أسئلة ما قبل القمة فى بغداد 21-3-2012 طلال سلمان * يقصد أهل النظام العربى، أو من يمثلهم، بغداد، بعد أيام، للمشاركة فى القمة العربية الثانية والعشرين. أخطر ما فى القرار: عودة «العرب» إلى العراق، بعد دهر من القطيعة، وبعد تبدلات هائلة طرأت على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى هذه الدنيا العربية الواسعة، اختفى معها «المركز» وسادت حالة من الفوضى الشاملة نتيجة الافتراق العلنى، حتى لا نقول «الصدام» بين العروبة والإسلام السياسى... وسقطت إسرائيل سهوا من دائرة الاهتمام من حيث خطورة الأوضاع تتماثل المبررات التى تجعل انعقاد هذه القمة «ضرورة» مع تلك التى كانت سائدة أواخر العام 1963، والتى دفعت الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى إطلاق الدعوة إلى «قمة عاجلة»، والى تلبية القادة العرب جميعا الدعوة، متجاوزين خلافاتهم الحادة.. وهكذا توافدوا سراعا إلى القاهرة حيث احتضنت الجامعة العربية قمتهم على امتداد ثلاثة أيام، وكان عنوان القمة: ضرورة توحيد الموقف العربى لمواجهة مشروع حرب إسرائيلية على المياه العربية، عبر إقدامها على تحويل روافد نهر الأردن. .. وكان ضروريا أن يعود أهل النظام العربى إلى قمة ثانية، بعد تسعة شهور، انعقدت فى الخامس من أيلول ـ سبتمبر ـ فى الإسكندرية، وامتدت لستة أيام، واقروا فيها ما شكل إطارا لقيادة عسكرية موحدة، فى ظل القيادة السياسية المتلاقية على هدف مواجهة العدو الإسرائيلى، وحماية بعض الحقوق الطبيعية لثلاث من «دول الطوق» هى : سوريا والأردن ولبنان. مع قمة بغداد تحوم فى الأفق أسئلة وتساؤلات عديدة، بينها: من يذهب من «العرب» إلى قمة بغداد؟ والى أين يذهب العرب بعد قمة بغداد؟ هل سيتقاربون خلال قمة بغداد.. أم تكون هذه آخر قمة عربية؟ تدل السوابق أن مؤسسة القمة قد فقدت وظيفتها كإطار استثنائى جامع لأهل النظام العربى.. فلم يعد «العرب» عربا. ولم تعد القواسم المشتركة قائمة ومعتمدة، ولو بحدها الأدنى. صار الإسلاميون بأنواعهم، إخوانا وسلفيين وأصوليين قد يلامس بعضهم حدود «القاعدة»، أكثرية نافذة، وتجاوزوا بمبادئهم وطروحاتهم القومية، (أى العروبة)، ولسوف يحاولون ــ بالتأكيد ــ أخذ القمة إلى سياق آخر مختلف عما كانت تشهده رحابها من تجاذبات. ومن أسف أنه لم يعد ممكنا اعتبار القمة ساحة صراع بين العروبة والإسلام السياسى.. فالعروبة مهزومة، والإسلاميون على صهوة جواد الانتصار، وربما خطر فى بال المؤتمرين، أو بعضهم، تغيير التسمية ذاتها، او وظيفة الجامعة ومن ثم القمة. ولكن.. أى إسلام سياسى هذا الذى سينتصر، فى الجامعة، وهل له صيغة ومن ثم توجهات متطابقة؟. هل إسلام الفائزين بالانتخابات فى مصر هو ذاته إسلام متصدرى الحكم فى تونس؟ وهل هو ذاته إسلام التائهين فى «ولايات» ليبيا ومنافيها؟. وأين يقع إسلاميو أمير المؤمنين الذين أوصلتهم الانتخابات، بتوجيه مباشر منه، إلى السلطة فى المغرب؟ ثم.. هل ستحضر فلسطين القمة، وتحت أى مسمى: منظمة التحرير الفلسطينية، أم السلطة تحت رعاية الرباعية، أم غزة المحررة بالشعار الإسلامى تحت الحصار الإسرائيلى؟. وهل يمكن القمة تبرير غياب أو تغييب سوريا الغارقة فى دمائها؟! وهل عند القمة ما تقدمه لهذه الدولة المؤسسة، ولشعبها الذى أعطى من دمه لكل حركة تحرر أو تحرير فى الوطن العربى.. أم تراها سوف تشدد من العقوبات الهادفة إلى تجويعه تحت ذريعة أنها تعاقب «النظام» لا الشعب؟. لقد صودر قرار الجامعة فى مقرها بالقاهرة فتعطل دورها فى دمشق وتحولت إلى مجرد ساعى بريد يأخذ ألازمات العربية إلى مجلس الأمن لتقرر «الدول» فيها ما يتناسب مع مصالحها، وما يخدم صراعاتها على هذه المنطقة ذات الأهمية الفائقة، فى مصادر ثرواتها كما فى موقعها الاستراتيجى، وقبل الحديث عن حقوق شعوبها وعن طموحهم المشروع إلى حياة أفضل. اللافت أن معظم الملوك لن يحضروا قمة اليوم الواحد أو نصف اليوم، كما يحاول البعض «تقزيمها» لتبرير حضوره الذى قد يشكل تزكية للسلطة المنقسمة عل نفسها.. لا ملك السعودية ولا ملك المغرب ولا ملك البحرين (على الأرجح).. وربما حضر ملك الأردن لأسباب يتداخل فيها الأمن والاقتصاد ومصالح المعبر (النفط والمساعدات المباشرة وأعداد العراقيين المقيمين فى الأردن، ومعظمهم من أصحاب الثروات والنفوذ). كذلك لن يحضر «الرئيس» المصرى المؤقت، المشير حسين طنطاوى، لأسباب تتصل بالأوضاع المضطربة فى مصر، خصوصا أن وضع الحكومة مهزوز. سيحضر الرئيس التونسى الذى حملته الثورة إلى السلطة، كما سيحضر القائم مقام الرئيس فى ليبيا الذاهبة إلى التشطير. مفهوم أن يحضر «قادة» جيبوتى وجزر القمر وموريتانيا والصومال.. ولكن حضورهم سيعنى زيادة فى تأثير أصحاب القدرة على التأثير، ولا يعنى ضخ الزخم فى القرار. سيحضر رئيس لبنان لأنه لا يملك سببا للغياب. وسيحضر أمير الكويت لأسباب تخص الكويت، ومحاولة لتصفية «النزاع» التاريخى على الجغرافيا النفطية.. برا وبحرا. باختصار: سيكون التلاقى فى بغداد قمة رمزية أهم ما فيها إعادة الاعتبار إلى العراق كدولة، وان بقيت وظيفتها العربية محل اختبار أو امتحان. أخطر ما يتهدد هذه القمة التى يستحيل فيها اتخاذ قرارات جدية ان تتحكم الأحقاد فى ما قد يصدر عنها.. فالإجماع مستحيل، وكذلك اتخاذ القرارات بالأكثرية بسبب غياب «الكبار»، أى مصر البلا رئيس، والسعودية التى لا يغنى وزيرها عن الملك، وسوريا «المطرودة» من الجامعة التى استنبتت نواتها فيها. وسيظل السؤال الأكبر: كيف سيتم التعامل مع الموضوع السورى؟ المضيف لا يريد أن يذهب إلى الحرب على دمشق.. وهو قد حاول أن يعفى نفسه من موجبات المقاطعة الكاملة، اقله اقتصاديا، فضلا عن أنه يقدر لسوريا موقفها المبدئى من الاحتلال الأمريكى وما قدمته من جهد لمساندة توجهات الحكم نحو تحرير إرادته ومحاولة حماية وحدة البلاد. بعد ذلك تتزاحم أسئلة تخص البلد المضيف فى أوضاعه الاستثنائية التى تضغط عليه سياسيا وأمنيا واقتصاديا بسبب من فساد الإدارة. فالقمة تنعقد فى عاصمة دولة مهيضة الجناح، مهددة فى وحدتها الوطنية، وكيانها السياسى مشروخ بالإقليم الكردى. وبقدر ما تعنى القمة إعادة الاعتبار إلى هذه الدولة العربية الكبيرة والتى كانت من بين المؤسسين لجامعة الدول العربية، فإن واقع السلطة فيها قد يضيع الكثير من احتمالات الإفادة منها لتعزيز مكانة العراق ودوره العربى والدولى. فالحكم المركزى مشقق الرأس وسلطته الفعلية رمزية إلى حد بعيد، نتيجة للصراع السياسى الذى انحدر ــ واقعيا ــ إلى المستوى الطائفى والمذهبى فضلا عن العرقى. السؤال الذى تضج به بغداد، فضلا عن العواصم العربية: هل يرئس الوفد العراقى المضيف رئيس الدولة جلال الطالبانى أم رئيس الحكومة نور المالكى؟ والسؤال يخفى أو يحاول أن يخفى إشكالا سياسيا له خلفية عنصرية: هل يرأس القمة العربية، لأول مرة فى تاريخها، رئيس كردى، أم يغيب هذا الرئيس لأسباب صحية لتكون الرئاسة لعربى هو رئيس الحكومة؟ قمة العرب فى بغداد لن تستغرق إلا نصف يوم.. والأرجح أن تظل محركات الطائرات حاملة الضيوف «شغالة». .. والصورة التذكارية هى أهم إنجازات هذه القمة: أن يكون القادة العرب فى عصر نهوض الحركة الإسلامية، قد عادوا إلى بغداد أو حاولوا استعادتها وطى الصفحة السوداء لعصر الطاغية صدام حسين والصفحة الأكثر سوادا لعصر الاحتلال الأمريكى الذى تفوق على «سلفه الصالح» دموية كما فى تشريد أبناء بلاد الرافدين التى كانت تعتبر قلعة العرب وعنوان صمودهم فى مواجهة مشاريع التقسيم والتفتيت، والتى تتهددها هذه المخاطر حاليا. لقد كانت القمة العربية الأولى، قبل نصف قرن إلا قليلا، علامة طيبة عن عودة الأمة إلى الوعى بذاتها وبوحدة مصيرها فى مواجهة العدو الإسرائيلى بكل القوى الدولية التى تدعمها، والتى يتعاظم دعمها له بحيث أن إسرائيل قد باتت تجاهر أنها «هى أمريكا وأمريكا هى». وليس من الفطنة أن نفترض أن قمة بغداد سوف تنجز ما عجزت عنه القمم العربية السابقة، ولكن يكفى أنها ستعيد الاعتبار ــ رمزيا ــ إلى العراق كدولة، وأن تسقط الخطر الذى كانت تفرضه عليه. ------------------------ * نقلا عن الشروق المصرية، الأربعاء 21/3/2012. رابط دائم: