أهي اتجاهاتٌ خارجية إيرانية جديدةٌ؟ 22-4-2012 د. رضوان السيد * مدير المعهد العالي للدراسات الإسلامية، رئيس التحرير المشارك لمجلة "الاجتهاد". على مشارف اجتماع إسطنبول بين الإيرانيين ومجموعة الـ5+1 زار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إحدى جزر الإمارات المحتلة من جانب إيران منذ عام 1971. وفي الوقت نفسِه كان هناك تصعيدٌ إيرانيٌّ ضد العرب دولاً وشعوباً في مشرق العالم العربي والخليج: من مواقف المالكي ببغداد، إلى مواقف الأسد بدمشق، ومواقف "حزب الله" وأنصاره بلبنان، إلى التصعيد بالبحرين، وهياجات الحوثيين و"القاعدة" وانفصاليي الجنوب باليمن... فزيارة نجاد إلى الجزيرة الإماراتية! وقد رأى مراقبون كثيرون أن هذه التصعيدات قد تكون أوراق ضغطٍ ولإبراز مسائل وملفات تقول إيران إنها تستطيع بها إزعاج الغرب والعرب الخليجيين والأتراك إن لم يُصغوا لمصالحها ومطامحها في مسألتي النووي ومناطق النفوذ في العالم العربي. لكنْ تبيَّن خلال الاجتماع من أجل النووي أنه كان هناك "اتفاقٌ مسبَقٌ " على "الاتفاق" توسّط فيه الروس، ويقضي بالاعتراف لإيران بحق التعامل بالتكنولوجيا النووية للأغراض السلمية بما في ذلك التخصيب بالداخل، إنما بثلاثة شروط: أن تكون وكالة الطاقة هي التي تزودها باليورانيوم بالمقادير اللازمة لتلك الأغراض، وأن يتم التخصيب في منشأة واحدة تحت الرقابة الدقيقة للوكالة، وأن يكون من حق الوكالة التفتيش على كل المنشآت. وقد ظهر الخلاف غير الحاد في عدة مسائل: طرائق الرقابة والتفتيش والدخول إلى المنشآت، والمُهَل الضرورية لقيام كلُّ طرف بما عليه، وضرورة إيقاف الغرب للعقوبات المحتملة، والتراجع عن العقوبات القديمة في القرارات الدولية الأربعة، وفي التدابير الأميركية والأوروبية المنفردة، وأخيراً رفْض الاجتماع الثنائي الإيراني الأميركي لبحث مسائل أُخرى ذات اهتمامٍ مشترك، وكان المفروض أنّ الإيرانيين وافقوا على الاجتماع الثنائي سراً، لكنهم عادوا ورفضوه علناً. وقد اتفق المؤتمرون على العودة للاجتماع ببغداد(!) بعد شهرٍ بدلاً من إسطنبول نكايةً بتركيا التي اختلفت معهم في أمرين أساسيين: نصب تجهيزات الدرع الصاروخية الأطلسية على أرضها، والسعي لتغيير نظام حليفهم بشار الأسد! لقد هلَّلت إيران خلال الاجتماع وبعده لما اعتبرتْهُ انتصاراً لإصرارها وصمودها. والواقع أن ذلك ما كان انتصاراً، لكنه ما كان فشَلاً. فالأوروبيون على الخصوص ما كانوا ضد التخصيب بالداخل تحت رقابة الوكالة. وقد خشي الأميركيون أنهم إن وافقوا على ذلك، فقد تسير إيران في الموضوع لأشهُرٍ ثم تطرد المفتشين. وقد سار الحلُّ هذه المرة لثلاثة أسباب: الضمانة الروسية (والصينية) للغربيين بأنّ الإيرانيين سينفذون ما يتعهدون به، والحرص الأميركي (والأوروبي) على استعادة الشراكة مع روسيا (والصين) في المجال الشرق أوسطي، والضيق الإيراني الشديد من الحصار الخانق الذي فرضه عليهم المجتمع الدولي والذي أضاف إليه الغربيون عقوباتٍ انفرادية تتعلق بنقل النفط واستيراده، كما تتعلق بالتعامُلات البنكية. فهناك ما يدلُّ لهذه الناحية على أنّ إيران بدأت أمام تهديدات الحرب والحصار تفكر بالفعل بتأجيل إنتاج سلاح دمار شامل لظروف أفضل. ويُضافُ لضعف موقفها لهذه الناحية الانقسام الداخلي على سياسات المرحلة الماضية والمسؤول الأول عنها نجاد وجناح الجنرال سليماني في الحرس الثوري. فهناك خلافٌ بين محافظي فريق لاريجاني رئيس البرلمان الذي يريد الترشُّح لرئاسة الجمهورية بعد نجاد، ومحافظي نجاد وبعض الشيوخ وبعض العسكر الثوري. والخلاف على التكلفة والأعباء الهائلة للمرحلة الماضية، والتي أظهر الحصار آثارها، والتي أدت إلى اتهام نجاد وسليماني بالفساد المالي والإداري. وقد جرَّأَ ذلك رفسنجاني- الذي استعاد بعضَ مقامه لدى المرشد الأعلى- على فتح ملف العلاقات مع العرب ومع السعودية بالذات، وضرورة هذه الخصومة مع الخليجيين، والتي دفعتهم للتحالُف مع الغرب في مُحاصرة إيران، والشاهد على ذلك تعويض السعودية لكميات النفط الذي توقفت دولٌ غربيةٌ واليابان عن استيرادها من إيران. ولندع هذه الانتصارية الإيرانية جانباً. فما جرى التوصُّل إليه كان يمكن لإيران الحصول عليه قبل خمس سنواتٍ وبالشروط التي وافقت عليها الآن تقريباً. وقد جاء ذلك من إدراكٍ إيرانيٍّ ساطع بأنه لن يُسمحَ لها بإنتاج سلاح دمار شامل مهما كلَّف الأمر، وليس من أجل إسرائيل فقط، بل ومن أجل روسيا وأوروبا والصين والهند والعرب أيضاً. لكنْ هل يشكل ذلك تغييراً في السياسات الإيرانية الخارجية؟ إن الواضح فيما يتصل بهذا الأمر أنّ إيران شعرت بأنها تحتاج بالفعل إلى السقف الروسي، وروسيا تستخدمها في إعادة التوازُن إلى علاقاتها بالغرب. على أن هذا التغيير الإيراني في النووي وفي العلاقة مع روسيا لا يتضمن استدارةً استراتيجية، تستعادُ فيها علاقات ودية أو محتملة مع الغربيين. كما أنها وتحت وطأة الانتصارية الشاسعة التي سادت العقد الماضي، ليست على استعداد لإعادة النظر في سياساتها تجاه المشرق العربي والخليج. ولذا فالذي أتوقعه أن تستمر الضغوط الإيرانية على العرب بالمشرق والخليج، رغم إمكان التحسُّن أو المهادنة في علائق إيران بالغرب. لقد حقّقت الثورات العربية ثلاثة إنجازات فيما يتصل بمواجهة الاختراقات الإيرانية: اتجاه سائر الشعوب العربية لمعارضة التدخلات الإيرانية في البلاد العربية، وانتزاع الراية والملف الفلسطيني من أيدي إيران وحلفائها، وإقدام الشعب السوري على الثورة ضد نظامه التابع لإيران. وفي فترة الثوران والسيولة هذه قامت دول الخليج بعدة أمور لصون المصالح العربية العليا: تثبيت الاستقرار في الخليج بالتدخل في البحرين والوساطة في اليمن، والمساعدة على التغيير في ليبيا وسوريا، وتولي الملف الفلسطيني إلى جانب السلطة الفلسطينية، ومواجهة التدخلات الإيرانية في المشرق والخليج. ولا شك أن هذا كله أزعج الإيرانيين. فقد فقدوا الملف الفلسطيني أو كادوا، وفقدوا الأحزاب الإسلامية التي كانوا يعتمدون عليها في كسْب الجمهور وإحراج أنظمة الضباط، وتعرض النظام الأبرز في محورهم لثورةٍ من شعبه وما عاد إنقاذُهُ ممكناً، ويُعاني حليفهم المالكي من مشكلات مع الأكراد والسنّة والتركمان، ومن معارضةٍ شيعية قوية. ولذا ففي الوقت الذي اشتدَّ عليهم الحصار الدولي بسبب النووي، فإنهم شعروا بضغط شديد من جانب الثورات ومن جانب دول الخليج على امتداداتهم ومناطق نفوذهم التي كسبوها أيام بوش، بل وجرى الاعتراف لهم بالنفوذ في العراق أيام أوباما! وهم يعتقدون الآن أنهم يستطيعون صَرْف الغرب عن مواجهتهم بالتنازل ولو مؤقتاً بشأن النووي، في مقابل المساومة على مناطق النفوذ في العراق وسوريا ولبنان، وهذا يفيدهم في ثلاثة أمور: إيهام شعبهم بأنهم انتصروا على الولايات المتحدة والعرب عندما اعتُرف لهم بأنهم دولة نووية، وأنهم يتحكمون بثلاثة بلدان عربية؛ العراق وسوريا ولبنان. وإرغام الأميركيين والعرب والأتراك على مساومتهم بشأن العراق وبشأن النظام في سوريا، والإثبات للشيعة وللأطراف الأُخرى التي ورطوها في الانقسامات الداخلية، أنهم لم يتخلوا عنها بدليل استمرار الدعم واستمرار الإثارة، والتأكيد على أن القدرة على إزعاج العرب الخليجيين، وإزعاج إسرائيل، لا تزال في حوزتهم، في الخليج عن طريق الخلايا النائمة واليقظة، وفي فلسطين المحتلة عن طريق "حزب الله". من الضروري أن نبقى جميعاً على يقظة في عام 2012، في المشرق العربي كما في الخليج، لأن النظام الإيراني المأزوم، يريد اليوم كما من قبل، التنفس والمساومة والمغالطة، عبر التلاعب بأمننا الوطني والقومي على حد سواء. ---------------------- * نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأحد 22/4/2012. رابط دائم: