آفاق بوصلة الصراع على الطاقة في العالم
10-12-2013

سالم سالمين النعيمي
* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.
طوال التاريخ، ومنذ القدم، والإنسان في صراع دائم للسيطرة على الموارد الأكثر حيوية، وذلك حسب طبيعة الحياة والحقبة الزمنية التي كانت تعيش فيها الشعوب وبالنسبة لمعظم الحضارات الإنسانية كان الماء والكلأ واليد العاملة الرخيصة وتوافر المواد الخام للصناعات التقليدية عبارة عن طاقة متجددة وخاصة من منتجات التمثيل الضوئي من المنتجات النباتية الرئيسية.
 
وبالتالي كان الدافع وراء الصراع الأبدي للاستيلاء على أرض العدو دائماً الرغبة في التحكم والسيطرة على الطرق التجارية وتأمين الحدود السياسية، وتوافر الموارد الطبيعية الحيوية لتلبية احتياجات السكان المحلية وتلبية الطموحات التوسعية ومحدودية أهم الموارد الخام وحتمية نفادها أو نقصها الحاد مع الاستقلال الأمثل لها لضمان بقاء الحضارات واستقلاليتها والحفاظ على نموها وعولمة نموذجها من خلال زيادة تحصيل وتخزين والمتاجرة في تلك الموارد مثل الأخشاب والمعادن والمحاصيل الغذائية وسط بيئة تعظم تلك الموارد من وجود لمصادر المياه وأرض صالحة للزراعة وموقع جغرافي مميز والقرب من نقاط الالتقاء الحضاري ويسر التنقل نسبياً بين الأماكن وتمهيد طرق تأمنها الحضارة الأقوى لضمان يسر تجارتها وإدارتها للمستعمرات المنتشرة حول المعمورة ولاحقاً أصبحت تلك الحضارات تعتمد على المراكز الصناعية والتجارية من أجل فرض السلطة وتعزيز النفوذ.
 
وقد بلغ الصراع على الطاقة آفاقاً جديدة في عصر النفط بسبب المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية، فكانت الحرب العالمية الأولى أول صراع عالمي على الطاقة للوصول إلى مناطق النفط الرئيسية عندما تم إعادة رسم الحدود السياسية من قبل المنتصرين كما حدث في حوض بحر قزوين، وخصوصاً «باكو»، مهد صناعة النفط العالمية وعندما استولى البلاشفة على أذربيجان، وبما في ذلك آبار النفط والمصانع وجهت صناعة النفط في الجمهورية بأكملها، فيما بعد نحو أغراض جهد الحرب العالمية الثانية من قبل الاتحاد السوفييتي سابقاً، فكان النفط محورياً في إستراتيجية تنفيذ الحرب العالمية الثانية.
 
ورداً على غزو اليابان للصين، قطعت الولايات المتحدة صادرات النفط إلى اليابان في يوليو 1941، وبالتالي كانت اليابان في حاجة ماسة إلى النفط، فغزت الجزر الإندونيسية الغنية، وساهمت هذه التوترات مباشرة في الهجوم على ميناء بيرل هاربر، ودخول الولايات المتحدة في الحرب.
 
كما أعلن هتلر الحرب على الاتحاد السوفييتي في عام 1941 لتأمين النفط لآلة حربه وأطلق عملية «بلاو»، كحملة تهدف إلى حماية حقول النفط النازية في رومانيا في حين تأمين أخرى جديدة في القوقاز. وللقيام بذلك، احتاج هتلر السيطرة على ستالينجراد، وكانت معركة ستالينجراد كواحدة من بين أكثر المعارك دموية في تاريخ البشرية، مع خسائر تقدر مجتمعة بما يفوق 1.5 مليون نسمة وصولاً إلى كل الحروب من الثمانينيات من القرن المنصرم ليومنا هذا في الشرق الأوسط للسيطرة على مصادر الطاقة المختلفة والممرات الحيوية والمناطق المجاورة لها.
 
ومن جهة أخرى، تخشى الكثير من شعوب العالم فقر الطاقة، ففي قارة غنية كأوروبا يخشى أن يتأثر ما بين 50 و 125مليون شخص بحلول ربيع فقر الطاقة في أوروبا وعلى الصعيد العالمي، لا يزال هناك ما يقارب 1.3 مليار شخص في جميع أنحاء العالم يعيشون دون الحصول على الكهرباء، ولا سيما في أفريقيا والهند وبنجلاديش وإندونيسيا وباكستان، وحوالي ملياري نسمة لديهم إمكانية وصول محدودة أو متقطعة إلى الطاقة الكهربائية، فمشكلة فقر الطاقة أصبحت حقيقة ملموسة، ففي مناطق متقدمة مثل إنجلترا و«ويلز» يموت حوالي 27,000 شخص سنوياً بسبب درجات الحرارة الباردة، وترجع 10 في المئة من هذه النسبة مباشرة إلى فقر توافر الطاقة وارتفاع تكاليف الطاقة، وفي بلغاريا 50 في المئة من المواطنين غير قادرين على الحفاظ على منازلهم الدافئة ومواجهة ارتفاع تكاليف الطاقة على نحو غير متناسب، مما يعني أن العديد من الأسر اضطرت إلى إنفاق أكثر من 50 في المئة من العائدات الشهرية لتغطية فواتير الطاقة.
 
وفي بولندا، من المتوقع أن تتضاعف النسبة 5 مرات لعدد الأشخاص المتضررين من الفقر في مجال الطاقة بحلول عام 2020، وهناك 5 ملايين أسرة في بريطانيا متأثرة من فقر الطاقة. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، شهدت دول الاتحاد الأوروبي تكاليف الطاقة المتصاعدة، ووضعت المزيد من الأسر ضمن مستوى الخطر من فقر مجال الطاقة، ونحن هنا نتحدث عن أوروبا، فلك أن تتصور كيف هو الحال في القارات الأخرى، ولعل هذه الأرقام توضح أكثر للقارئ: لماذا كل هذه الحروب والصراعات في العالم، وهل هي مبررة للبقاء والاستمرار أم مجرد محاولات لتوسيع النفوذ الإمبريالي فقط وحرب دين ضد دين، أو قيم حضارية ضد قيم حضارية منافسة دون النظر بصورة عميقة للصورة الأكبر لما يجري حولنا في العالم لفهم ميسر لأحد أهم عوامل صناعة الحروب والأزمات بصورة عامة وأهمية التركيز على التنمية في الداخل ونبذ الصراعات الجانبية، ووقف كل من يحاول إيقاف مسيرة النهوض بالأوطان في سباق مع الوقت، لا يوجد فيه لدينا وقت كاف للصراع على السلطة باسم الدين أو غيره من الأسباب.
 
وإنْ السؤال الأهم هنا، والذي يجب أن يجيب عليه العالم العربي، ويضع خطة مناسبة له وبالتحالف من أجله مع الحليف الأنسب له هو من هي القوة أو الحلف الذي سيهيمن على إمدادات الطاقة في العالم في النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين، ووضع رهاناتهم على التكنولوجيات التنافسية، للتنافس على مصادر الطاقة العالمية البديلة وأسواقها، والاحتياطات المناسبة للطاقة الخضراء الذكية لأن اقتناء إمدادات كافية من الطاقة للقرون القادمة بما يتناسب مع الثورة في معدلات التنمية الصاعدة بصورة غير مسبوقة هي مسألة أمن قومي مستقبلي لتلك الدول، ولذلك يجب أن يقابل كل وزارة طاقة في تلك الدول وزارة لمصادر الطاقة المستقبلية تخطط وتعمل لما هو قادم في القرون القادمة.
 
فالانكماش في توافر النفط، سيشعر به بصورة ملفته للأنظار في عام 2041، مع التوسع الحالي الكبير في الطلب على احتياجات الطاقة في العالم، وبحلول عام 2035، سيتمكن الغاز الطبيعي من تجاوز النفط بصفته الوقود رقم 1 في العديد من دول العالم، ولذلك تجد استخدامات الطاقة النووية السلمية، هي الخيار الإستراتيجي البديل في الكثير من دول العالم المتقدمة بالإضافة إلى الرياح والطاقة الشمسية، والتي سيعتمد عليها العالم بنسبة أكبر بعد ثلاثين عاماً من الآن، وبإجمالي استهلاك للطاقة قد يصل إلى 4 في المئة.
 
وستكون مسألة الطاقة في كل المؤتمرات العالمية في مقدمة أجندات النقاش بعد أن يتضح للعالم أجمع ورجل الشارع البسيط أن الشرق الأوسط كان آخر مقبرة للدبلوماسية التقليدية وللسياسات الخارجية اللاأخلاقية للقوى العظمى، وسيدرك الجميع ما هي الأسباب الحقيقية، التي تقف وراء النغمات النبيلة التي تدعو إلى الديمقراطية بثوبها الغربي والتعددية السياسية، وكرامة وحقوق الإنسان، بعد أن يزاح اللثام عن وجه السياسة المتسخ ببقع النفط والغاز في القرن الواحد والعشرين والمعايير المزدوجة وارتفاع المصالح الأنانية للدول فوق القيم الإنسانية المعلنة والكيل بمكيالين والنفاق المتراكم في صناع السياسة الموجه وفقاً، لبوصلة المصالح القومية للأمم وأهمية ودور الشركات متعددة الجنسيات في النظام الاقتصادي والسياسي العالمي الجديد ومكانة الشرق الأوسط، وما يجاوره من مناطق كمحور لذلك الصراع الأبدي على الثروات المادية والروحية، دون أن نجهل المناطق التي تعد احتياطي الصراع المستقبلي على الطاقة وأرض الحروب القادمة على موارد الطاقة كقارة أفريقيا ومنطقة حوض بحر قزوين.
 
---------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الثلاثاء، 10/12/2013

رابط دائم: