اليوم التالى ليوم انتخاب الرئيس 24-5-2012 سمير كرم * كاتب سياسي مصري اتسمت الفترة التى سبقت يوم انتخاب الرئيس المصرى بدرجة عالية من الانشغال والحساسية لم يسبق لها مثيل فى تاريخ النشاط السياسى فى بلادنا. كان معنا حق ان ننشغل إلى هذا الحد وأن نتهيأ لهذا اليوم بكل الاهتمام الذى يلزم ويليق بمناسبة انتخاب رئيس للجمهورية لمصر فى عهد الثورة باسلوب ديمقراطى لأول مرة فى تاريخ الجمهورية بل فى التاريخ المصرى بطوله. وعندما خطرت لنا فكرة إجراء مناظرة رئاسية كالمناظرة التى تجرى فى الولايات المتحدة مرة او اثنتين او أكثر حرصنا على أن نتبع المناهج الدقيقة التى تتبع فى امريكا فى المناظرة الاخيرة التى تسبق انتخاب الرئيس. وسمحنا لأنفسنا بأن نتقيد بالقواعد الديمقراطية إلى اقصى الحدود مع ان تجربتنا مع الديمقراطية تجربة حديثة العهد. وقد ادركنا ــ مصيبين ــ أن العالم يرقبنا ليرى كيف سيكون أداؤنا وتطبيقنا للقواعد الدقيقة والمحكمة. وجاءت المناظرة على أكمل وجه ممكن وكان لنا باع طويل فى المناظرات الرئاسية، بغض النظر عن اداء المرشحين اللذين وقع عليهما الاختيار. وبدا بوضوح ان العالم امتدح اداءنا للمناظرة واعتبرنا بذلك اننا قد عبرنا ممرا صعبا كانت تكتنفه الاخطار النظرية والعملية والنفسية من جوانب كثيرة. وحتى حينما بدا أن باقى المرشحين للرئاسة عازفون عن خوض التجربة التى خاضها بشجاعة المرشحان اللذان تناظرا بالفعل، لم يترك هذا فينا أثرا سيئا. واليوم وقد وصلنا إلى نقطة البداية الحقيقية لهذه الممارسة الصعبة فى الديمقراطية فإننا مشغولون اكثر من المعتاد، فى مثل هذه المواقف نود من أعماقنا أن نعبر هذا النفق الصعب إلى بر الأمان. بدونا وكأننا ــ بعد تجربة الثورة وعلى الرغم منها ــ لا نكاد نصدق ان الرجل الذى سننتخبه لن يستطيع وفقا لأى سيناريو يمكن أو لا يمكن تخيله أن يؤدى الدور المنوط به. إن تحديدنا للرئيس الذى سيتولى المسئولية هو قرار بالغ الاهمية لا يعادله أى من القرارات التى اتخذناها منذ أن تمكنا من تنفيذ قرار إسقاط رئيس النظام السابق. بل ربما بدا لنا ان انتخاب الرئيس اليوم (وغدا وربما بعد ذلك فى تواريخ الاعادة) هى مهمة اصعب من كل المهام السابقة. وقد نكون محقين إلى حد كبير فى هذا التقدير فإن تقديرنا لأهمية منصب رئيس الجمهورية يعتمد على تاريخ طويل من حكم الفرد امتد من بدايات عصور الفراعنة إلى آخر ايام مبارك فى الحكم. ولهذا نبدو وكأننا لا نصدق ان رئيس الجمهورية القادم لن يستطيع ان يتجاوز فترتى رئاسة من ثمانى سنوات، بل اننا نستطيع ان نودعه بعد اربع سنوات فقط اذا تبين لنا انه لم يستطع ان يكون على قدر المسئولية، ولن تستطيع قوة داخلية او خارجية مهما كانت ان تفرضه علينا بعد فترة رئاسة أولى أو فترتين. مع ذلك ينبغى أن نعى جيدا أن اليوم التالى ليوم انتخاب الرئيس يوم يفوق فى اهميته كل الأيام الأخرى. ربما يفوق حتى يوم تنحية مبارك عن الرئاسة. امور كثيرة وبالغة الأهمية ستتوقف على الطريقة التى سنسلك بها فى اليوم الذى يلى اختيارنا للرئيس. كيف سنستقبله ونسلمه الرئاسة، كيف سنتعامل مع اختيار اغلبيتنا له وبالتالى كيف سيكون شعور اولئك منا الذين لم يعطوا صوتهم لهذا الرجل وكانت آمالهم معلقة بمرشح آخر. كيف سيكون شعور اولئك الذين ارادوا ان تكتمل صورة هيمنة التيار الدينى على الوضع السياسى للبلاد اذا هم فقدوا منصب رئيس الجمهورية لمرشح من تيار الليبراليين او من تيار الفلول. وكيف سيكون شعور الذين صوتوا للمرشح الليبرالى او اليسارى اذا ما نجح التيار الدينى فى توصيل مرشحهم إلى سدة الرئاسة. يضاف إلى هذا كيف سيكون الانفعال الشخصى للرئيس المنتخب وقد نجح فى الحصول على تأييد اغلبية، حتى وان كان الفارق بنسبة ضئيلة، وهو ما يحدث عادة فى انتخابات الرئاسة فى الدول التى سبقتنا إلى تكريس الديمقراطية خاصة فى الانتخابات الرئاسية. وقد كانت تجربة انتخاب المرشح الاشتراكى الفرنسى اولاند حاضرة فى اذهاننا ونحن ندخل لجان الانتخاب للادلاء بأصواتنا. إن العالم سيرقب سلوكنا فى اليوم التالى ليوم الانتخاب بدرجة من الاهتمام والحساسية تفوق كثيرا تلك التى راقب بها المناظرة الرئاسية المصرية الاولى. سيرقبنا ليرى ماذا سنفعل إزاء النتيجة. قبل خمس سنوات عقدت جامعتا هارفارد وستانفورد الامريكيتان ورشة عمل فى اطار برنامج مشترك بينهما تحت عنوان «ورشة عمل اليوم التالى» فى اطار مشروع مشترك ايضا باسم «مشروع الدفاع الوقائى» شارك فيه عدد من المسئولين المدنيين والعسكريين والعلماء وخبراء السياسة والاعلاميين لمناقشة ما يتعين عليهم ان يفعلوا فى اليوم التالى لوقوع تفجير نووى فى مدينة امريكية. وقد اسفرت هذه المناقشة النظرية عن اصدار تقرير وقع فى اكثر من 240 صفحة. وعلى الرغم من ان الفوارق كبيرة بين موضوعنا وموضوع هذه الورشة إلا أننى أتصور أننا سنحتاج إلى مناقشة مماثلة لما يتعين أن يكون فى اليوم التالى لانتخابات الرئاسة فى وطننا.. على الاقل من ناحية الاهمية والدقة فى قراءة النتائج وردود الفعل. وهناك فارق كبير هو ان ورشة العمل الامريكية تركزت على حدث لم يقع اصلا مهما كانت خطورته المتصورة، بينما ستتركز ورشة العمل المصرية على حدث وقع بالفعل وله وزنه السياسى الكبير على تجربتنا الديمقراطية. مبالغة.. ربما، لكنها تهون امام الأخذ بالمنهج نفسه على نحو ما فعلنا مع المناظرة الرئاسية. ------------------ * نقلا عن الشروق المصرية الأربعاء ٢٣ مايو ٢٠١٢. رابط دائم: