الإمارات... والتغيير بطريقة "التنظيم"
4-4-2012

محمد خلفان الصوافي
* كاتب إماراتي.

لا يستطيع أحد أن يفترض البراءة في مطالبات الإصلاح الاجتماعي التي ينادي بها بعض منتمي فكر تنظيم "الإخوان" في الإمارات، خاصة بعد أن تجاوزت اللغة أدب الحوار. كما أنه من الصعوبة على أي إماراتي عادي أن يصدق بأن تلك المطالب منبتها من داخل الإمارات، وأنها لا علاقة لها بعضوية أصحاب هذا الفكر في التنظيم العالمي لـ"الإخوان المسلمين"، وبما يحدث في الدول التي وصل فيها "الإخوان" إلى السلطة.

هناك أكثر من دليل يؤكد صحة ما أقول، وأكتفي هنا بأن أنقل ما ذكره أحدهم قبل يومين، حيث قال: إننا "نريد نشر فكرة أن الإمارات دولة استبدادية قمعية وذلك عن طريق مخاطبة شعوب العالم"، كما أني أحيل القارئ إلى الرسالة التي وجهها الشخص نفسه لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، والتي لا تليق بلغة الحوار مع الحاكم ولا حتى مع شخصية بمكانة سموه في عرف مجتمع الإمارات. نبرة اللغة وأسلوبها غير مقبولين.

دليل آخر يؤكد صحة كلامي، أنه ظهر واضحاً تدخـُّل بعض منتمي فكر "التنظيم" من الإقليم ومن الدول العربية، وتعدى الأمر إلى أن يتدخل بعض الذين يعيشون في الخارج كمعارضين في الشؤون الداخلية الإماراتية للوقوف ضد تعامل الدولة مع منتمي هذا الفكر، ما يعني أن المسألة أقرب إلى أن تكون "مشاغبات سياسية" للدولة واستقرارها أكثر من كونها دعوة إلى الإصلاح كما يزعمون في خطابهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

خطاب "التنظيم" يسعى إلى زعزعة الإدراك لدى الرأي العام الإماراتي لما تعيشه الدولة من استقرار وسلم اجتماعي. والذي يتابع "تغريداتهم"، التي باتت يومية ومكثفة بطريقة ملفتة، يستطيع أن يرى منهجهم في ذلك من خلال التركيز على شخصيات سياسية معينة في الدولة. المسألة ليست إصلاحاً بقدر ما هي أحقاد شخصية في نفسية من يغردون. خطاب "التنظيم" أيضاً مرتبط بالمرحلة الانتقالية العربية التي من أبرز ملامحها الصعود السياسي لتيار "الإخوان المسلمين"، خاصة في مصر معقلهم وحيث مقر مرشد "الإخوان".

ولعل أبرز أخطائهم محاولتهم التشكيك في علاقة الشعب برموزه السياسية في دولة مثل الإمارات لأهداف بعيدة، وبالأخص شخصيات لها حضورها في المجتمع الإماراتي، وتعمل على ملامسة احتياجات الناس من خلال الذهاب إليهم وذلك في أبسط المناسبات الاجتماعية باعتبارها فرصة لسماع احتياجاتهم. ومن ضمن أخطاء "التنظيم" محاولتهم إقناع الشعب الإماراتي بأنهم يسعون لـ"حياة أفضل"! في حين أن منتمي هذا التيار في الدول الأخرى يكشفون عن أهدافهم الحقيقية البعيدة عن حاجات الناس اليومية، وهو الهدف الأساسي لأي تغيير في العالم وبسبب تلك الحاجات ثاروا على الأنظمة. المؤشرات الميدانية تقول إن "الإخوان" بدأوا يخسرون شعبيتهم لدى الرأي العام.

اتضح أن التغيير في عرف من يدعون إليه في الإمارات ليس وسيلة لتحقيق الأفضل، باعتبار أن الإنسان في الإمارات، سواء أكان مواطناً أم مقيماً، يعيش وضعاً اجتماعياً يختلف كلياً عما يعيشه غيره من مواطني الدول الأخرى، بل إن مواطني الدول التي يسيطر فيها منتمو "التنظيم" يحاولون الرحيل عنها ليعيشوا في الإمارات والبقاء فيها بدون أن يحدث "الإصلاح" الذي يدعي أولئك الأشخاص أنهم يسعون إليه. هذه معايير ومؤشرات لابد أن تكون حاضرة في أذهان "التنظيم".

التغيير بالنسبة لمنتمي التيار الإخواني "هدف" بحد ذاته، باعتبار أن "التنظيم" في الأساس صاحبة طموح سياسي تخفيه عن الناس، والذين بدأوا يكتشفونه منذ زمن، وتستخدم الدين جسراً. التغيير سنّة الحياة ولا يمكن لأحد رفضه، لكنه بالطريقة التي يريدها أصحاب التيار الإخواني ليس سوى موجة من الفوضى المجتمعية. لقد تأكد للناس في دول عربية عدة أن "الإخوان" يستخدمون المطالب الإصلاحية لخداع المجتمع من أجل التغطية على هدف أبعد من التغيير أو الإصلاح، لكن المجتمع الإماراتي ومعه المجتمع العربي استقبل الرسالة وفهم أبعادها، ولا أريد أن أقول بأن المجتمع المصري بدأ اليوم يلوم بعضه على خطأ اختيارهم في مجلس الشعب.

افتضاح أمر "الإخوان" في تعاملهم مع أبناء دولتهم، وأقصد هنا مصر تحديداً، تسبب في ضعف مصداقية دعاة مطالب الإصلاح في الإمارات وفي غيرها من الدول العربية، بل كان عامل قوة لزيادة اللحمة الوطنية الاتحادية في الإمارات، وفي زيادة تلاحم الشعب مع القيادة أقوى من أي وقت مضى، وهو دليل على فشل ما يسعى إليه هؤلاء.

نقطتان لابد من لفت الانتباه لهما أثارتا سخط المواطن الإماراتي على أصحاب التيار الإخواني: الأولى أنهم أفسحوا المجال للتدخلات الخارجية لمنتمي هذا التيار في طريقة تعامل الدولة مع المتجاوزين على القانون، وهو منطق غير مقبول من قبل أي مواطن غيور على دولته. وهذا التدخل فنّد بشكل واضح إنكارهم بأن مطالبهم لها علاقة بانتماءات عابرة للحدود. إنها سياسة الكشف المرحلي أو التدرج كما فعلوا في مصر، اليوم هم يقتربون من رئاسة مصر بعد أن وعدوا الشعب من قبل بأنهم لن يرشحوا أحداً منهم لهذا المنصب، ومع الوقت سيتضح أكثر.

النقطة الثانية، أن التستر والتخفي في خطواتهم المقبلة هو أحد ملامحهم، ما يعني أنك مهما اجتهدت فلن تستطيع أن تتوقع ما سيقدمون عليه. الوضوح أمر مهم سواء في التعامل السياسي أو الاجتماعي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار ذلك فناً سياسياً. والملاحظ أن وتيرة تصعيدهم في الإمارات مرتبطة بما يحدث في الخارج، حيث إن المؤشر يرتفع كلما صعـَّد أصحاب هذا التيار في الخارج، وهو أمر يؤكد أن مطالب الإصلاح أو التغيير ليست حسنة النية، بل تخفي أشياء غير مريحة للسلم المجتمعي في الإمارات، وهذا ما تحمله مفردات خطابهم.

قمة الاستغراب في أي مجتمع إنساني حي أن يفقد المواطن الإحساس بما يدبّره الآخرون لدولته، ويزداد الاستغراب أن يعمل مواطن منتمٍ لدولة مع آخرين سعياً للإضرار بها من الداخل!

---------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأربعاء 4/4/2012.


رابط دائم: