الاقتصاد الدائرى فى إفريقيا.. نحو تنمية مستدامة ونمو أخضر
26-2-2025

مروة جابر
* باحثة اقتصادية

يشهد العالم تحولًا متسارعًا نحو تبنى نماذج اقتصادية أكثر استدامة، لتقليل بصمته على الموارد وخفض التكاليف وإدارة النفايات بشكل مسئول، ومن أبرز هذه النماذج الاقتصاد الدائرى الذى يسعى إلى تقليل الهدر وتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد. حيث يمكن للتحول الدائرى أن يعالج العديد من المخاطر التى نواجهها إذا استمررنا على المسار الخطى التقليدى. وتشمل هذه المخاطر نقص الموارد، وارتفاع درجات الحرارة العالمية، والتحديات التى تواجه الشركات، فالاقتصاد الخطى يعتمد على استخراج مستمر للموارد الطبيعية، مما يؤدى إلى استنزافها وندرتها بمرور الوقت. هذا الاستنزاف يسبب زيادة فى تكاليف المواد الخام، بالإضافة إلى زيادة تكاليف التخلص من النفايات، والعقوبات القانونية كل ذلك قد يضعف قدرة الشركات على المنافسة، ويهدد ربحيتها على المدى الطويل. وفى القارة الإفريقية، حيث تواجه العديد من الدول تحديات بيئية واقتصادية كبرى، برز الاقتصاد الدائرى كأحد الحلول الممكنة لتعزيز النمو الأخضر والتنمية المستدامة.

أولًا- ملامح دور الاقتصاد الدائرى:

يعد الاقتصاد الدائرى نموذجًا اقتصاديًا يركز على إعادة الاستخدام، وإعادة التصنيع، وإعادة التدوير، مما يقلل من استنزاف الموارد الطبيعية ويخفض التلوث البيئى. على عكس الاقتصاد الخطى التقليدى، الذى يسير فى اتجاه واحد، الإنتاج، ثم الاستهلاك، ثم التخلص.فى الاقتصاد الدائرى، يتم تصميم المنتجات بطريقة تسهل إعادة استخدامها وإعادة تدويرها، مما يقلل من استهلاك الموارد الطبيعية. كما يسعى إلى إنشاء حلقة مغلقة تضمن إعادة تدوير المواد والحد من توليد النفايات وتحقيق الاستدامة الاقتصادية والبيئية. (انظر الشكل رقم 1).


ويعد الاقتصاد الدائرى أحد النماذج التى تعزز من الاستدامة وخلق فرص عمل جديدة ولذلك تبنت العديد من الدول نموذج التحول الدائرى، مثل دولة فنلندا التى تعد من أوليات الدول فى التحول الدائرى خاصة فى مجال البلاستيك، حيث وصل معدل إعادة التدوير فى هذا المجال ما يزيد على 90% من الزجاجات والعلب. كما أسهم اعتماد سياسات الاقتصاد الدائرى فيها فى خفض نسبة النفايات إلى %7.4  من إجمالى الاستهلاك المحلى، مقارنة بالمعدل الأوروبى المتوسط البالغ %.13ولم يقتصر هذا التحول على تحسين البيئة فحسب، بل ساهم أيضًا فى توفير فرص عمل جديدة فى قطاعات إعادة التدوير والابتكار الأخضر.

أما اليابان فقد شهدت تجربة فريدة فى تطبيق الاقتصاد الدائرى، حيث دعت مواطنيها إلى التبرع بالأجهزة الإلكترونية القديمة لدعم أولمبياد طوكيو. وبلغ إجمالى التبرعات نحو 6.2 مليون هاتف محمول، بالإضافة إلى مساهمات من متاجر الإلكترونيات والمدارس التى قدمت أجهزتها القديمة. ومن خلال إعادة تدوير هذه الكمية الضخمة من النفايات الإلكترونية، تمكنت اللجنة المنظمة من استخراج عشرات الكيلوغرامات من الذهب، ومئات الكيلوغرامات من الفضة، وآلاف الكيلوجرامات من البرونز، والتى استُخدمت فى تصنيع الميداليات الأولمبية.

فى إفريقيا، يوفر الاقتصاد الدائرى فرصة سوقية سنوية تقدر بنحو 8 مليارات دولار. ووفقًا للدكتور أنتونى نيونج، مدير تغير المناخ والنمو الأخضر فى البنك الإفريقى للتنمية، تمتلك القارة إمكانيات واسعة لا تقتصر على مواجهة تغير المناخ فحسب، بل تؤهلها أيضًا لتكون جزءًا من الحل العالمى لأزمة المناخ. وبحسب الإحصائيات العالمية ومنها المنتدى الاقتصادى العالمى، يمكن تحقيق فوائد اقتصادية من إعادة التدوير تصل إلى 6.3 تريليون دولار بحلول عام 2030. كما يتمتع الاقتصاد الدائرى بالقدرة على المساهمة بشكل كبير فى العمل المناخى من خلال تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة تصل إلى 60% بحلول عام 2050. 

تعانى إفريقيا من آثار التغير المناخى فى ظل محدودية التمويل المخصص للمشروعات التى تسهم فى مواجهة هذه الأزمة. ومع ذلك، توفر العديد من القطاعات فرصًا للتحول نحو الاقتصاد الدائرى، مما يساعد فى تعزيز التنمية المستدامة وتبنى نموذج أكثر كفاءة للإنتاج والاستهلاك فى دول القارة.ومن هذه القطاعات النقل، والتصنيع، والمنسوجات، والكهرباء، والزراعة، والبنية التحتية الحضرية، حيث تمتلك إمكانات كبيرة للتحول إلى الاقتصاد الدائرى، مما يسهم فى الحد من ظاهرة الاحتباس الحرارى، وفقًا للبيانات التى رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

مع اعتماد أكثر من 62% من البلدان الإفريقية على الموارد الطبيعية فى ناتجها المحلى الإجمالى، فإن الاقتصاد الدائرى أمر بالغ الأهمية لنمو القارة. ويمكن للاستثمارات الاستراتيجية والسياسات المبتكرة أن تحقق زيادة بنسبة 2.2% فى الناتج المحلى الإجمالى للدول الإفريقية، وتولد 11 مليون فرصة عمل، وتصل إلى اقتصاد دائرى عالمى بقيمة 526 مليار دولار أمريكى. وفى تقرير للبنك الدولى بعنوان "معالجة النفايات المنزلية" الذى نشر فى عام 2020، أشار إلى أن 174 مليون طن من النفايات تنتج سنويًا فى إفريقيا، ونظرًا إلى تسارع وتيرة النمو السكانى فى القارة، فمن المتوقع أن تتضاعف هذه الكمية من النفايات 3 مرات بحلول عام 2050، ويمكن استغلالها كمورد للاقتصاد الدائرى.

ثانيًا- خطوات نحو التحول الدائرى:

تُعد إفريقيا المركز المستقبلى للإنتاج العالمى للسلع، بفضل مواردها الطبيعية غير مستغلة، لاسيما فى مجالى الطاقة والزراعة. وبحلول عام 2030، يُتوقع أن يبلغ الطلب على الغذاء فى المناطق الحضرية تريليون دولار، فيما سيحتاج نحو مليارى شخص إلى الغذاء والملابس والسلع الأخرى، التى يجب إنتاجها أو معالجتها أو استيرادها لتلبية هذه الاحتياجات.

1- التحالف الإفريقى للاقتصاد الدائرى: يجب على الدول الإفريقية التحول من النموذج الخطى القائم على الاستهلاك إلى النموذج الدائرى، فالقارة الإفريقية تتمتع بمقومات تسمح لها بقيادة التحول نحو الاقتصاد الدائرى. لذلك اتجهت العديد من دول القارة لتبنى التحول الدائرى كاستراتيجية إنمائية ووسيلة فعالة لتمكينها من تحقيق النمو الاقتصادى دون الإخلال بالحدود البيئية التى تضمن استدامة الموارد. ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، يشكل رأس المال الطبيعى فى الدول الإفريقية، مثل: المعادن، والغابات، والمياه، والتربة، والهواء النظيف، والتنوع البيولوجى، ما بين 30% و50% من إجمالى رأس المال، فيما يعتمد أكثر من 70% من سكان إفريقيا جنوب الصحراء على الغابات والمناطق المشجرة كمصدر رئيسى للمعيشة. ولدعم مساعى الدول الإفريقية نحو التحول الدائرى أطلق البنك الإفريقى للتنمية (AfDB) مبادرة قارية تهدف إلى تعزيز ممارسات الاقتصاد الدائرى فى إفريقيا. باسم "التحالف الإفريقى للاقتصاد الدائري" (ACEA) والذى تم إنشاؤه فى عام 2016، بهدف تطوير النظام البيئى للاقتصاد الدائرى فى إفريقيا مع الاستفادة من فرص التنمية فيه. عن طريق تطوير البنية التحتية الخضراء، والانتقال من النماذج الاقتصادية التقليدية إلى نماذج أكثر استدامة، من خلال تشجيع إعادة الاستخدام، وإعادة التدوير للموارد والمنتجات. كما أسس صندوق الاقتصاد الدائرى الإفريقى (ACEF) وهو صندوق ائتمانى متعدد المانحين، يشرف عليه قسم تغير المناخ والنمو الأخضر. يهدف الصندوق إلى دعم جهود التحالف من خلال تمويل المشروعات والمبادرات التى تسهم فى تعزيز التحول نحو الاقتصاد الدائرى فى القارة. ويضم التحالف أربع عشرة دولة منها ثلاث دول مؤسسون (نيجيريا، ورواندا، وجنوب إفريقيا).

ومن البرامج التى يدعمها التحالف برنامج أنظمة الغذاء الدائرية، أطلقته دولة رواندا، والذى يهدف إلى تحويل أنظمة الغذاء فى البلاد بشكل جذرى لتصبح أكثر دائرية واستدامة. وبصفتها عضوًا مؤسسًا فى التحالف الإفريقى للاقتصاد الدائرى (ACEA) والتحالف العالمى للاقتصاد الدائرى وكفاءة الموارد (GACERE)، فقد أظهرت رواندا قيادة قوية فى تعزيز الدائرية على المستوى القارى والعالمى. فهى أول دولة إفريقية تطلق خارطة طريق وطنية للاقتصاد الدائرى، مع التركيز بشكل واضح على الزراعة، وهو القطاع الذى يشرك أكثر من 70٪ من السكان ويسهم بنسبة 33٪ فى الناتج المحلى الإجمالى الوطنى، وبالتالى، فإن التحول نحو أنظمة الغذاء الدائرية يمثل فرصة هائلة للتقدم الاقتصادى، والاجتماعى، والبيئى.

 وفى السياق ذاته قامت دولة إثيوبيا فى يوليو 2024، بإطلاق خريطة طريق وطنية للاقتصاد الدائرى بدعم مالى من مرفق الاقتصاد الدائرى التابع للبنك الإفريقى للتنمية، ويهدف إلى تعزيز الابتكار والاستخدام الفعال للموارد وتحسين أطر السياسات واللوائح التى تشجع ممارسات الاقتصاد الدائرى، وتستهدف المبادرة قطاعات رئيسية، مثل البناء والتصنيع والزراعة وإدارة النفايات، بهدف الحفاظ على الموارد والحد من التلوث وخلق فرص العمل الخضراء ودفع النمو الاقتصادى. أكد نوجوس ليما من هيئة حماية البيئة فى إثيوبيا أن اعتماد الاقتصاد الدائرى أمر ضرورى للتنمية المستدامة فى البلاد، ودعم هدف إثيوبيا المتمثل فى خفض الانبعاثات بنسبة 68.8٪ بحلول عام 2030.

بالإضافة إلى دولة غانا التى تسعى إلى تعزيز الاستدامة البيئية من خلال إطلاق ميثاق طوعى يهدف إلى الحد من استخدام الأكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد. وقد أطلقت هذه المبادرة شركة Plastic Punch، مستهدفة خفض النفايات البلاستيكية بنسبة 50% بحلول عام 2030. وتهدف المبادرة إلى الحد من تأثير التلوث البلاستيكى على النظم البيئية القيمة فى البلاد، حيث تنتج غانا 1.1 مليون طن من النفايات البلاستيكية سنويًا، فى حين لا تتجاوز نسبة إعادة التدوير 5%.

2- الجهود الفردية فى القارة: على الصعيد الفردى للدول قامت الحكومة المصرية بتبنى نهج التحول نحو الاقتصاد الدائرى كجزء أساسى من برنامجها للفترة 2024-2027، حيث يهدف البرنامج إلى تعزيز التكامل بين القطاعات الاقتصادية وتعظيم استخدام الموارد بشكل مستدام، من خلال إعداد استراتيجية وطنية للاقتصاد الدائرى وتقديم آليات تمويل ميسرة لدعم المنشآت الصناعية فى اعتماد تكنولوجيا الصناعة الخضراء المستدامة.

فى إطار هذه الجهود، تم تشغيل نحو 216 مشروعًا لإعادة تدوير المخلفات بقيمة 8.5 مليار جنيه، مما يعكس التزام مصر بدمج البعد البيئى فى كافة قطاعات التنمية. بالإضافة إلى ذلك، استضافت مصر مؤتمر الأطراف السابع والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP27) فى نوفمبر 2022 بمدينة شرم الشيخ، حيث تم تسليط الضوء على الجهود المصرية فى مجال تنمية الاقتصاد الأخضر، بما فى ذلك مشروعات الطاقة المتجددة، والمواصلات المستدامة، وتحويل قناة السويس إلى "قناة خضراء".

ثالثًا- إشكاليات تطبيق الاقتصاد الدائرى فى إفريقيا:

على الرغم من الفرص الكبيرة التى يوفرها الاقتصاد الدائرى فى إفريقيا، إلا أن تطبيقه يواجه العديد من التحديات التى تعوق تحقيق تحول شامل ومستدام. وتتنوع هذه التحديات بين العقبات الاقتصادية واللوجستية، وضعف الأطر التشريعية، وقلة الوعى المجتمعى، مما يتطلب استراتيجيات فعالة لمعالجتها. وفيما يلى أبرز هذه الإشكاليات.

1- التحديات الاقتصادية والتمويلية:يُشكل الاتجاه السائد نحو الاقتصاد التقليدى تحديًا رئيسيًا أمام تبنى الاقتصاد الدائرى، حيث يعتمد هذا النموذج على الإنتاج واسع النطاق بتكاليف منخفضة، مما يجعل المنتجات المستدامة أقل تنافسية من حيث السعر. ويزيد من تعقيد هذه المسألة ضعف الطلب على المنتجات المستدامة نتيجة نقص الوعى بفوائدها طويلة المدى، مما يعزز استمرار التفضيل للخيارات التقليدية. علاوة على ذلك، يتطلب نجاح الاقتصاد الدائرى تعاون الشركات الكبرى، إلا أن تضارب المصالح بين الجهات الفاعلة قد يعيق تنفيذ استراتيجيات مستدامة على نطاق واسع، مما يؤخر التحول نحو نموذج اقتصادى أكثر دائرية.

تستلزم عمليات إعادة التدوير والتصميم المستدام استثمارات أولية مرتفعة، مما قد يمثل تحديًا رئيسيًا أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة، التى غالبًا ما تواجه قيودًا مالية تحدّ من قدرتها على تبنى هذه الممارسات.

2- ضعف البنية التحتية: تفتقر العديد من الدول إلى البنية التحتية اللازمة لدعم إعادة التدوير وإدارة النفايات بكفاءة، مما يشكل عائقًا أمام تطبيق مبادئ الاقتصاد الدائرى، وتعزيز الاستدامة البيئية. فالاقتصاد الدائرى يتطلب تطبيقه استثمارات كبيرة لإنشاء مرافق حديثة لإعادة التدوير، وتصميم أنظمة إدارة للنفايات، ودعم البحث والتطوير. يتم جمع ما يقرب من ثلث البلاستيك بواسطة نظام إدارة النفايات وينتهى به الأمر كنفايات فى أراضى العالم وأنهاره ومحيطاته. وقد يكون هناك بلاستيك أكثر من الأسماك فى المحيط بحلول عام 2050، هذه مشكلة كبرى بشكل خاص فى البلدان النامية التى تفتقر إلى البنية التحتية القوية لإدارة النفايات. لذا فإن تحسين أنظمة إدارة النفايات وإعادة التدوير فى هذه البلدان يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا فى إبعاد البلاستيك عن المساحات الطبيعية.

3- نقص الوعى المجتمعى: يفتقر العديد من الأفراد والشركات إلى الوعى بأهمية الاقتصاد الدائرى وفوائده على المدى الطويل، مما يؤدى إلى استمرار الاعتماد على الأنماط التقليدية فى الاستهلاك والإنتاج. فى العديد من الدول، لا تضم المناهج التعليمية مفاهيم الاقتصاد الدائرى والاستدامة، مما يؤدى إلى فجوة فى المعرفة لدى الأجيال الجديدة.وكما سبق الذكر فقد بدأ الترويج لمفهوم الاقتصاد الدائرى كاستجابة لندرة الموارد المتزايدة وكمحرك للانتقال نحو نظام اقتصادى أكثر استدامة. ومع ذلك، فإن التركيز السائد المتعلق بالاقتصاد الدائرى هو فى إطار البعد البيئى والاقتصادى، فى حين تم دمج الجوانب الاجتماعية، مثل ممارسات العمل أو حقوق الإنسان ورفاهية المجتمع، بشكل هامشى فى مفهومه.

فى سياق ندرة الموارد وتغير المناخ، يتم الترويج لمفهوم الاقتصاد الدائرى كبديل مستدام للنظام الاقتصادى الخطى السائد. وفى حين تمت مناقشة جوانب الاستدامة الاقتصادية والبيئية على نطاق واسع، فإن جوانب الاستدامة الاجتماعية داخل الاقتصاد الدائرى تحتاج إلى مزيد من التركيز والاعتبار. قد يكون أحد أسباب عدم الاهتمام الكافى بالبعد الاجتماعى هو الافتقار إلى الوضوح لماهيه الاقتصاد الدائرى. ومع ذلك، فإن الوضوح المفاهيمى ضرورى لتعزيز خطاب الاقتصاد الدائرى وضمان مساهمته الكاملة فى التنمية المستدامة.

لا يقتصر تحفيز الاقتصاد الدائرى على دور الحكومة وحدها، بل يتطلب تعاونًا وثيقًا بين القطاع الخاص والمجتمع المدنى. يمكن للقطاع الخاص الاستفادة من تبنى ممارسات الاقتصاد الدائرى ليس فقط لتعزيز كفاءته التشغيلية، ولكن أيضًا لتحسين صورته التجارية وزيادة جاذبيته للمستهلكين الواعين بيئيًا. فى المقابل، يلعب المجتمع المدنى دورًا محوريًا من خلال الحملات التوعوية والتأثير على صناع القرار، مما يسهم فى خلق بيئة داعمة للتحول نحو نموذج اقتصادى أكثر استدامة.

