في خضم ما تشهده الساحة السياسية في مصر، بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، من اهتمام مرشحي انتخابات رئاسة الجمهورية، لعام 2012، بتضمين مشروعات التنمية برامجهم الانتخابية، كإحدى آليات قياس قدرة البرنامج الانتخابي على تقديم رؤية مستقبلة للتنمية في مصر، عقد مركز شفافية للدراسات المجتمعية والتدريب الإنمائي ندوة للحديث عن ممرات التنمية التي تتضمنها البرامج الانتخابية للمرشحين لرئاسة الجمهورية، فضلاً عن مشروعات التنمية التي تم عرضها على حكومات ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتلك التي تم عرضها على حكومتي الدكتور عصام شرف ،والدكتور كمال الجنزوري بعد الثورة، ولم تلق اهتماماً.
وقد عُقدت الندوة بمشاركة عدد من الخبراء المصريين في مجال الاقتصاد والزراعة والصخور، وممثلي الحملات الانتخابية لبعض مرشحي الرئاسة، ومن أبرز المشاركين : الدكتور إبراهيم النطار ، نائب رئيس المجلس العربي الإفريقي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والدكتور طارق حسان، خبير الصخور الدولى، والأستاذ عبد العزيز الحسيني، استشاري التخطيط العمرانى، والدكتور زكريا الحداد ، خبير في مجال الزراعة، وممثل حملة دعم المرشح للرئاسة حمدين صباحي، والأستاذ محمود عبد الله المحامى، ممثل حملة دعم المرشح للرئاسة أبو العز الحريري، والأستاذ علاء عبد الفتاح، ممثل حملة المرشح للرئاسة خالد علي.
أولاً- مشروعات التنمية التي عُرضت من قبل على الحكومات المصرية:
أوضح المشاركون أن هناك ثلاثة مشروعات للتنمية تم عرضها على كل من حكومتي الدكتور عصام شرف والدكتور كمال الجنزوري بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولكنها لم تلق اهتماما من الحكومتين، ولا يزال الخبراء المصريون على استعداد لعرض هذه المشروعات على الحكومات القادمة، وتمثلت في الآتي:
- المشروع الأول - الاكتفاء الذاتي من السكر: حيث إن مصر تقدم دعما للسكر بمقدار 730 مليون دولار سنويا، وهو المبلغ الذي يمكن توفيره من خلال التوسع فى زراعة البنجر، وإنشاء مصانع لتكرير السكر منه، وذلك بمشاركة القطاعين العام والخاص، مما يسهم في توفير أموال الدعم التي تقدمها الدولة، وتشغيل الآلاف من الشباب في هذا المشروع، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
- المشروع الثاني - إصلاح قطاع الغاز الطبيعى : حيث أكد المشاركون أن مصر حينما تقوم بتصدير مواردها الطبيعية – مثل الغاز الطبيعي- كمورد خام، تخسر مليارات الدولارات، كما تفقد خبرات لا تجد عملاً لها في الداخل، فتهاجر للخارج للبحث عن بديل، وبالتالي يمكن تجنب ذلك من خلال ثلاث مراحل : 1- استخدام ثلثي الغاز الطبيعي الخام في الصناعة والإنتاج المحلي لاستخراج خامات مثل "البولي إثيلين،و البولى بروبلين، والبلاستيك". 2- تغطية الاستهلاك المحلي من الغاز لحل أزمة نقص اسطوانات الغاز الداخلية. 3- في حالة وجود فائض للغاز الطبيعي، يمكن تصديره للخارج.
- المشروع الثالث- نقل طمى النيل من خلف السد العالي: حيث يبلغ حجمه 6 مليارات طن، ويمكن نقله من خلال أنابيب ومعدات، لاستخدامه في إعادة استصلاح الصحراء ، وزيادة رقعة الأراضي الزراعية، مما ينتج عنه: 1- التخلص من الطمي المتراكم خلف السد العالي، والذي يتسبب في تعطيل توربينات السد. 2- خلق فرص عمل جديدة في هذا المشروع. 3- زراعة أراض لتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية كالقمح والأرز. وقد أوضح المشاركون بالندوة أن هذا المشروع بالتحديد قد قام مهندس مصري بعرضه منذ سنوات على حكومة السيد عاطف عبيد، ولكنه لم يلق سوى المساومات، كما تم عرضه بعد ذلك على حكومة الدكتور عصام شرف دون اهتمام.
ثانياً- تقييم مشروعات التنمية المقدمة من بعض مرشحي الرئاسة:
- الجوانب القاصرة في مشروعات التنمية الموجودة في تلك البرامج:
أوضح الخبراء المشاركون في الندوة أن هناك قصورا في مشروعات التنمية المعلن عنها في البرامج الانتخابية لبعض مرشحي الرئاسة، حيث غفلت جوانب مهمة في تلك المشروعات، وذلك على النحو التالي:
- المشروع الخاص بنقل عدد من السكان إلى الصحراء الغربية، فقد أكد الخبراء أن درجة الحرارة في الصحراء الغريبة تصل إلى 46 درجة مئوية، وبالتالي يصعب إقامة حياة للسكان هناك، ولابد من "خفض درجة الحرارة في الصحراء الغربية"، ويتم ذلك من خلال استخدام "منخفض القطارة" لتنشيط المياه المالحة في البحر المتوسط، مما يسهم في تنشيط الجو وتلطيفه على بعد 500 كيلو متر مربع من شاطئ البحر.
- مشروع استخراج الذهب من صخور الطمي خلف السد العالي: فقد أكد الخبراء أنه قد تم اكتشاف وجود معدن الذهب ممزوج بالطمي المتراكم خلف السد العالي البالغ (6 مليارات طن)، مما دفع البعض إلى التفكير في تدمير صخور الطمي من أجل الحصول على معدن الذهب. وقد وصف خبراء الصخور هذا الأمر بالجريمة، لأن صخور الطمي أهم بكثير ، ولها عائد أكبر من ذلك الذي يمكن الحصول عليه من معدن الذهب، وبالتالي هناك حاجة لأن تكون النظرة أكبر وأشمل من مجرد الحصول على الذهب، من خلال الآتي: 1- فصل الذهب عن الطمي. 2- نقل الطمي إلى المناطق التي تتم فيها الزراعة، وعلى جانبي النيل، مما يسهم في تقليل نسبة الملوحة في المياه، وتجدد الثروة السمكية.
- مشروع تطوير قناة السويس: فقد تمت الإشارة إلى أن غالبية المرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية طرحوا خططا متشابهة لتطوير "قناة السويس". وقد وصف الخبراء تلك الخطط بأنها قاصرة ،لأنها تغفل البدء في تطوير القناة من رأس المثلث فى الجنوب ، وتفتقد التركيز على إنشاء نواة للصناعات الثقيلة.
- الجوانب الإيجابية في مشروعات التنمية الموجودة في تلك البرامج:
- الحديث عن إمكانية تحسين جودة القطن المصري، حيث إن هناك مبلغ 60 مليار جنيه سنويا كتكلفة أولية لاستيراد الغذاء من الخارج، منها 8 مليارات لاستيراد محصول القطن لتشغيل مصانع متعطلة، رغم جاهزية دراسات تؤكد إمكانية رفع إنتاجية الفدان من القطن داخليا لنحو 10 قناطير خلال دورة زراعية لا تتجاوز 6 أشهر.
- استغلال شريط ساحلي على البحر الأحمر فى إنشاء مزارع سمكية بحرية ترفع معدل الإنتاج السمكى إلى 30 مليون طن سنويا، حيث يعاني الشعب أمراضا مزمنة جراء تسمم 80 % من إنتاج المزارع السمكية الملوثة بمعدل يمثل 4 أضعاف المعدل العالمي.
- إنشاء قرى كاملة للإنتاج السمكي والتصنيع والتجهيز والأعلاف وصناعة الأسمدة الحيوية كبديل للنترات والمركبات الصناعية، وزيادة المعمور المصري إلى 50% مع نقل الصناعات الملوثة خارج الدلتا.
ثالثاً- دور السياسة الخارجية المصرية في مضاعفة إيرادات قناة السويس:
- أوضح المشاركون أن هناك إهمالا من جانب السياسة الخارجية المصرية للقرن الإفريقي ، مما أثر سلباً فى قدرة الدولة المصرية على حماية سواحلها من القرصنة المنتشرة في القرن الإفريقي، والتي تسببت في خفص إيرادات قناة السويس، حيث اقتصر دور السياسة الخارجية المصرية على تبادل المعلومات مع الدول الإفريقية بشأن عمليات القرصنة. وقد أكد الخبراء أن مصر عليها أن تتوجه بالتعاون الدبلوماسي مع الدول الإفريقية نحو إقامة قواعد أرضية لمكافحة القرصنة، لتزداد إيرادات القناة.
وقد انتهي المشاركون فى الندوة إلى نتيجة، مفادها أن القوى المتآمرة على الثورة عطلت مشروعات التنمية الجادة التى طرحها مصريون مخلصون على حكومات ما بعد 11 فبراير 2011، بإدخال البلاد فى نفق مظلم، خاصة في ظل تعطيل عملية توافق وطنى على صياغة دستور ديمقراطى لدولة مدنية ساعية إلى النهضة والتنمية، لافتين إلى انشغال القوى السياسية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى صراع على سلطة بلا ملامح دستورية. وقد انتقد البعض ما وصفوه بأحلام مرشحى الرئاسة، وتوجهات برامجهم الانتخابية في شقها الاقتصادى، في ظل سيادة الملكية الخاصة والاحتكارات، وطبيعة النظام الاقتصادى، وعدم تحديد لصلاحيات رئيس الجمهورية، وحدود سلطات البرلمان.
رابط دائم: