23 نوفمبر 2013
شهدت الكويت على مدار يومين "19-20 نوفمبر"، أعمال القمة العربية الإفريقية الثالثة التي عُقدت تحت شعار "شركاء في التنمية والاستثمار على غرار الشراكة الإفريقية الأوروبية". وقد اتسمت هذه القمة هذه المرة بغياب بعض القادة الذين أطاحت بهم ثورات الربيع العربي في كل من مصر وليبيا وتونس، لا سيما أن القمة الثانية استضافها القذافي في سرت "أكتوبر 2010". على أية حال؛ فإن هذه القمة تطرح عدة تساؤلات خاصة بالمسيرة التاريخية للعلاقات من ناحية، وأبرز التحديات التي واجهتها من ناحية ثانية، ثم مستقبل هذه العلاقات في ضوء القمة الأخيرة.
ماهية العلاقات العربية – الأفريقية؟
يُقصد بهذا الاصطلاح في الأدبيات السياسية العلاقة بين الدول العربية الأعضاء في الجامعة العربية بشقيها الإفريقي والأسيوي مع الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الإفريقية، ومن بعدها الاتحاد الإفريقي، ومعنى ذلك أن الحديث لا ينصرف إلى العلاقة بين الدول العشر العربية ذات العضوية المزدوجة في المنظمتين، والدول الإفريقية؛ لأن ذلك يدخل في إطار العلاقات الإفريقية-الإفريقية التي تبحث في إطار المنظمة الإفريقية، بل إن الاستعمار كان حريصًا على تقسيم القارة السمراء بين دول الشمال العربي من ناحية، والدول الإفريقية جنوب الصحراء من ناحية ثانية.
لذا فإن هذا التقسيم يعمد إلى التمييز واثارة النعرات بين أبناء القارة الواحدة، وبالتالي فإن هذه العلاقات تشير إلى العلاقات بين الدول الإفريقية بشقيها الشمالي العربي والجنوبي الزنجي"مجازا" من ناحية، والدول العربية الأسيوية من ناحية ثانية.
مراحل تطور العلاقات العربية- الأفريقية
لقد كانت حرب أكتوبر عام 1973 نقطة هامة في تدشين التعاون العربي الإفريقي، خاصة بعد قيام معظم الدول الإفريقية بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، لذا قررت القمة العربية السادسة في الجزائر التي عُقدت بعد الحرب بشهر واحد تفويض الأمين العام للجامعة الاتصال بنظيره الإفريقي لمناقشة تعزيز التعاون العربي الإفريقي، وأعقب ذلك سلسلة من المشاورات بين المنظمتين العربية والإفريقية، تمخض عنها عقد مؤتمر القمة العربي-الإفريقي الأول بالقاهرة عام 1977 بمشاركة أكثر من 60 دولة.
وكأي مؤتمر قمة صدر عنه برنامج عمل شامل يحدد الأهداف والمبادئ التي يقوم عليها التعاون الجديد، فضلا عن الآليات التي سيتم من خلالها تنفيذ هذه الأهداف، والهيكل التنظيمي المنوط به عملية التنفيذ، والذي يأتي في مقدمته مؤتمرات القمة التي يشارك فيها قادة كافة الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية (22 دولة، من بينها 10 دول عربية إفريقية) والدول الأعضاء في منظمة الوحدة الإفريقية (53 دولة)، ويعد الجهاز الأعلى، ويجتمع مرة كل ثلاث سنوات. ثم المجلس الوزاري العربي-الإفريقي، ويتكون من وزراء خارجية الدول العربية والإفريقية، ويجتمع مرة كل 18 شهرًا، وتم تعديل المدة بعد ذلك لتصبح 12 شهرًا، ويُشرف على عمل اللجنة الدائمة للتعاون العربي الإفريقي، ثم اللجنة الدائمة، والتي تعد بحكم اختصاصاتها القلب المنظم للتعاون العربي الإفريقي، وتتكون من 24 وزيرًا (12 عن كل جانب)، ويتم اختيارهم من قبل الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية آنذاك، ويتم رئاستها بالتناوب، وتعقد اجتماعاتها مرة كل ستة أشهر.
وبالرغم من أن هذا الهيكل كان يمكن أن يكون نواة لتفعيل التعاون بين الجانبين؛ إلا أن الاعتبارات السياسية كان لها دور كبير في إصابته بالشلل التام، أو بمعنى آخر جعلته حبرًا على ورق، فقد برزت منذ ثمانينيات القرن الماضي مجموعة من السلبيات، أبرزها أزمة عدم الثقة بين الجانبين، فعلى سبيل المثال اتهم الأفارقة العربَ بمحاولة تصدير خلافاتهم إلى الاجتماعات العربية-الإفريقية، أو حتى الاجتماعات الإفريقية-الإفريقية، مثل قضية الصراع العربي-الإسرائيلي، وحرب الخليج الأولى والثانية.
وفي المقابل يلاحَظ أن العرب أخذوا ينظرون إلى الأفارقة على أنهم يبتزونهم ماليًّا، فضلا عن وجود علاقات قوية بينهم وبين إسرائيل. كما ساهم توقيع مصر على معاهدة السلام، وما تلاه من قطيعة عربية لها، مقابل إعادة تطبيع إفريقي للعلاقات مع إسرائيل، فضلا عن إحساس الأفارقة باستغناء العرب عنهم بعد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991؛ في تراجع العلاقات العربية الإفريقية لصالح العلاقات مع الغرب والدول الاستعمارية السابقة من ناحية، وإسرائيل من ناحية ثانية.
أسباب ضعف التعاون
إذا حاولنا البحث في أسباب ضآلة التعاون العربي-الإفريقي، فسنجد أن ذلك يعود إلى أسباب كثيرة، منها:
1- أن فكرة التعاون -كما سبق القول- ارتبطت بظرف سياسي معين، وهو الخاص بالدعم الإفريقي للجانب العربي عقب حرب أكتوبر، ثم انهار هذا الظرف مع إعادة تطبيع الدول الإفريقية لعلاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وفي المقابل فإن الدول العربية كانت تدعم حركات التحرر الوطني في جنوب إفريقيا، وناميييا، وبعد حصول هذه الحركات على التحرر، لم يعد هناك مبرر لدعم الأفارقة.
2- يرتبط بالنقطة السابقة ضآلة حجم المعونات العربية للجانب الإفريقي؛ إذ إن الدول العربية -خاصة النفطية- شعرت أنها تدفع بدون مقابل، أو بدون استفادة حقيقية من الدول الإفريقية التي تنتج بدورها منتجات خاما لا تستفيد منها الدول النفطية نظرًا لتخلف الصناعة بها، بل تذهب هذه المواد الأولية إلى الدول الاستعمارية السابقة، ومن ثم تراجع الحماس العربي في هذا الشأن، بل إن الدول العربية -كما برز في قمة عمان العربية 2001- ارتأت أن يتم تقديم المعونات إلى الدول العربية الإفريقية التي هي أساسًا عضو في الجامعة العربية، كما ارتأت أيضًا -كما ظهر في البيان الختامي لقمة بيروت 2002- أهمية التركيز على تحقيق التكامل العربي من أجل الوصول إلى إقامة المنطقة العربية الكبرى للتجارة الحرة.
وفي المقابل ارتأت الدول الإفريقية -بدورها- أن حجم المساعدات العربية لم يساهم في تحقيق دفعة حقيقية لاقتصادياتها، ومن ثم اضطرت للارتماء في أحضان الدول المستعمرة، كما فكرت هذه الدول في الاعتماد على الذات من خلال إقامة التجمعات الاقتصادية الإقليمية كالكوميسا، والسادك، والإيكواس، والساحل والصحراء، وغيرها.
3- لا ينبغي أن نغفل في هذا الإطار دور العامل الدولي، والظروف والمتغيرات التي طرأت على البيئة الدولية، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة، ومن ثم تراجع المنظمات التي كانت تشكل بوتقة واحدة للجانبين العربي والإفريقي كحركة عدم الانحياز، وفي المقابل فإن نهاية هذه الحرب جعلت الفرصة سانحة للدول الغربية لكي تفرض سيطرتها على الدول الإفريقية.
4- الربيع العربي الذي شهدته العديد من الدول العربية الإفريقية "مصر، وليبيا، وتونس" والتي كان يفترض أن تلعب دورًا فاعلا في إطار توطيد هذه العلاقات، لا سيما ليبيا القذافي الذي استضافت بلاده القمة الثانية للتعاون العربي الإفريقي في العاشر من أكتوبر 2010، أي قبل أربعة أشهر تقريبًا من كل من الثورتين المصرية والليبية، وهو ما قد يجعل هذه الدول تهتم بالشأن الداخلي أولا، ومن ثم التراجع المؤقت عن دعم هذا التعاون، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في قمة سرت، لا سيما ما يتعلق بالاستراتيجية العربية الإفريقية المشتركة 2011-2016.
لكن يبدو أن الدول العربية والإفريقية شعرت بأهمية التقارب بينها، والذي لا يغني عن تعاونها مع الغرب، أو حتى دول الشرق الصاعدة "الصين، إيران، ماليزيا، وغيرها"، لذا كانت حريصة على محاولة التغلب على العقبات التي ربما تحول بينها وبين زيادة حجم التنمية والاستثمار، باعتبار المدخل الاقتصادي التنموي هو الأساس بعدما فشل المدخل السياسي، أو أن آثاره كانت محدودة، ومن هنا جاءت قمة الكويت الثالثة تحت شعار: شركاء في التنمية والاستثمار.
تداعيات القمة على مستقبل العلاقات
لقد تمحورت توصيات القمة في التوصيات الاقتصادية بالأساس، إلا أنها لم تغفل الأبعاد السياسية والأمنية على اعتبار الترابط العضوي بين هذه الأبعاد الثلاثة.
وبالنسبة للجوانب الاقتصادية، فقد ركز البيان الختامي على قضايا التمويل، وتفعيل المؤسسات المشتركة، مع التأكيد على أهمية دور القطاع الخاص في عملية التنمية، وأهمية التنسيق في المحافل الدولية ذات الطابع الاقتصادي بالأساس.
وفي هذا الإطار أكدت القمة على عدة أمور أبرزها ما يلي:
1- التأكيد على أهمیة استراتیجیة الشراكة الإفریقیة-العربیة وخطة العمل المشتركة 2010-2016 التي اعتمدت خلال قمة سرت الثانیة في لیبیا 2010.
2- الترحيب بقرار القمة العربیة التنمویة الاقتصادیة والاجتماعیة الثالثة التي عقدت في الریاض في ینایر الماضي، والقاضي بزیادة رأسمال المؤسسات المالیة العربیة بنسبة 50% بما في ذلك المصرف العربي للتنمیة الاقتصادیة في إفریقیا، مع الترحيب بالدعم الذي قدمه الصندوق العربي للمساعدة الفنیة للبلدان الإفریقیة إلى المفوضیة الإفريقية ومختلف مكاتبها الإقلیمیة مثل مشروع بحث وتطویر الحبوب الغذائیة في المناطق شبه القاحلة (سافجراد).
3- تنسیق المواقف في المفاوضات متعددة الأطراف حول التجارة، والعمل معًا من أجل تحقیق نتائج متوازنة من خلال المؤتمر الوزاري التاسع لمنظمة التجارة العالمیة المقرر عقده بمدينة بالي الإندونیسیة الشهر القادم.
4- تعزیز المنتدى الاقتصادي الإفریقي-العربي لتعزیز دور ومشاركة القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني في الإقلیمین في عملیة الشراكة؛ مع التأكيد على أهمية دور القطاع الخاص في عملية التجارة والتنمية والاستثمار.
5- التركيز على البنية التحتية باعتبارها أساس الاستثمار والتنمية.
6- تعزیز قدرات مفوضیة الاتحاد الإفریقي، والأمانة العامة لجامعة الدول العربیة، وتزویدهما بجمیع الوسائل الضروریة، بما في ذلك الدعم المالي والفني، لتمكینهما من تنفیذ استراتیجیة الشراكة الإفریقیة العربیة، وخطة العمل 2010-2016، وكذلك إعلان الكویت بفعالیة.
7- ترشید إقامة المؤسسات الإفریقیة العربیة المشتركة لتجنب الازدواجیة في الجهود والأعباء المالیة على المنظمتین المعنیتین بالتنسیق، وتكلیف لجنة الشراكة الإفریقیة العربیة باتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الصدد.
ويتضح من البيان الختامي عدة أمور من المتوقع أن تساهم في تطوير العلاقات العربية الأفريقية :
1- وجود استراتيجية اقتصادية تسعى القمة إلى تحقيقها هي الاستراتيجية التي أقرتها قمة سرت 2010-2016، وإن كان الذي تحقق منها في النصف الأول ضئيل حتى هذه اللحظة بسبب أحداث الربيع العربي بالأساس.
2- وجود حالة من الرغبة السياسية في تفعيل التعاون، وإن افتقد الأمر إلى نتائج ملموسة على صعيد التنفيذ الفعلي، خاصة فيما يتعلق بعملية التمويل؛ حيث تم الاكتفاء بزيادة تمويل المؤسسات العربية في قمة الرياض، لكن لم تتحدث قمة الكويت عن خطط تمويل محددة، والاكتفاء بمناشدة الدول بتفعيل الآلية العربية والإفريقية في هذا الشأن.
3- وعلى عكس النقطة السابقة، نجد أن دولة مثل الكويت كانت أكثر تحديدًا في الإطار المالي؛ حيث أعلنت عن تقدیمها قروضًا میسرة للدول الإفریقیة بمبلغ ملیار دولار أمریكي على مدى السنوات الخمس القادمة، وكذلك استثمار وضمان الاستثمار بمبلغ ملیار دولار أمریكي خلال السنوات القادمة في الدول الإفریقیة، مع التركیز على البنیة التحتیة، وذلك بالتعاون والتنسیق مع البنك الدولي والمؤسسات الدولیة الأخرى.
4- تركيز المؤسسات وعدم الاهتمام بالجانب الكمي الذي يؤثر على الجانب الكيفي.
5- تأثر القمة بقرارات المنتدى الاقتصادي الذي عقد قبلها بعدة أيام، وهي فكرة جيدة تشير إلى أهمية التكامل في الرؤى بين الجانب الرسمي والجانب غير الرسمي، وبين المستويين الحكومي والخاص.
6- عدم الانخراط في القضايا السياسية التي ربما تأتي على حساب الاعتبارات الاقتصادية، والاكتفاء فقط بالقضايا السياسية التي ربما قد يكون لها تأثير سلبي على العلاقات، مثل: قضايا الهجرة غير الشرعية، مع التأكيد على أهمية التنسيق السياسي في كل المحافل، وإن تم التركيز بصفة خاصة على القضية الفلسطينية، باعتبارها كانت الأساس لبروز هذا التعاون وخروجه إلى حيز النور.
وعلى أية حال فإن هذه القمة وما تمخض عنها من قرارات قد تدفع إلى التفاؤل النسبي الذي سيظل مرهونًا بمدى صمود الإرادة السياسية للدول الأعضاء من ناحية، وموقف الدول الكبرى وإسرائيل منه هذا التعاون من ناحية ثانية.