الخميس 19 -4-2012
عرض: ماجدة مجدي، باحثة في العلوم السياسية
تنشغل النخبة الأكاديمية في الجامعات ومراكز الفكر والرأي الأمريكية، والمحللون السياسيون في الشرق الأوسط، وكذا المسئولون السياسيون في الجانبين باحتمالات شن الولايات المتحدة حرباً على إيران، أو -على الأقل – توجيه ضربة عسكرية لبرنامجها النووي، منذ أن اعتبر الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج دبليو بوش" إيران أحد عناصر محور الشر، وتتزايد احتمالات التصعيد العسكري مع التقدم الذي تحرزه طهران في برنامجها النووي.
ويقدم المقال الذي نشرته دورية الشئون الخارجية - التي تصدر عن مجلس العلاقات الخارجية - والمعنون "حان الوقت لمهاجمة إيران : لماذا الضربة العسكرية هي أقل الخيارات سوءًا؟" لـ" ماثيو كرونيج" - مؤلف كتاب "تصدير القنبلة : نقل تقنية التصنيع وانتشار الأسلحة النووية"، ومستشار سابق في مكتب وزارة الدفاع الأمريكية لصياغة الاستراتيجية والسياسية الدفاعيتين ضد إيران من يوليو 2010 حتى يوليو 2011 - مثالاً على ذلك الانشغال، كما يوضح أحد اتجاهات صناع الفكر والسياسة الأمريكيين تجاه هذه القضية من قابلية اللجوء إلى الحرب ضد إيران، بعد أن كان اللجوء للعقوبات الخيار المفضل، مع تراجع خيار الحرب في بداية عهد إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، خاصة أن وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا أعاد خلال خطابه- أمام لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) في الرابع من مارس 2012 -تأكيد إمكانية خيار الحرب ضد إيران عند الضرورة.
ويضاف إلى ذلك تسابق المرشحين الجمهوريين إلى تأكيد خطورة البرنامج النووي الإيراني، واعتبار رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" أن بلاده لها الحق في الدفاع عن نفسها، والحصول على دعم الولايات المتحدة والعالم ضد إيران، وجميعها تصريحات تصب في تعزيز وجهة نظر كاتب المقال، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، تنبع أهمية ذلك الإسهام من أن توقيت صدور المقالة يأتي في ظل تصاعد الخلافات بين الولايات المتحدة وإيران، بعد تبادل التهديدات بإغلاق مضيق هرمز، والرد الغربي باحتمال استخدام القوة العسكرية والتي جاءت أثناء المناورات العسكرية الإيرانية في شرق مضيق هرمز في بداية العام الحالي، ثم الاتهامات الإيرانية للغرب وإسرائيل باغتيال العلماء النوويين، وما سبقها من اتهام أمريكي لإيران بالسعي لاغتيال السفير السعودي داخل الولايات المتحدة.
ويقوم المقال على طرح، مفاده أن توجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني في أسرع وقت ممكن يضمن حماية الأمن القومي الأمريكي على المدى الطويل من مخاطر امتلاك إيران للسلاح النووي، لأن التأخّر قد يعني تحمل خسائر أكبر، إذا ما تم شن الحرب بعد توسع البرنامج النووي الإيراني، في ظل عدم فاعلية الخيارات الأخرى التي لم تفلح في ثني العزم الإيراني عن مواصلة التقدم النووي. وبالتالي، فالخيار العسكري هو خيار حتميّ، وذلك من خلال تفنيد الحجج التي يسوقها المنتقدون لفكرة الضربة العسكرية والرد عليها جميعاً عبر مجموعتين من الأسانيد النظرية لقابلية وفاعلية ذلك السيناريو ضد البرنامج النووي الإيراني. تناقش المجموعة الأولى دواعي اللجوء إلى الاستهداف العسكري للبرنامج النووي الإيراني، بينما تناقش الثانية إمكانية توجيه ضربة عسكرية ناجحة بأقل التداعيات الممكنة.
دواعي اللجوء إلى ضربة عسكرية
تتمثل تلك الدواعي في المخاطر المترتبة على امتلاك إيران للقنبلة النووية في إخفاق خيار العقوبات في وقف البرنامج النووي، وفي التكلفة العالية لتطبيق خيار احتواء إيران، بدلاً من توجيه ضربة عسكرية لمنشآتها النووية. بعبارة أخرى، فإن الضربة العسكرية يتحتم على الولايات المتحدة توجيهها لحماية مصالحها وأمنها القومي، ولأنه لا يوجد من الخيارات ما يمكن تطبيقه – من وجهة نظر الكاتب - سوى الخيار العسكري، في ظل إخفاق الخيارات الأخرى.
يحرم امتلاك إيران للسلاح النووي الولايات المتحدة من حرية الحركة في منطقة الشرق الأوسط، بحيث يكون عليها التفكير جيداً قبل تقديم أي مبادرات تتعلق بتغيير الوضعين السياسي والعسكري، كونها مهددة بحرب نووية من جانب إيران طوال الوقت. إضافة إلى سعي مختلف دول الجوار الإيراني إلى امتلاك أسلحة مماثلة، حفاظاً على أمنها، وهو ما يؤدي إلى سباق تسلح، خاصة إذا ما نقلت إيران التكنولوجيا النووية إلى وكلائها الإقليميين من الدول والجماعات "الإرهابية".
ويتحدث الكاتب عن احتمال اندلاع حرب نووية بين إيران وإسرائيل تفتقد ضمانات عدم التوسع التي كانت متوافرة أثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي من القدرة على توجيه الضربة الثانية، وعمق الخبرة للتحكم في الترسانات النووية، وطول المسافة التي تقطعها الصورايخ العابرة للقارات، وبالتالي يزداد احتمال تورط الولايات المتحدة في ذلك النزاع. وانطلاقاً من تلك المخاطر المترتبة على امتلاك إيران للقنبلة النووية، لا يمكن للولايات المتحدة أن تتعايش مع إيران النووية التي طالب منتقدو توجيه ضربة عسكرية لها بأن تطبقه في حالة إخفاق الخيارات الأخرى.
فخيار العقوبات والوسائل غير العسكرية أخفق في وقف تقدم البرنامج النووي الإيراني، بل على العكس تشير تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إجراء إيران اختبارات نووية، وإعادة تصميم لصواريخ تحمل رءوساً نووية، وبعض التقديرات تؤكد قدرة إيران على إنتاج السلاح النووي في ستة أشهر. ويشمل التقدم أيضاً نقل المرافق النووية الحساسة إلى أماكن أكثر أمناً. وحتى حين تمت مهاجمة أنظمة التحكم في المفاعلات النووية بفيروس "ستاكسنت"، استطاعت المحطات المستهدفة أن تتعافى كليةً، وتعود للعمل بكامل طاقتها.
معارضة لخيار الاحتواء
ويبقى خيار احتواء إيران غير قابل للتطبيق العمليّ، نتيجة تكلفته الاقتصادية العالية، فالاحتواء يتطلب توفير عدد من الوحدات البريّة والبحرية، بما يعني زيادة عدد القوات التي تبقى لعقود قادمة، كما يتطلب أيضاً توسيع عمل الاستخبارات لمنع انتشار قدرات إيران النووية، وتوسيع المظلة النووية لتشمل الحلفاء الذين تتعهد الولايات المتحدة بتطوير قدراتهم الدفاعية، هذا في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الولايات المتحدة، وسعيها إلى تقليص الوجود العسكري في المنطقة.
وتأسيساً على التحليل السابق، يدحض الكاتب حُجة المنتقدين لخيار الضربة العسكرية من حيث عدم فاعلية الحلول غير العسكرية، سواء التي تم الاعتماد عليها (العقوبات)، أو المقترح الاعتماد عليها (الاحتواء). وأيضاً فمن غير الممكن تقبل امتلاك إيران للسلاح النووي لعواقبه الخطيرة. ولكن الرافضين للخيار العسكري كانت لهم أسباب أخرى للرفض، متمثلة في احتمالات فشل الضربة العسكرية، وتداعياتها الخطيرة من إشعال حرب واسعة النطاق، وزيادة الأزمة الاقتصادية العالمية.
إمكانية توجيه ضربة عسكرية ناجحة.
ينتقل الكاتب من مناقشة الدواعي الدافعة لشن ضربة عسكرية على البرنامج النووي الإيراني إلى تحقيق ذلك على أرض الواقع، عبر إدارة الضربة "بحكمة وكفاءة" لإثبات خطأ المتشككين في جدوى الخيار العسكري القائلين إن عواقبه على الأمن العالمي ومصالح الولايات المتحدة أخطر من امتلاك إيران للسلاح النووي، وذلك يتم أولا: عبر التخطيط الجيّد لتنفيذ ضربة ناجحة، وثانياً: عبر تدارك تداعياته على المديين القصير والمتوسط.
وبالنسبة للشق الأول، فإن نجاح الضربة يتوقف من ناحية على القدرة على استهداف معظم المرافق النووية الإيرانية، سواء المنشأة فوق الأرض (وأهمها محطة تحويل اليورانيوم في أصفهان، ومفاعل الماء الثقيل في آراك، ومواقع تصنيع أجهزة الطرد المركزي في ناتنز وطهران)، أو المنشأة تحت الأرض بأعماق كبيرة، عبر استخدام قنبلة جديدة مضادة للتحصينات والقادرة على اختراق 200 قدم من الأسمنت المدعوم. ويتوقف من ناحية أخرى على تفادي سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين بالاعتماد على أن المنشآت ذات الطابع الحساس توجد في مناطق ذات كثافة سكانية محدودة، وتلك المقامة في أماكن ذات كثافة سكانية عالية، فيمكن استهدافها ليلاً باستخدام صواريخ دقيقة التوجيه، وبذلك يقتصر الضحايا على العاملين في المفاعلات من جنود ومهندسين وفنيين.
وباتباع هذا الأسلوب، يتم التغلب على عقبات تحصين المرافق النووية الإيرانية، وعدد الضحايا الناجم عن الضربة العسكرية، مع الأخذ في الحسبان صعوبة قيام إيران ببناء مفاعلات جديدة نتيجة لطول المدة التي تستغرقها هذه العملية، وندرة الموارد لدى السلطات الإيرانية، وقدرة الاستخبارات الغربية على كشف معظم المواقع الجديدة، وهي العقبات التي اعتقد معارضو الضربة العسكرية أنها تحول دون توجيهها.
أما الشق الثاني، فيتعلق بالتخطيط لتدارك تداعيات الضربة العسكرية على المديين القصير والمتوسط، فالضربة العسكرية ستؤدي إلى عواقب خطيرة على الأمن الدولي، والاقتصاد العالمي، والداخل الإيراني. فعلى المدى القصير، قد تدفع الضربة العسكرية إيران إلى توجيه صواريخها إلى دول الخليج وجنوب أوروبا لاستهداف الوجود الأمريكي هناك، ويمكن تدارك ذلك عبر إخلاء القواعد العسكرية الأمريكية من الكوادر البشرية، وتحصينها جيداً، وعبر توجيه ضربات للأسلحة الجوية والبرية التي تستخدمها إيران لشن هجمات على قواعد عسكرية أمريكية وعلى دول حليفة. ولحماية الحلفاء أيضاً، سيكون على الولايات المتحدة أن تنسق معهم استخباراتياً، حتى لا تستهدف بهجمات إرهابية.
ولكي تتجنب الولايات المتحدة تصاعد الحرب بدخول دول أخرى كإسرائيل في هجمات متبادلة مع إيران، فعليها الحصول على تعهدات من جانب جيوش الدول الحليفة بعدم الرد على الهجمات الإيرانية، كما حدث أثناء حرب الخليج الثانية، حين لم ترد الدفاعات الإسرائيلية على صواريخ سكود التي وجهها صدام حسين. بذلك، تتفادى الولايات المتحدة أو -على الأقل – تحد من العواقب المترتبة على الضربة العسكرية، والتي تؤثر فى الأمن الدولي.
أما الاقتصاد العالمي، والمهدد بأزمة نتيجة احتمال لجوء إيران إلى إغلاق مضيق هرمز أو فقط التهديد بإغلاقه، بما يعني ارتفاع أسعار النفط في الحالتين، والضغط على ميزانية الولايات المتحدة في هذه اللحظة الحرجة، فإن الولايات المتحدة يمكنها اللجوء إلى استدعاء الاحتياطي، والاعتماد عليه في سد العجز، وخفض الأسعار، إلى جانب الحصول على مساندة دول الخليج في ذلك الشأن.
وسياسياً، فإن بناء إجماع دولي حول قضية مخاطر البرنامج النووي الإيراني وضرورة إنهائه يقلل من حدة العزلة الدبلوماسية التي قد تتعرض لها الولايات المتحدة، نتيجة اتخاذ هذه الخطوة، خاصة من جانب معارضة روسيا والصين.
وعلى المدى المتوسط، قد تؤدى عواقب الضربة العسكرية على برنامج إيران النووي إلى احتمال عودتها لبناء برنامج نووي جديد للدفاع عن أراضيها ضد هجمات عسكرية جديدة، خاصة أن الضربة العسكرية من الممكن أن تؤدي إلى توحد صفوف الشعب الإيراني، وتدعيم موقف القيادات المتشددة، وتقليل فرص القيادات الإصلاحية. وستكون العودة إلى بناء برنامج نووي جديد صعبة في ظل الضغوط الدولية، وصعوبة الحصول على المواد النووية، والخوف من التعرض لضربة عسكرية جديدة، كما حدث مع البرنامجين النوويين للعراق وسوريا، بعد أن هاجمتهما إسرائيل عامي 1981 و2007 على التوالي.
وبتطبيق المجموعتين، تحقق الولايات المتحدة عدة مكاسب متمثلة في منع الدول الأخرى من السعي لامتلاك التكنولوجيا النووية، وتحد من الانتشار النووي عبر التهديد باستخدام القوة العسكرية، إضافة إلى منع قيام ضربة إسرائيلية محتملة ضد إيران، حيث لا تتوافر لإسرائيل القدرة على احتواء آثارها، ومنع دولة إسلامية من امتلاك السلاح النووي، وما يحمله ذلك من مخاطر على الأمن القومي.
رؤية نقدية
هذا التحليل يحتوي على قدر من التبسيط والتساهل في التعامل مع تداعيات الضربة العسكرية على البرنامج النووي الإيراني. فافتراض عدم قدرة إيران على بناء برنامج نووي جديد، بعد تعرضه لضربة عسكرية، هو أمر غير مؤكد، في ظل وجود سوق غير رسمية لتجارة المواد الخام النووية، وكذلك الأفكار والعلماء، بما يعني إمكان بناء برنامج جديد في غضون عقد من الزمن، إذا ما توفرت الإرادة السياسية الإيرانية.
وبالنسبة للإجماع الدولي حول خيار الحرب، فإن تحقيقه في غاية الصعوبة بالنظر إلى الموقف الروسي- الصيني في الأزمة السورية، والذي يحول – حتى الآن – دون صدور قرار من مجلس الأمن يدين النظام السوري. ومع الأخذ في الحسبان العلاقات الإيرانية مع دول أمريكا اللاتينية، وإفريقيا، والهند، وتركيا، والتي ستعارض قرارا أمميا بهذا الشأن، فإن توفير هذا الإجماع يصبح غير ممكن.
وحتى إذا قامت الولايات المتحدة بالضربة دون غطاء أممي، فستساعد تلك الدول إيران على التعافي من آثار الحرب، وتعاني الولايات المتحدة إدانة دولية واسعة، هذا على الصعيد العملي. وعلى الصعيد القيمي، فإن هذا الإسهام يتجاهل حق الأمم في امتلاك التكنولوجيا النووية، هذا مع التسليم بالمنظور الذي ينطلق منه كاتب المقال بتقديم المصلحة القومية الأمريكية على ما سواها.