قمة الثماني والنتائج المتواضعة 30-5-2012 عبد الزهرة الركابي * كشف البيان الختامي لقمة مجموعة الثماني التي عُقدت في أمريكا مؤخراً في منتجع كامب ديفيد بولاية ميريلاند، أبرز انشغالات المجموعة السياسية والاقتصادية والأمنية، ومن ضمنها الأزمة السورية، وبرنامج إيران النووي، والأزمة الكورية، ومسألة النمو الاقتصادي والإصلاحات المالية، وضرورة استمرار إمدادات النفط . وأبدى البيان خشيته من التحديات والأخطار التي مازالت تواجه الدول المشاركة في هذه المجموعة عندما أشار إلى أن إصلاح الاقتصاد العالمي يدل على إشارات واعدة، ومستدركاً “لكن رياحاً” معاكسة قوية لا تزال تهب . وأبرز شغل شاغل لهذه القمة في الحقيقة كان الجانب الاقتصادي، وكان إيجاد مخرج ممكن لليونان من أزمتها الاقتصادية الخانقة في مقدمة جدول أعمال القمة، بيد أن مثل هذا المخرج بدا متعذراً، الأمر الذي تُرك لليونان في اتخاذ القرار المناسب احتراماً لالتزاماتها، على الرغم من الرغبة التي أبدتها دول المجموعة في بقاء اليونان ضمن منطقة اليورو، حيث يخشى المستثمرون من أن يؤدي تراجع اثينا عن تنفيذ ما اتفق عليه من خفض في الانفاق الحكومي إلى خروج اليونان من مجموعة الدول المتعاملة باليورو، وفي مثل هذه الحالة قد تتعرض دول أخرى تعاني عبء الديون، كإسبانيا وإيطاليا، إلى ضغوط شديدة مما قد يؤدي بدوره إلى اضطراب كبير في منطقة اليورو بأسرها أو حتى إلى أزمة مالية دولية تنافس في شدتها أزمة عام ،2008 وربما يكون مثل هذا الأمر مفيداً لأمريكا التي لا تريد أن يكون اليورو منافساً جدياً للدولار، كما ان الأزمة المالية التي واجهتها قبل سنوات، جعلت واشنطن لا تبدي حماسة في المشاركة العملية في دعم منطقة اليورو، حيث أعلنت أكثر من مرة أنها لن تشارك في أي مساعدة مالية تخص منطقة اليورو، مع أن الرئيس الأمريكي أوباما، عبر عن ثقة بلاده في قدرة أوروبا على مواجهة تحدياتها، أي أن الرئيس الأمريكي قام بالفصل بين التحديات الاقتصادية التي تواجه أمريكا، والتحديات التي تواجه أوروبا، وقد كان دبلوماسياً في هذا الجانب، عندما صرح للصحافيين بالقول، إن الاستقرار والنمو للاقتصاد الاوروبي هو في مصلحة الجميع . وبعيداً عن الجانب الاقتصادي، فقد ناقش زعماء مجموعة الدول الثماني، الأوضاع في أفغانستان بالإضافة إلى الانشغالات التي أسلفنا ذكرها، في حين تناسوا أو تغافلوا عن مناقشة أزمة الشرق الأوسط، ولم تكن أصلاً على جدول أعمالها، بينما أسهبت في مناقشة أزمات ليست مهمة أو مؤثرة في السلم في العالم، وقد كان هناك تباين في المواقف من القضايا التي كانت مطروحة للنقاش بما في ذلك التي تتعلق بالجانب الاقتصادي، مثل التقشف والإنفاق . لا شك ان الأزمة الاقتصادية والتي تتعلق في منطقة اليورو، كانت الموضوع الرئيس لهذه القمة، وقد كانت هناك تساؤلات معقدة ومطروحة في النقاش: هل اليونان من منطقة اليورو؟، الحكومة الفرنسية بعد التغيير ما هو موقفها من التحول في السياسة الاقتصادية؟، قادة فرنسا وألمانيا وأزمة الديون الأوروبية والسعى لايجاد أرضية مشتركة وهل تؤثر خلافات الحكم على ذلك؟ مباراة الذهاب إلى أمريكا واستبيان دورها من قبل (أوروبا القديمة) ما العلل؟ . كل هذه التساؤلات ظلت تتأرجح من دون أجوبة شافية، فقد بينت النتائج أن سلسلة من المشاكل الصعبة لم يتم حلها في غضون يومين (نقاش) . فرنسا فقط، وألمانيا، وقادة أمريكا، حاولوا منع التناقضات كي لا تسود بينهم، إذ توصلت أوروبا وأمريكا في النهاية، إلى أن إيجاد توازن بين النمو والانكماش أمر صعب . ومن هذا، فإن المفتاح يكمن في الدول الغربية المتقدمة والدول الناشئة، كي تعمل معاً لإيجاد حوار فعال وآليات التعاون، فكل الأطراف المعنية حول القضايا الاقتصادية والدبلوماسية في منصة واحدة، من أجل تجاوز الخلافات والسعي إلى الربح للجميع، بيد أن قمة الدول الصناعية الثماني، شهدت انحساراً في الحجم والفاعلية، ومن الطبيعي في ظل هذا الانحسار، أن لا تتمخض عن نتائج مهمة يُعتد بها، بل شهدت تقلصاً في حجمها، وبغياب الرئيس الروسي بوتين، فإن هذه القمة، كانت لقادة الدول الصناعية السبع . من الواضح ان امتناع بوتين عن حضور القمة، سبّب حرجاً كبيراً للأمريكيين، على الرغم من أن الرئيس الروسي أبلغ نظيره الأمريكي أوباما وقبل أسبوع من انعقاد القمة، بعدم حضوره لأسباب تتعلق بانشغاله في تشكيل الحكومة، وقد ردت الإدارة الأمريكية بالمثل سلفاً، عندما أبلغت الكرملين بأن أوباما لن يحضر قمة الأبيك التي ستعقدها روسيا في أيلول/ سبتمبر القادم، وذلك يعود إلى ازدحام جدول أعمال الرئيس الأمريكي لحملته الإنتخابية . إذاً، الافتقار إلى تحقيق نتائج ملموسة، هو السبب وراء وصول هذه القمة لهذا المستوى، وهذا ما يُفسر منع وسائل إعلام كثيرة من تغطية القمة، ما عدا القليل من وسائل الإعلام التابعة للدول الثماني الأعضاء في المجموعة . ----------------------- * نقلا عن دار الخليج، الثلاثاء 29 مايو 2012. رابط دائم: