ترامب .. وحش النيوليبرالية الأجوف
5-2-2025

ياسين غلاب
* مدير تحرير - الأهرام المسائى

مرة أخرى، ترامب هو ابن الواقع الاجتماعى والسياسى الذى أنتجته "النيوليبرالية"، السوق الحرة المتطرفة، التبرير الفكرى للجشع، بحجة أن السوق دائما على حق وأن التحكم بها وتوجيهها خطأ والخصخصة خير والتعميم شر والضرائب أسوأ الشرور، فلا قيود على العمل ولا اعتبار للأخلاق ولا موانع للاستهلاك. لا فرق بين الحزب الديمقراطى والجمهورى، الاختلاف فى الوسيلة. على سبيل المثال، التغير المناخى عند ترامب يعنى هدر تريليونات الدولارات فى باطن الأرض وجوهره عدم السماح لأى أحد بوضع قيود على تصرفات النخبة المالية، بينما يرى بايدن وفريقه أنه وسيلة لصبغ الرأسمالية باللون الأخضر، رأسمالية بألواح شمسية يحققون بها أهدافًا متعددة، منها إخراج روسيا وحرمان الصين من شريان الحياة، وضمان وقوف أوروبا واليابان وباقى الحلفاء بجانب أمريكا.

هو ليس ابن النخبة السياسية ولا المؤسسات الأمريكية، لكنه ابن "ميلتون فريدمان" و"لارى سامرز"، وهؤلاء لديهم قوانين الاقتصاد مثل الهندسة، تنجح فى كل مكان، الفائز هو من ينجح فى تطبيقها. هو إنسان "نيتشه" الذى يظن أنه تفوق على نفسه دون التقيد بالأخلاق، هو وحش فرانكشتاين الذى انقلب على صاحبه لأنه متردد ولا يتبع القواعد بحذافيرها ويضع اعتبارات لا لزوم لها للمجتمع والنظام القائم. فى أحيان كثيرة يتفوق التلميذ على أستاذه، ويتفوق الواقع على التنظير الفكرى والأيديولوجى، كترامب على ريجان، ونتنياهو على بن جوريون، والجولانى على الظواهرى، وفى النهاية كلهم مصنوعون من غيرهم.

ترامب هو ابن تلفزيون الواقع، فبعد برامج سرفايفر والأعزب، عمق ترامب الفكرة فى برنامج "المتدرب"، أن تكون ناجيًا من أدغال الرأسمالية المتوحشة، يجب أن تكون أكثر توحشًا، أن تلعب بكل الأوراق فى صالة القمار اللعب الصحيح لكى تعيش ببذخ فى الصباح، اتبع طريقى فأنا ملياردير ناجح وستصبح مثلى.

كنت أتعجب كيف استطاع ترامب أن يفوز بتسمية الحزب الجمهورى له، فقد كان رقم 13 بين المرشحين، ومن أين له هذه الشهرة، كان السر فى كتبه وليس فى عقاراته ولا أنشطته الأخرى، فن الصفقة فى 1989، فكر كملياردير، فكر بالأمور الكبيرة، ترامب للمبتدئين، اقض على الخصوم، وكيف تصبح ثريًا.

الواقع الأمريكى السياسى والاقتصادى والاجتماعى يتسابق فى الوصول إلى الحضيض. يتخيل ترامب أنه بقدراته الاستثنائية يستطيع إعادة تشكيله لصالحه أولاً ولصالح طبقته ثانيًا. عندما كان مهددًا بالإفلاس وبدلاً من أن يتصالح مع دائنيه، أقام استعراضًا كبيرًا وهو يلبس رداء مصارعة من الحرير وقفازين من الحرير لتعزيز علامته التجارية فجذب مزيدًا من التمويل وهرب من شبح الإفلاس. داعموه من النخبة المالية رأوا فيه الشخص المثالى لينفذ الانقلاب على النظام القائم الذى لا يحقق لهم كل ما يريدونه، سيطرة المال على السلطة.

لتحقيق هدفه وهدف داعميه ممن هم على شاكلته من رجال المال المتوحشين، كان عليه استخدام أدواته بقسوة شديدة، الأدوات هى من الواقع الذى يعرفه "ترامب" جيدًا فقد تعامل معه وبنى ثروته على خداعه. إذن فلنستميل هذا الواقع من جديد بطريقة تحايل جديدة.

كانت الأدوات ببساطة هى مهاجمة النظام القائم ومداعبة خيال الطبقة المتوسطة بالاقتصاد والوظائف واستمالة العمال بشعار إعادة التصنيع، "اشتر ما هو أمريكى ووظف ما هو أمريكي"، "واحفر يا حبيبى احفر"، ولكى ينجح هذا الأسلوب لا بد من تغليفه بالبهارات، تلك البهارات لتحفيز الرغبة فى الأنانية والجشع وبالتالى الاستهلاك وسُق أغلبية الجماهير كالقطيع لحتفهم. ففى العنصرية سيعيد ترامب البيض لقمة الهرم الاجتماعى والمهاجرون غير الشرعيين بالنسبة له يأخذون أموال الرعاية الاجتماعية ويقوضون البنية التحتية ويشيعون الجريمة، والمرأة ككلينتون يجب أن تحبس، وكهاريس يجب أن تطرد، وككيلى مذيعة فوكس نيوز: لا بد أنها تنزف من مكان ما، واليساريون: بيرنى ساندرز المجنون، إنها سياسة تصنيف البشر وفرق تسد، السياسة العنصرية البغيضة، لا جديد فيها إلا أنها بلسان ترامب الأجوف.


رابط دائم: