تغيير خريطة السنّة اللبنانيين 22-5-2012 حسام عيتاني * لا حربَ أهلية في لبنان. في المدى المنظور على الأقل. هذا ما تقوله الحسابات والتحليلات الباردة لمصالح القوى المحلية والمؤثرة في السياسات اللبنانية. بيد أن ذلك لا يلغي حقيقة محاولة أطراف عدة تعديل موازين القوى و «تصحيح» بعض الخلل الذي شاب المعادلات الطائفية في الأعوام القليلة الماضية. وما جرى في الأسبوع الماضي يندرج في سياق ما تسميه الأسواق «جني الأرباح». فانشغال النظام السوري بالثورة والحصار الاقتصادي وأزمته العامة، من جهة، وارتباك الحكومة التي شكلها حلفاء سورية في لبنان حيال حجم التغيرات في المنطقة وإخفاقها في إيجاد لغة مشتركة ما بين أعضائها وتفكك مؤسسات الدولة، الخدمية والادارية والامنية، من جهة ثانية، تعطي المعارضين انطباعاً بإمكان تحسين مواقعهم. وعلى غرار الأسواق، غالباً ما يترافق «جني الأرباح» مع انخفاض مؤشرات السوق. فانفلات الأمن وتدهور الوضع الاقتصادي، وعلى رغم خطرهما الداهم، إلا أنهما يظهران اقتراب الحال التي أراد بشار الأسد وانصاره إرساءها في لبنان، من نهايتها. قيادة «حزب الله» أكدت مرات عدة أنها متمسكة بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وهو ذات موقف دمشق، برغم الانتقادات الحادة التي وجهت الى ميقاتي من قبل أقرب الحلفاء الى النظام السوري. ويدرك الحزب والنظام استحالة استبدال الحكومة الحالية بواحدة أكثر استجابة لضروراتهما في الظرفين الداخلي والدولي الحاليين. وسيكون اسقاط الحكومة مؤجلاً إلى ان يرى «حزب الله» والرئيس السوري مصلحة في ذلك، ارتباطاً بتطور الثورة السورية وخسارة النظام الأوراق التي ما زال يناور بها. في المقابل، تشعر مجموعات كبيرة من المعارضة السنّية، خصوصاً غير المنضوية في تيار «المستقبل»، ان الوقت قد أزف لطي صفحة السابع من أيار (مايو) 2008 ومفاعيلها السياسية التي شكلها اتفاق الدوحة. في نظر هؤلاء، تحتل الثورة السورية ونصرتها، مكاناً مركزياً في تصورهم لتعديل ميزان القوى المائل بشدة لمصلحة «حزب الله» منذ سنوات. وفيما يأخذ كثر على الحزب إصراره على ضرب «المستقبل» وزعامة سعد الحريري وما يمثلان من اعتدال - نسبي - في صفوف السنّة، ما فتح الطريق واسعاً امام فئات اكثر تشدداً في هذه الطائفة، يقول آخرون ان الحزب كان يتصرف بوعي وإدراك لما يعنيه سلوكه حيال الحريري. فالانغلاق الشيعي الذي ترافق مع تصاعد في الغرور وتجاهل الجوامع المشتركة مع اكثر من نصف اللبنانيين، لا يزدهر وينتعش إلا في مواجهة تطرف وانغلاق سنيين. لا يبرئ هذا الكلام تيار «المستقبل» وقيادته من جملة طويلة من الخطايا التي ارتكبتها منذ العام 2005 ومنها افتقارها الى الرؤية التصالحية مع الطائفة الشيعية وعدم فهم آليات اشتغال الاجتماع السياسي اللبناني وهيمنة مجموعة من قصيري النظر والنفس على التيار، إضافة إلى سلسلة من فضائح الفساد والصرف التعسفي في مؤسسات التيار وتلك التي يديرها أفراده، في بلد تتداخل فيه الشؤون السياسية بالاقتصادية بالعائلية. والحال ان الجماعات السياسية السنّية التي يصطلح على وصفها «بالسلفية» (مع التحفظ على هذه التسمية)، تسعى الى احتلال حيز تراه خالياً من أي قوة تستطيع الاستفادة من المعطيات الجديدة وفرض نفسها كممثل للتغيرات التي تجتاح المنطقة العربية. الحديث عن المضمون الاجتماعي والسياسي للجماعات هذه، مؤجل. لكن يصح الاعتقاد ان الطبقات الوسطى والفقيرة في الطائفة السنية اللبنانية وخصوصاً في الأرياف وأحياء البؤس البيروتية، تريد استعادة صوتها لدى الزعامة الحريرية، على الأقل، او ان تحل مكانها، على الأرجح. ---------------- * نقلا عن الحياة اللندنية، الثلاثاء 22 مايو 2012. رابط دائم: