ليبيا.. الحديقة الخلفية للإخوان
31-12-2013

د. عبد الجليل الساعدي
*
مناجم ذهب، وكنوز مخبأة لم يمهل غرورُ العظمة القذافي لاكتشافها.. إنها بالفعل أرض الكنوز المخبأة، وأرض الذهب الأسود والأصفر معا.. الأرض الرحبة ذات السهول والوديان والصحاري المترامية والجبال السامقة والخيرات السانحة. لا تعاني هذه البقعة من الأرض اكتظاظا في السكان بل نقصا فيهم. أحد هذه الكنوز سيسلم حتما من أيدي الإخوان.. لن يفتحوه ولن يمسوه.. لن يستغلوه إلا في تصدير كنز الذهب الأسود.. إنه ساحل ليبيا الطويل على البحر المتوسط. سيتساوى الإخوان في هذا الشأن مع القذافي، الذي حرم ليبيا من هذا الكنز الثمين، إذ كان يرى أن فتح شواطئ ليبيا للسياحة، هو بمثابة فتحٍ لأبواب الجوسسة على مصاريعها. لذا فسيظل هذا الكنز على حاله حتى إشعار آخر.
كان كلام القذافي هذا قبل قدوم العم «غوغل»، الذي عرّى كل شيء، فكريا وسياسيا وأمنيا وجغرافيا. وأمد الجهلة بالمعرفة سواء أكانت صحيحة أم مضللة.
 
حُلُم الليبيين بدولة حديثة، كان قابَ قوسين من التحقق في أواخر عام 2011، لكن الليبيين فوّتوا على أنفسهم هذه الفرصة الذهبية، والتفتوا إلى أحقادهم القديمة، وعدّدوا ولاءاتهم للدخلاء، حتى أصبحت البلاد مرتعا لبعض الدول.
 
هذا البلد الذي ما زال يافعا يلتف حوله الآن لا أخطبوط واحد فحسب، بل تلتفّ حوله أخاطبُ من كل جانب. وإذا علمنا أن لكل أخطبوط ثلاثة قلوب، فماذا ستكون النتيجة؟ فهناك هاجس الجنوب الذي يأتي إليه كل من هبّ ودبّ من الأقاصي البعيدة، في دوامة انشغال الليبيين بعضهم ببعض، وإحيائهم ثاراتهم القديمة، وصراعهم على السلطة حول «السرايا الحمراء»، ومن يكون في قبضته مفتاح «المصرف المركزي» تحتها، ومن يتولى قيادة الجيش الغائب، ومن تكون في يديه وزارتا العدل والداخلية؟! من جانب آخر، هناك مناداة ليست كلامية فقط بخصوص الانفصالات الفيدرالية، بل ثمة إجراءات عملية، لا تنحو نحو الفيدرالية العادلة، ولكن المتطرفة للاستحواذ على نسبة كبيرة من النفط لجهة معينة. هناك أيضا في هذا البلد ما يقارب الـ150 جهاز مخابرات من كل أصقاع الدنيا، يسرح أفرادها ويمرحون ويفعلون ما يؤمرون.. بل إن مسؤولاً ليبياً أكد مرة أن «أغلب أجهزة مخابرات العالم لها عملاء في ليبيا».
 
قيل كلام كثير عمّا يجري في ليبيا، حتى قيل إن هناك طائرات تأتي بحمولات من مفاعلات نووية وترميها في صحاري ليبيا!
 
ولكن أعتى هذه الأخاطب التي تحلّ بليبيا الآن، هو تنظيم الإخوان المسلمين، التنظيم الذي غدا بين عشية وضحاها «عشائريا».. فمعروف عن تنظيم الإخوان أنه تنظيم أممي، لا يؤمن بحدود الدولة العصرية، ويعتمد فكرة الدولتين الأموية والعباسية، ويرى أن الدولة الإسلامية ليس لها حدود.
 
لكن الإخوان يناقضون أنفسهم الآن، فقد بدأوا يفتكون بين القبائل، ويؤلّبون واحدة على أخرى، لمزيد من الاستحواذ وفرض قبضتهم على البلاد. لذا تجدهم في ليبيا يدعمون منطقة معينة لتغليبها على بقية الليبيين.
 
في بلد مثل ليبيا يلتقي هذا الهدف تماما مع بعض القوى المعروفة الساعية إلى الفتنة والبلاء.. ففي ليبيا هناك جهات كثيرة تحشر أنفها في الشأن الليبي، إلا أن هناك جهتين خارجيتين تخططان للإخوان وترسمان لهم استراتيجية إقصائية ستجعل من ليبيا - إن نجحت - أرض المعارك الكبرى، وأرض الفتنة بين القبائل، وأرض الويلات التي لن تأكل القبائل فحسب، بل ستلتهم الإخوان المسلمين معهم.
 
إن تركيا دخلت بكل ثقلها في ليبيا، وألّبت جماعة الإخوان على غيرها من الجماعات. وهي تُغدق عليها الأموال والخبرات بغير حدود. وهذا وسّع الهوة بين الليبيين، وقوّى فئة دون أخرى.. بل وسيّد فئة واحدة على كل الفئات.
 
إن سعي حزب العدالة والتنمية التركي للهيمنة على ليبيا عن طريق الإخوان المسلمين، هدفه ضرب عصفورين بحجر واحد: العصفور الأول هو التمكين لجماعة الإخوان المسلمين، ليس في ليبيا فحسب، وإنما في دول الشمال الأفريقي العربية بأسرها. ويفعل الحزب هذا تمهيدا للهدف الأسمى الذي يتفق معه الأتاتوركيون أنفسهم والمتمثل في إحياء مجد تركي تليد، كان أحد الضباط الإنكشاريين قد أنشأه قبل 300 سنة ممثلا في الدولة القره مانلية التي أسسها عام 1711 أحمد القره مانلي. وبذلك تتمكن تركيا من استرداد أمجاد السلاطين القدامى في هذه المنطقة.
 
وما يفعله هذا الحزب من تمكين ودعم للأسر ذات الأصول التركية في طرابلس وغيرها من المدن المعروفة، واضح للعيان، وينصب في هذا الاتجاه.
 
إن من شأن هذا العمل الخطير الذي تقوم به تركيا، تدعمها في ذلك دولة معروفة، أن يؤلّب القبائل على بعضها، ويمكن لـ«العشيرة» الواحدة من الاستحواذ على العشائر كلها.
 
لقد تسلل الإخوان بهدوء إلى الحديقة الخلفية لمصر لتكون لهم قاعدة، لمحاولة الانقضاض على دول الجوار الواحدة تلو الأخرى.
 
ليس بمقدور المرء أن يقول إن هذه الدول غافلة عما يجري، ولكن هذه الدول غارقة في قضايا ومسائل أخرى، وفي مشاكل داخلية ربما تنسيها الشأن الليبي، الذي هو جزء جوهري من أمنها ينبغي أن تلتفت إليه، لأن إهماله له عواقب وخيمة على كل المنطقة.
 
تنظيم الإخوان المسلمين في طريقه الآن إلى الاستحواذ على نفط ليبيا. وإذا تمكن من ذلك، فإن هذا كفيل بأن يطلق له العنان ليفعل ما يشاء. فهذا المصدر الحيوي سيكون مخزونهم الاستراتيجي، وهو ما يوفر لهم المال اللازم لتنفيذ أجنداتهم ومشاريعهم المستقبلية.
 
إن الحد من نشاط الإخوان في مصر وحدها لا يكفي.. بل ينبغي أن يواكب ذلك وضع حدّ لهم في ليبيا أيضا. ووضع حدّ لليد التركية التي تعبث بليبيا في محاولة للاستحواذ على ثروتها وتجارتها، بدعم مكشوف لعملائها في هذا البلد، تساندها في هذا الاتجاه دولة أخرى معروفة.
 
لا يمكن التنبؤ بما سيؤول إليه الأمر في هذا البلد المنكوب، إذا تمكّن الإخوان المسلمون من السيطرة على كنوز ليبيا المخبأة..! كل ما يستطيع المرء أن يقوله هو أنه على العرب جميعا أن يتداركوا ليبيا قبل فوات الأوان. كما أن على الدول الغربية أيضا أن تسير في هذا الاتجاه.
 
--------------------
* نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية، الثلاثاء، 31/12/2013.

رابط دائم: