضد شعبه، ولكن ما لبثت أن تراجعت الولايات المتحدة عن هذه الخطوة بعد تدخل روسيا -إضافة لعوامل أخري- ونجاحها في نزع فتيل الحرب باقتراحها تجريد سوريا من سلاحها الكيميائي خلال فترة زمنية محددة، وانضمام سوريا لمنظمة منع انتشار الأسلحة الكيميائية، وصدور قرار من مجلس الأمن بذلكا وهو المجلس ذاته الذي فشل مرارا في استصدار قرار يدين النظام السوري بفعل الفيتو الروسي والصيني.
أما الحدث الثالث، فهو التوصل لاتفاق مبدئي ومرحلي بين الدول الغربية وإيران بخصوص برنامجها النووي، كنتيجة للمفاوضات التي جرت بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد، والذي يحدد تسوية سلمية لهذا الملف، وينهي عقودا من العداء بين إيران من ناحية، والدول الغربية -وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية-من ناحية أخري. ولا شك في أنه كان هناك قاسم مشترك بين هذين الحدثين الأخيرين، هو ظاهريا وجود توافق وتفاهم بين الولايات المتحدة وروسيا علي التوصل إلي تسوية ما لهذين الملفين (الكيميائي السوري، والنووي الإيراني). والحاصل من هذه الأحداث جميعها هو بروز الدور الروسي في تحقيق تسويات لقضايا شرق أوسطية مهمة، ما كان لروسيا أن تقوم بهذا الدور منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات، وتردي أحوال وريثته، خلال العقد الأخير من القرن العشرين، مقابل حدوث تراجع أو انسحاب أمريكي من قضايا المنطقة. فنحن إزاء قوتين، قوة كبري تسعي لاستعادة مكانتها العالمية وإيجاد موطئ قدم لها في المياه الدافئة، وقوة عظمي أرهقتها الالتزامات والتدخلات في قضايا الإقليم، وسعت إلي إعادة ترتيب أولوياتها، وتغيير وجهتها شرقا.
"السياسة الدولية" تفتح ملف القوي الكبري وأدوارها في إقليم الشرق الأوسط، حيث تناول ملحق "تحولات استراتيجية" في عدد أكتوبر 2013 تناقضات سياسة الولايات المتحدة تجاه متغيرات ما بعد الثورات العربية، وحدود تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، بينما يتناول ملف هذا العدد مؤشرات وملامح عودة القطب الروسي إلي قمة النظام الدولي، وهي العودة التي كشفت عنها الأحداث الإقليمية، لكنها لم تصنعها. فالدور الروسي العائد لم يظهر فجأة، لكنه نتيجة عمل شاق، وإرادة سياسية مؤمنة بقضيتها، فروسيا تعمل بهدوء وإصرار طيلة ما يقرب من ربع قرن منذ سقوط الاتحاد السوفيتي علي استعادة مكانتها العالمية، بحسبانها تاريخيا وريثة القوة العظمي لقرابة نحو نصف قرن، وذلك من خلال العمل علي بناء القوة الذاتية الروسية بشكل مستقل عن الدول الغربية. وقد نجحت روسيا في استعادة قدر كبير من قوتها وعافيتها الاقتصادية والعسكرية، معتمدة في ذلك علي مبيعات الصناعات العسكرية والطاقة اللتين مكناتها من تحقيق وفورات مالية، استطاعت من خلالها تسديد ديونها للمؤسسات المالية، وتحقيق استقلالها الاقتصادي، وتحقيق مرتبة متقدمة في التنمية البشرية علي المستوي العالمي، وذلك كله في إطار رسالة أخلاقية، قوامها الالتزام بالقانون الدولي، واحترام سيادة الدول، في إطار مبادئ وأهداف الامم المتحدة.
كما سعت روسيا لتحقيق التكافؤ النووي مع الولايات المتحدة، وعملت علي تأمين جوارها الإقليمي سياسيا، وعسكريا، واقتصاديا، ولديها استعداد لاستخدام القوة المسلحة ضد أي قوي خارجية تحاول العبث في أمنها القومي، كما حدث في جورجيا.
وقد حددت روسيا سياستها الخارجية من خلال "مبدأ بوتين" الذي ركز علي تطوير دور روسيا في عالم متعدد الأقطاب لا يخضع لهيمنة قوة عظمي واحدة، والعمل علي استعادة دورها في آسيا، وتقوية علاقاتها مع الصين، من خلال بناء مشاركة استراتيجية مؤسسية معها، في إطار منظمة شنغهاي. كما تسعي روسيا لتدعيم علاقاتها بالقوي الإقليمية، كالهند واليابان، والقوي الصاعدة، كالبرازيل وجنوب إفريقيا في تجمع بريكس، وللاضطلاع بدور أقوي في منطقة الشرق الأوسط، والتحول من سياسة الحياد السلبي إزاء قضايا المنطقة إلي سياسة المبادرات. تمثل ذلك في زيارة بوتين للشرق الأوسط في فبراير 2007، وبدا ذلك واضحا في عام 2013 في الأزمة السورية. فقد ساندت روسيا حليفتها، سوريا، من خلال تزويدها بالسلاح، ودعمها الدبلوماسي في مجلس الأمن بإسقاط كافة القرارات التي تدين سوريا، كما أنها نجحت في اختيار التوقيت الحرج بالنسبة لوشنطن، حيث تكشف لها أن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، في ورطة بإعلانه عن عزمه استخدام القوة العسكرية ضد سوريا لاستخدامها الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، في حين أن الأجواء الداخلية في الولايات المتحدة لم تكن مهيأة سياسيا واقتصاديا للتدخل العسكري في دولة شرق أوسطية، بعد تورطها من قبل في أفغانستان والعراق. وفي إطار سياستها للخروج من الشرق الأوسط، فكانت المبادرة الروسية بتجريد سوريا من الأسلحة الكيميائية بمثابة الحل السحري الذي أنقذ الحليف السوري من ضربة عسكرية قد تسقطه، وحفظ ماء وجه الرئيس الأمريكي باستبعاد الضربة العسكرية، وجعل الإدارة الأمريكية أميل للتوافق مع الرؤية الروسية القائمة علي الحل السلمي للأزمة السورية، من خلال مؤتمر جنيف-2 المزمع عقده في يناير 2014. كذلك، لعبت الدبلوماسية الروسية دورا مهما في التوصل للصفقة النووية بين الغرب وإيران، من خلال ممارسة ضغوط قوية علي نظام طهران، والمشاركة في فرض العقوبات الدولية عليه حتي استجابت في مفاوضات (5+1). كما أن روسيا تحسن الاستفادة من أخطاء الآخرين، حيث استطاعت توطيد علاقاتها بمصر، علي خلفية توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة إبان 30 يونيو، وقد تمت ترجمة ذلك في زيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين في 13 و14 نوفمبر 2013 -في سابقة لم تحدث من زمن بعيد- تفعيلا لاتفاقية التعاون التي تم توقيعها في عام 2009 أثناء زيارة بوتين للقاهرة وتزايد الحديث عن صفقة سلاح روسي للقاهرة تقدر بملياري دولار، وتفعيل التعاون في جميع المجالات، في حين تسعي مصر لتفعيل علاقاتها بروسيا، في إطار سياسة تنويع البدئل والخيارات التي أشار إليها السيد نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري، في حواره مع الأكاديميين الذي نظمته "السياسة الدولية"، بالتعاون مع وزارة الخارجية في 22 ديسمبر .2013
ويلاحظ أن روسيا تدير علاقاتها الخارجية في إطار سلمي قائم علي الحوار، والتعاون، والتفاهم، والمساواة، والتوافق بين كل الأطراف، دون أن تدخل في صراع حاد مع الولايات المتحدة والدول الغربية، فهي لا ترغب في ذلك، ولا تطمح إليه.
أما الولايات المتحدة فلا تزال هي القوة العظمي الأولي علي المستوي العالمي، لكنها تسعي إلي تجفيف منابع الصراع في الشرق الأوسط، ومحاولة إيجاد حلول سريعة وتاريخية للمشكلات المزمنة في الشرق الأوسط، مثل الاتفاق النووي الإيراني - الغربي، الذي ربما يكون أحد آثاره مستقبلا من منظور واشنطن (في حالة التوصل لاتفاق نهائي) منع إيران من إنتاج سلاح نووي، دون الدخول في حرب، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، عن طريق إسرائيل. إذ إن حدوث ذلك سيؤدي في الحالتين إلي حضور أمريكي قوي في الشرق الأوسط لسنوات طويلة تتحمل فيه واشنطن التكلفة الباهظة بشريا وماديا، وهذا ما لا ترغبه. كما تسعي إدارة أوباما، من خلال الجهود التي يبذلها جون كيري، وزير الخارجية، إلي محاولة التوصل لاتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يكون قائما علي حل الدولتين، كما أعلن أوباما في ولايته الأولي، إلا أنه أصبح أقل تفاؤلا. ولولا حماسة كيري، لأغلق أوباما هذا الملف دون التوصل لحل دائم. كما أن إدارة أوباما حريصة كل الحرص علي عدم التورط في النزاعات الداخلية في الدول العربية مثل تونس، والعراق، ولبنان، ومصر التي سببت التطورات فيها إرباكا للسياسة الأمريكية، عجزت فيه واشنطن عن فهم حقيقة ما يجري في مصر، مما أدي إلي حدوث توتر في العلاقات لبعض الوقت. الأكثر من ذلك أن الولايات المتحدة بدأت الانسحاب من ملفات كانت بالفعل قد تعاملت معها مثل الأزمة السورية، حيث رأت الولايات المتحدة أن هذه الأزمة لا تهدد مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، فضلا عن أن البديل لنظام بشار الأسد -في حال سقوطه- وقوع سوريا فريسة للتيارات الدينية المتشددة. لذا، امتنعت عن تزويد المعارضة السورية بالسلاح، وتوافقت مع روسيا علي التراجع عن توجيه ضربة عسكرية، مقابل نزع الأسلحة الكيميائية السورية، كما أنها غيرت من خطابها الرامي المتشدد تجاه النظام السوري، وعدم التمسك برحيل الأسد، وربما يتم التحضير لتوافق علي الحل السلمي للأرمة في جنيف-2. لكن الحقيقة أن الولايات المتحدة تسعي لتخفيف التزاماتها، والتخلص من أعبائها في الشرق الأوسط، وهناك أصوات تطالب بذلك في الداخل الأمريكي، وتري أن الولايات المتحدة تحملت أعباء باهظة في الشرق الأوسط دون جدوي. فلا يزال الرأي العام الغالب في الشرق الأوسط يحمل العداء والكراهية للأمريكيين. وتطرح الإدارة الأمريكية كاستراتيجية بديلة عن دورها في الشرق سياسة التوجه شرقا لتعزيز علاقاتها مع دول المحيط الهادي بهدف خلق شراكة استراتيجية في كافة المجالات مع هذه الدول، في وقت يتزايد فيه التهديد للهيمنة الأمريكية من القوي الآسيوية، وبالتحديد الصين. وقد أشار الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، من قبل إلي أن "الولايات المتحدة قوة باسيفيكية، كما عبرت عن هذا التوجه من قبل هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، في حديثها لإحدي المجلات العالمية بجملة لها، وهي: "قرن أمريكا الباسيفيكي".
أما الصين، فقد تنامي دورها في محيطها الآسيوي، وفي إفريقيا، والشرق الأوسط، من خلال دبلوماسية هادئة، اعتمادا علي قوتها الناعمة، وتجارتها العالمية. فالصين تسعي لكي تكون ثاني أكبر اقتصاد في العالم بحلول 2016، وتحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث معدل الإنفاق العسكري، الذي وصل في عام 2010 إلي 119 مليار دولار. وإذا كانت الولايات المتحدة تتجه شرقا إلي آسيا، فإن الصين تسعي لزيادة نفوذها، وتعميق علاقاتها في منطقة الشرق الأوسط، بحسبانها مصدرا رئيسيا للطاقة، وسوقا تجارية مهمة، وهي تشارك روسيا الرغبة في وجود نظام متعدد الأقطاب، وترفض الهيمنة الأمريكية، وتسعي مع روسيا أيضا إلي تعزيز التحالفات الدولية، مثل تجمع بريكس الذي يضم معهما البرازيل، والهند، وجنوب إفريقيا لتعزيز دورهما العالمي في مواجهة الأزمات. ومن هنا، كان التنسيق والتوافق بين روسيا والصين في قضايا الشرق الأوسط، خاصة الأزمة السورية.
ولا شك في أن كل مرحلة من مراحل تحول القوي الكبري تلقي بتأثيراتها علي الشرق الأوسط، ربما كان التأثير الأول هو فقدان المصداقية في سياسة الولايات المتحدة، مما يضر بمصالحها وشبكة تحالفاتها بالمنطقة، وليس أدل علي ذلك من حليفتها إسرائيل التي عارضت الاتفاق النووي بين إيران والغرب، ورأته بمثابة الخطأ التاريخي. كذلك الحال الموقف الخليجي الذي راهن كثيرا علي التدخل العسكري الأمريكي في سوريا، وإزاحة حكم بشار الأسد. بل إن القلق الخليجي يتزايد من التحديات التي يفرضها الدور الإيراني علي دول الخليج. وقد تلمست ذلك عن قرب من خلال المشاركة في العديد من الفاعليات الخليجية، كان أبرزها مشاركة في المؤتمر الاستراتيجي الخليجي، نظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة نهاية أكتوبر 2013. ولا شك في أن هذا القلق قد تعاظم بعد التوصل للاتفاق النووي حول البرنامج الإيراني، إذ ربما يسهم ذلك أيضا في طغيان النفوذ الإيراني إقليميا، علي خلفية التقارب مع الأمريكيين وربما التحالف معهم مستقبلا، في ضوء التحول الأمريكي.
كما أن التراجع الأمريكي عن الشرق الأوسط سوف يعطي فرصة تاريخية لمحور روسيا - الصين في التمدد في المنطقة العربية التي قد تنسج معهما علاقات استراتيجية، الأمر الذي قد يضر بدوائر النفوذ الأمريكي، ويصعب من عودة محتملة للدور الأمريكي في المنطقة، لأن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تتخلي كلية عن الشرق الأوسط، فهو مجال رئيسي لأمنها القومي، ومصالحها الاستراتيجية، لكنها تفضل مرحليا أن تكون الإدارة عن بعد، أو عبر حلفاء إقليميين، أو وكلاء دوليين، وربما تشرف بشكل مباشر علي ضمان أمن إسرائيل، وتأمين مصالحها في الخليج.
مجمل القول إن منطقة الشرق الأوسط تشهد تحولات غير مسبوقة علي مستوي أحداثها، وتفاعلاتها، وفاعليها الإقليميين والدوليين. فالقوي الكبري ظلت مؤثرة علي الدوام في مجمل التفاعلات الإقليمية، ومخرجاتها النهائية. ولكن تحولات هذه القوي الآن سوف تلقي بظلالها علي مستقبل الشرق الأوسط، وأطرافه الإقليمية والعربية التي تعتمد في وجودها علي هذه القوي. وهذه الأطراف سوف تكون مطالبة، معظم الوقت، بدفع فاتورة تحول القوي الكبري في الشرق الأوسط، مالم تراجع سياساتها واستراتيجياتها ورؤيتها نحو المستقبل.
مانديلا "ثائرا" و"عودة" مفكرا:
شهدت القارة الإفريقية في عام 2013رحيل عملاقين، أولهما المناضل الثوري، نيلسون مانديلا، الذي أفني حياته كلها مناضلا وسجينا من أجل تحرير وطنه، والقضاء علي ظاهرة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. وعندما وصل إلي قمة المجد بانتصار قضيته، بني وطنه علي قاعدة من التسامح، والعدل، والمساواة. أما العملاق الآخر، فهو الدكتور عبدالملك عودة، العالم والمفكر المصري، المؤسس الثاني لمجلة "السياسة الدولية"، رائد الدراسات الإفريقية في مصر والعالم العربي، والذي أفني حياته مناضلا أيضا، لكن في محراب العلم والبحث والفكر في قضايا القارة الإفريقية. ورغم أن الفارق بينهما كبير من حيث الشهرة والأضواء، فإن كليهما كان صاحب رسالة، وعاشقا لإفريقيا، ولذا فهما يستويان.