الضربات الأمريكية ضد الحوثيين بين الأهداف والتداعيات
18-3-2025

د. محمد عبد العظيم الشيمي
* أستاذ العلوم السياسية – جامعة حلوان

شهدت السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب نهجا أكثر صرامة تجاه إيران وأذرعها في المنطقة، ومن بينها جماعة الحوثيين في اليمن. فمع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، وخصوصا بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018 وفرضها عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على طهران، برزت الضربات العسكرية ضد الحوثيين كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقويض النفوذ الإيراني وتقليل التهديدات التي تمثلها الجماعات المسلحة المدعومة من إيران.لم تشكل هذه الضربات مجرد رد فعل على الهجمات الحوثية على الملاحة الدولية أو على منشآت النفط السعودية، بل جاءت في سياق أوسع يهدف إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية خصوصا مع دعم الولايات المتحدة لدور جديد لإسرائيل بالمنطقة. ومع ذلك، فإن هذه العمليات العسكرية لم تكن بلا ثمن، إذ أثارت ردود فعل متباينة على المستويين الإقليمي والدولي، وأثرت على مسار الحرب في اليمن، كما أدت إلى تداعيات جيوسياسية واقتصادية قد يكون لها تأثير طويل الأمد على المنطقة.

وعليه، فإن دراسة الضربات الأمريكية ضد الحوثيين خلال حقبة ترامب تستوجب تحليلًا دقيقًا للأهداف الكامنة وراء هذه العمليات، ومدى نجاحها في تحقيق الغايات التي سعت إليها الإدارة الأمريكية، إلى جانب التبعات السياسية والعسكرية والإنسانية التي خلفتها، سواء على اليمن أو على التوازنات الإقليمية والدولية.

فقد واصلت الولايات المتحدة شن غارات "متوالية" على أهداف تابعة لجماعة "الحوثيين" في اليمن، فقد استهدفت مقاتلات أمريكية مناطق وأحياء عدة، أبرزها في محافظات صنعاء، وصعدة، والبيضاء، وذمار.وقال أحد المصادر إن الغارات الأمريكية تستهدف على المدى القصير قاذفات الصواريخ الحوثية التي كانت تتحرك نحو الساحل استعدادًا لهجمات جديدة على السفن المارة في البحر الأحمر. والضربات، التي قال أحد المسئولين الأمريكيين إنها قد تستمر لأيام وربما لأسابيع، هي أكبر عملية عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط منذ تولي ترامب منصبه في يناير الماضى، وتأتي في إطار تحول عن سياسات ترامب والتي جاءت في إطار تصريحاته حول البعد عن التصعيد العسكري ، والتصريح باتباع خطوات لخفض التوتر وتحقيق سلام في العديد من الأزمات الدولية، وعلى رأسها الأزمة الروسية-الأوكرانية وأزمة غزة.

وتأتي هذه الضربات لتحقق العديد من الأهداف المباشرة وغير المباشرة للجانب الأمريكي، ويأتي ضمن هذه الأهداف المباشرة: أولا: والتي جاءت مع تصريح وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث، حيث نشر تدوينة، جاء فيها: "اليوم، أمر الرئيس ترمب بسلسلة من العمليات العسكرية للدفاع عن أصول الشحن الأمريكية في البحر الأحمر وردع تهديدات العدو للمصالح الأمريكية.. لن يتم التسامح مع هجمات الحوثيين على السفن والطائرات الأمريكية ".، يشكل هذا الردع استجابة للخسائر التي تعرضت لها الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية، وهو ما أكدته القيادة المركزية الأمريكية(CENTCOM) في تدوينة أشارت فيها إلى أن العمليات العسكرية تأتي ضمن جهودها لحماية الملاحة الدولية والتصدي للتهديدات المتزايدة في البحر الأحمر. كما أكد تقرير صادر عن وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية عام 2024، ونشره البيت الأبيض، أن هجمات الحوثيين تسببت في تراجع حاد في عمليات شحن الحاويات عبر البحر الأحمر.

وقبل بدء الهجمات الحوثية، كان البحر الأحمر يشهد عبور نحو 25 ألف سفينة تجارية سنويًا، إلا أن هذا العدد تراجع إلى نحو 10 آلاف سفينة سنويًا نتيجة لهذه الهجمات. وقد أدى ذلك إلى إعادة توجيه واردات الولايات المتحدة من السلع الاستهلاكية والسيارات، إضافة إلى صادراتها الزراعية من منطقة الخليج الأمريكي. وفي نوفمبر 2023، صعّد الحوثيون عملياتهم بالاستيلاء على السفينة"M/V Galaxy Leader"، كما بدأوا في استهداف السفن التجارية باستخدام صواريخ مضادة للسفن ومركبات غير مأهولة.

وعلى النحو نفسه، أشار متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إلى أن الحوثيين هاجموا السفن الحربية الأمريكية 174 مرة والسفن التجارية 145 مرة منذ عام 2023، ويقول الحوثيون إن الهجمات تأتي في إطار "التضامن مع الفلسطينيين" بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

ثانيا: تأتي هذه الضربات في الوقت الذي تصعد فيه الولايات المتحدة ضغوط العقوبات على إيران بينما تحاول جلبها إلى طاولة المفاوضات على برنامجها النووي، من خلال توجيهرسالة إلى إيران مفادها أنها يمكن أن تكون التالية، وما هي القدرة العسكرية والقوة التي يمكن نشرها واستخدامها. ففي الوقت الذي تتصاعد فيه التهديدات الأمريكية ضد إيران بهدف الإبطاء من برنامجها النووي، مصحوبة بتصريحات حول احتمالية توجيه ضربات عسكرية لإيران ، تمثل هذه التحركات العسكرية آلية للتنفيذ الأمريكي لتلك التهديدات ورفع درجة احتمالية حدوثها. وبالتالي  تمثل هذه الضربات جزءًا من استراتيجية أمريكية أوسع تهدف إلى تقليص نفوذ إيران وإضعاف موقفها التفاوضي في الملف النووي. من خلال تقويض قدرة طهران على استخدام الحوثيين كأداة ضغط، تسعى واشنطن إلى دفع إيران نحو تقديم تنازلات، إما في مفاوضات الملف النووي أو في دعمها للجماعات المسلحة في المنطقة.

ثالثا: الاستمرار في عمليات الدعم الأمريكي السياسي والعسكري لإسرائيل في إطار رسم دور جديد لإسرائيل في المنطقة وفقا لآليات تقزيم الدور الإيراني وأطرافها بالمنطقة، ومن ثم فالولايات المتحدة تمضي قدما في إسقاط أزرع إيران بالمنطقة والتي بدأت مع ضربات متتالية لحزب الله في الجنوب اللبناني، وإسقاط نظام بشار في سوريا، وتقويض حركة حماس في قطاع غزة. ومن ثم فضرب الحوثيين في اليمن يحقق المصالح الإسرائيلية عبر تقويض نفوذ إيران، وتقليص تهديدات الحوثيين في البحر الأحمر، واستنزاف طهران اقتصاديًا وعسكريًا. كما أن هذا التصعيد يساعد في تحويل الانتباه العالمي عن الجرائم الإسرائيلية في فلسطين، مما يمنح إسرائيل مساحة أكبر لتنفيذ سياساتها دون تدخل دولي.

من جانب آخر تتمثل الأهداف غير المباشرة لتلك الضربات في: أولا: الانخراط نحو عسكرة البحر الأحمر وما يقود إلى تداعياته بسيطرة أمريكية على ممر ملاحي دولي كمنطقة البحر الأحمر، تستطيع من خلاله مواصله الضغط على أطراف إقليمية، وتحقيق مكاسب من مواقف تساومية مع تلك الأطراف خلال الفترة القادمة.

ثانيا: من  خلال الوجود العسكري الأمريكي المكثف في البحر الأحمر، إلى جانب الضربات الجوية على الحوثيين، يعزز الحاجة إلى التعاون الأمني والاستخباراتي بين الدول العربية وإسرائيل. هذا التعاون قد يتخذ شكلًا أكثر علنيةً في المستقبل، خاصة في مجالات الدفاع الجوي والمراقبة البحرية، وهو ما يعزز اندماج إسرائيل الأمني في المنطقة.

ثالثا: تأتي هذه الضربات في وقت تسعى فيه إسرائيل إلى توسيع نفوذها الإقليمي وتعزيز علاقاتها مع الدول العربية، خاصة في ظل "اتفاقيات إبراهيم". فإضعاف الحوثيين، الحليف الإيراني، يخدم أجندة المحور المناهض لإيران في المنطقة، وهو الأمر الذي سيقترن كما هو معتاد من الرئيس ترامب بمطالبات في مقابل تحقيق تلك الأهداف، تتعلق بالإسراع بخطوات للتطبيع مع إسرائيل كما ترغب إدارة ترامب في تحقيقه في إطار رسم ملامح للقوى الإقليمية  التي تشكلها الولايات المتحدة بالمنطقة.

رابعا: تأتيالضربات الأمريكية في وقت حساس تشهد فيه الأراضي الفلسطينية تصعيدا مستمرا، سواء في غزة أو الضفة الغربية. فالتصعيد الأمريكي في البحر الأحمر والخليج العربي يخلق أجواء إقليمية مشحونة تصرف انتباه المجتمع الدولي والإعلام عن الجرائم الإسرائيلية. وكلما زاد التركيز على الملف الإيراني-الحوثي، قلت الضغوط على إسرائيل فيما يخص القضية الفلسطينية، مما يمنحها حرية أكبر في تنفيذ مشاريعها الاستيطانية وقمع المقاومة الفلسطينية دون رقابة دولية كبيرة.

وعليه، تمثل الضربات العسكرية التي وجهتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحوثيين في اليمن جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى ممارسة أقصى درجات الضغط على إيران وتقويض نفوذها الإقليمي. فمن منظور واشنطن، كانت هذه العمليات ضرورية لردع التهديدات الحوثية للملاحة الدولية، وحماية حلفائها في الخليج، وإيصال رسالة واضحة لطهران بأن دعمها للميليشيات المسلحة لن يمر دون عواقب. ومع ذلك، فإن تقييم هذه الضربات لا يمكن أن يقتصر على الأهداف المعلنة فحسب، بل يجب النظر في التبعات التي خلفتها على المستويات السياسية، والعسكرية، والإنسانية.

فعلى الرغم من أن الضربات الأمريكية أسهمت في إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين على المدى القصير، فإنها لم تنجح في إنهاء نفوذ الجماعة أو تقليص الدعم الإيراني لها بشكل حاسم. بل على العكس، ربما عززت هذه العمليات من مواقف الحوثيين داخليًا، حيث استغلوها كذريعة لحشد مزيد من الدعم الشعبي وتبرير تصعيدهم العسكري في مناطق أخرى. كما أن هذه الضربات لم تؤدِ إلى حل النزاع اليمني، بل ربما ساهمت في تعقيده عبر زيادة التصعيد الإقليمي بين الولايات المتحدة وإيران، ما جعل اليمن ساحة حرب بالوكالة ضمن صراع القوى الكبرى في المنطقة.

اقتصاديًا، أثرت الهجمات الحوثية على الممرات البحرية بشكل سلبي على التجارة العالمية، وجاء الرد العسكري الأمريكي ليؤجج المخاوف بشأن استقرار المنطقة، مما زاد من التقلبات في أسواق النفط وأسعار الشحن. كما أن هذه الضربات لم تؤدِ إلى تغيير جذري في المعادلة السياسية في اليمن، حيث استمر الجمود العسكري والسياسي رغم التدخلات الخارجية.

ختامًا، تكشف الضربات التي نفذتها إدارة ترامب ضد الحوثيين عن تعقيدات المشهد اليمني والإقليمي، حيث إن الحلول العسكرية وحدها لم تكن كافية لتحقيق استقرار مستدام أو لإنهاء النفوذ الإيراني. وما بين الأهداف المعلنة لهذه الضربات والتبعات التي نتجت عنها، يظل السؤال الأهم: هل يمكن للنهج العسكري وحده أن يحل الأزمات الإقليمية، أم إن هناك حاجة إلى حلول سياسية شاملة تضع حدًا لهذه النزاعات التي تستنزف المنطقة؟

 


رابط دائم: