السودان و”ربيع” التقسيم 4-3-2012 أمجد عرار * على هدي المثل القائل “عادت حليمة إلى عادتها القديمة”، عادت المحكمة الجنائية الدولية للحلبة السودانية من بوابة “جرائم الحرب” في أقليم دارفور . هذه المرة يصدر مدعي المحكمة لويس مورينو اوكامبو مذكرة اعتقال بحق وزير الدفاع السوداني عبد الرحيم محمد حسين بتهمة ارتكاب جرائم ضد مدنيين في الإقليم . وبالتوازي مع المسار المغلّف بالقضاء، عادت واشنطن لنغمة كانت سائدة قبل انفصال الجنوب عن الوطن الأم، حيث اتهمت الخارجية الأمريكية شمال السودان بشن غارات على ولاية الوحدة الجنوبية، ولم تأخذ واشنطن، كعادتها، بشكاوى الخرطوم وروايتها، ولم تلجأ، أيضاً كعادتها، لأي وسيلة موضوعية للوقوف على الحقيقة، لكن المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية تقول إن بلادها قلقة من المعلومات التي تتحدث عن غارات تشنها القوات السودانية على جنوب السودان، وكأن هذه الخارجية هي المصدر الوحيد المؤتمن على الحقيقة في كل الكون، ثم إن هذه المعلومات لم تكن مقلقة عندما كانت أجساد الأطفال تتطاير من قذائق الموت “الإسرائيلية” في غزة المحاصرة أولاً من “إسرائيل”، وثانياً من أمريكا، وثالثاً من إمعاتهما الأوروبيات وبعض العربيات . كان مقدّراً ومعروفاً منذ انفصال الجنوب وترك قضايا عالقة كقنابل موقوتة من قبيل ترسيم الحدود، ورسوم عبور النفط الذي يستخرج في جنوب السودان لينقل عبر الشمال للتصدير من ميناء بورتسودان، أن هناك ما تم تركه عمداً لمواصلة “الربيع السوداني” الذي ينبغي، أمريكياً ودولياً، ألا يتوقّف قبل أن تنتهي السودان كدولة إلى مجموعة دول متصارعة تلجأ كل منها إلى القط “الإسرائيلي” الذي يعمل مخالبه في جسد إفريقيا ضد السودان ومصر، كما ضد الأمة العربية التي تتعرّض لأشرس الحملات وأشدها سواداً منذ عقود طويلة، إن لم يكن منذ نشأت في رحم التاريخ . لا نعرف إن كان أوكامبو حصل على معلومات جديدة عن دور وزير الدفاع السوداني في جرائم مزعومة في دارفور، لا سيما أن القاضي الذي يفترض أنه رجل عدالة تحدّث قبل شهور عن الوزير نفسه، فهو يتعامل مع القضية كحبّات السبحة بأصابعه فيطويها حبّة حبّة تبعاً للمخطط المعد للسودان . ربما حان أوان الشق الثاني من “الربيع السوداني” من خلال الدفع باتجاه انفصال دارفور . يبدو أن مشاغلة السودان بولايتي كردفان والبحر الأزرق، ومسمار جحا المدقوق على حدود طولها أكثر من ألفي كيلومتر بين شمال السودان والقسم المنتزع منه في الجنوب، مترافقاً مع إثارة الاتهامات المتبادلة بين الشمال والجنوب بدعم متبادل لحركتي التمرد فيهما، يبدو أن هذا جزء من استراتيجية الضغط على الشمال حتى إذا أثيرت القضايا الجنائية مجدداً عبر هراوة أوكامبو، تمهّدت الأرضية لمساومة الخرطوم على وحدة ما تبقى من البلاد مقابل حماية رأس النظام . إننا إذن أمام إعادة إنتاج ليوغسلافيا ثانية في هذا البلد العربي في مرحلة وصفها الكاتب العربي الكبير محمد حسنين هيكل ب “سايكس- بيكو” ثانية، مع إضافة نوعية أشد خطورة متمثّلة بإسباغ الطابع الطائفي والمذهبي على المرحلة الجديدة . هذه المخاطر ترتّب على حاملي راية العروبة في هذه الأمة وبخاصة في صفوف المثقفين، رغم صعوبة المهمّة وجسامة التحدي، أن يواصلوا القبض على جمر القومية المهدّدة، وأن لا يكترثوا بالإرهاب الفكري الذي يعج به خطاب المتساوقين مع المخطط باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وعليهم مواكبة الأمم الناهضة في العالم الجديد، التي لم يكن ليتسنى لها ذلك من دون محرّكها القومي . ----------------- * نقلا عن دار الخليج، الأحد, 04 مارس 2012. رابط دائم: