لحظة تغيير في مصر 2-7-2013 علي إبراهيم * السؤال الدائم الذي كان يسمع في الجلسات والمناقشات سواء داخل مصر أو خارجها، وسواء بين أشخاص عاديين أو نخبة سياسية، طوال العامين الماضيين، هو: إلى أين تتجه مصر؟ والإجابة دائما ملتبسة؛ فقد أثبتت الأحداث المتغيرة بسرعة على الأرض أنه لا أحد يعرف على وجه اليقين. وكانت هذه السمة العامة منذ 25 يناير (كانون الثاني) 2011، فلا أحد توقع، بما في ذلك قوى دولية مؤثرة، أن تكون المظاهرات بهذا الحجم، ولا أن يسقط النظام السابق بهذه السهولة. واستمرت بعدها الأحداث تقلب التوقعات والتحليلات والتنبؤات السياسية رأسا على عقب. عادت الطبقة الوسطى المصرية التي كانت الشرارة التي أشعلت 25 يناير إلى الشارع مجددا بعد سنة بالضبط من ولاية أول رئيس منتخب، تدهورت خلالها شعبية تنظيم الإخوان بشكل كبير لا يخفى على أحد، وتخلى عنهم من أطلقوا على أنفسهم «عاصري الليمون»، وهو تعبير مصري عن الذين انتخبوا مرشح الإخوان في انتخابات الرئاسة كرها في الطرف الآخر وليس توافقا مع آيديولوجية المرشح الذي فاز بالرئاسة. وفي حين أن نتائج الانتخابات الرئاسية كانت تدل على حالة الاستقطاب والانقسام في المجتمع من الفارق الضئيل بين المرشحين اللذين تنافسا في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، فإن جهدا قليلا قد جرى خلال العام خاصة من قبل السلطة الحاكمة التي يقال إن مكتب الإرشاد وراءها، لإيجاد مناخ توافق، وقبول عام في المجتمع يسهل المرحلة الانتقالية. تصاعد الغليان حتى وصل إلى نقطة الانفجار التي رأيناها في الأيام الأخيرة مع انسداد الأفق تماما لإمكانية الوصول إلى حلول وسط بين معسكرين في مصر كل منهما يريد إثبات أن جمهوره هو الأكبر، والأكثر استعدادا للبقاء مدة أطول في الميادين، وقدرة على حشد جمهور المتفرجين الأوسع الجالس في المنازل والذي يطلق عليه في مصر «حزب الكنبة». وكان هناك الكثير مما جرى والذي أقلق الجمهور الجالس في المنازل وغير المسيس أصلا بدءا بمشاكل الاقتصاد والخدمات الأساسية إلى الاعتداء على القضاء ومهاجمته، والأخطاء في معالجة ملفات حيوية بالسياسة الخارجية، والتدهور الأمني الشديد في دولة بحكم جغرافيتها كان دائما الاستقرار الداخلي حيويا لأمنها. بعد الحشود في الميادين التي شهدتها القاهرة ومحافظات مصرية واستقالة أربعة وزراء، فضلا عن استقالات المحافظين أو عدم قدرتهم على دخول مقارهم، ثبت أن تهوين الحكم من حجم المعارضة الشعبية أو الثقة الزائدة في حجم المؤيدين كان خطأ فادحا، فضلا عن الصدام المستمر مع مؤسسات الدولة مثل القضاء، وهو ما أوصل الوضع إلى ما هو عليه من حالة الصدام الحالية. الآن لدينا ما يشبه إنذارا بمهلة من الجيش إلى مؤسسة الرئاسة مدتها 48 ساعة (تنتهي غدا) للاستجابة إلى مطالب الشارع الذي تجاوب إيجابيا مع بيان القيادة العامة للقوات المسلحة، وكان قبلها يطالبها بالتدخل، ولدينا على الجانب الآخر الإخوان وتيارات الإسلام السياسي التي لوّح بعضها باللجوء إلى القوة، وهو طريق يؤمل أن يتجنبه الجميع حتى لا يتحول الأمر إلى عنف ودم. الحكمة تقتضي أن يقر الجميع، وعلى رأسهم الحكم نفسه، بأن هذه المرحلة الانتقالية وصلت إلى نهايتها، وأنها لن تؤدي إلى شيء في ظل حالة الاستقطاب، وبالتالي فإن البلاد تحتاج إلى خريطة طريق جديدة تعالج الأخطاء التي ارتكبت بدءا من خطأ إجراء الانتخابات قبل الدستور، والعمل على إعداد صيغة تستوعب الجميع في الخريطة السياسية من دون محاولة حرف هوية البلاد إلى موضوعات ليست من اهتمام الشارع أو على هواه مثل الحديث عن الخلافة الإسلامية، والإقرار بأن هناك مؤسسات هي كيان هذه الدولة لا يصح التلاعب بها أو محاولة ضربها لأن ذلك يخل بأهم مقومات الدولة نفسها. والواضح أن الـ48 ساعة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد المسار الذي ستسير فيه مصر، ولا أحد يستطيع التنبؤ بالمسار الذي ستأخذه الأزمة، لكن المؤكد أنها لحظة تغيير في المشهد السياسي، ويجب أن ترتفع فيه كل الأطراف إلى قدر المسؤولية، وألا يخطئ أحد في قراءة حجم الحشود والترحيب الذي حدث ببيان الجيش، فهي لحظة تغيير، والمصلحة العامة تقتضي أن يشترك الجميع في صياغة رؤية المستقبل السياسي. -------------------------------- * نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية، الثلاثاء، 2/7/2013. رابط دائم: