الحزام الشمسى والتنمية المستدامة من أسوان إلى سيناء
16-1-2025

مها محسن
* كاتبة مصرية

تشهد مشروعات الطاقة الشمسية فى مصر طفرة واضحة ليس الآن فحسب، فالأمر مخطط له ومعمول به منذ سنوات ولا يزل قيد التطوير والإضافة، ذلك استغلالا لما تتمتع به من مورد طبيعى لم يكن ليلتفت له أو يعمل به، إذ تقع البلاد ضمن الحزام الشمسى الممتد على مدار العام، مما يؤهلها إلى ارتفاع متوسط الإشعاع الشمسى المباشر.

وبشكل عام، فإن مصرتتمتع بثراء مصادر الطاقة المتجددة، خصوصا فى مجالى الرياح والشمس، حيث خصصت البلاد نحو 7.650 ألف كيلومتر مربع من الأراضى لتنفيذ مشروعات للطاقة المتجددة، تستوعب قدرات تصل لنحو 35 جيجاواط من طاقة الرياح، و55 جيجاواط من الطاقة الشمسية، وذلك فى إطار رفع نسبة الطاقة المتجددة بقدرات توليد الكهرباء إلى نحو 42% بحلول عام 2030 (تماشيا مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة).

وتصل كمية الإشعاع الساقط على مصر إلى أكثر من ست تريليونات كيلوواط/ساعة يوميا، وهو ما يزيد على مئة ضعف الطاقة الكهربية المولدة خلال عام 1996-1997 بأكمله، وفقًا لما صرحت به هيئة الاستعلامات المصرية، وتؤكد مصر أنها تنفّذ مشروعات الطاقة الشمسية فى مناطق تتميز بقوة السطوع الشمسى طوال أيام العام، دون الارتباط بفصل معين، وهو ما يستبعد توقّف أى من محطات الطاقة الشمسية فى البلاد، حتى فى أوقات انخفاض درجات الحرارة.

ففى سبتمبر 2014، بدأ مشروع "مجمع بنبان للطاقة الشمسية" كجزء من استراتيجية الطاقة المستدامة 2035 للحكومة المصرية فى البداية، والذى ساعدت وكالة ناسا فى العثور عليه كأفضل موقع لإنشاء حديقة للطاقة الشمسية، حيث أتى ذلك المشروع بصفته أبرز استثمارات مصر فى الطاقة المتجددة، فإنتاجه من الكهرباء يعادل نحو 90% من الكهرباء الُمنتَجَة من السد العالى، ويندرج ضمن قائمة أكبر مجمع للطاقة الشمسية على مستوى العالم.

ويقع المجمع بمنطقة بنبان على بعد 35 كيلو شمال أسوان، والتى تتميز بأنها من أكثر المناطق إشعاعا وسطوعا للشمس، وتخلو من السهول والمرتفعات،ويصل عدد الألواح الشمسية المستخدمة فى مجمع بنبان إلى نحو 200 ألف لوح شمسى، والمجمع هو عبارة عن مجموعة من المحطات الشمسية التى تضم 32 محطة شمسية، بقدرة تصل إلى 1465 ميجاواط، وحصل المشروع على جائزة البنك الدولى كأكثر المشاريع تميزا باعتباره المحطة الأكبر فى العالم.

إذ يحتوى المجمع على 32 محطة شمسية، بقدرة تصل إلى 1465 ميجاواط، باستثمارات تصل إلى مليارى دولار، وحيث إنها تعد أول محطة للطاقة الكهروضوئية على نطاق واسع فى البلاد، فإنها بذلك تدعم وتعزز هدف مصر المتمثل فى تلبية أكثر من ثلث احتياجاتها من الطاقة بحلول عام 2035، وذلك كله من خلال الطاقات المتجددة دون المساس بحقوق الأجيال القادمة.

وتأتى أيضا "سيناء الحبيبة" من بين أبرز هذه المناطق التى تحمل آمالا كبيرة فى استثمار الطاقة النظيفة، والتى تشهد مشاريع ضخمة للطاقة المتجددة، وتعد نموذجا واعدا فى هذا المجال، فيبرز مشروع "الطاقة الشمسية فى الشيخ زويد" كأحد المشاريع التى تسعى لتلبية احتياجات سيناء من الطاقة المتجددة، حيث تقع هذه المحطات فى مناطق صحراوية شاسعة تتمتع بقدرة عالية على استقبال الأشعة الشمسية طوال العام، ما يجعلها مثالية للهدف المرجو.

ليس هذا فحسب، فإن سيناء الحبيبة تعد منجما طبيعيا لاستخراج الرمال النقية التى تستخدم فى تصنيع ألواح الطاقة الشمسية، فرمال سيناء تحتوى على نسب عالية من السيليكا التى تمثل المادة الأساسية فى صناعة الخلايا الشمسية التى تمتص الضوء وتحوّله إلى طاقة كهربائية، وهى بذلك يمكنها أن تجعل مصر مركزا عالميا لتصدير الألواح الشمسية، والمساهمة فى إنتاج الطاقة النظيفة فى دول العالم، الأمر الذى يسهم فى زيادة الإيرادات الوطنية ويعزز من مكانة مصر فى السوق العالمية.

ليس هذا فحسب، بل يمكن بذلك تحقيق الاكتفاء الذاتى من الاستهلاك المحلى للألواح الشمسية، بما يمكن من توسيع نطاق استخدامها على أسطح المنازل والمبانى الحكومية والصناعية، وبالتالى خفض فواتير الكهرباء بشكل كبير، وتوفيرطاقة نظيفة ومستدامة دون الاعتماد على شبكات الكهرباء التقليدية، وهو أيضا الأمر الذى سيعزز من زيادة الوعى البيئى لدى الأفراد حول أهمية الطاقة النظيفة والمحافظة على الموارد الطبيعية.

حيث اتجهت محافظة شمال سيناء من جانبها منذ عام 2015 إلى استخدام الطاقة الشمسية فى الإنارة بالتجمعات والقرى من خلال اختيار مواقع تنفيذ "مشروع تركيب الأنظمة الشمسية المنزلية" لإنتاج طاقة نظيفة وآمنة ومنخفضة التكاليف، والتى تم اختيارها على أساس بُعدها عن مصدر التيار الكهربى والكثافة السكانية للتجمع، مثل تجمع "قرية الكونتيلا"، و"تجمع الخبارى وادى العمرو"، كما تم إنشاء منازل سابقة التجهيز "بتجمع الغابية" بمدينة السلام بمركز نخل، وموقع آخر "بتجمع البرقة" مركز الحسنة.

ولا تزال محافظة شمال سيناء تقوم بالتوسع فى استخدام الطاقة الشمسية فى المشروعات الزراعية والإنتاجية، استغلالا للمقومات الطبيعية والسطوع الشمسى فى سيناء الحبيبة، وتوفير الطاقة البديلة بهدف تخفيف الأحمال على الشبكات، وتوفيرها للشركات والمصانع، حيث إنه تم توفير الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية فى مزارع بمنطقة "الخربة" لعمل أحواض سمكية، كما تم تجهيز مزرعتين على مساحة 15 فدانا "بالدراوشة" بأنظمة الطاقة الشمسية، كما تم تركيب عدد من ألواح الطاقة الشمسية بعدد من المزارع الأخرى بمنطقة "قاطية"، كما تشهد أسطح العديد من المنازل بمحافظة شمال سيناء استخداما كبيرا لألواح الطاقة الشمسية وعلى رأسها منازل مدينة العريش، هذا إلى جانب وجود محطات للصرف الصحى تعمل بالطاقة الشمسية فى المحافظة ذاتها.

وتعد كل هذه المحطات نموذجا عمليا لمشاريع الطاقة الشمسية التى تسهم فى تحسين مستوى وجودة الحياة، وتوفير فرص العمل، إلى جانب الحد من استخدام الوقود الأحفورى الذى يضر بالبيئة، وهو ما يعزز من دور الطاقة المتجددة فى دعم أهداف التنمية المستدامة، التى تلعب مشاريع الطاقة المتجددة فى سيناء دورا كبيرا فيها.

ولا تقتصر تلك المشاريع على توفير الطاقة النظيفة فقط، بل تلعب دورا أساسيا فى دعم النمو الاقتصادى، وتعزيز الاستثمارات، وخلق فرص العمل، وتحقيق الاستقرار البيئى، ففى مجال الزراعة، يسهم توفر الكهرباء المتجددة فى تشغيل أنظمة الرى الحديثة التى تعتمد على الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، مما يساعد فى استصلاح الأراضى وتحسين إنتاجية المحاصيل الزراعية.

كما تساهم الطاقة المتجددة فى تحقيق الأمن الغذائى، من خلال ضمان استدامة أنظمة الإنتاج الزراعى فى مناطق صحراوية كانت تعانى من نقص الموارد الطبيعية، وفى مجال التصنيع، فإن توفر الطاقة النظيفة يدعم إنشاء مصانع ومشروعات صناعية مبتكرة، خاصة فى مجال التكنولوجيا المتقدمة والمنتجات البيئية، ما يعزز من قدرة الاقتصاد المصرى على التنافس عالميا.

وهى بذلك تشكل حجر الزاوية فى استراتيجية الحكومة المصرية لتحقيق التنمية المستدامة وخلق فرص اقتصادية جديدة، حيث إن مواصلة مصر رفع نسبة إنتاج الطاقة النظيفة، جعلها تحقق خفضا يقدر بالملايين من أطنان انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، وتوفر ملايين من الطاقات الكهربية استخداما للطاقات الطبيعية النظيفة.

المستقبل لمن يملك طاقته، فيملك قوت يومه، ليملك قراره ويحدد بوصلته ويقرر مصيره.

 


رابط دائم: