الجزائر إلى أين بعد الانتخابات؟ 20-5-2012 عوني صادق * أسفرت الانتخابات التشريعية الجزائرية عن مفاجأة كبيرة . كان المراقبون ينتظرون، وكانت الأوضاع المحلية والظروف الإقليمية تفرض، تغييراً ما في خريطة الجزائر السياسية، لكن النتيجة جاءت مخالفة لذلك، حيث تبين أن النظام أعاد إنتاج نفسه وكرّس سيطرته على الوضع في البلاد، وكأنما أراد جنرالاته أن يؤكدوا للجميع أن “الجزائر غير . .”! صحيفة (الوطن 12/5/2012) الجزائرية الناطقة بالفرنسية اختصرت النتيجة بعنوان يقول: “التجديد للأحزاب الحاكمة واستمرار الوضع القائم” . وزير الداخلية، دحو ولد القابلية، فسر النتيجة بالقول: إن الجزائريين صوتوا “لمن يعرفونهم”، واختاروا الاستقرار والسلم الأهلي . عبد العزير بلخادم، الأمين العام لحزب “جبهة التحرير الوطني”، قال: “عبرت النتائج عن ثقة الشعب بجبهة التحرير” . وفي الوقت الذي شككت الأحزاب الإسلامية والعلمانية بنزاهة العملية الانتخابية، وكذلك اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات، واتهمت السلطات بالتزوير، رحّبت بها الجامعة العربية، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، وأشادت بعملية ونتائج الانتخابات . بلغ عدد المسجلين في جداول الانتخابات أكثر من 21 مليوناً، صوت منهم زهاء 9 ملايين ناخب، وكانت نسبة المشاركة الرسمية 3 .42% من مجموع الأصوات، بينها أكثر من مليون ورقة بيضاء، مقابل 7 .37% في انتخابات 2007 . الفائزون اعتبروا ذلك تحسناً في نسبة المشاركة . ذلك يعني أن نحو 58% من الجزائريين امتنعوا عن المشاركة، أي أن أكثر من نصف الشعب الجزائري لم ينظر إلى هذه الانتخابات بجدية، وأنه لم تكن لديهم أية ثقة لا بالانتخابات ولا بمن يجرونها . لذلك، ربما كانت زعيمة حزب العمال الجزائري، لويزا حنون محقّة عندما قالت بعد ظهور النتائج: “إن الممتنعين عن التصويت هم أكبر حزب في الجزائر” . أما محسن بلعباس، رئيس حزب “التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية”، فذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال: “إن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات لم تتجاوز نسبة 18%” . وبكلمة أخرى، حصل الحزبان الحاكمان على ما يقرب من ثلثي المقاعد في البرلمان الجديد (62%)، وهو ما يعني أنهما معاً يستغنيان عن كل الأحزاب والمستقلين في المجلس، بحيث يتأكد أن النظام واحد من أنظمة الحزب الواحد، فلا تعددية ولا ما “يفرحون!”، وكما رأى البعض، فإن النظام سعى إلى مجلس “فسيفسائي” من أقليات سياسية ضعيفة يسهل التحكم بها ويسهل إلحاقها بالنظام . كانت استطلاعات الرأي وتحليلات المحللين تتوقع أن يحصل الإسلاميون وحدهم على 60% من مجموع المقاعد، ما جعل النتائج تشكل صدمة كبيرة لهم دفعتهم إلى التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية واتهام السلطات بالتزوير . ومع أن الاستطلاعات كثيراً ما تكون موضعاً للتشكيك في دقتها، وكذلك قد يخطئ المحللون في تقديراتهم، إلا أنه من الجدير بالذكر أن “جبهة التحرير الوطني” ذهبت إلى الانتخابات وهي منقسمة وتسودها صراعات حادة، وأن الائتلاف الحكومي لم يحقق شيئاً مما وعد به على مدى دورتين من الحكم ما بين 2003- ،2007 حظي خلالهما بقسط كبير من سخط الجماهير الجزائرية، ما لم يمنحه في نظر المراقبين جدارة توفر له ما أظهرته الانتخابات من شعبية ل”جبهة التحرير” . لكن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كان قد تدخل مرات عدة لدفع الناخبين إلى المشاركة في الانتخابات، آخرها في خطاب وجهه من ولاية صطيف، قبل يومين من إجراء الانتخابات، محذراً من التقاعس وقائلاً: “حتى لا نجد أنفسنا أمام ميدان التحرير”، بعد أن أكد أنه لن يرشح نفسه لولاية رابعة . وهناك من رأى أن تدخلات بوتفليقة كانت لمصلحة الحزب الحاكم، عبر التخويف، بطريقة غير مباشرة، من القادم إن فشلت الانتخابات . بعد النتيجة التي أصبحت معروفة، وبعد اعتبار البعض أنها كانت “تراجعاً عن الديمقراطية”، بحسب زعيم “حركة مجتمع السلم”، أبو جرة سلطاني الذي حذر من أن “النتائج لا تضمن الاستقرار ولا تساعد على بناء ديمقراطية تشاركية” (الصحف- 12/5/2012)، وبعد تهديد عبدالله جاب الله باللجوء إلى “الخيار التونسي”، يصح التساؤل عن مرحلة ما بعد العاشر من مايو/ أيار الجزائري . وفي افتتاحيتها، قالت صحيفة (الجزائر- 12/5/2012): “ما ينبغي إدراكه اليوم هو أن الجزائر في حاجة إلى دم جديد، إلى حكومة أخرى غير الحكومات” الفاشلة حتى تاريخه . ولكن من أين، وهل وفرت الانتخابات الأخيرة شيئاً من ذلك؟ ---------------------- * نقلا عن دار الخليج، 20/5/2012. رابط دائم: