أمريكا وباكستان والتقاط الأنفاس 17-3-2012 ديفيد إجناشيوس * بعد سنوات من التودد العاطفى ضمن علاقة يعاندها الحظ، يبدو أن الولايات المتحدة وباكستان تحاولان تجربة وضع مختلف: علاقة أكثر هدوءا ووداعة، مع تخفيض سقف التوقعات، وزيادة مدى المسافة بين الطرفين، وقلة حجم العداء. وقد خفف البلدان، فى الواقع، قليلا من علاقة الشراكة القوية واتجها نحو تشكيل إطار لعلاقة أكثر براجماتية. وإذا اعتبرنا تلك العلاقة بمثابة زواج، فلن نتحدث عن طلاق، أو حتى انفصال، ولكن عن قدر من الهدوء بحيث يجد كل طرف مساحة لالتقاط الأنفاس. ويعود التغير فى اللهجة إلى حادث وقع فى 26 نوفمبر 2011، عندما هاجمت طائرة أمريكية نقطة حدودية داخل باكستان، وقتلت 24 جنديا باكستانيا. وغضب الجيش الباكستانى من هذا الانتهاك لسيادة بلاده الذى بلغ ذروته يوم الثانى من مايو عندما هاجمت الطائرات الأمريكية أسامة بن لادن فى أوبت آباد، وفى يناير مع مقتل اثنين من الباكستانيين على يد عميل للسى آى إيه يدعى ريموند ديفيس. وفى هذه المرة جن جنون الباكستانيين. فقطعوا طريق وصول الإمدادات إلى القوات الأمريكية فى أفغانستان، واتخذوا خطوات أخرى للتعبير عن استيائهم. وبدلا من أن تقوم إدارة أوباما بمطاردتهم، كما كانت تفعل عادة فى المرات السابقة، تراجعت، وسمحت بالتهدئة. وعلى مدى الشهور الماضية، بدا أن كلا من الطرفين بات مرتاحا إلى التباعد. وتقوم لجنة برلمانية باكستانية بإعداد مراجعة رسمية للعلاقة. ويبدو من المرجح أن يستقر الطرفان بعد انقشاع غبار الأزمة على ما يسميه المسئولون الأمريكيون «وضع طبيعى جديد»، يستمر فيه التعاون بين الدولتين، ولكن بكثافة ووضوح أقل. ويقول مسئولون على سبيل المزاح، إن شعار كل من الطرفين سيكون: «لا تدفع بنفسك إلى الجنون». ولاستكمال عملية إعادة تشكيل العلاقة، يجب أن تتوصل الدولتين إلى تسويات هادئة فى ثلاث قضايا رئيسية هى: هجمات الطائرات بدون طيار على المتشددين فى المناطق القبلية فى باكستان، وطريقة عبور الحدود الأفغانية، واجراء محادثات مصالحة مع حركة طالبان. وفى كل من هذه القضايا يتعين إيجاد صيغة للتوازن بين السيادة الباكستانية والمصالح الأمنية الأمريكية. وبنوع من أنواع التنبؤ، يمكن أن نرى الخطوط العريضة لحلول القضايا الثلاث: ـ بالنسبة للطائرات بلا طيار: اتخذت باكستان بالفعل الخطوة الحاسمة والرمزية بطرد الطائرات الأمريكية بدون طيار من مركز عملياتها السابق فى قاعدة الشامسى الجوية جنوب غرب باكستان. وما زالت الولايات المتحدة تشن الضربات القاسية أحيانا من قاعدة فى أفغانستان، ولكن عددها صار أقل فى الأشهر الأخيرة ـ وهو ما يعنى تخفيف الاستفزاز لباكستان. وقد حدث التراجع فى عمليات الطائرات بلا طيارين على نحو غير ملحوظ بدرجة كبيرة، ولكن مسئولين أمريكيين يقولون إن تغييرات عديدة وقعت: فأولا؛ تم قتل الكثير من قادة القاعدة لدرجة أن الأهداف المهمة صارت أقل. وثانيا، تشن وكالة الاستخبارات المركزية عددا أقل مما يطلق عليه «الهجمات المؤثرة» على المستوى الأدنى من المقاتلين، مع خطر أقل فى المقابل من الخسائر فى صفوف المدنيين، وثالثا، هناك عملية مراجعة للوضع أوسع نطاقا بين الوكالات فى واشنطن قبل أن يتم توجيه الضربات. ويقول مسئول أمريكى: «نحن لا نعزل وكالة المخابرات المركزية عن مقعد القيادة، ولكن هناك المزيد من القادة فى المقاعد الخلفية الآن». ـ وفيما يتعلق بإعادة فتح المعابر الحدودية: لابد أن الباكستانيين كانوا يعتقدون أن بيدهم ورقة رابحة عندما أغلقوا ما يسمى «الخطوط الأرضية للاتصالات»، فى نوفمبر الماضى. غير أن مسئولى اللوجستية العسكرية تمكنوا من مواصلة تزويد القوات الأمريكية فى أفغانستان بالإمدادات من خلال «شبكة توزيع الشمال»، عبر روسيا وجيرانها فى الجنوب. ويعتبر العيب الأكبر لهذا الطريق البديل فضلا عن تكلفته العالية أنه لا يستطيع تحمل تدفق المعدات القديمة التى تم تجميعها خلال عشر سنوات من الحرب. والحل المتوقع هو أن الباكستانيين سوف يفتحون الطرق البرية، ولكن مع زيادة الرسوم التى يدفعها الأمريكيون لاستخدامها. وسوف يؤدى تكبد هذه الخسارة إلى إنقاذ الكرامة الوطنية بينما يوفر مصدر سيولة مربح جديد. وحتى فى ظل النظام القديم، يقال إن باكستان كانت تحقق دخلا مقداره مليون دولار يوميا على الأقل من الشحنات العابرة للحدود. ـ محادثات المصالحة: طوال أكثر من عام، أجرت وزارة الخارجية الأمريكية اتصالات سرية بقيادة طالبان، ووافقت على فتح مكتب طالبان فى قطر. وتصعب قراءة سياسة باكستان، ولكن اسلام آباد لم تحاول إفساد الأمر على الأقل. فمن الواضح أن الباكستانيين بوضوح لا يريدون أن يكونوا مسئولين عن فشل المفاوضات، غير أنهم لا يبدو أنهم يدفعون بحماس من أجل التوصل إلى اتفاق ايضا. وهذه هى القضية القادمة الأكثر حساسية، بينما تبدأ الولايات المتحدة تحركها البطىء باتجاه الخروج فى أفغانستان. وقد مثلت الشهور الأخيرة مقياسا للهدوء فى العلاقة الأمريكية الباكستانية، وهو أمر نادر بالتأكيد فى هذه العلاقة. فلا يبدى أى من الطرفين المزيد من الحب للطرف الآخر، ولكن هناك أيضا غضب أقل الأمر الذى قد يبقى على العلاقة العاصفة بين الزوجين لفترة أطول --------------------------------- * نقلا عن الشروق المصرية، الخميس 15 مارس 2012. رابط دائم: