المصلحة الوطنية:| "ندوة" اتجاهات السياسة الخارجية المصرية بعد تولى منصب الرئيس 4-6-2012 * فى طريق بدأته الثورة المصرية لتتلمس فيه مساراً نحو دولة ديمقراطية حقيقية، باتت الآن تنتظر ما ستئول إليه البلاد حين ينتهى المشهد الرئاسى. ومن خلال هذا المشهد، تمر العديد من القضايا الداخلية والخارجية التى واجهت القصور والتردى فى ظل النظام البائد. وفى أولويات هذه القضايا، تأتى السياسة الخارجية المصرية تطرح نفسها على الساحة كمحرك ضرورى لابد أن يتم توظيفه على الوجه الأمثل لمعالجة القضايا المتعلقة بالخارج، والمرتبطة بالشأن الداخلى. تحت عنوان " سياسة خارجية لمصر الديمقراطية" ، جاءت الندوة التى نظمها مركز شركاء التنمية لتقدم تحليلاً مفسراً عن سياسة مصر الخارجية، فى ظل المتغيرات التى فرضتها ثورات الربيع العربى ، وأن ما تشهده مصر على الصعيد الداخلى يعد من أقوى المحددات باتجاه السياسة الخارجية والكيفية التى ستكون عليها القرارات بعد ذلك. أولا- كيفية اتجاه العلاقات المصرية- الإفريقية والعربية: انطلقت الندوة من التعريف بالسياسة الخارجية بكونها عدة إجراءات تتحرك من خلالها الدولة فى سبيل تحقيق المصلحة الوطنية، مستخدمة فى ذلك أدواتها المتاحة. وحين كانت ثورة يناير من العام الماضى، فإنها أعطت أملا بدولة ديمقراطية تعمل على مزيد من الاستفادة بمواردها لإنجاح أهدافها الوطنية. وذكرت الندوة أن الأفضل هو إعطاء الأولوية للانتماءين العربى والإفريقى لأنه من خلالهما تتحقق مصلحة مصر وأهدافها فى المجال الخارجى. وتطرقت الندوة إلى العديد من التحديات التى تواجه مصر داخلياً وخارجياً، وهى التى تحدد طبيعة أهداف السياسة الخارجية للبلاد ، كانت الداخلية منها : أ. تحدى بناء نظام ديمقراطى جديد. ب.إعادة بناء مؤسسات الدولة ورفع مستوى كفاءتها. د. إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية . هـ. تكريس قيمة احترام المواطن. وجاءت التحديات الخارجية فى ضرورة التحرك إلى : 1- إعادة ترميم العلاقات المصرية- العربية والإفريقية. 2- تسوية المشاكل السياسية والمرتبطة بالموارد الطبيعية. 3- تسليط الضوء على القضايا المحورية الرئيسية كالصراع العربى- الإسرائيلى. 4- تدعيم عمليات التحول الديمقراطى ومساندة الشعوب العربية فى ظل الثورات العربية . 5- تأمين مصادر مياه النيل، بل وانتهاج سياسات تخلق علاقات أكثر تقاربا وتفاهما مع الدول الإفريقية. 6- تحقيق قدر أكبر من المشاركة الفعالة فى إدارة العلاقات الدولية. وقال المشاركون فى الندوة إنه لابد أن تنطلق السياسة الخارجية من إعلاء قيم الحرية والديمقراطية والعدالة، وبخاصة العدالة الاجتماعية التى نادت بها ثورة 25 يناير. وهذا إن تم توظيفه بالشكل المطلوب، فسيكسب مصر مزيداً من المؤيدين والمساندين لها من حكومات وشعوب الجوار العربى والإفريقى. وقدمت الندوة توضيحا للعديد من الموارد التى تملكها مصر، وتمنحها تقدما نسبيا كبيرا عن مثيلاتها من دول الجوار العربى والإفريقى، كالتنوع فى بنيتها الاقتصادية، بخلاف دول الخليج مثلاً التى تعتمد على الاقتصاد النفطى، بالإضافة إلى موقعها بين القارات الثلاث، أيضاً الحجم المطلق للسكان، الذى يعطى أوزاناً خاصة للدول فى علاقاتها الدولية. واقترحت الندوة ضرورة التنسيق فى إطار الإقليمين العربى والإفريقى، وذلك من خلال إنشاء مجلس للأمن القومى، يجمع الوزراء وممثلى الوزارات المعنية، وتكون مهمته رصد التطورات فى القضايا السياسية والاقتصادية التى تعنى بها مصر إقليمياً ودولياً، أو من خلال ما اقترحته الندوة بديلاً لذلك بإنشاء منصب مستشار للأمن القومى. ولم تغفل الندوة الاستفادة من منظور المجتمع المدنى وترابطه عبر الحدود، وهذا يستدعى بدوره تشجيع الدبلوماسية الشعبية، وعدم تقييدها بالإجراءات البيروقراطية. ثانيا- مسارات السياسة الخارجية المصرية نحو الإقليم العربي: إن الثورات التى أخدت تتنقل ما بين الحدود العربية وترقب ردود الأفعال الإقليمية والدولية عليها، كان على رأسها الثورة المصرية باعتبارها ستكون الملهم والموجه فى الوقت نفسه لشعوب المنطقة بل وحكامها. فذكرت الندوة أن هذا يحمل مصر بمسئولية تجاه الشعوب العربية. ولكن إذا أحسنت استخدامها، فستحقق أهدافها الوطنية الخاصة، بل والأهداف العربية الأوسع نطاقاً ، فيمكنها من استرداد زعامتها للعالم العربى، فتعود قيمة مصر دولياً وعربياً، وبالتالى سينشط دورها فى تسوية المسائل الدولية والداخلية، مثل :مسألة الصحراء الغربية، والمسألة اللبنانية، والمسألة العراقية. وتابع المشاركون أنه ستكون الضرورة فى العمل على إصلاح الجامعة العربية، وإعادة صياغة العمل العربى المشترك. وتطرقت الندوة إلى التخوم التركية والإيرانية للإقليم العربى، ودعت إلى تطوير العلاقات المصرية، ومأسسة الحوار الاستراتيجى، والتعاون السياسي، والاقتصادى، والثقافى، والأمنى. وبين العلاقات العربية والإيرانية، رأى المشاركون أنه يجب ألا تترك ليزداد الصدع بين السنة والشيعة، وإن كان لا مبرر لوجوده، ولا ليتطور كالصراعات الدينية فى أوروبا. ورأت الندوة أن نجاح مصر فى التخطيط لإدارة العلاقات العربية- الإيرانية سيسمح بإحداث توازن فى إدارة النزاعات الأهلية فى العراق وفى لبنان، بل وفى التخفيف من حدة التوتر فى منطقة الخليج. ومما لا شك فيه أن أى إسهام لمصر فى ذلك سيعيد ارتفاع أسهمها فى النظام الدولى ككل. ثالثا- اهتمامات مصرية خاصة بإفريقيا: تحولت الندوة إلى الحديث عن الشأن الإفريقى، وذكرت ما كان لمصر من علاقات تاريخية رائدة فى علاقاتها بالقارة الإفريقية. وبعد عقود من إهمال هذا الجزء الإقليمى الأهم، يجب أن تعاود الخارجية المصرية صياغة سياسة إفريقية نشطة لتدعم الدور المصرى فى إفريقيا من جديد، وتعزز فرص مصر فى تمثيل القارة، خاصة فى حال إصلاح مجلس الأمن الدولى، وتوسيع عضويته. من ناحية أخرى، تعمل على تنشيط الجانب الاقتصادى الذى سيبنى بدوره علاقات متينة وواسعة فى القارة تضمن علاقات صحية مع دول منابع نهر النيل. وأشارت الندوة إلى أن هناك عدة منطلقات من خلالها تتحرك مصر فى الشأن الإفريقى كالاهتمام بمشكلات القارة ونزاعاتها، والاشتراك فى البحث عن حلول لها عن طريق المقاربة السياسية للمشكلات، بدلاً من المقاربة الأمنية، والعمل من أجل التنمية فى إفريقيا، ورفع مستوى التعاون الفنى مع بلدان القارة. ويجب عدم إغفال الاشتراك فى صياغة المواقف الإفريقية من القضايا الدولية بشكل يوفق بين مصالح القارة والمصالح المصرية مثل: المسائل الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية، ومكافحة الفقر، واحترام حقوق الإنسان واللاجئين. وقبل كل ذلك، أكد المشاركون وجوب نشر ثقافة الانتماء الإفريقى لمصر، مثله كالانتماء العربي. رابعا- السياسة الخارجية المصرية والقوى الدولية الكبرى: أولا - الولايات المتحدة : كثيرا ما كانت مصر محل أنظار دول العالم أجمع، وبخاصة الدول الكبرى باعتبارها الأثقل وزناً بين دول إقليمها. وقد أخذت الندوة بالحديث عن الدول الكبرى، وبدأتها بالعلاقة بين مصر والولايات المتحدة التى كانت تنظر إلى مصر على أنها محور الارتكاز، بل وتعتمد عليها فى إيصال أفكارها إلى العالم العربى ككل، وفى ظل الثورات التى تشهدها الشعوب العربية، وتغيير الأنظمة التى اعتادت عليها الولايات المتحدة لفترات طويلة، مما جعل أمريكا ينصب اهتمامها على آثار وصول التيارات السياسية ذات المرجعية الإسلامية إلى السلطة فى مصر. وبين الحين والآخر، تثير الولايات المتحدة مسألة الحريات الدينية والأقليات فى مصر وغيرها من بلدان العالم العربى. وذكرت الندوة أنه فى ظل السياسة الخارجية المصرية، كان لابد من الاهتمام بالقضايا المحورية مثل: عملية السلام فى الصراع العربى- الإسرائيلى، والموقف من إيران، اللاعب النووى الجديد فى المنطقة، فضلاً عن الموقف تجاه كل من دولتى السودان، وطبيعة النزاعات بينهما. ثانيا- الصين: فاعل دولى جديد يتصاعد دوره كل يوم عن سابقه، هى الصين التى أصبحت ثانى اقتصاد فى العالم، بل وتسعى لأكثر من ذلك، حيث استخدمت العامل الاقتصادى لتأخذ به مكاناً مؤثراً فى عالم السياسة. وانتقلت الندوة إلى الحديث عن العلاقات المصرية – الصينية ، وما لها من رصيد تاريخى بدأ منذ خمسينيات القرن الماضى، حتى إعلان التعاون الاستراتيجى فى 1999 ، فضلاً عن تشجيع الاستثمارات، وإقامة المشروعات المشتركة. وأشارت الندوة إلى التنامى الملحوظ للوجود الصينى فى القارة الإفريقية، مما يستدعى أن تعمل السياسة المصرية على الاستفادة من ذلك، بل وتوظفه فى خلق علاقات ثنائية مشتركة تعمل لتنمية القارة. ثالثا- أوروبا: ما بين الصراع والتعاون، تأتى العلاقات المصرية – الأوروبية، وخصت الندوة بالحديث الاتحاد الأوروبى، حيث إنه الشريك التجارى الأول لمصر فى الواردات أو الصادرات. وأضافت أن على مصر أن تعمل على استغلال سياسة الجوار الأوروبى فى تعزيز الديمقراطية، وحقوق الإنسان والعدالة. وأكد المشاركون أن السياسة الأوروبية تمنح مصر أهدافاً أربعة، هى: تدعيم التنمية والتحول الديمقراطى ، ومساندة المهاجرين المصريين والعرب، وفتح آفاق للتسوية العادلة للقضية الفلسطينية، وإقامة علاقات سليمة مع الانتماءين العربى والإفريقى، من خلال الاشتراك مع الدول الأوروبية بتنفيذ برامج إنمائية فى البلدان الإفريقية، مع الحرص على تخليص كل هذه البرامج من شبهات الاستعمار الجديد . رابعا- روسيا: الإرث الذى تركه الاتحاد السوفيتى السابق، وإن كان تراجع مسافات كبيرة للوراء، ولكنه لا يزال عنصراً قوياً فى الساحة السياسة الدولية، فلا يمكن إغفال القوة العسكرية التى تمتلكها روسيا. وما بين العديد من المواقف التى تتخذها روسيا تجاه الشأن العربى، والتى قد تختلف باختلاف البلدان أو اختلاف المصالح الروسية منها ، تشير الندوة إلى أنه جيد بالنسبة لمصر أن روسيا لا تتخذ موقفاً سلبياً من ثورات وتطلعات الديمقراطية فى غالبية العالم العربى، وبذلك فإن علينا العمل معها من أجل تسوية المشكلات السياسية والإنسانية المترتبة عليها تسويات ترضى تطلعات الشعوب العربية إلى الديمقراطية والتنمية، التى كثيرا ما عانت من أجلها، فى ظل أنظمة قمعية واستبدادية. خامسا- التنظيم الدولي : وفى الأخير، أشارت الندوة إلى طبيعة التنظيم الدولى والمنظمات الدولية المنضمة إليها مصر، وذكرت أنه يجب استخدام المحافل التى توفرها هذه المنظمات الدولية فى الدعوة إلى دمقرطة العلاقات الدولية. وفى إصلاح مجلس الأمن، لا يمكن إغفال ضرورة إعادة توثيق العلاقات الإفريقية، بما يسمح لمصر بالاشتراك بكفاءة وقوة وفاعلية فى إدارة الموقف الإفريقى . وعن منظمة التعاون الإسلامى وما تعانيه من نقاط ضعف متعددة تؤثر فى فعاليتها ، ذكرت الندوة أن هذا يرجع إلى توزيع الأعضاء على أربع قارات، بالإضافة إلى تباين مستوياتها الاقتصادية، والتطور الديمقراطى لها ، فضلاً عن تفضيل عدد من الدول الأعضاء العمل من خلال منظماتها الدولية الإقليمية، كل ذلك يسبقه ضعف قدرات أمانة المنظمة، والتى تعتمد على البنك الإسلامى للتنمية، والإسهامات الطوعية لدول الخليج النفطية. ولفتت الندوة إلى النفوذ التقليدى للمملكة العربية السعودية فى المنظمة، وفى العمل الاسلامى عموماً، تبعا لقدرتها التمويلية، بالإضافة إلى الاهتمام التركى المتزايد فى الفترة الأخيرة، وهو ما يضع مصر فى تنافس قوى مع عدد من القوى، تتعدى قدراتها الاقتصادية القدرات المصرية، وإن كان لا يمكن تجاهل أهمية باع مصر، ومكانة الأزهر الشريف فى العالم الإسلامى، وفى شئون العلوم الإسلامية، مما يستوجب أن تعمل مصر على اتساع مجال دورها بين هاتين القوتين. رابط دائم: