مستقبل ليبيا والامتحان الصعب 4-3-2012 عبد الزهرة الركابي * اتهمت منظمة العفو الدولية الميليشيات الليبية بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، وعرقلة بناء مؤسسات الدولة . قالت في تقرير أصدرته مؤخراً، إن الميليشيات المسلحة ارتكبت انتهاكات خطيرة، بما في ذلك جرائم حرب ضد أنصار القذافي، واحتجازهم بطريقة غير قانونية، وتعذيبهم، وفي بعض الحالات حتى الموت . وأشارت إلى أن ما لا يقل عن 12 معتقلاً توفوا تحت التعذيب منذ سبتمبر/أيلول الماضي، وسُحبت مسامير من بعضهم، وفي السياق نفسه قالت كبيرة مستشاري المنظمة دوناتيلا روفيرا، إن الميليشيات في ليبيا هي خارج نطاق السيطرة، كما أن غطاء الإفلات من العقاب الذي تتمتع به يشجعها على ارتكاب المزيد من الانتهاكات وإدامة أجواء عدم الاستقرار وانعدام الأمن . لم يكن التقرير الآنف يشكل خاتمة المآخذ على الثورة الليبية، حيث إن الوضع السائد بعد الإطاحة بنظام القذافي من خلال حرب دموية بدعم جوي من حلف الأطلسي، ما يزال ضبابياً للمستقبل الذي من المفترض أن يبشر بليبيا جديدة في منظار المتفائلين، بيد أن هذا التفاؤل تكتنفه الكثير من الشوائب والشكوك، خصوصاً أن المجلس الوطني الانتقالي قد تأخر في عقد جمعية تأسيسية أو إجراء انتخابات تشريعية أو الدعوة إلى استفتاء على الدستور، وربما يعود ذلك إلى جملة من المعوقات التي تجتاح الساحة الداخلية على صعيدي الإدارة والأمن، ناهيك عن الخلافات التي طفت على السطح الداخلي للمجلس الوطني الانتقالي . وأكبر التحديات التي تواجه المجلس الوطني، هو تحول مجموعات الثوار المسلحة إلى ميليشيات مناطقية وغير خاضعة لسيطرة المجلس الوطني الإنتقالي، بل أن أقوى مجموعتين مسلحتين وهما الزنتان ومصراتة، نسبة إلى مدينتي الزنتان ومصراتة، لم تنضما إلى التشكيل الموحد للقوى الأمنية الذي أُعلن عنه بعد نهاية الثورة، كما أن هاتين المجموعتين تسيطران على مناطق مهمة ومنشآت حيوية من العاصمة طرابلس الغرب بنسبة 75% بما في ذلك مطار طرابلس، بل ان هاتين المجموعتين تسيطران على المناطق التي تحوي المؤسسات النفطية سواء التي تقع على الساحل أو في العمق الصحراوي . إن عمليات النهب والسرقة والاعتداءات والانتهاكات التي تُرتكب باسم الثورة، وكذلك محاولات الأخذ بالثأر والانتقامات التي تأتي على خلفيات الأحداث التي شهدتها البلاد على مدى عام كامل، كل هذه شكلت بيئة ميليشيوية في أوضح صورها، ناهيك عن المعارك المسلحة التي دارت بين القبائل في الفترة الأخيرة، التي هي الأخرى ألقت بظلالها الثقيلة على هذه البيئة، التي أكدت صراعاتها المسلحة، أن هذه المجموعات أو بالأحرى الميليشيات المسلحة، ليست في وارد تسليم سلاحها إلى الدولة والتسليم بما تقرره اتجاهات ونتائج العملية السياسية في المستقبل، من منطلق إفتراضي، أن هناك عملية سياسية في طور التبلور والتشكل على المدى القريب أو المستقبل المنظور . لم تأت هذه البيئة الميليشيوية من فراغ، وإنما كانت مرحلة القتال الدموي بين جماعات الثوار وكتائب القذافي، هي القاعدة لتبلورها واتساعها بعد الإطاحة بنظام القذافي على النحو المعروف، وبهذا الواقع، فإن هذه البيئة قد تكرست عملياً على ارتكازات التنوع المناطقي والقبائلي، بحيث غدت العاصمة طرابلس تحت رحمة الميليشيات التي دخلت إليها من الشرق (جماعة مصراتة)، ومن الجنوب الغربي (جماعة الزنتان)، إضافة إلى مجموعات أخرى دخلت أو تسللت إليها قبل الإطاحة بالنظام السابق . ومن الطبيعي في هذا الجو الميليشيوي أن تتطور الاحتكاكات بين المجموعات الأخرى والمجموعتين المذكورتين، إلى معارك واشتباكات بين فترة وأخرى، الأمر الذي حدا بسكان طرابلس إلى مطالبة الحكومة الجديدة التي يرأسها عبدالرحيم الكيب، بضبط الأمن وطرد هؤلاء المسلحين (الغرباء) من المدينة . لذا، تبلورت بشكل واضح معادلة الشرق والغرب، وبقدر ما يحمل الشرق (بنغازي والمدن والبلدات التي تقع ضمن هذا النطاق الجغرافي) من تنوع سياسي، يتمثل في تيارات سياسية متنوعة، بعضها موجود وآخر في طور التشكل، مثل التيار الإسلامي الذي يضم (الإخوان المسلمين) والجهاديين السابقين (الجماعة المقاتلة)، إضافة إلى التيار الوطني الذي تمثله أطراف عدة وعلى رأسها (الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا) التي من المتوقع أن تحل نفسها وتتحول إلى حزب سياسي . وإذا كانت هذه التيارات قد بدأت تحضيراتها لانتخابات المؤتمر الوطني (المجلس التأسيسي) في يونيو/حزيران المقبل، فإن الغرب (طرابلس والمدن والبلدات التي تقع في هذا الجانب) يحمل تنوعاً مناطقياً وقبائلياً على النحو الذي أسلفنا ذكره، وأمام هذا الواقع، فإن نظام الحكم الليبي الجديد مطالب بإجراء مصالحة حقيقية بين مكونات المجتمع الليبي، تتجاوز حالة المنتصر والمهزوم، وقبل ذلك معالجة حال المجموعات والميليشيات المسلحة بشكل حاسم، وهو امتحان صعب يتوقف عليه مستقبل ليبيا . ------------------- * نقلا عن دار الخليج الخميس 1/3/2012. رابط دائم: