أوباما جديد في سباق الرئاسة 25-6-2012 محمود الريماوي * الحلف القائم بين واشنطن وتل أبيب لا جديد جوهرياً طرأ عليه، فالفتور النسبي الذي شهده هذا الحلف في مطلع ولاية باراك أوباما، لم يلبث أن انقشع وتجدّدت حيويته الموتورة . الرئيس الديمقراطي ذو الأصول الإفريقية الذي حمل خطاباً تحررياً ذا أفق إنساني في حملته الانتخابية، سرعان ما اصطدم بالمؤسسة الراسخة: مجلسَيْ النواب والشيوخ، وزارة الدفاع وأجهزة الأمن ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام، وسرعان ما استجاب للضغوط وعمل على إزالة الفوارق المفترضة بينه وبين الرؤساء السابقين، بخصوص مقاربة الوضع في الشرق الأوسط . يوم الأربعاء 13 يونيو/ حزيران الجاري، استقبل باراك أوباما في البيت الأبيض شيمون بيريز كما يستقبل ابن أباه الروحي، وقلده وسام الحرية أعلى وسام أمريكي، واعتبر المضيف أن ضيفه يمثل ما أسماه “جوهر إسرائيل” . وللحق فليس في حديث أوباما أي تجاوز على الواقع، فلا شك أن بطل مجزرتي قانا، يمثل أولاً الجوهر الوحشي والعنصري للدولة العبرية، ويمثل ثانياً باعتباره كبير الحواة، سياسة التضليل والتزوير المنهجي للوقائع والحقائق التي قام عليها واستمر بها هذا الكيان . من الواضح أن أوباما في سعيه إلى الفوز بولاية ثانية تجري في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، قد بدأ ينشط للبرهنة على أنه لا يقل ولاء ل”تل أبيب” عن منافسه الجمهوري . جيمي كارتر الرئيس الأسبق ذكر في القاهرة التي زارها في مايو/أيار الماضي، أن اللوبي اليهودي لن يُمكّن أوباما من الفوز بولاية ثانية، وهو ما لم تنفه دوائر هذا اللوبي في واشنطن ونيويورك . والامتناع عن النفي هنا يفيد هذا اللوبي في ممارسة ضغوط إضافية على الرجل، ووضعه كل ساعة تحت الاختبار، رغم أنه لا شيء يبرر ممارسة هذه الضغوط، فقد عبّر عملياً عن “توبته” بخصوص الطلب من “تل أبيب” وقف الاستيطان في مستهل ولايته، وقاتل من أجل حرمان فلسطين من التمتع بمقعد في الأمم المتحدة، وناضل ضد إدانة “تل أبيب” في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة . وما عدّه باراك أوباما أولوية أولى في أثناء حملته الانتخابية وفي خطابه الشهير في جامعة القاهرة، ونعني بذلك وضع حل عادل للصراع في المنطقة، تبخّر مع منتصف السنة الثانية من ولايته، من دون أن يبرر رئيس الدولة العظمى هذا التراجع المعيب، عما كان يعدّه التزاماً يرقى إلى مستوى الالتزام الأخلاقي، وهو ما أضفى آنذاك هالة شبه سحرية على الرجل كرئيس “استثنائي” . وقد صح قول القائلين إنّ المؤسسة الأمريكية النافذة متعددة الأذرع، متشابكة المصالح على قاعدة تأمين الهيمنة الأمريكية، أقوى من الأشخاص أياً كانت مواقعهم . ويسترعي الانتباه هنا أن إدارة أوباما استغلت موجة الربيع العربي في الشهور العشرين الماضية، لإطفاء الاهتمام بالقضية الفلسطينية، ولتغليب الانشغال ب “الملف النووي الإيراني”، ولذلك واظبت على بث رسالة سياسية ضمنية مفادها أن الربيع العربي غير قابل لأن يترجم إلا إلى خريف فلسطيني، وهو ما تبدّى في التجميد الفعلي للعلاقات والاتصالات مع الجانب الفلسطيني، وصولاً إلى تحميل محمود عباس مسؤولية تجميد ما يسمى عملية السلام، كما عبّر عن ذلك أوباما في خطاب له قبل أسابيع، وهو ما يتطابق مع دعاية حكومة الاحتلال، ولا يجد قبولاً لدى مختلف دول العالم، فعباس من أكثر المعتدلين اعتدالاً، وفي نظر شطر كبير من شعبه هو معتدل أكثر مما ينبغي، إلى درجة التفريط بالحق في المقاومة المدنية . غير أن إطلاق تصريحات متهافتة كهذه مفيد في التغطية على التغوّل الاستيطاني في الأرض المحتلة، والأهم من ذلك كبير الفائدة في نظر أوباما ومستشاريه في تحسين فرص الفوز في الانتخابات الرئاسية، وبصرف النظر عن سلامة ما تتضمنه هذه التصريحات الجوفاء . يتساءل المرء هنا عن دور الجمعيات العربية في الولايات المتحدة، وعن دور جموع الناشطين من أصول عربية ممن اقترعوا لأوباما وخاضوا معركته ولم يكن أحد ليلومهم على ذلك آنذاك، وكيف أن الأمور لا تتطور ولا تتبلور طوال عقود نحو تشكيل لوبي عربي يُحسب له حساب، ويستحق أن يسعى المرشحون للرئاسة إلى مخاطبة هذا اللوبي . إن شيئاً من ذلك لا يحدث، ويتساءل المرء في السياق نفسه عن دور الجامعة العربية في عهد أمانتها العامة الجديدة، وعن العلاقات العربية الرسمية التي ما انفكت تزداد توطداً مع واشنطن، مع فصلها فصلاً غير موضوعي عن الموقف الأمريكي الذي يزداد تطابقاً مع سياسات دولة الاحتلال . وفوق ذلك وكي تكتمل صورة العبث السياسي فلابد للمرء من الاعتراف أن هذه التساؤلات المثارة قديمة، وسبقت إثارتها مئات المرات من دون أن يتغير شيء في واقع الأمور، أو أن تجد التساؤلات جواباً شافياً لها . إن القناعة المتأتية عن الحصاد المُر والهزيل للأداء السياسي الفلسطيني والعربي، ورسوخ التحالف بين واشنطن والاحتلال، تقود إلى الاستخلاص بأن هذا الخريف الطويل المديد، لن يؤذن له بالانتهاء إلا بمبادرات كفاحية فلسطينية مدنية وشعبية، تتلاقى مع الاتجاه العام لموجة الربيع العربي، فالوضع الفلسطيني ينوء ببيروقراطية سياسية ثقيلة، وتتغلب فيه مصالح الفصائل وكل مصالح فئوية على المقتضيات الوطنية، بما يجعل الجمود يعتري المشروع الوطني، والقوى الحية وخاصة من الأجيال الجديدة التي هي المؤهلة قبل سواها للإجابة عن هذا التحدي . ---------------------------- * نقلا عن دار الخليج، الإثنين 25/6/2012. رابط دائم: