8 أكتوبر 2013
تفادى نظام بشار الأسد ضربة عسكرية كادت توجه إليه، على خلفية استخدام السلاح الكيميائي في ريف دمشق في 21 أغسطس 2013، وذلك بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين موسكو وواشنطن في 14 سبتمبر 2013 في جنيف، والذي يتعين بموجبه على نظام الأسد الكشف عن مخزوناته من الأسلحة الكيميائية في غضون أسبوع من ذلك التاريخ، وتدمير كل معدات إنتاجها قبل نوفمبر، وإزالة كل الأسلحة الكيميائية من البلاد، وتدميرها قبل منتصف عام 2014.
ولكن بالرغم من إعلان دمشق قبول الاتفاق، فإن ذلك لم يحل دون استمرار المحاولات داخل مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار بشأن الأسلحة الكيميائية السورية، يتضمن التهديد باستخدام القوة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وذلك في حال عدم التزام النظام السوري ببنود "اتفاق جنيف"، مع تأكيد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، ضرورة أن يجري في نهاية المطاف تحوّل سياسي في سوريا، يتخلى فيه الرئيس الأسد عن السلطة، لصعوبة تصور أن يخمد النزاع الدائر هناك في ظل وجوده كرئيس. من ذلك، يُثار التساؤل عن الموقف السوري الرسمي من "اتفاق جنيف"، وأبعاد التهديدات التي لا يزال يواجهها نظام الأسد، والخيارات المتاحة أمامه للاستمرار في الحكم.
الموقف السوري من "اتفاق جنيف":
على خلفية الاتفاق الذي توصل إليه وزيرا خارجيتى روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، خلال اجتماعهما في 14 سبتمبر 2013 بنزع الأسلحة الكيماوية من سوريا، الأمر الذي قد يساعد على تجنيب توجيه ضربة عسكرية إلى نظام الأسد بعد استخدام السلاح الكيميائي في الغوطة الشرقية ومعضمية الشام، فقد أعلنت دمشق قبولها للاتفاق، لتنضم إلى معاهدة حظر انتشار السلاح الكيميائي، معلنة جاهزيتها لاستقبال خبراء منظمة حظر الانتشار لمساعدتها على تنفيذ المبادرة الروسية- الأمريكية.
وجاء الموقف السوري الرسمي على لسان وزير المصالحة الوطنية علي حيدر، ليؤكد " نحن نرحب بهذا الاتفاق. فمن جهة، يساعد السوريين على الخروج من الأزمة، ومن جهة أخرى، أتاح تجنب الحرب ضد سوريا بعد ما حرم هؤلاء الذين يريدون شنها من حجتهم"، وذلك مع تشديد الرئيس السوري بشار الأسد على التزامه بالتخلص من مخزون بلاده من الأسلحة الكيميائية، حيث سلّم في 21 سبتمبر 2013 جرداً كاملاً عن ترسانة سوريا الكيميائية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، تمهيداً لتفكيكها.
وقد أفادت المنظمة أنها تسلمت "القوائم المرتقبة من الحكومة السورية بخصوص برنامجها للأسلحة الكيميائية". وأضافت أن "الأمانة الفنية (للمنظمة) تدرس حالياً المعلومات التي تلقتها"، في إشارة أولى على تعاون النظام السوري مع المنظمة.
استمرار التهديدات لنظام الأسد:
على الرغم من اعتبار البعض أن دعم المجتمع الدولي لمبادرة نزع الأسلحة الكيميائية من سوريا يعني ضمان بقاء الأسد في السلطة، على أساس أن ذلك ما يضمن للغرب وفاءه بتعهداته حول التخلص من مخزون بلاده الكبير من الأسلحة الكيميائية، فإن ذلك لم يحل دون تأكيد الرئيس الأمريكي باراك أوباما ضرورة أن يجري في نهاية المطاف تحوّل سياسي في سوريا يتخلى فيه الأسد عن السلطة، حيث قال في تصريحات له في 18 سبتمبر 2013: "لا يغيبن عن الذهن أنه من الصعب للغاية تصوّر أن تخمد الحرب الأهلية (في سوريا) إذا كان الأسد باقياً في الحكم"، موضحاً أنه لا يزال يهدف إلى تحوّل يخرج فيه الأسد من السلطة على نحو يحمي الأقليات الدينية، ويضمن ألا تصبح للمتطرفين الإسلاميين اليد الطولى داخل سوريا.
وقد أكد أوباما ذلك الأمر مرة أخرى في خطابة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر 2013، حيث أكد أن" الأسد لا يمكنه أن يسترد شرعية الحكم بعد ما ذبح مواطنيه، وقتل الأطفال بالغاز"، مخاطباً روسيا وإيران بأن "الإيحاء بأن سوريا يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه قبل الحرب من حكم أمر واقع هو وهم".
ودعا الرئيس الأمريكي في كلمته إلى إصدار قرار "حازم" عن مجلس الأمن للتأكد من أن نظام الأسد يلتزم بتعهداته بشأن إزالة الأسلحة الكيميائية، مشدداً على أن النظام السوري سيواجه "عواقب" في حال لم يلتزم بتعهداته. وسبق أن حذّر أوباما من أن الولايات المتحدة مستعدة لضرب سوريا دون غطاء من الأمم المتحدة، في حال ما تراجعت الحكومة السورية عن تنفيذ بنود "اتفاق جنيف"، وذلك فيما جدد البيت الأبيض اتهامه للحكومة السورية بالمسئولية عن استخدام السلاح الكيميائي في الهجوم على ريف دمشق، حيث إن الأدلة الفنية في التقرير الأخير للأمم المتحدة الصادر في 16 سبتمبر جاء فيها أن غاز "السارين" المستخدم كان عالي الجودة، وأن صاروخاً بعينه استخدم في الهجوم، مما يعزز التقييم الأمريكي بأن الهجمات نفذها النظام السوري، لأنه فقط من يمتلك القدرة على تنفيذها، بحسب وجهة النظر الأمريكية.
استراتيجيات الأسد للبقاء في الحكم:
نظراً لاستمرار التهديدات الأمريكية للنظام السوري، فقد انتقد الرئيس الأسد واشنطن بحدة في حديث أجرته معه شبكة CCTV الصينية، وقال الأسد، في الحديث الذي أذيع في 23 سبتمبر2013 إن الأمريكيين "يختلقون الأعذار" لتوجيه ضربة عسكرية إلى بلاده، مضيفا: "إذا أرادت الولايات المتحدة اختلاق الأعذار لشن حرب، فإنها ستجد هذه الأعذار، لأنها لم تكف عن محاربة الآخرين قط"، وليؤكد أنه: "ما دامت الولايات المتحدة مصممة على مواصلة فرض هيمنتها على الدول الأخرى، فيجب علينا جميعاً أن نكون على أهبة الاستعداد"، وذلك مع إشارة الأسد إلى أنه "حتى في حال عدم حصول الأزمة السورية، كنا سنبقى دائماً حذرين إزاء النوايا التي تبيتها بعض الدول الغربية للتجاوز على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي". وعلى ذلك، فإن نظام الأسد يعمد إلى تبني عدد من الاستراتيجيات في محاولة تجنب التهديدات الأمريكية، وللاستمرار في الحكم، والتي يجئ من بينها الآتي:
1. إعلان القبول بالحل السلمي للنزاع:
حاول الأسد تأكيد قبوله حلا سياسيا للأزمة السورية، ليس فقط بالقبول ببنود "اتفاق جنيف"، ولكن أيضاً بإعلانه المشاركة في المؤتمر المزمع عقده في جنيف لإجراء محادثات السلام السورية. وأكد الأسد في تصريحاته للقناة الصينية:"إن دمشق دعمت منذ البداية مبادرة جنيف، وتبني آمالاً على المؤتمر المزمع انعقاده لإيمانها بأن العمل السياسي هو الطريق لحل المشكلات الكبرى"، مشدداً على أن "نجاح مؤتمر جنيف أو أي عمل سياسي يتطلب عوامل مختلفة وبيئة تؤمن له ظروف النجاح"، مشيراً إلى أن "أول عامل يؤمن النجاح لمؤتمر جنيف هو إيقاف الأعمال الإرهابية، وإيقاف دخول الإرهابيين من خارج سوريا، وإيقاف إمداد هؤلاء الإرهابيين بالسلاح والمال.. إن لم نقم بذلك، فأي عمل سياسي يكون وهمياً".
واتهم الأسد بعض الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بعرقلة انعقاد المؤتمر الدولي، قائلاً: "يريدون أن نصل لمؤتمر جنيف وقد تحقق شيء على الأرض من الناحية العسكرية لصالح الإرهابيين.. أيضاً، هناك سبب آخر هو أنهم لم يتمكنوا حتى الآن من توحيد ما يسمونها المعارضة.. ولكن نعتقد، كما تعتقد روسيا والصين، بأن الوقت الآن مناسب للقيام بهذه الخطوة"، وذلك بحسب تصريحات الرئيس السوري.\
2. التخويف من الجماعات "الإرهابية":
مع تأكيد الأسد عزمه التوجه إلى جنيف، واستعداده لإنجاح جهود المصالحة الوطنية، فقد ربط ذلك بالتخويف من أي بديل قد يأتي بالمعارضة المسلحة إلى الحكم، لما قد يتيحه ذلك من وصول تنظيمات "إرهابية" إلى السلطة.
ومع إشارة الأسد إلى عدم قلقه من وضع الأسلحة الكيميائية السورية تحت رقابة دولية، فإنه عبّر عن خشيته من عرقلة وصول المفتشين إلى بعض المناطق من قِبل الجماعات المسلحة لأجل اتهام الحكومة السورية بعرقلة وصول المفتشين. ووفقاً له، فإن "الجماعات المتطرفة التي تقاتل ضد الحكومة لا تترك لنا خياراً سوى القضاء عليها"، وقال: "أنا لا أود البقاء في منصبي. ولكن في إطار هذا الوضع، لا أستطيع تركه.. العام 2014 ليس بعيداً، عندما ستُجرى الانتخابات الرئاسية، وتحدد من سيحكم سوريا".
والجدير ذكره أن هناك مخاوف لدى البعض من أن يؤدي الخروج الفوري للأسد من السلطة إلى تمكين جماعات متطرفة من الحكم في سوريا، خصوصاً بعد الصدامات الأخيرة التي شهدتها منطقة "إعزاز" بالقرب من الحدود التركية، بين تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" القريب من تنظيم القاعدة من جهة، و"الجيش السوري الحر" الأقل تطرفاً من جهة أخرى. وعلى الرغم من اتفاق الطرفين على وقف إطلاق النار، فإن القتال الأخير بين الطرفين كان الأشرس بين جماعات المعارضة السورية منذ بداية الأزمة، في ظل مخاوف من أن يتحول الصراع بين القوات الحكومية والمعارضة السورية المسلحة إلى حرب داخلية بين الفصائل المعارضة.
3. دعم إيران وحزب الله:
لا يُغفل الدور الذي تقوم به إيران لدعم نظام الأسد عسكرياً في نزاعه مع جماعات المعارضة المسلحة، معلنة غير ذي مرة رفضها لتوجيه أي ضربة لسوريا، حتى لو كان الهدف هو إنهاء النزاع القائم في البلاد، ولتعلن وقوفها إلى جانب النظام السوري ضد التهديدات الأخيرة التي وجهتها الولايات المتحدة بعد استخدام السلاح الكيميائي، محذرة القوى الغربية من التداعيات الخطيرة التي يمكن أن تترتب على أمن واستقرار كامل منطقة الشرق الأوسط، وعلى المصالح الغربية في المنطقة، في حال توجيه تلك الضربة العسكرية، وذلك مقابل تقارير تشير إلى دعم لوجيستي وعملياتي قوي تقدمه طهران إلى الجيش السوري النظامي، بجانب الدور المباشر الذي تقوم به قوات حزب الله في دعم قوات الأسد، وذلك وسط شكوك البعض في إمكانية أن يتفادى النظام السوري نزع كامل سلاحه الكيميائي بتهريب جزء منه إلى حزب الله في لبنان.
وعلى الرغم من أن الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، نفى مثل هذه الأنباء، فإن تلك المخاوف تظل قائمة في ضوء ما يؤكده الأسد نفسه بأن الأسلحة الكيميائية موجودة في مناطق آمنة في سوريا، وأن عملية نزع السلاح الكيميائي هي عملية معقدة جداً قد تستغرق أكثر من عام، مشيراً إلى أن تلك الأسلحة تحت سيطرة كاملة من قِبل الجيش السوري النظامي.
4. التنسيق مع روسيا والصين:
لعل أكثر الآليات فعالية لمساعدة الأسد للبقاء في السلطة هو الدعم الذي يحصل عليه من الصين، ومن روسيا على نحو خاص، الأمر الذي لم ينكره الأسد بتصريحه بأنه لا يشعر بقلق إزاء أي قرار دولي قد يصدر من مجلس الأمن "فالصين وروسيا ستضمنان عدم بقاء أي حجة للقيام بعمل عسكري" ضد بلاده، مؤكداً "أنه لولا الدوران الصيني والروسي لكان الوضع في سوريا أسوأ بكثير، هذا الدور الذي منع عدداً من الدول الغربية الكبرى من أن تستخدم مجلس الأمن للقيام بالعدوان على سوريا"، حيث استخدمت روسيا والصين حق النقض ضد مشاريع قرارات غربية سابقة في مجلس الأمن، كان هدفها فرض عقوبات من الأمم المتحدة على نظام الأسد، وتقف روسيا بقوة ضد المحاولات الجارية في الأمم المتحدة لإصدار قرار يتضمن التهديد باستخدام القوة بموجب الفصل السابع من ميثاق المنظمة، في حال عدم التزام سوريا ببنود "اتفاق جنيف".
وتشير المصادر داخل مجلس الأمن إلى أن الدول الغربية دائمة العضوية في المجلس قد وصلت إلى قناعة، مفادها أن استصدار قرار "قوي" بموجب الفصل السابع أصبح هدفاً بعيد المنال بسبب المعارضة الروسية القوية، والصعوبة في حمل موسكو على تغيير موقفها، مشيرة إلى أن الهدف الآن هو التوصل إلى قرار يتضمن أكبر قدر ممكن من القيود والإجراءات، لحمل النظام السوري على تنفيذ التزاماته إزاء "اتفاق جنيف"، أو حول القرار الذي سيصدر عن المنظمة الدولية لمنع استخدام الأسلحة الكيميائية، بحيث يكون النظام السوري مرغماً على تطبيق كافة بنودهما.
وقد تسبب ذلك في خلاف بين موسكو وواشنطن، رغم اتفاقهما الأخير في جنيف بشأن معالجة الأسلحة الكيميائية السورية، حيث اتهم وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، الولايات المتحدة بالسعي لابتزاز بلاده، حتي تدعم الاتفاق بموجب الفصل السابع بشأن الأسلحة الكيميائية السورية، وقال: "إن شركاءنا الأمريكيين بدأوا يمارسون الابتزاز معنا، محذرين من أنه إذا لم تدعم روسيا قراراً في مجلس الأمن على أساس الفصل السابع، فإننا (الأمريكيين) سنوقف العمل في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية".
وحذر الوزير الروسي من أنه إذا سقط النظام السوري، ووصل المسلحون المعارضون إلى السلطة، فإنه "لن تعود هناك من دولة علمانية" في سوريا، مؤكداً أن "ما بين ثلثي وثلاثة أرباع" المسلحين هم من "الجهاديين"، مشيراً إلى أن "المعطيات الروسية حول سوريا تثبت وقائع سيطرة المسلحين على المناطق التي كانت تقع فيها مستودعات السلاح الكيميائي"، محاولاً إلقاء المسئولية على المعارضة السورية في استخدام السلاح الكيميائي في ريف دمشق. وأضاف لافروف:" يجب على من يمول مجموعات المعارضة والمتطرفة منها أن يجد طريقة لمطالبتها بتسليم ما تم الاستيلاء عليه، ويجب تدميره وفقاً لاتفاق حظر الأسلحة الكيميائية".
وقد أكدت الخارجية الروسية، عقب لقاء جمع بين وزيري الخارجية الروسي ونظيره الصيني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 سبتمبر 2013، أن مواقف موسكو وبكين متطابقة بشأن عدم جواز أي سيناريوهات تقضي باستخدام القوة ضد سوريا. وجاء في بيان الخارجية أنه نوقشت، خلال لقاء الوزيرين، القضية السورية في سياق تنفيذ الاتفاق الروسي- الأمريكي حول نزع الأسلحة الكيميائية السورية، وآفاق عقد مؤتمر "جنيف- 2" الدولي للتسوية السياسية.
ومن ثم، يتضح في الختام أن تعاون نظام الأسد مع موسكو على نحو خاص لا يعد فقط عاملاً رئيسياً، نجح معه في تجنب الضربة العسكرية التي كانت واشنطن تنوي القيام بها ضد دمشق، ولكنه أيضاً يساعد الأسد في البقاء في السلطة، في ظل رفض موسكو إصدار أي قرار من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع ضد دمشق، وتنسيقها مع بكين فى هذا الصدد.