4- التشريعات والسياسات: يُنظر إلى الاقتصاد الدائرى بشكل متزايد على أنه نهج فعال لتحقيق أهداف المناخ، حيث يلقى اهتمامًا متزايدًا من قبل الشركات وصناع السياسات. ويتيح هذا النموذج الاقتصادى إمكانات كبيرة لخلق ما بين 7 إلى 8 ملايين وظيفة جديدة من خلال تعزيز إعادة الاستخدام والتجديد للمنتجات والمواد. مما يعزز الاستدامة الاقتصادية والبيئية.ومع ذلك، يسلط تقرير صادر عن مؤسسة سيركل إيكونومى ومنظمة العمل الدولية، وبرنامج حلول تشغيل الشباب (S4YE) فى البنك الدولى بعنوان "العمل اللائق فى الاقتصاد الدائرى: نظرة عامة على قاعدة الأدلة الحالية"، الضوء على وجود فجوات معرفية قد تعيق تحقيق هذا الهدف. يشير التقرير إلى ضرورة تعزيز البحث وصياغة سياسات داعمة لضمان استفادة سوق العمل من التحول نحو الاقتصاد الدائرى بشكل عادل ومستدام.

تلعب السياسات العامة دورًا حاسمًا فى تحديد كيفية تبنى وتنفيذ ممارسات الاقتصاد الدائرى، حيث يمكن استخدامها لتقييم جاهزية الدول لهذا التحول. ومن خلال تحليل مدى دعم السياسات الحالية لهذا النموذج الاقتصادى، يمكن تصميم استراتيجيات أكثر فعالية لضمان انتقال سلس نحو الاقتصاد الدائرى، مما يعزز قدرته على تحقيق أهدافه المناخية والاقتصادية.كما يمثل التعامل مع الوظائف منخفضة الجودة والأجور المتدنية فى القطاع غير الرسمى تحديًا أساسيًا فى تطبيق الاقتصاد الدائرى، حيث يرتبط العديد من الأنشطة الدائرية مثل إدارة النفايات، وإعادة التدوير، والإصلاح، وإعادة الاستخدام بظروف عمل غير آمنة، تشمل التعرض للمواد السامة وبيئات عمل خطرة، مما يستدعى إصلاحات هيكلية لضمان معايير عمل لائقة وحماية العمال.

5- الموارد الطبيعية وأسواق النفايات: يشكل قطاع النفايات المحور الرئيسى للاقتصاد الدائرى فى البلدان الإفريقية. لكن الاعتماد عليه وحده لا يعكس الإمكانات الكاملة لهذا النموذج الاقتصادى. يمكن للاقتصاد الدائرى أن يساعد فى تلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان من خلال الزراعة الذكية مناخيًا لتعزيز الأمن الغذائى، والبنية التحتية المرنة والخضراء لسد فجوة الإسكان، والطاقة منخفضة الكربون والفعّالة للحد من فقر الطاقة، والصناعات الموفرة للموارد لتعزيز التصنيع المنخفض الكربون وفرص كسب العيش الأكثر قوة. من الأهمية بمكان أن تتبنى الاستراتيجيات الدائرية نهجًا شاملاً لإعادة استخدام الموارد المحدودة، والحفاظ على القيمة المرتبطة بالسلع وتعظيم تداولها فى الاقتصاد. وهذا يتطلب نهجًا متعدد القطاعات وتعاونًا واسع النطاق بين أصحاب المصلحة، بما فى ذلك القطاع غير الرسمى. كما يعتبر قطاع إدارة النفايات فى إفريقيا سوقًا متنامية، حيث يُقدَّر حجمها بنحو 21.72 مليار دولار فى عام 2024، مع توقعات بارتفاعه إلى 27.70 مليار دولار بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوى مركب يبلغ 4.98% خلال هذه الفترة. ويرجع هذا النمو إلى المبادرات الحكومية والمشاريع الاستثمارية، بالإضافة إلى الدور المتزايد للشركات الناشئة فى القطاع.

إن التخطيط لإدارة النفايات وتنفيذها معقدان. وغالبًا ما يتم التقليل من شأن الجوانب المؤسسية والاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالحوكمة ونموذج الأعمال الخاص بالشركات وسلوكيات المستهلكين، فى حين يتم التأكيد على حلول مكبات النفايات وحرقها لمعالجة الحاجة الملحة إلى التنظيف. وتشمل أغلب التحديات ما يلى: (أ) الافتقار إلى حوكمة واضحة ومتسقة وأطر سياسية وتنظيمية ومؤسسية، (ب) الافتقار إلى الإرادة السياسية والإجماع الاجتماعى أو الملكية والتنسيق، (ج) الافتقار إلى البنية الأساسية لإدارة النفايات، (د) صعوبات استرداد التكاليف لجمع النفايات ونقلها ومعالجتها، (هـ) الافتقار إلى الأدوات المالية لتمويل محطات تحويل النفايات إلى طاقة أو غيرها من الحلول المستدامة، (و) الافتقار إلى اللوائح أو الحوافز للتدوير للشركات والأفراد، (ز) الافتقار إلى البدائل المناسبة للمواد مثل البلاستيك، (ح) الافتقار إلى المعرفة والخبرة والتدريب والاتصال، (ط) الافتقار إلى البيانات حول أحجام توليد النفايات وإعادة التدوير ومنع التخطيط المستنير والدقيق.وتمثل سوق إدارة النفايات فى إفريقيا فرصة اقتصادية واعدة لكنها يواجه تحديات كبرى، خاصة فيما يتعلق بمعدلات إعادة التدوير المنخفضة وإدارة المخلفات العضوية. لذا، فإن تعزيز البنية التحتية لإعادة التدوير، وزيادة الاستثمارات فى الحلول المستدامة، وتوسيع دور القطاع الخاص، عوامل حاسمة لتحسين كفاءة إدارة النفايات فى القارة.

ختامًا، يمكن للاقتصاد الدائرى أن يكون وسيلة فعالة لتحقيق التحول الذى نحتاجه نحو استخدام الموارد بشكل مستدام ومنضبط، كما يجب على الشركات والحكومات والأفراد على حد سواء تنفيذ الدائرية بحذر من أجل تحسين تأثيرها, ومساعدة المجتمع على جنى الفوائد المرجوة منه. لذلك يجب التشجيع على تبنى نموذج الاقتصاد الدائرى وتنفيذه بالكامل لحماية البيئة من خلال بناء البنية التحتية لإدارة النفايات، وتخصيص الموارد المالية، كما تحتاج بلدان الدول الإفريقية إلى تأييد وتنفيذ اللوائح والسياسات البيئية، وتطوير قدرات العاملين فى خدمات إدارة النفايات.

المصادر:

1.Ethiopia launches the development process of its National Circular Economy Roadmap, African circular economy alliance, jul 23. 2024, Available on: https://www.aceaafrica.org/news/ethiopia-launches-the-development-process-of-its-national-circular-economy-roadmap

2.Learning Event for the Circular Food Systems for Rwanda Program, African circular economy alliance, Mar, 30. 2024, Available on: https://www.aceaafrica.org/news/empowering-sustainability%3A-insights-from-the-learning-event-for-the-circular-food-systems-for-rwanda-program

3.Ghana commits to a greener future with a Pact to reduce Single-Use Plastics, African circular economy alliance, Nov, 27, 2024, Available on: https://www.aceaafrica.org/news/ghana-commits-to-a-greener-future-with-a-pact-to-reduce-single-use-plastics

4.Mathy Stanislaus, Barriers to a Circular Economy: 5 Reasons the World Wastes So Much Stuff (and Why It's Not Just the Consumer's Fault), World Resources institute, May, 24, 2024, Available on: https://www.wri.org/insights/barriers-circular-economy-5-reasons-world-wastes-so-much-stuff-and-why-its-not-just

5.Zero Waste Offer, United Nations, Development Programme, UNDP, Available on:https://www.undp.org/chemicals-waste/our-work/zero-waste-offer

6.Kevin Moss, Here’s What Could Go Wrong with the Circular Economy—and How to Keep it on Track, World Resources institute, August 28, 2019, Available on: https://www.wri.org/insights/heres-what-could-go-wrong-circular-economy-and-how-keep-it-track

7.Africa Circular Economy Facility (ACEF), African Development Bank, Available on: https://www.afdb.org/en/topics-and-sectors/topics/circular-economy/africa-circular-economy-facility-acef

8.Transforming Waste to Sustainable Construction Materials, United Nations Development Programme, 2024, Available on: https://www.undp.org/china/transforming-waste-sustainable-construction-materials

 9. د. مجدى محمد محمود، تقييم نماذج الاقتصاد الدائرى فى إفريقيا جنوب الصحراء – مع التركيز على كينيا، قراءات إفريقية، 15 سبتمبر 2024، متاح على:https://2u.pw/t3w6I5GS

10. بدر سالم، الاقتصاد الدائرى وفرص العمل، العربية، 15 فبراير، 2025، متاح على: https://2u.pw/P4c6BlsA

11. مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون: استثمارات الاقتصاد الدائرى تحقق فوائد اجتماعية واقتصادية وبيئية، البنك الإفريقى للتنمية، 20 نوفمبر 2024، متاح على: https://www.afdb.org/ar/akhbar-wa-ahdath/78954

12. الكيانات الاقتصادية وأثرها على النمو المستدام، ايتو، 9- 12- 2024، متاح على: https://2u.pw/YRH2HSrT

13. الاجتماعات السنوية لعام 2024: المرفق الإفريقى للاقتصاد الدائرى يسعى إلى تعزيز الاقتصادات الإفريقية من خلال الابتكار فى مجال النمو الأخضر، البنك الإفريقى للتنمية، 4 يونيو 2024، متاح على: https://www.afdb.org/ar/akhbar-wa-ahdath/balaghat-sahafyah/71582

14. الاقتصاد الدائرى: ربط النقاط بين تغير المناخ والمرونة والفرص فى إفريقيا، البنك الإفريقى للتنمية، 21 ديسمبر 2023، متاح على:https://www.afdb.org/ar/akhbar-wa-ahdath/67431

15. عفاف حمدى، مصر تتحول للاقتصاد الدائرى.. تشغيل 216 مشروعا لإعادة تدوير المخلفات بـ8.5 مليار جنيه استثمارات.. وفؤاد: دمج البعد البيئى فى كافة قطاعات التنمية هو حجر الأساس، البوابة، 18- سبتمبر -2023، متاح على:https://www.albawabhnews.com/4874655

16. مصطفى شعبان، إعادة التدوير سبيل العالم لتحقيق أهداف إزالة الكربون.. الاقتصاد الدائرى يوفر 6.3 تريليون دولار عالميًا بحلول 2030، المستقبل الأخضر، 10/6/2022، متاح على:https://greenfue.com/10998-2/

17. نورا صبح، الاقتصاد الدائرى يدعم مكافحة الاحتباس الحرارى وتحفيز التنمية المستدامة فى إفريقيا (تقرير)، الطاقة 2-12-2022، متاح على:https://2u.pw/TYHmJBOC

18. جهود مصرية هائلة فى مجال تنمية الاقتصاد الأخضر.. أبرز التوجهات: شراكات دولية واقتصاد دائرى وتمويل أخضر.. ومشروعات تشمل الطاقة المتجددة والمواصلات وقناة السويس والرى والصرف، اليوم السابع، 12 نوفمبر، 2022، متاح على:https://2u.pw/fXDUGh9


رابط دائم: