تأسس مجلس التعاون الخليجي في 25 مايو 1981، استشراقاً للمستقبل الذي سيواجه المنطقة، وإدراكاً لأهمية الوحدة الخليجية كخطوة إستراتيجية مصيرية وقوة ردع استباقي للحفاظ على البقاء إذا ما تم تطبيقها وفق مبادئ ذكية للاستدامة التنموية الأمنية والاقتصادية والتجارية والصناعية والعلمية والاجتماعية والثقافية والفكرية والروحية، وليس أمراً اختيارياً بين أبناء الشعب الخليجي الواحد، والذي يبلغ عددهم اليوم 47.0 مليون نسمة وناتج محلي يتعدى 1.60 تريليون دولار ومساحة تقدر 2410.7 ألف كم مربع، ونصيب للفرد من الناتج المحلي يقدر بـ 33.3 ألف دولار، مما يعني أننا متوحدون سنعيد توزيع موازين القوى في المنطقة والشرق الوسط ككل، ولكن ما يحدث على الساحة الشرق أوسطية في الوقت الراهن وما يدور حولها من تغيرات قد يكون قناعات جديدة تعكس واقع مواقف الأصدقاء والحلفاء والأعداء، في ظل تنافس مفتوح ومعلن من جميع القوى الكبرى المؤثرة في صراع يعتبر الأكثر تشابكاً وتعقيداً منذ نهاية الحرب الباردة، مما جعل المسار السياسي والدبلوماسي الخليجي يبدو لمراقب ومتابع الشأن الخليجي في حالة ارتباك وحيرة وبروز سيناريوهات تعيد دول المنطقة لسنوات الاستعمار والانتداب الأجنبي لما يدور حولهم من صفقات هم جزء منها، وليس له علم بها أو لا يسمح له بالمشاركة فيها للفوز بما يملكون هم من خلالها.
ومن جهة أخرى أرى أن أول خطوة يجب أن تقدم عليها دول الخليج العربي هو الاعتراف بأن هناك لا تزال معوقات كثيرة لقيام الاتحاد مع ضرورة وحتمية قيامه، وأن البراجماتية تسيطر على صناعة القرار السياسي حسب مصلحة كل دولة وما تراه مناسباً لها، وهناك تفاوتاً في النظم السياسية بين دول المجلس، ولم تتكمل بعد خطوات التكامل الاقتصادي، ولم تربط بالملف التنموي بالدول وبإصلاح البنية التحتية الأساسية لتتساوى الفرص ومعدلات النمو، دع عنك جانباً الخطوات المهمة لبناء اقتصاد المعرفة المتطور، فأكثر من 30 عاماً من مسيرة مجلس التعاون الخليجي حققت الكثير من الإنجازات وإتخذت خلالها قرارات عدة، منها ما تم تنفيذه، ومنها ما لا يزال قيد الدراسة وليس التنفيذ، وبالمقابل ليس هناك حدود لآمال الشعوب الخليجية والرغبة الشعبية في الوحدة وإشراكهم في تحديد مصير الاتحاد الكامل بين دول مجلس التعاون؟
فإن الاختلاف في وجهات النظر يجب أن لا يُفهم أو يُؤخذ على أنه خلاف، وأمن الخليج العربي يخظئ من يجزئه، ويظن أنه منفرداً أو مع حلفائه سيستطيع مواجهة التهديدات، التي تفرضها الطبيعة المتغيرة للنظم السياسية وعولمة وشرعنة الحق غير المشروع على الصراع على مصادر الطاقة في العالم، فقد تأسس مجلس التعاون الخليجي بعد الثورة الإسلامية الإيرانية لمجابهة التهديدات، التي قد تأتي من هناك، والتوسع القادم من الشرق كعقيدة ثابته لذلك النظام المذهبي، ويلقي الإطار العالم للدبلوماسية التطبيقية للنظام العالمي الجديد بإطلالة على منطقة الخليج العربي، فالبيت الخليجي يوجد بين أفراد الأسرة الواحدة فيه شيء من التباعد، ويحتاج للكثير من العقلانية والعدالة السياسية والسيادية ليصبح متوحداً في ظل تباين الرغبة في نوع التعاون والاتحاد المنشود بين دول الخليج العربي.
ومن جهة أخرى لا أعتقد أن أي دولة خليجية تريد التخلي عن حلم الوحدة الخليجية، ولكن البعض يستخدم ورقة الدبلوماسية الناعمة بين الشد واللين، لإسماع الآخرين وجهة نظره وموقفه من طبيعة الاتحاد الذي ينشده حيث لا خاسر فيه، ومصالح جميع الدول تتحقق على مراحل وفق خطة زمنية واقعية تعكس الواقع.
وعندما طرح الأشقاء في عُمان فكرة الجيش الخليجي الموحد عام 1988 وتسليم الجانب العُماني التصور الكامل من وجهة نظرهم لمشروع الجيش بعد سنتين من ذلك، والذي لم يقنع البعض، وبالتالي لم يُفعّل المشروع، مما جعل الأخوة في السلطنة، يتساءلون: لماذا لم تتم الموافقة على المقترح آن ذاك، ولماذا في هذا التوقيت بالذات، والرد على ذلك أن الجيش الخليجي الموحد بعيداً عن مقترح القيادة العسكرية الموحدة كجزء من قوات "درع الجزيرة"، هو المشروع الأكبر في تاريخ المنطقة العربية، ويتطلب تكاملاً شمولياً في منظومة الجيوش الخليجية وتوقعاً وتخطيطاً ذكياً جداً مبنياً على العلم والبحث العلمي لما هو قادم في الخمسين سنة المقبلة مع وحدة القيادة واتصالات ونظم وتسليح وتدريب مشترك وموحد وأمور كثيرة تشريعية وإجرائية وخططية وميزانية تشغيلية كبيرة على أن تكون القيادة المركزية بالتناوب بالطبع، دون تغليب المصلحة الشخصية والكبرياء السياسي، فلا توجد زعامة منفردة، وكذلك الحال إذا نظرنا لجميع الأمور الأخرى كالعملة الخليجية الموحدة والوحدة الاقتصادية والمالية ككل. فإن موقف بعض الدول الخليجية غير جديد وهو ثابت منذ بداية المجلس في الثمانيات من القرن الماضي، حول عدم الرغبة في المشاركة في اتحاد خليجي يجمع دول الخليج قبل اكتمال البنية التحتية لهذا الاتحاد ووجود على أرض الواقع ما يضمن عدم تضرر أي جانب من هذا الاتحاد، واحتمالية تأثر بعض الاقتصادات الخليجية أيَّما تأثر بعملة خليجية موحدة قبل اكتمال المنظومة الوحدوية من جميع النواحي، وألا يكون قرار ربط العملة الخليجية بالدولار قراراً سياسياً فقط، مما قد يضع العملة الخليجية في مهب الريح، لا سيما وأن "البترودولار" ليس فرس رهان للقرون المقبلة.
ونتساءل: أين هي الفجوة في تعاملنا مع ملف الوحدة الخليجية والقضية الإيرانية وملفها النووي والعداء المذهبي، الذي يحدد اتجاه السياسات العليا لحكومة الملالي، ودبلوماسية العزل التحالفي وشراء الوقت الإيرانية مع الدول الخليجية والعالم بأسره، فالفجوة الأولى تتمثل في الوقوع في مصيدة التقرب الفردي من إيران أو غيرها من القوى الإقليمية أو الدولية المؤثرة وأجندات خليجية مختلفة في التعامل مع ملفات حرجة تمثل لهم نفس الثقل والأهمية، والفجوة الثانية تكمن في عدم فتح خط حوار ونقاش مباشر مع الشعب الإيراني بأساليب عصرية حديثة باستخدام مثالي لسلاح الدبلوماسية الشعبية الخليجية وفتح قنوات متنوعة للحوار الرسمي والجمعي، فإيران كدولة وشعب ليست عدوتنا بل جار وصديق لم ولن يرى منا سوى أخلاقيات حسن الجوار، وأن كانت دائرة الخلاف مع النظام القائم هناك تتراوح بين العداء والاختلاف الشديد تتمحور في النخبة الحاكمة كتنظيم وأشخاص وممارسات استفزازية تصل لحد العنجهية السياسية.
فأوروبا شعوب لا تتحدث لغة واحدة وقوميات متعددة اتحدت لمواجهة النظام العالمي الجديد، وما أريد أن أذهب إليه هنا هو لماذا لا تنضم مصر والأردن واليمن والعراق لهذا الاتحاد، وحينها سيشكل الاتحاد، كتحالف سياسي واقتصادي، قوة عالمية وضمن أقوى أكبر عشر اقتصادات في العالم.
ولا أعتقد أنه يجب على أي دولة خليجية أن تعتقد أن مثلث التحالف مع إيران وأميركا هو الحل، فمن غير المعقول أن يبني المرء قصراً كبيراً ويحيطه بجدار شاهق الارتفاع وبابه مفتوح، فلِمَ لا يتأسس حلف عدم انحياز خليجي مع كلٍ من روسيا والصين، والهند وتركيا؟ فربما هو الخيار الذي سيجبر إيران عن التنازل عن طموحها التوسعي وتكوين جبهة ضغط من الداخل.
وفي المحصلة النهائية، أعتقد أن الاستفادة ستكون كبيرة من الاتحاد الكامل بين دول المنطقة، ولكن هناك ضريبة لابد وأن تدفع فمن سيتكفل بها؟ وضرراً سيقع على البعض، وتحديات ليس لها حلول سحرية فورية، بل تحتاج لوقت كافٍ والتعامل معها بنضج كبير، فانفتاح الأسواق سيخلق طبقات وسطى جديدة قد ترتبط أجنداتها بقوى خارجية أو تنظيمية يسارية أو يمينية إقصائية وبقوى أخرى تقليدية، والأعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة سيغرق الكثير منها في بحر الشركات، والاستثمارات الكبرى دون وجود آلية لضمان نمو تلك القطاعات، والسيطرة المحتملة من المافيات التجارية المختلفة على شبكات التوزيع والتموين، وسطوة تكتلات التحالفات الاقتصادية وتحول الخليج لطبقة نخبوية اقتصادية وأخرى غنية وأخرى عاملة وفقيرة، واختفاء الطبقة الوسطى في بعض الدول، مما قد يضر بالاقتصاد، ويسبب الغضب والسخط الشعبي، ناهيك عن حرية العمل والعيش والمعاملة بالمثل للخليجي في أي دولة خليجية، وما يتبعه من تغييرات ديموغرافية مذهبية والحراك الفكري والأيديولوجي المنظم ومرونة انتقال البنية التحتية للتطرف، وكلها عوامل ستؤثر حتماً على مخرجات المجتمعات في القرون القادمة، فمن يملك الإجابة عن جميع المخاوف والاحتمالات وحلول وخطط ناجعة لأنماط التحديات القائمة والمستقبلية؟ وهل يُعقل أن دول المجلس لا تملك مراكز تفكير خليجية موحدة ومنظومة إدارة مخاطر وتهديدات موحدة، فأين هي الاستراتيجية الخليجية للوصول لحلم الوحدة الخليجية؟ وهل هناك وجود لها؟ أم أن التخطيط الإستراتيجي، ليس جزءاً من الإرادة السياسية الوحدوية، ولا يزال المواطن الخليجي، يتساءل: ماذا قدم لي هذا المجلس، وكيف سيكون إضافة نوعية لحياتي كمواطن خليجي؟
-------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الثلاثاء، 17/12/2013.
رابط دائم: