عرض:محمد صلاح العلقامي، باحث سياسي بمجلس الوزراء
مع التحول الحادث في النظام الدولي، وتحول مركزه من العالم الغربي للقارة الآسيوية، أضحي هناك اهتمام كبير من قبل عديد من الباحثين بدارسة وبحث مستقبل العلاقات بين القوتين الأمريكية والصينية، والتي سيكون لها جل الأثر على مستقبل التحول في النظام الدولي.
وفي محاولة لدراسة السياسة الأمريكية تجاه الصين، ناقشت رسالة ماجستير في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة " تأثير التيارات الفكرية الأمريكية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه الصين 3991-8002"، خاصة أن تلك التيارات تلعب دورا كبيرا في تشكيل الرؤية الأمريكية للعلاقات بين البلدين. فإلى جانب المؤسسات وجماعات المصالح المؤثرة في صياغة القرار الأمريكي الخارجي، تلعب الرؤي الفكرية دورا كبيرا في تشكيل هذا القرار، وهو ما تحاول الدراسة بحثه.
استعرضت الباحثة في الإطار النظري للدراسة أهم الإسهامات النظرية التي توضح مدي تأثير الأفكار في السياسة الخارجية، والتي تنوعت ما بين التوجهات المجتمعية، والثقافة السياسية، والنسق العقائدي، وخلصت إلى هناك تيارين رئيسيين شكلا التوجه الأمريكي تجاه الصين.
أولا- تيار الارتباط مع الصين. يؤمن بأهمية تقوية الروابط المختلفة معها، خاصة الروابط الاقتصادية. وهو تيار قديم يرجع لفترة الرئيس الأمريكي الأسبق "ريتشارد نيكسون"، وبداية الانفتاح الأمريكي على الصين. ثم تطور بعد الحرب الباردة، بحيث أصبح يركز أنصاره على المنافع الاقتصادية التي يمكن أن تحققها الولايات المتحدة من التعاون مع الصين، وضرورة الارتباط معها لضمان إدماجها في النظام العالمي، وعدم تحديها الوضع الدولي للولايات المتحدة.
ومن أبرز رموزه "هنري كيسنجر"، و"زبجينيو بريجنسكي"، و"جوزيف ناي"، بالإضافة لعدد كبير من الباحثين المنتمين لبعض مراكز الفكر والرأي الأمريكية ذات التوجه الليبرالي، مثل معهد السياسة التقدمية، ومركز التقدم الأمريكي، ومركز كارنيجي للسلام الدولي.
يركز أنصار هذا التيار على بعدين أساسيين للترويج لسياسة الارتباط الأمريكي مع الصين، الأول: استراتيجي يرتبط بالأهمية التي تتمتع بها الصين في محيطها الإقليمي، وهو ما يتطلب سياسة تحقق التوازن بين المصالح الأمريكية من جانب، والحفاظ على الاستقرار والأمن الإقليمي من جانب آخر.الثاني: براجماتي يري أن سياسة الارتباط نجحت في الحفاظ على المصالح الأمريكية، وإدارة الخلافات بين الولايات المتحدة والصين، وتحقيق تقدم كبير في التعاون بينهما في كافة المجالات.
ثانيا- تيار احتواء الصين. يطرح أنصاره رؤية مختلفة للتعامل الأمريكي مع الصين، باعتبارها منافسا محتملا للولايات المتحدة. ويرتبط أنصاره ببعض مراكز الفكر والرأي الأمريكية ذات التوجه المحافظ، مثل مركز مشروع القرن الأمريكي الجديد، ومؤسسة التراث، ومعهد أمريكان إنتربرايز.
وينطلق أنصاره من بعدين أساسيين، أولهما: أيديولوجي يقوم على أن التناقض الأيديولوجي بين الولايات المتحدة والصين يحمل في طياته أسبابا للخلاف، وربما الصراع، نظرا لاختلاف المنظومة القيمية لكلتا الدولتين. ثانيهما: استراتيجي يري أن الصين ترغب في استعادة مجدها القومي، وتسعي لتحقيق الهيمنة في محيطها الإقليمي بشكل يهدد النفوذ والمصالح الأمريكية.
تداخل بين التيارين عند الممارسة:
أوضحت الدراسة أن هناك أوجه تشابه كبيرة بين إدارتي "بيل كلينتون" و"جورج دبليو بوش" فيما يتعلق بالصين، حيث اتبعت كلتا الإدارتين سياسة الارتباط مع الاختلاف في التطبيق، إلا أنها انعكست بشكل مباشر على الرؤية الكلية لإدارة "كلينتون" من حيث أهمية إدماج الصين في النظام الاقتصادي العالمي من خلال الاتصال والتعاون في مختلف المجالات.
لكن الممارسة الفعلية لإدارته استمت بقدر كبير من التخبط وعدم الاتساق، خاصة مع عدم امتلاكه رؤية واضحة للتعامل الأمريكي الأمثل مع الصين، وشهدت العلاقات الثنائية أزمات متكررة، خاصة في سنوات حكمه الأولي.
وفي المقابل، بدأت إدارة بوش برؤية مختلفة للصين، تضخم من اعتبارها منافسا للولايات المتحدة، والميل نحو استخدام لهجة أكثر تشددا تجاهها، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والانتشار النووي، نتيجة تأثير تيار المحافظين الجدد الذي انتقد سياسة "كلينتون" تجاه الصين واتهمها بالضعف والمهادنة. ومع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تراجعت الولايات المتحدة عن هذه اللهجة المتشددة، واتجهت نحو مزيد من التعاون مع الصين.
نتائج الدراسة:
وفي نهاية دراستها، خلصت الباحثة إلى جملة من النتائج، أهما ما يلي:
أولا- تتسم السياسة الأمريكية تجاه الصين بالطابع العملي والبراجماتي، فلا يبدو التناقض الأيديولوجي معضلة في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، حيث نجح الجانبان في تغليب المصالح المشتركة، خاصة المصالح الاقتصادية، بغض النظر عن الاعتبارات الأيديولوجية. لكن ذلك لا يقلل من تأثير الأفكار في السياسة الأمريكية تجاه الصين، حيث تظهر بين الحين والآخر الأفكار الخاصة باحتواء الصين، خاصة خلال الأزمات، حيث تتزايد الدعاوي لاحتواء القوة العسكرية الصينية المتصاعدة.
ثانيا- يعد الارتباط مع الصين هو الاتجاه الغالب في السياسة الأمريكية تجاهها، حيث يبدأ كل رئيس جديد للولايات المتحدة بتوجيه النقد للسياسة التي اتبعها الرئيس السابق، ويعد باتباع سياسة أكثر تشددا تجاه الصين، ثم سرعان ما يتجه نحو الحوار والتعاون مع الصين، حفاظا على المصالح الأمريكية الحيوية معها.
ثالثا- تلعب الاختلافات الحزبية دورا في التأثير في السياسة الأمريكية تجاه الصين، خاصة في حالة عدم حصول حزب الرئيس على الأغلبية في الكونجرس، وهو ما حدث مع "كلينتون"، عندما حصل الجمهوريون على الأغلبية في انتخابات 1995، ومارسوا ضغطا كبيرا عليه لانتهاج سياسة متشددة تجاه الصين.
رابعا- تلعب جماعات المصالح دورا كبيرا في التأثير في السياسة الأمريكية تجاه الصين، وقد اتضح دورها بشكل كبير بعد أحداث ميدان السلام السماوي عام ٩٨٩١. ناهيك عن التأثير السياسي لما يمكن تسميته بالمجتمع المعرفي المؤثر في السياسة الأمريكية، سواء من خلال مراكز الفكر والرأي، أو في حالة تولي خبرائها مناصب تنفيذية في الإدارات الأمريكية.