يتأهب قطاع غزة لدخول مرحلة جديدة مع الإعلان عن اتفاق بين حركة “حماس” وإسرائيل لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين، في خطوة تمثل محطة مفصلية بعد 15 شهراً من صراع عسكري دموي خلف آثاراً إنسانية وسياسية كارثية. خلال هذه الفترة، قُتل أكثر من 46,700 شخص، معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن، في حين تعرض القطاع لدمار شامل شمل المنازل والمستشفيات والمدارس والبنية التحتية الحيوية. كما شهدت غزة نزوحاً جماعياً لمعظم سكانها البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، الذين يواجهون أوضاعاً إنسانية خانقة بسبب النقص الحاد في الغذاء والوقود والأدوية والمأوى، في ظل انهيار شبه كامل لشبكات الخدمات الأساسية.
الاتفاق، الذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ يوم الأحد المقبل، الموافق 19 يناير 2025، يأتي في سياق من الضغوط المحلية والإقليمية والدولية، ويعكس تحولات في حسابات الأطراف المتصارعة. وعلى الرغم من أنه يوفر فرصة لالتقاط الأنفاس وفتح مسارات محتملة لإعادة إعمار القطاع وتخفيف معاناة السكان، إلا أنه يظل مشوباً بالتحديات والتهديدات المرتبطة بتعقيدات الصراع.
وعلى صعيد أخر، يمثل هذا الاتفاق بداية مرحلة اختبار للأطراف المعنية، حيث يثير تساؤلات حول استمراريته وقدرته على الصمود أمام الضغوط السياسية والميدانية، فضلاً عن تأثيره المحتمل على الديناميات الإقليمية ومستقبل الصراع في المنطقة.
أولا- طبيعة المرحلة الثانية..خطوات نحو إنهاء دائم للحرب (42 يوماً):
تمثل المرحلة الثانية منعطفاً حاسماً في مسار الصراع بين إسرائيل وحركة “حماس”، حيث تهدف إلى تحقيق وقف دائم للعمليات العسكرية وتهيئة بيئة مواتية لاستقرار طويل الأمد. وفقاً لتصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، فإن هذه المرحلة تسعى إلى إعلان “الهدوء المستدام”، وهو ما يتطلب خطوات عملية ومتكاملة لتنفيذها.
-إعلان وقف دائم للعمليات العسكرية:
في إطار هذه المرحلة، يدخل وقف دائم وشامل لجميع العمليات العسكرية والأنشطة القتالية بين الطرفين حيز التنفيذ.
-ضمان التزام الجانبين بوقف الأعمال العدائية.
-توفير بيئة آمنة لتنفيذ باقي بنود الاتفاق.
-تبادل الأسرى:
يُعد تبادل الأسرى خطوة أساسية في المرحلة الثانية، ويهدف إلى تحقيق انفراجة إنسانية وسياسية بين الطرفين.
التزامات إسرائيل: الإفراج عن عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، مع استثناء الفلسطينيين المدانين بجرائم قتل في الضفة الغربية المحتلة.
التزامات حماس: إطلاق سراح جميع الرجال الإسرائيليين الأحياء المحتجزين، سواء كانوا مدنيين أو جنوداً.
-انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من غزة:
تشمل هذه المرحلة انسحاباً كاملاً للقوات الإسرائيلية من داخل قطاع غزة، مع الاحتفاظ بتواجد أمني في الضفة الغربية المحتلة.
-الخطوات العملية:
تنفيذ الانسحاب بشكل تدريجي ومنظم لضمان عدم حدوث فراغ أمني.
الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة بين الأطراف لضمان تنفيذ الانسحاب بسلاسة.
وفي سياق ما ذُكر، المرحلة الثانية ليست مجرد خطوة نحو إنهاء الحرب، بل هي اختبار لإرادة الأطراف السياسية ومدى قدرتها على تجاوز العقبات الداخلية والخارجية لتحقيق الهدوء المستدام. نجاح هذه المرحلة يعتمد على مدى التزام الأطراف ببنود الاتفاق، وعلى قدرة الأطراف الراعية في ضمان التنفيذ الفعلي للاتفاق، مما يجعلها خطوة مفصلية في مستقبل العلاقات بين إسرائيل وغزة.
ثانيا- طبيعة المرحلة الثالثة.. إعادة الإعمار وترسيخ الاستقرار (42 يوماً):
بعد استيفاء جميع شروط المرحلة الثانية، تبدأ المرحلة الثالثة التي تحمل أهمية بالغة في تحديد ملامح المستقبل في قطاع غزة. تتضمن هذه المرحلة سلسلة من الإجراءات الإنسانية والسياسية التي تهدف إلى معالجة آثار الحرب وترسيخ الاستقرار على المدى البعيد.
-تبادل الجثث وبقايا القتلى:
تشمل المرحلة الأولى من هذه المرحلة الإنسانية تبادل الجثث وبقايا القتلى بين الجانبين. ويأتي هذا الإجراء بعد العثور على الرفات وتحديد هوياتها بشكل دقيق.
الأهمية السياسية: يمثل هذا التبادل خطوة رمزية تُظهر حسن النوايا وتعزز الثقة بين الطرفين، مما قد يمهد الطريق لمزيد من التفاهمات.
التأثير الإنساني: يهدف هذا الإجراء إلى توفير closureلعائلات القتلى من الجانبين، وهو ما يخفف من حدة التوترات الاجتماعية والإنسانية المرتبطة بالحرب.
-تنفيذ خطة شاملة لإعادة إعمار قطاع غزة:
تتضمن هذه الخطة إعادة بناء القطاع بشكل تدريجي على مدى ثلاث إلى خمس سنوات، بمشاركة دولية لضمان التنفيذ الفعّال. وتشمل الخطة:
إعادة بناء المنازل والمباني المدنية: تشمل إعادة المنازل المدمرة والمرافق الحيوية مثل المستشفيات والمدارس.
تأهيل البنية التحتية: تهدف إلى إصلاح شبكات المياه والكهرباء والطرق والجسور التي تضررت خلال العمليات العسكرية.
تعويض المتضررين: سيتم توفير تعويضات مالية وعينية للمتضررين من الصراع، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات.
-الإشراف الدولي:
تشرف على تنفيذ الخطة عدد من الدول والمنظمات الدولية، بما في ذلك مصر وقطر والأمم المتحدة. يضمن هذا الإشراف الشفافية والمصداقية ويمنع أي انتهاكات محتملة.
-فتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع:
تتضمن هذه المرحلة فتح جميع المعابر الحدودية بين غزة والعالم الخارجي، مما يساهم في:
إنهاء الحصار المفروض على القطاع: يتيح ذلك للسكان الوصول إلى السلع الأساسية والخدمات.
تعزيز النشاط الاقتصادي: فتح المعابر سيخلق فرصاً للتجارة والنقل، مما يحفز النمو الاقتصادي المحلي.
تخفيف الأزمات الإنسانية: يسمح بحرية التنقل للسكان، مما يسهل وصول المرضى إلى العلاج والطلاب إلى التعليم خارج القطاع.
-تحديد إدارة قطاع غزة:
لا تزال مسألة إدارة غزة بعد وقف إطلاق النار نقطة محورية تفتقر إلى الحسم الكامل، وتأتي في صلب المرحلة الثالثة.
الرؤية الأمريكية: تضغط الولايات المتحدة لتشكيل نسخة معدلة من السلطة الفلسطينية لتتولى إدارة القطاع.
الدول الضامنة: ستكون جمهورية مصر العربية، ودولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية الضامنين الرئيسيين لهذا الاتفاق، لضمان تنفيذه بشكل كامل.
استكمالًا، تعد المرحلة الثالثة من الاتفاق نقطة تحول نحو بناء مستقبل جديد في قطاع غزة، لكنها تتطلب إرادة سياسية قوية والتزاماً من جميع الأطراف. ورغم التحديات والغموض الذي يكتنف بعض بنودها، فإن نجاح هذه المرحلة سيؤسس لواقع أكثر استقراراً واستدامة في المنطقة
ثالثا- العوامل المؤثرة في تطبيق بنود الهدنة بين إسرائيل وحماس:
تأتي الهدنة بين إسرائيل وحماس في سياق صراع مستمر ومتعدد الأبعاد، حيث تلعب عدة عوامل سياسية، استراتيجية، وإنسانية دوراً مهماً في تسهيل أو عرقلة تنفيذ بنودها. هذه العوامل تشمل التدخلات الدولية، المصالح الاستراتيجية للأطراف المعنية، الضغوط الإنسانية، والتطورات الإقليمية. هذه الهدنة لا تمثل فقط وقفاً للأعمال العدائية، بل هي فرصة لإعادة ترتيب الأوضاع على مختلف الأصعدة، وهو ما يجعل نجاحها أو فشلها محكوماً بعوامل معقدة ومتعددة.
-جهود الوساطة الدولية:
تعد جهود الوساطة الدولية أحد العوامل الحاسمة في تحقيق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. كانت مصر وقطر والولايات المتحدة من أبرز الأطراف الفاعلة في هذه العملية.
الوساطة المصرية القطرية: أسهمت مصر، التي تعد الجار الأقرب لغزة، بشكل كبير في الضغط على الطرفين للوصول إلى توافق، استناداً إلى موقفها التاريخي كوسيط بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل. بينما قامت قطر بدور محوري في التفاوض بشكل مباشر مع حركة حماس، مستفيدة من علاقاتها مع الجماعة وكذلك من دورها الإقليمي.
الضغط الأمريكي: كانت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، دونالد ترامب، إلى جانب الإدارة السابقة للرئيس بايدن، على استعداد لبذل جهد دبلوماسي كبير للضغط على إسرائيل وحماس في وقت متزامن.
الاهتمام الدولي: فرضت الإدانة العالمية للعدد الهائل من الضحايا المدنيين في غزة، بالإضافة إلى الأزمات الإنسانية المستمرة، ضغطاً هائلًا على المجتمع الدولي من أجل إيجاد حل سريع يوقف العنف ويحد من معاناة السكان المدنيين.
-المخاوف الإنسانية:
أدى ارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين إلى وضع ضغوط إنسانية هائلة على الأطراف المعنية.
الخسائر البشرية في غزة: مع تزايد أعداد القتلى في صفوف المدنيين الفلسطينيين، كانت هناك دعوات من قبل المجتمع الدولي لإنهاء الأعمال القتالية. بل وصل الأمر إلى مطالبة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية بتوفير حماية أكبر للمدنيين في الأراضي الفلسطينية.
قضية الرهائن: لعبت قضية الرهائن، سواء كانوا إسرائيليين أو فلسطينيين، دوراً محورياً في تحديد شروط وقف إطلاق النار. فإسرائيل وضعت إطلاق سراح الرهائن كشرط رئيسي لتحقيق الهدنة، ما أضاف عنصراً أخلاقياً حاسماً في عملية التفاوض.
-الديناميكيات الإقليمية:
تتأثر الهدنة بين إسرائيل وحماس بتطورات العلاقات الإقليمية التي تشمل محاور سياسية ودبلوماسية استراتيجية.
دور الدول المجاورة: كانت مصر في قلب الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق، بسبب قربها الجغرافي وتاريخها الطويل كوسيط بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل. إضافة إلى ذلك، لعبت دول أخرى مثل الأردن دوراً داعماً في التوصل إلى الحلول السلمية.
محادثات التطبيع السعودي الإسرائيلي: كانت المفاوضات السرية بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل قد تقدمت، مما جعل الولايات المتحدة تعتبر الهدنة خطوة أساسية في إتمام التطبيع، الذي بات يشكل جزءاً من الاستراتيجية الإقليمية الغربية في الشرق الأوسط.
المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية:
لإسرائيل مصالح استراتيجية عميقة في التفاوض على وقف إطلاق النار، خاصة فيما يتعلق بأهدافها العسكرية في غزة.
إعادة تقييم العمليات العسكرية: بعد الضغوط العسكرية الكبيرة والخسائر المترتبة عليها، قد توفر الهدنة لإسرائيل فرصة لإعادة تنظيم قواتها وتحديد أهدافها المستقبلية بدقة أكبر.
الضغوط السياسية المحلية والدولية: مع تصاعد الانتقادات الداخلية والخارجية ضد الحكومة الإسرائيلية، كان من الضروري التوصل إلى اتفاق لخفض حدة العنف وحماية مصالح إسرائيل على الساحة الدولية.
دوافع حركة حماس:
حركة حماس، كطرف رئيسي في النزاع، لها دوافع خاصة تتعلق بإعادة ترتيب أوراقها العسكرية والسياسية، تتمثل في الآتي:
إعادة تجميع القوات: بينما أعلنت إسرائيل أهدافها العسكرية في تدمير بنية حماس، فإن الحركة كانت ترى في الهدنة فرصة لتخفيف الضغوط العسكرية وتجميع صفوفها من جديد.
استغلال قضية الرهائن: شكلت قضية الرهائن أحد الأدوات المهمة التي استخدمتها حماس للضغط على إسرائيل، حيث يمكن النظر إلى الإفراج عن بعض الرهائن كوسيلة للحصول على تنازلات عسكرية وسياسية.
-دور دونالد ترامب في الوساطة:
قد تكون وساطة الرئيس الأمريكي الأسبق، دونالد ترامب، قد لعبت دوراً كبيراً في دفع حماس نحو الموافقة على اتفاق الهدنة.
التهديدات بخصوص الرهائن: من خلال تصريحاته القوية، التي حذر فيها حماس من العواقب المترتبة على عدم الإفراج عن الرهائن قبل نهاية ولايته، استطاع ترامب أن يزيد من ضغطه على الحركة. وقد خلق هذا النوع من التصعيد شعوراً بالإلحاح لدى حماس ودفعها للتجاوب مع الضغوط الدولية.
رابعا- المعوقات السياسية والاستراتيجية غير المتوقعة التي قد تعرقل تنفيذ اتفاق الهدنة بين الطرفين:
نجاح تطبيق الهدنة بين حماس وإسرائيل يواجه تحديات معقدة ومتعددة، تفرضها البيئة السياسية والأمنية الإقليمية والدولية. وفيما يلي استعراض مفصل للعوامل التي قد تعرقل تحقيق الهدنة، مع التركيز على الأبعاد السياسية الداخلية والخارجية.
1. المعارضة الإسرائيلية الداخلية:
تُعد المعارضة الداخلية في إسرائيل من أبرز المعوقات التي قد تهدد تنفيذ الهدنة. الحكومة الحالية، بقيادة بنيامين نتنياهو، تواجه ضغوطاً هائلة من شركائها في الائتلاف، خصوصاً من شخصيات مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. هذان المسئولان يمثلان اليمين المتشدد الذي يرفض أي تسوية قد تعطي حماس فرصة لإعادة ترتيب صفوفها. المواقف المتشددة لهؤلاء الوزراء تهدد استقرار الحكومة، إذ قد ينسحبون منها إذا شعروا أن الاتفاقات المحتملة تضعف موقف إسرائيل العسكري أو تؤدي إلى تنازلات أمنية. هذه الحالة تخلق فجوة بين رغبات رئيس الوزراء وحلفائه في الحكومة وبين القوى العسكرية والأمنية التي تفضل الحلول التفاوضية.
2. التباين بين المؤسسات الإسرائيلية:
إسرائيل تُعاني من تباين داخلي بين المؤسسات الأمنية والعسكرية من جهة، وبين الحكومة الائتلافية من جهة أخرى. تميل المؤسسات العسكرية إلى دعم حلول دبلوماسية تضمن تهدئة على المدى الطويل وتقلل من التصعيد، بينما الحكومة تحت ضغط اليمين المتطرف الذي يطالب بزيادة الضغوط على حماس وعدم التراجع في أي شكل من الأشكال. هذا التباين يؤدي إلى صعوبة في توحيد الرؤى داخل القيادة الإسرائيلية، مما يعقد اتخاذ قرارات حاسمة ويقلل من قدرة إسرائيل على الالتزام بتنفيذ أي اتفاق.
3. الثقة المتبادلة بين حماس وإسرائيل:
التحقق من نوايا الطرفين هو نقطة الخلاف الرئيسية في أي اتفاق محتمل. إسرائيل تشكك في نوايا حماس، وتخشى أن تستخدم الهدنة لتعزيز قدراتها العسكرية عبر تسهيل تهريب الأسلحة أو زيادة الاستعدادات الهجومية. من ناحية أخرى، تعتبر حماس إسرائيل طرفاً غير جدير بالثقة، نظراً لعدم التزامها في الاتفاقات السابقة مثل تلك المتعلقة بوقف إطلاق النار أو تبادل الأسرى. انعدام الثقة هذا ربما يجعل من الصعب الحفاظ على الهدنة لفترات طويلة، إذ قد يلجأ أي طرف إلى انتهاك بنود الاتفاق متى شعر أنه يتعرض لضغوط.
4. التحديات الإنسانية في غزة:
الوضع الإنساني في غزة يعقّد تنفيذ أي اتفاق للهدنة. قطاع غزة يعاني من دمار هائل في البنية التحتية ونقص حاد في المواد الأساسية مثل الغذاء، الماء، والوقود. إذا لم تتضمن الهدنة خطة لإعادة إعمار غزة وتقديم الدعم الإنساني الفوري، فإن الأوضاع المتردية قد تعيد إشعال المواجهات بشكل أسرع مما يمكن السيطرة عليه. من جانب آخر، يمكن أن تُستخدم الأزمة الإنسانية كأداة ضغط من قبل حماس، التي قد تشترط تقديم مساعدات في مقابل تنازلات من إسرائيل. هذه المعادلة تُعد من التحديات الكبرى التي قد تعرقل الاستمرار في تطبيق الهدنة.
5. الديناميكيات الإقليمية والدولية:
العوامل الإقليمية والدولية تؤثر بشكل كبير على فرص نجاح الهدنة. الدول العربية المجاورة، مثل مصر والأردن وقطر، تلعب دوراً مهماً في عملية الوساطة، ومن دون دعم هذه الدول أو فشلها في ممارسة الضغط على الأطراف المعنية، قد يتعثر تنفيذ الاتفاق. أيضاً، تتداخل المصالح الإقليمية مع حسابات التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وهو ما قد يؤثر على موقف تلك الدول في الوساطة. في حال فشل المفاوضات الإقليمية أو تعرضت للتعقيد بسبب الأوضاع السياسية في المنطقة، قد تتفجر الأوضاع مجدداً.
6. قضية الأسرى والرهائن:
قضية الأسرى والرهائن تعد من القضايا الشائكة التي قد تعرقل تطبيق الهدنة. إسرائيل تعتبر إطلاق سراح رهائنها شرطاً أساسياً للهدنة، في حين أن حماس ترى في تبادل الأسرى أداة لتقوية موقفها أمام إسرائيل. أي تراجع في هذا الملف قد يؤدي إلى انهيار التفاهمات القائمة، إذ ينعكس على صورة النجاح أو الفشل في المفاوضات. بالنسبة لإسرائيل، فإن الحفاظ على حياة الرهائن وإعادتهم يمثل أولوية، ولكن إذا شعرت حماس بأنها لا تحصل على مكاسب ملموسة، فقد ترفض التوصل إلى اتفاق.
7. الضغوط الدولية واعتبارات القوة:
الضغوط الدولية على كلا الجانبين تضاف إلى تعقيد الوضع. القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، وحتى الأمم المتحدة، تضغط باتجاه التوصل إلى تسوية سلمية. لكن هذه الضغوط قد تكون غير فعالة إذا لم تدرك الأطراف المتنازعة مصالحها الخاصة أو إذا اعتبرت إسرائيل أن هذه الضغوط تتجاوز حدود مرونتها السياسية. في ذات الوقت، قد تجد حماس نفسها مدفوعة لاتخاذ مواقف راديكالية في ظل ما تراه تدخلاً مباشراً في شؤونها الداخلية.
8. التحديات العسكرية والإستراتيجية:
في حال استمرت المجموعات المسلحة داخل غزة في القيام بعمليات ضد إسرائيل، قد تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها في موقف صعب أمام الرأي العام، مما يهدد استمرارية الهدنة. وكذلك العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد أهداف حماس قد تفرغ أي هدنة من محتواها، وبالتالي تخرج المفاوضات عن مسارها وتؤدي إلى استئناف القتال. عدم التزام حماس أو فشلها في السيطرة على كافة الفصائل المسلحة في القطاع يزيد من تعقيد الوضع.
9. الدور الإعلامي والتعبئة الشعبية:
الدور الذي يلعبه الإعلام في تأجيج الصراع لا يمكن تجاهله. في كلا الطرفين، هناك جهات إعلامية تستخدم الخطاب السياسي والحربي لزيادة الدعم الشعبي لسياسات الحرب على حساب الدبلوماسية. هذا قد يُفاقم الوضع، ويجعل من المستحيل على القيادة السياسية اتخاذ قرارات وسطية أو مرنة قد تكون ضرورية لإنجاح الهدنة. التضليل الإعلامي أيضاً قد يساهم في تأجيج الأزمات ويخلق فوضى عامة.
ختاما: تظل ديناميكيات الهدنة بين حماس وإسرائيل رهينة لمجموعة من المحددات السياسية والأمنية التي قد تؤثر بشكل مباشر على مسار تنفيذها. المرحلة الثانية، التي تتعلق بتثبيت وقف إطلاق النار، ستواجه تحديات كبيرة تتعلق بضمانات تنفيذ الاتفاقات، خصوصاً في ظل استمرار التباين الداخلي في إسرائيل وعدم استقرار المواقف السياسية لحماس. أما المرحلة الثالثة التي ستعنى بإعادة البناء والتسوية السياسية، فتعتمد على قدرة الأطراف على تحقيق التوازن بين مصالحها الاستراتيجية، في وقت يتزايد فيه الضغط الإقليمي والدولي نحو تسوية شاملة. إن غياب الثقة المتبادلة بين الجانبين، إلى جانب الضغوط الداخلية والخارجية، قد يعيق بشكل كبير إمكانية تحقيق استدامة للهدنة، ما يجعل مساراتها المستقبلية محفوفة بالمخاطر، ويضعنا أمام تساؤلات حول مدى إمكانية استثمار هذه الفرصة في بناء سلام دائم أو إذا ما ستظل مجرد هدنة مؤقتة تُضاف إلى سلسلة من مستمرة من الفشل السياسي.