الصومال على مفترق طرق 17-5-2012 عبد الرشيد حاشي * محلل الشؤون الصومالية في مجموعة الأزمات الدولية على مسار سياسي مفروش بالعقبات والأخطار، يقف الصوماليون في مفترق طرق جديد، ففي غضون ثلاثة أشهر من الآن ستنتهي فترة حكم المؤسسات الفيدرالية الانتقالية الحالية، وتدور في أذهان الجميع تساؤلات عما سيجري خلال الفترة القادمة، ولن يكون إجراء انتخابات بالأمر الممكن، ومن ثم أجمع السياسيون الصوماليون وداعموهم الدوليون، يقودهم في ذلك الأمم المتحدة، على أن يقود زعماء القبائل المرحلة القادمة من العملية الانتقالية. لكن السؤال الذي يظل مهيمنا هو: من سيمثل العشائر الصومالية؟ وأي أخطاء في تسميتهم سيكون لها عواقبها على التقدم السياسي والأمني الملحوظ الذي تمكن الصومال من تحقيقه حتى الآن. على مدى الشهرين القادمين سيكون زعماء القبائل اللاعبين الأبرز على الساحة السياسية الصومالية، وعوضا عن أن يقوم الأجانب أو السياسيون باختيار أعضاء البرلمان القادم، سيضطلع 135 زعيم قبيلة بهذه المهمة، وسيكلف هؤلاء الزعماء بمهمتين؛ الأولى هي اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية التي تتألف من 825 عضوا، والتي في المقابل ستناقش وتصادق على الدستور الجديد، والثانية هي تعيين 225 أو 275 عضوا في غرفتي البرلمان، وبدوره سينتخب البرلمان الرئيس القادم. لكن هناك خطرا، وهو أن هؤلاء القادة يجب أن يكونوا معترفا بهم كزعماء لقبائلهم دون منازع، وقد تقود عملية اختيار هؤلاء الزعماء إما إلى فجر جديد أو تعود بالصومال إلى حالة الفوضى. وإجمالا، فإن القادة القبليين يحظون باحترام واسع من قبل عشائرهم، وغالبيتهم يتحلون بالنزاهة والحيادية والثقافة، وتشير التوقعات إلى أن هؤلاء الزعماء، إذا لم يتم التلاعب بالعملية، سوف يختارون نوابا أكفاء ويتحلون بالمصداقية، بيد أنه إذا ما أفسد سياسيون ذوو أجندات شخصية العملية وقاموا بتمكين زعماء قبائل مخادعين فقد يبيع هؤلاء المحتالون مقاعد البرلمان إلى أصحاب العطاءات الأعلى. سيكون المشروع الصومالي الكامل لإنهاء العملية الانتقالية المعطلة والتوجه نحو حقبة سياسية أكثر تقدمية حينئذ عديم الجدوى، وأي مؤسسات ناتجة عن ذلك ستفتقر إلى الشرعية وربما تدخل البلاد التي مزقها العنف حقبة جديدة من الشكوك إن لم يكن في نطاق تام من الفوضى. ينبغي ألا يحدث ذلك، فالمجتمع الدولي لديه التزامات، ويمتلك القدرة على التأكد من أن العملية لم تتعرض للسطو أو تشوه بصورة غير ضرورية. عملية جمع هؤلاء الزعماء في مقديشو تجري حاليا، ونحن بحاجة لأن تقوم الحكومة أو من يقومون بأمر الدعوة بنشر قائمة بأسماء 135 زعيما قبليا، يكونون ممثلين حقيقيين للمجتمعات الصومالية. تتمتع غالبية القبائل الصومالية بزعماء معروفين، ولا ينازعهم أحد في مكانتهم، ومن ثم فإن معيار عملية الاختيار أو الدعوة يجب أن يكون شفافا، لكن هناك اعتبارا آخر مهم، وهو أن بعض هؤلاء الزعماء لن يتمكنوا من الاضطلاع بمسؤولياتهم بسبب سوء حالتهم الصحية، أو لامبالاتهم للسياسة، أو نتيجة لعدم قدرتهم على الوصول إلى مقديشو. في هذه الحالات يجب أن يكون هناك معيار لاختيار زعماء العشائر الذين يحلون محل قادة القبائل الذين لا يتمكنون أو لا يبدون رغبة في الحضور. في بعض الحالات، قد لا تتفق العشائر على زعماء لها، فكيف يمكن أن يمثلوا في مؤتمر زعماء القبائل. وتشكل قضية اختيار ممثلي قبائل منطقة أرض الصومال مسألة أخرى جديرة بالاهتمام. فزعماء القبائل في إقليم أرض الصومال قد لا يرغبون في الحضور إلى مقديشو بسبب الحصار الحكومي أو بسبب عدم رغبتهم في ذلك، فكيف سيتم اختيار أعضاء البرلمان عن أرض الصومال؟ وللتعامل مع الحاجة إلى الشفافية والتمتع بثقة الشعب الصومالي ينبغي إنشاء لجنة فحص ومراقبة دولية وصومالية، وقد تتألف هذه اللجنة المتخصصة من ممثل من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، كالسفير البريطاني على سبيل المثال، وممثل عن منظمة المؤتمر الإسلامي مثل تركيا، والجامعة العربية كالإمارات على سبيل المثال، و4 من منظمات المجتمع المدني أو القادة السياسيين. ستكون المهمة الرئيسية للفريق التحقق من المؤهلات، والتصديق على اختيار 135 زعيما قبليا إلى جانب نزاهة العملية الكلية لإنهاء الفترة الانتقالية، وسوف تبدو كلجنة مراقبة انتخابات تقليدية، ويمكن أن تقدم توصيات حول كيفية التغلب على المشكلات التقنية. وهناك اعتبار مهم في العملية الانتقالية يتمثل في الاتفاق على دستور جديد، فقد استثمر المجتمع الدولي بكثافة في الإعداد لهذه الوثيقة، لكن غالبية الشعب الصومالي إما أنه لا يكترث بشأن ذلك، أو أنه لا يرغب في عملية كتابة الدستور بشكل عام. هذا الافتقار إلى الحماسة يعود إلى استراتيجية الاتصال السيئ التي تنتهجها الحكومة الصومالية مع داعميها الدوليين. وفي شأن المحتوى والجودة، فإن مسودة الدستور تشكل تطورا للميثاق الدستوري الحالي الذي يعج بالتناقضات، لكن الكثير من المواطنين يبدون حالة من التشاؤم. هناك مثل صومالي يقول: «الرجل الذي يرتدي ثوبه بصورة غريبة يبدو كأنه يخفي شيئا ما». وقد عانى الدستور وعملية وضع الدستور من انتقادات مماثلة، فقد واجه القانون الأساسي انتقادات حادة من بعض الجهات، وقد حان الوقت كي يتوقف الداعمون عن توجبه الانتقادات وأن يبدأوا حوارا فاعلا مع الشعب الصومالي، ومن المهم أيضا استعادة الثقة الشعبية بنفي الشائعات والتشويه بشأن صياغة الدستور. إن الشعب الصومالي بحاجة ماسة إلى إدارة سياسية جديدة، لكن العملية التي تقود إلى وجود هذه الإدارة يجب أن تكون عادلة وشفافة، لأن اختيار زعماء القبائل هو الاختبار الحقيقي. ----------- * نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية، الخميس 17/5/2012. رابط دائم: