الأحد 3 يونيو 2012
عرض من العبرية إلى العربية : أحمد البهنسي – باحث مصري متخصص بالشئون الإسرائيلية
"المبادرة السعودية لإنشاء الاتحاد الخليجي، وإقامة قوة عسكرية مشتركة، وتنسيق سياسي واقتصادي بين تلك الدول من شأنها أن تحدث تغييرا كبيرا في هيكل القوى بالشرق الأوسط ، وسترسم خريطة استراتيجية جديدة". بهذه العبارة، عبر تسيفي برئيل المحلل الإسرائيلي المختص بالشئون العربية في هآرتس يوم 15 مايو، عن الرؤية الإسرائيلية لآخر المستجدات الأمنية والاستراتيجية التي تمر بها منطقة الخليج.
ويأتي مقال برئيل ليعبر عن مدى أهمية منطقة الخليج في الرؤية الأمنية الاستراتجية لإسرائيل؛ إذ إنها المنطقة التي تعد الطوق الثالث من أطواق النظرية الأمنية في المفهوم الأمني الإسرائيلي، في حين أن الطوق الأول هو المناطق الفلسطينية. أما الطوق الثاني، فهو دول المواجهة العربية. من ناحية أخرى، فإن إسرائيل تنظر إلى اشتراك الخليج معها في المخاوف من التهديد الإيراني على أنه أمر من الممكن أن يخلق حلفا خفيا بين الطرفين، انطلاقا من قاعدة "عدو عدو هو صديقي".
في ضوء كل ما سبق، تأتي الدراسة الإسرائيلية للمحلل الإسرائيلي المتخصص في الشئون العربية "يوئيل جوجنيسكي"، المعنونة بـ" الخليج في ظل وضع استراتيجي متغير"، الصادرة عن مركز أبحاث الأمن القومي بتل أبيب، والذي يترأسه مستشار الأمن القومي الإسرائيلي لرئيس الوزراء، الذي يقدم أوراقه وأبحاثه العلمية لرئيس الوزراء مباشرة، حول الخليج في ظل أوضاع أمنية واستراتيجية وتوازنات عسكرية متغيرة.
تستعرض هذه الدراسة الرؤية الإسرائيلية للتوازنات العسكرية في الخليج، لاسيما بين السعودية وإيران، إضافة إلى العلاقات الأمنية والاستراتيجية بين كل دولة خليجية على حدة مع إيران، وعلاقة الخليج بإسرائيل في ظل هذه الأوضاع الراهنة من وجهة نظر تل أبيب.
التوازنات الأمنية في الخليج
تعد منطقة الخليج من أكثر مناطق العالم التي تشهد سباقا للتسلح، في الوقت نفسه الذي تمر فيه جيوش الخليج بتغييرات كثيرة وجوهرية، والتي في مقدمتها تحسين قدراتها الدفاعية، لاسيما المضادة للصواريخ، وهو ما يشير لخوفها الأساسي من أي هجوم إيراني محتمل.
تشير الدراسة إلى أن الدول الخليجية تواجه تهديدين أساسيين، وهما التهديد البحري، والتهديد الصاروخي. وبالنسبة للتهديد البحري، فإن خطورته ضعفت بسبب وجود أسطول أمريكي في مياه الخليج، أدى إلى توازن كبير في صالح دول الخليج العربية ضد التواجد البحري الإيراني في الخليج.
أما التهديد الصاروخي، فهو الأخطر بسبب امتلاك إيران لمخزون صاروخي، لاسيما من الأنواع بعيدة المدى التي يمكنها أن تطال أي موقع ببلدان الخليج، إذ تمتلك صورايخ يتراوح مداها ما بين 150و2000 كيلومتر، وهو ما دفع السعودية – على سبيل المثال- إلى زيادة ميزانيتها العسكرية للأغراض الدفاعية من 24.9 مليار دولار عام 2001 إلى 41.2 مليار دولار عام 2009.
الصراع السعودي – الإيراني
تتسم العلاقات السعودية- الإيرانية بالعداء والتنافس حول التأثير الإقليمي، فأحد أسباب التدهور في المنطقة بالوقت الحالي هو تزايد الصراع بين هاتين الدولتين، وتعميق الصراع فيما بينهما للسيطرة على المنطقة.
وكانت محاولات إيران للاستفادة من تداعيات الربيع العربي هي اندفاع السعودية نحو محاولة تشكيل تحالف عربي جديد من أجل مواجهة تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة. إذ تتلخص أسباب العداء بين الخليج وإيران في محاولة إيران السيطرة عسكريا وأمنيا على الخليج بدون أي تدخل أجنبي، بما في ذلك محاولتها أن تكون القوة النووية الوحيدة بالمنطقة، إضافة إلى محاولات إيران تزعم العالم الإسلامي روحيا وثقافيا، من خلال نفوذها لدى الأقليات الشيعية بعدد من البلدان الخليجية والعربية.
كما يقف الصراع السني – الشيعي كواحد من أهم عوائق التقارب السعودي- الإيراني، فالرياض دائما ما تتهم إيران بمحاولة دعم الأقليات الشيعية بالخليج من أجل زعزعة الأنظمة السنية الحاكمة بها، وتحديدا في السعودية.
ففي الفترة من 1979إلى1981 ، حدث صدام حقيقي بين التيار الشيعي في السعودية المدعم من الثورة الإيرانية والتيار الوهابي الذي يعد أساسا قويا من أسس النظام الحكام بالمملكة. لكن مع موت الخميني والغزو الأمريكي للعراق، بدأت الأقلية الشيعية في السعودية بالتراجع عن الصدام مع السلطة التي أثبتت مدى قوتها في مواجهة النفوذ الإيراني الشيعي بالخليج عموما، والسعودية تحديدا.
بالنسبة للوسائل السعودية لكبح جماح إيران، فقد تركزت في استخدام المال والسياسة، بدلا من القوة العسكرية، لاسيما بعد سيطرة الشيعة على مقاليد الأمور بالعراق، مما أدى لتزايد التدخل الإيراني، ليس بالعراق وحسب، ولكن في لبنان، والبحرين، واليمن أيضا، وهو ما اضطر السعودية لزيادة دعمها المالي للسنة في العراق، بل إن الرياض أعربت عن معارضتها للانسحاب الأمريكي من العراق بشكل يؤدي لتعميق النفوذ العسكري الإيراني بها.
من جانب آخر، حاولت السعودية استقطاب عناصر مؤيدة لإيران إلى معسكرها، وذلك بناء على تقسيم طائفي بحت. فعلى سبيل المثال، حاولت السعودية منع أي تقارب إيراني مع مصر ما بعد مبارك، لاسيما بعد الأنباء التي تحدثت عن إمكانية استئناف العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران، مما دفع السعودية لإرسال مساعدات مالية لمصر تقدر بـ4 مليارات دولار.
كما مكنت الاضطرابات الأخيرة في سوريا والسعودية من إضعاف المحور الراديكالي في المنطقة بقيادة إيران؛ إذ عملت الرياض على عزل سوريا عن تحالفها مع إيران، وإضعاف النظام الحاكم، بها على أمل صعود نظام حكم سني جديد، وذلك بالتواؤم مع الاستراتجية السعودية الجديدة التي بلورتها منذ أحداث الربيع العربي، والمتمثلة في محاولة بلورة خريطة تحالفات استراتيجية جديدة بالمنطقة تتوافق مع مصالحها. حاولت السعودية أيضا ضم كل من الأردن والمغرب إلى مجموعة التعاون الخليجي، في محاولة منها لـ" تحصين" الأنظمة المكلة السنية العربية في المنطقة، ولبلورة كتلة سنية معتدلة تحدث التوازن في المنطقة تجاه إيران.
توتر العلاقات الكويتية – الإيرانية
تتطابق وجهة النظر والسياسيات الكويتية تجاه إيران مع نظيرتها السعودية، نظرا للموقع الجغرافي للكويت، وقربها من إيران، ولوجود أقلية شيعية بها أيضا تمثل نحو ثلثي الأقلية الشيعية بها، رغم أن وضعهم بالكويت يختلف عن وضعهم بكل من الكويت والسعودية إذ يوجدون بمؤسسات الدولة الحساسة، ومن بينها مؤسسات النفط.
وكان المتغير الأهم في علاقات الكويت بإيران هو الغزو العراقي للكويت، إذ حاولت الكويت التقرب – ولو وقتيا- من إيران للحصول على دعمها ضد العراق. إلا أنه نتيجة السياسات العدائية من إيران تجاه الكويت خلال السنوات الأخيرة، فإن الدولتين في حالة عداء تقريبا، لاسيما بسبب البرنامج النووي الإيراني.
كما أن أحداث الربيع العربي أدت إلى تدهور آخر في العلاقات الكويتية- الإيرانية بسبب الاضطرابات في البحرين. وفي أبريل 2011 ، أعادت الكويت سفيرها من طهران، على خلفية القبض على شبكة تجسس إيرانية على الأراضي الكويتية.
محاولات قطرية للتقارب مع إيران
لم تتسم العلاقات بين إيران وقطر بالعدائية، بل إن الدوحة حاولت على مدى سنوات الحفاظ على حالة " الحيادية" بينها وبين إيران. ومن جانبها، حاولت طهران استخدام الدوحة كـ"جسر" لتحسين علاقاتها مع بقية الدول الخليجية.
فقد دفعت العلاقات المضطربة بين الدوحة والرياض، واعتماد الدوحة على الوجود العسكري الأمريكي بالخليج، إلى تطوير الدوحة سياسات أمنية وخارجية " مستقلة" عن بقية الدول الخليجية، وذلك بهدف الحصول على أهمية استراتجية أكبر بالمنطقة، وهو ما سمح لها بتدشين علاقات مباشرة وجيدة مع الكثير من الأطراف بالشرق الأوسط، وحتى طالبان في أفغانستان، والإخوان المسلمين في مصر، وحماس في غزة.
كما تحرص قطر على تطوير علاقاتها مع إيران، من خلال تدشين اتفاقات وتفاهمات أمنية معها. كما تمتنع قطر من خلال الجزيرة من توجيه أية انتقادات حادة لطهران ولنظام الملالي الحاكم، على عكس توجيه انتقادات لأنظمة حكم في بلدان عربية أخرى، إضافة إلى أن التعاون بين البلدين ينبع من حقيقة أنهما يتقاسمان حقل الغاز الطبيعي الأكبر في العالم المعروف باسم FIELD NORTH.
عقبات التطبيع بين الإمارات وإيران
تأثرت مواقف الإمارات تجاه إيران بقربهما الجغرافي والعلاقات التجارية التي تربطهما ببعضهما بعضا. وطوال سنوات طويلة، حرصت الإمارات على التقرب إلى إحدى القوى الإقليمية في المنطقة، فتقربت من العراق، وأيدته في حربها ضد إيران. لكن مع الغزو العراقي للكويت، انحازت الإمارات قليلا نحو إيران.
وكانت مشكلة الجزر الإماراتية الثلاث في الخليج العربي، التي تحتلها إيران، هي العقبة الأساسية في طريق تطبيع العلاقات بين إيران والإمارات، لكن بقى من مصلحة الطرفين عدم تطوير الصراع بينهما، وبالتالي فإنهما يفصلان بين هذه القضية وقضايا أخرى تتعلق بمصالحهما المشتركة.
أزمة الشيعة بين البحرين وإيران
منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران، وهناك مخاوف بحرينية من نيات الجمهورية الإسلامية تجاهها، وذلك رغم أن الأكثرية الشيعية في البحرين ليست أكثرية مؤثرة من الناحية السياسية، إلا أن المنامة تخشى من أن تصدر لها طهران الثورة.
وكان الاحتلال الأمريكي للعراق الذي أعاد الحياة للكتلة الشيعية في العراق سببا مهما من أسباب إعادة طرح الشيعة في البحرين لمطالبهم مرة أخرى، مما أثار حفيظة أسرة آل خليفة الحاكمة، وسبب كثيرا من المشاكل بين المنامة وطهران، لاسيما بسبب تأييد الأخيرة للحركات المعارضة داخل البحرين.
سلطنة عمان تتبني نهجا تصالحيا
تعكس سياسات سلطنة عمان تجاه إيران وضع هذه الدولة الجغرافي والعسكري والسياسي المتواضع، إذ دائما ما تفضل أن تكون على هامش بلدان الخليج العربي، وهو ما جعلها دائما تنتهج نهجا تصالحيا تجاه إيران وتجاه جميع القوى الأخرى في المنطقة من أجل الحفاظ على مصالحها الصغيرة.
كما انتهجت السلطة سياسات مماثلة لتلك التي انتهجتها قطر تجاه إيران، وذلك للحفاظ على مصالحها الاقتصادية مع إيران، ولكونها الدولة التي تشرف على مدخل مضيق هرمز ، مشتركة في ذلك مع إيران. كما أن السلطان قابوس استغل أن معظم سكان بلاده من " الأباضية"، وهو تيار إسلامي معتدل، من أجل الحفاظ على بلاده بعيدة عن أي تأثير إيراني، وأن ينتهج سياسات برجماتية تحفظ له مصالح سلطنته.
الخليج والصراع العربي - الإسرائيلي
يتأثر الصراع العربي – الإسرائيلي بشكل مباشر بمنطقة الخليج، وذلك رغم أن دول الخليج تحاول أن تشترك بشكل غير مباشر في حل هذا الصراع. فقد كانت قمة مدريد عام 1991 هي نقطة الانطلاقة للتقارب الرسمي بين إسرائيل ودول الخليج، لاسيما على المستوى الاقتصادي. إلا أن العلاقات الإسرائيلية - الخليجية مرت بعدة منعطفات، حسب تطورات الصراع العربي – الإسرائيلي، والتي كان من أهمها الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، والذي استتبعه إعلان كل من البحرين وقطر رفع الحظر الاقتصادي عن إسرائيل، في إشارة لتغير السياسات الخليجية في تعاملها مع إسرائيل من سياسات " سرية" إلى سياسات "علنية"،، بحسب المحلل الإسرائيلي.
وكانت مبادرة السعودية عام 2002 للسلام مع إسرائيل هي التحول الأكبر في السياسات الخليجية عامة، والسعودية خاصة، تجاه إسرائيل، إذ تخلت السعودية عن نهجها بعدم الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، وبادرت بالاعتراف بها، في حال انسحابها إلى حدود 1967.
ومع ذلك، فإن احتمالات تدشين علاقات سلام بين إسرائيل والخليج ضعيفة للغاية - بحسب المحلل الإسرائيلي- ، لاسيما بسبب التجربة السيئة لمصر والأردن في السلام مع إسرائيل. إلا أن الملحوظ أن الدولتين الخليجيتين صاحبتى العلاقات الجيدة مع إيران ( قطر، عمان) هما أيضا أكثر دولتين خليجيتين حافظتا على علاقات طيبة سرا مع إسرائيل، أسهم في ذلك الإطار الهش لمنظمة التعاون الخليجي التي تسمح لكل عضو ببلورة سياسات خارجية يختارها لنفسه.
ويعد التهديد الإيراني هو المتغير الأكثر فعالية في توجيه العلاقات الخليجية- الإسرائيلية؛ إذ إن إيران باتت تهديدا مشتركا لكل من إسرائيل والخليج. فمن وجهة نظر حكام الخليج، أن إسرائيل من الممكن أن تكون مفيدة لأمن الخليج فيما يتعلق بالتعامل مع إيران. فتسريبات وثائق ويكيليكيس كشفت عن وجود تعاون استخباراتي خليجي- إسرائيل في مواجهة إيران، وهو ما وصف بـ"الحوار السري والمستمر" بين الخليج وإسرائيل. كما أن إسرائيل من مصلحتها أن تظل القوى المعتدلة لها اليد العليا في الخليج، في الوقت نفسه الذي أصبحت فيه الساحة الخليجية مهيأة للتقارب أكثر مع إسرائيل، لاسيما لو نجحت مجهودات ضم الأردن لعضوية مجلس التعاون، بحسب المحلل الإسرائيلي.