تلوح بوادر تحرك أمريكي عسكري لتوجيه ضربات محددة ومختارة إلى سوريا، وفي وقت متزامن قالت شبكة “سي بي أس نيوز” الأمريكية، إنها علمت أن وزارة الدفاع الأمريكية تعكف على التحضيرات الأساسية لتوجيه ضربة بصواريخ “كروز” من البحر للجيش السوري، ونقلت رويترز عن مسؤول دفاعي قوله إن البحرية الأمريكية ستزيد من وجودها في البحر المتوسط .
لا شك أن استخدام السلاح الكيماوي في سوريا، على نحو ما جرى في الغوطة الشرقية لدمشق، أعطى مبرراً قوياً لواشنطن للتدخل العسكري، بعدما راحت إدارة أوباما تتردد علناً في الإنجرار إلى مثل هذا التدخل منذ ما يُقارب العامين وأكثر . وذلك منذ اندلاع الثورة في سوريا بطابعها السلمي في مرحلتها الأولى، وانتقال هذا الطابع إلى آخر أفضى إلى “عسكرة” الثورة في مرحلة تالية، بفعل عوامل محلية وإقليمية ودولية .
من الطبيعي أن العسكريين الأمريكيين، وهذا ديدنهم إن لم نقل هذه مهنتهم، يتبارون في إظهار الاستعدادات المطلوبة لهذا التدخل بإيحاءات خاصة وليست عمومية، بيد إن الرئيس باراك أوباما يبدو متردداً ولم يتخذ قراراً بعد بشأن توجيه الضربة المحتملة، خصوصاً بعد اهتزاز التحالف الغربي الذي كان يسعى إليه بعد خروج بريطانيا منه .
لذا، فإن احتمالات هذا التدخل الأمريكي العسكري تظل مرهونة بركيزتين أساسيتين، تصاحبهما وقفة كاشفة تؤشر إلى أن إدارة الرئيس أوباما حتى هذا الوقت لا تميل إلى المغامرة، وهاتان الركيزتان: الأولى سياسية، والأخرى عسكرية، وفي كلتيهما يظل حسبان قوة رد الفعل العسكرية من سوريا أو حتى من حلفائها على أي تدخل عسكري أمريكي، مهما كان نوعه وحجمه، ميزاناً للقرار الأمريكي إقداماً أو تمنعاً، وهذا الأمر من الممكن إدراكه واستطلاعه من قبل دوائر الرصد والاستخبارات الأمريكية والغربية الحليفة، التي تبني معلوماتها على حقائق متداخلة أو على تجارب قريبة زمنياً ومناطقياً، كما حصل في العراق وفي ليبيا، وربما في كوسوفو .
وإذا كانت الأيام الأخيرة قد حملت بعض التحركات العسكرية الأمريكية تشير إلى احتمال التدخل العسكري الذي لم تحدد واشنطن ملامحه بعد، نظراً للمشاورات التي يقوم بها الرئيس أوباما مع حلفائه ومع مستشاريه للأمن القومي لبحث سبل الرد على استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، الذي تعتبره إدارة البيت الأبيض بمثابة “خط أحمر”، بيد أن تسريبات الصحافة الأمريكية، أكدت أن هذا الاجتماع لم يتطرق إلى إمكان فرض حظر جوي على سوريا أو نشر قوات عسكرية أمريكية على الأراضي السورية .
ويرى خبراء أن النشاط الدبلوماسي والعسكري الأمريكي في الأيام الأخيرة قد يكون مجرد وسيلة للضغط على الرئيس السوري بشار الأسد، من دون أن يتخذ طريقه إلى التنفيذ على الأرض، بينما الرد السوري على هذه الأنباء والتسريبات، جاء على لسان وزير الإعلام السوري عمران الزعبي، بقوله إن “أي تدخل عسكري على أراضيها قد يكون بمثابة كتلة النار التي تحرق الشرق الأوسط”، كما قال الوزير السوري، إن “التدخل العسكري في سوريا لن يكون نزهة”، وهو ذاته ما ذهبت إليه إيران على لسان مسعود جزائري، نائب رئيس أركان القوات المسلحة، الذي أشار إلى أن “أمريكا تعلم حد الخط الأحمر للجبهة السورية وأي تجاوز للخط الأحمر السوري ستكون له عواقب وخيمة” .
على كل حال، فإن التدخل العسكري الأمريكي إذا ما حصل، فلن يمر من القنوات الدبلوماسية الأممية، وتحديداً من مجلس الأمن، لأن روسيا والصين ستكونان له بالمرصاد عبر استخدام حق النقض (الفيتو)، خصوصاً أن وزارة الخارجية الروسية قالت في بيان لها في هذا الصدد، (نحن نحض الذين يسعون من خلال فرض نتائجهم على خبراء الأمم المتحدة، إلى شن عملية عسكرية محتملة في سوريا، أن يفكروا بشكل منطقي حتى لا يرتكبوا خطأ مأساوياً، لذلك فإن واشنطن ستعمد إلى تنفيذ خيارها هذا من خارج هذه القنوات إذا ما أرادت، وكما فعلت في السابق، وأن مثل هذا التدخل سيكون محدوداً، كونه سيطول أهدافاً منتقاة، ستتضمن المستودعات والمنصات التي تستخدم لإطلاق الأسلحة الكيماوية، حسبما أفاد لشبكة (سي بي أس نيوز) رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي .
إذاً، التدخل العسكري الأمريكي إذا ما حصل على النحو السالف، وحسبما يقول الخبراء في الشؤون العسكرية، فهو لن يؤدي إلى “إحراق الشرق الأوسط” كما قال وزير الإعلام السوري آنفاً، حيث إن “إسرائيل” قامت من قبل بتوجيه ضربات من خلال الطائرات والصواريخ على أهداف في دمشق واللاذقية، ولم تحرّك دمشق ساكناً حتى هذا الوقت، وكذلك كان موقف حلفائها المفترضين، علماً أن تل أبيب هي الأقرب جغرافياً إلى دمشق من واشنطن .
-------------------
* نقلا عن دار الخليج، الثلاثاء 3/9/2013.
رابط دائم: