مصر ودعم حقوق الإنسان: تاريخ من الالتزام الدولى برؤية وطنية
5-1-2025

أحمد ناجي قمحة
* رئيس تحرير مجلتى السياسة الدولية والديمقراطية

    احتفل المجتمع الدولى فى العاشر من ديسمبر المنصرم باليوم العالمى لحقوق الإنسان الذى يوافق اعتماد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، حيث حلت فى هذا اليوم الذكرى السادسة والسبعين له. ترسخ هذه الوثيقة التاريخية الحقوق غير القابلة للتصرف التى هى حق لكل شخص كونه إنسانا. غير أن هذا الاحتفال يأتى فى ظل اختبار قاسٍ للقانون الدولى العام، ولكل ما أقرته مواثيق حقوق الإنسان العالمية، اختبار أثبت للجميع أن المعايير المزدوجة، والخرق الكامل للقانون والمواثيق، أمران جائزان ما دامت الحماية متوافرة للطرف المعتدى. احتفل العالم ولا تزال أرواح الشهداء تزهق، ودماء الضحايا تراق فى أغلب ربوع الوطن العربى (فلسطين، وسوريا، ولبنان، واليمن، وليبيا والسودان). احتفل العالم بقدرة القوى الدولية الكبرى على فرض أطروحات حقوق الإنسان وفقًا لتكييفها للأوضاع. احتفل العالم ولا تزال شعوب الجنوب تعانى وترزح تحت غياب العدالة فى توزيع عوائد التنمية. احتفل العالم ولا يزال الجنوب يدفع ضريبة تقدم الدول الكبرى من تلوث للبيئة، وانتشار للأمراض، وتخلف إدارى، وتكلفة الديون.

فى هذا السياق، كانت مصر من أولى الدول التى وقعت ميثاق الأمم المتحدة. وقد ناقشت الدورة الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة (1946-1947) ما كان يسمى آنذاك «مشروع إعلان حقوق الإنسان والحريات الأساسية». وفى 10 ديسمبر 1948، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، من خلال قرارها رقم ( (217فى الدورة الثالثة (A/RES/217 A (III، الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وتم إقراره بأغلبية 48 صوتًا، بما فى ذلك مصر، وامتناع ثمانية أعضاء عن التصويت. ولا يزال الإعلان أساس النظام الدولى الحديث لحقوق الإنسان.
كان واضعو الإعلان مصممين على الدخول فى حقبة جديدة لمنع تكرار الجرائم الشنيعة التى شهدتها الحرب العالمية الثانية، وكانت هذه الوثيقة المهمة طموحًا، حيث دونت مبادئ عامة توسعت فيما بعد إلى صكوك ملزمة قانونا. من أبرز هذه الصكوك العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتم اعتماد كليهما فى عام 1966. لقد ظل هذا الإعلان إحدى الوثائق التى تدعم جدول الأعمال المصرى لتحقيق أهداف التنمية المستدامة العادلة وسط عالم يعانى تضاربًا فى المصالح والمعايير المزدوجة.
تُعرَّف حقوق الإنسان بأنها الحقوق المكتسبة لكلِ إنسان على وجه الأرض بلا تحيُّز أو تمييز، وبغض النظر عن عرقه، أو جنسيته، أو جنسه، أو لغته، أو دينه، وبذلك يحِق لكلِ فرد فى العالم أن يتمتَع بالحقوق الخاصة به من دون أى مساس بها بما يضمن له العيش بكرامة ومساواة.
تَتمثَّل حقوق الإنسان فى مجالات عديدة كالآتى: أولها الحرية، كحرية المعتقد، وحرية الرأى والتعبير، والحماية من الاستعباد والتعذيب، والحق فى الحياة، والحق فى العمل والتعلم، والحق فى الحماية، والمحافظة على الحالة الاجتماعية المتمثلة فى الحصول على المنافع الخاصة بالأفراد. تجدر الإشارة فى هذا الصدد إلى أن هذه الحقوق تُعد مكتسبة لكل فرد فى أى مكان فى العالم؛ وتتم المطالبة بها تلقائيًا من قِبَل الجهات المسئولة أو المكلفين بالقيام بها.
تكمُن أهمية حقوق الإنسان فى كونها تضمَن الحد الأدنى والضرورى لعيش الإنسان بكرامة، سواء على مستوى حاجاته الأساسية؛ كالطعام، والمسكن، والتعلم؛ الذى يقوده إلى الاستفادة من الفرص المتاحة, أو تضمن له حرياته؛ كحرية اختيار أسلوب الحياة، وحرية التعبير، وحرية اختيار التوجهات السياسية التى يرغب الفرد بدعمِها. يضمن تأمين كل تلك الحريات للأفراد الحماية من الاعتداء والاضطهاد من قِبل أى جهة أقوى أو أعلى سلطة منهم. لعل ما سبق قد ترجمته مؤسسات الدولة المصرية عبر الاستجابة لدعوة رئيس الجمهورية، وتأسيس آلية «الحوار الوطنى» لتكون منصة حوارية بين جميع القوى والشخصيات حول مختلف القضايا المعنية بالسياسات العامة بهدف خلق مساحات مشتركة بينها، بحثًا عن مستقبل أفضل للمصريين وحقوقهم. يجب تأكيد أن فكرة الحوار الوطنى هى فرصة لبناء تلاحم مجتمعى لمواجهة الأزمات المختلفة التى تواجهها الدولة المصرية ومؤسساتها فى المرحلة الآنية، وفى المستقبل. بقدر ما ينعقد الحوار فى ظل أزمات عالمية متتالية ومتراكمة، فإنه يُعد فرصة نحو بناء مستقبل مختلف للمجتمع المصرى فى الجمهورية الجديدة، يحقق فيه الحياة الكريمة وفقًا للمفهوم المصرى الشامل لحقوق الإنسان، متمتعًا فيه بكرامته الإنسانية، فى ظل التزام الدولة وكل قوى المجتمع بتحقيق العدالة الإنسانية والاجتماعية.

بصفة عامة، ومن زاوية مكملة, توجد لحقوق الإنسان خصائص عِدة، من أبرزها أن هذه الحقوق عالمية وغير قابلة للتصرف. يُعد هذا المبدأ حجر الأساس فى القانون الدولى لحقوق الإنسان. وقد ظهر لأول مرة فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى عام 1948؛ الذى وافقت جميع الدول على معاهدة واحدة على الأقل من المعاهدات الرئيسية التى تتعلق بحقوق الإنسان الواردة فيه، كما وافق نحو 80% من الدول على 4 معاهدات أو أكثر. تتميز حقوق الإنسان بأنها غير قابلة للتصرف، ولا يمكن سحبها من الإنسان إلا فى ظروف معينة؛ كتقييد حقِ حرية الشخص نتيجة اكتشاف المحكمة القضائيّة بأنه مذنبٌ، وقد ارتكب جريمةً من نوعٍ ما.

فعالية الدور المصرى فى تطبيق آليات حقوق الإنسان دوليًا وإقليميًا:
شاركت مصر، على مدار عقود طويلة، فى جهود تطوير القانون الدولى لحقوق الإنسان، من خلال مشاركتها فى صياغة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان، وفى المشاورات والتحضيرات لصياغة الاتفاقيات والقرارات الدولية الخاصة بهذه الحقوق.
نبدأ من مناقشة اعتماد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان عام 1948، حيث قال مندوب مصر ما يلى: «إن وفده يعرب عن تقديره للمثل العليا التى استرشدت بها اللجنة الثالثة فى عملها، والتى كان نتيجتها إعلان حقوق الإنسان المعروض الآن على الجمعية. يشكل هذا الإعلان، إلى جانب اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، التى اعتمدتها الجمعية العامة بالإجماع، خطوة حقيقية إلى الأمام فى إرساء المبادئ القانونية والإنسانية».
وأضاف كذلك أن: «العديد من المبادئ المنصوص عليها فى إعلان حقوق الإنسان قد تم وضعها بالفعل فى الدساتير الديمقراطية فى مختلف البلدان، بما فى ذلك مصر».
أيضًا، نجد أنه منذ عام 1946 حتى عام 2006، تم تكليف لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهى هيئة فرعية تابعة للمجلس الاقتصادى والاجتماعى، بالولاية الشاملة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان داخل الأمم المتحدة. لمدة ما يقرب من عقد من الزمان بعد إنشائها (1947-1955)، كانت مصر الممثل الوحيد للإقليم الإفريقى فى اللجنة. وبعد توقف دام اثنى عشر عامًا (1956-1968)، تولت مصر مهمتها التمثيلية لإفريقيا، إلى جانب الدول الإفريقية الأخرى، لمدة أربعة عشر عامًا أخرى فى الفترة (1967-1980). وبعد توقف آخر دام خمسة عشر عامًا، مثلت مصر إفريقيا لمدة ثلاث سنوات إضافية (1995-1997). وفيما كانت ولاية الأمم المتحدة فى مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان على وشك التحول من خلال إنشاء مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، كانت مصر ممثلة للمنطقة الإفريقية خلال العامين الأخيرين من ولاية اللجنة (2004-2005) قبل تشكيل المجلس الذى تأسس فى 15 مارس 2006. أيضًا، فازت مصر بعضوية المجلس بعد تشكيله مرتين، خلال الفترة من (2008-2010) و(2017-2019). ومن أصل تسع وأربعين دورة، تمثل جميع دورات اللجنة منذ نشأتها وحتى نهاية ولايتها، كانت مصر عضوًا فى اللجنة ممثلًا عن إفريقيا فى ثمانى وعشرين دورة. وتعد مصر هى الدولة الوحيدة فى تاريخ اللجنة التى مثلت بمفردها منطقة جغرافية لمدة تسع سنوات متتالية. ومع تشكيل المجلس الذى حل مكان اللجنة، وبعد 17 دورة، فازت مصر بعضويته مرتين ممثلة للقارة الإفريقية.
كانت مصر قد انضمت، منذ اعتماد الإعلان عام 1948، إلى ثمانى اتفاقيات دولية أساسية لحقوق الإنسان: اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (تم التصديق عليها عام 1986)، والعهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (تم التصديق عليه عام 1982)، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (تم التصديق عليها عام 1981)، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصرى (تم التصديق عليها عام 1967)، والعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (تم التصديق عليه عام 1982)، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (تم الانضمام إليها عام 1993)، واتفاقية حقوق الطفل (تم التصديق عليها عام 1990)، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة (تم التصديق عليها عام 2008). بالإضافة إلى ذلك، انضمت مصر فى عام 2007 إلى البروتوكولين الاختياريين لاتفاقية حقوق الطفل: البروتوكول الاختيارى لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال فى النزاعات المسلحة، والبروتوكول الاختيارى لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال فى البغاء، وفى المواد الإباحية. فى هذا السياق، تقوم مصر بمراجعة منتظمة لقوانينها وتشريعاتها، وكذلك لحالة مواقفها بشأن التحفظات على مواد معاهدات حقوق الإنسان. على سبيل المثال، سحبت مصر تحفظاتها على المادتين 20 و21 من اتفاقية حقوق الطفل بشأن التبنى. تنبع هذه المراجعة من التصميم على دعم أعلى معايير حقوق الإنسان الممكنة والمتفق عليها عالميًا على المستوى الوطنى.
أما على المستوى الإقليمى، فقد انضمت مصر إلى عدد من الاتفاقيات فى إطار المنظومة العربية والإفريقية لحقوق الإنسان. ففى إفريقيا: الميثاق الإفريقى لحقوق الإنسان والشعوب (تم التصديق عليه عام 1984)، والميثاق الإفريقى لحقوق ورفاهية الطفل (تم التصديق عليه عام 2001)، وبروتوكول محكمة العدل الإفريقية (تم التصديق عليه عام 2006). وعلى المستوى العربى، انضمت مصر إلى ميثاق حقوق الطفل العربى (1994)، والميثاق العربى لحقوق الإنسان (2019).
أسهمت مصر طوال هذا التاريخ المشرف فى تطوير الآليات الدولية لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، بما فى ذلك مجلس حقوق الإنسان، حيث كانت مصر عضوًا مرتين، وانتخبت مرة واحدة نائبًا لرئيس المجلس، كما تم اختيار مندوب مصر عضوًا فى الفريق الاستشارى لمجلس حقوق الإنسان لمرة واحدة أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، تم انتخاب عدد من الخبراء المصريين كأعضاء فى هيئات معاهدات حقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، وكانت مصر مساهمًا فعالًا فى الجهود المبذولة لتطوير الآليات الإقليمية ذات الصلة فى إطار الاتحاد الإفريقى ومنظمة التعاون الإسلامى، وجامعة الدول العربية.
كذلك، نجد على المستوى الدولى أن مصر تفتخر بتقاليدها الراسخة المتعلقة بتعزيز وحماية حقوق الإنسان المعترف بها عالميًا، سواء فى الداخل أو الخارج، حيث احتلت قضايا حقوق الإنسان دائمًا مكانة بارزة فى مصر، وتثير نقاشًا قويًا بين الجمهور وفى وسائل الإعلام. على مدار ثلاث دورات، خضعت مصر لمراجعة شاملة لتطورات حقوق الإنسان فى إطار المراجعة الدورية الشاملة لمجلس حقوق الإنسان، وتؤمن بأن هذه الآلية التى تديرها الدولة يمكن أن تتيح التفاهم المتبادل وتوفر مكانًا للمشاركة البناءة وتبادل أفضل الممارسات فى مجال حقوق الإنسان. وقد قدمت مصر تقريرها الوطنى للدورة الرابعة للاستعراض الدورى الشامل فى أكتوبر 2024، بعد الانخراط فى عملية وطنية، بالتشاور مع منظمات المجتمع المدنى، والمنظمات الحقوقية، والمجلس القومى لحقوق الإنسان لإعداد تقريرها الوطنى.

دور مصر فى إطار المنظومة الدولية لحقوق الإنسان:
كما سبقت الإشارة، نجد أن جهود الدولة المصرية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان تتم فى إطار تخطيط استراتيجى يعبر عن إرادة وطنية جادة، والتزام صادق بتعهدات مصر الدولية، ورؤية مستقبلية شاملة، حيث أسهمت مصر على مدار عقود طويلة فى الجهود المبذولة لتطوير القانون الدولى لحقوق الإنسان، من خلال مشاركتها فى صياغة الإعلان العالمى، والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان، والمشاورات والأعمال التحضيرية لصياغة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
أيضًا، تحرص مصر على تنفيذ التزاماتها الدولية والإقليمية فى مجال حقوق الإنسان على خلفية التطور الملحوظ للنظامين الدولى والإقليمى لحماية حقوق الإنسان والتوسع الكبير لنطاقيهما، وإنشاء آليات رصد ومتابعة متعددة، وطورت كثيرًا من مستوى تعاونها مع الآليات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، من خلال تقديم التقارير الوطنية الدورية فى التوقيتات المحددة لها، ورصد ومتابعة وتقييم تنفيذ ما يصدر عنها من توصيات على نحو منتظم، والتفاعل مع شبكة الإجراءات الخاصة بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة واللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والرد على كافة المراسلات الواردة إليها من تلك الآليات.
كذلك، تقوم مصر بدور نشط وفعال فى إطار العمل الدولى المشترك فى مجال حقوق الإنسان، حيث تلعب دورًا حيويًا لبناء جسور وتعزيز التنسيق بين مختلف المجموعات الإقليمية داخل الأمم المتحدة، من خلال العمل بصورة بناءة مع جميع الأطراف على أساس من الحوار والتعاون. أيضًا، تنسق مصر مع الدول العربية والإفريقية والإسلامية ودول حركة عدم الانحياز بشأن تناول القضايا ذات اهتمام الدول النامية ووضعها على رأس الأجندة الدولية لحقوق الإنسان، بما فى ذلك العنصرية وكراهية الأجانب، والتحديات التى تواجه إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحق فى التنمية.
فعلى مر التاريخ، يحيط الدستور المصرى (دستور عام 2014)، حقوق الإنسان والحريات الأساسية بضمانات محددة. وقد ألزمت المادة 151 من الدستور الأخير السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية باحترام أحكام المعاهدات الدولية المصدق عليها، كما تلتزم بالقانون الداخلى، وبالتالى يجوز لجوء المتضررين من عدم تطبيق أحكام تلك المعاهدات إلى المحاكم. فى واقع الأمر، يذهب دستور 2014 إلى مدى أبعد من الدساتير السابقة، حيث إنه بموجب المادة 93 يمنح وضعًا خاصًا للمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان المصدق عليها، ما يمنحها قوة القانون، وهو بذلك يوفر الحماية الدستورية للحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها فيه. لذلك، يجوز لأى ذى مصلحة أن يلجأ إلى المحكمة الدستورية العليا للاحتجاج بعدم دستورية أى تشريع.
كذلك، تم تعديل قانون إنشاء المجلس القومى لحقوق الإنسان لتعزيز ولاية المجلس واستقلاله، وفقًا للدستور والمبادئ المتعلقة بمركز المؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان (مبادئ باريس). فضلًا عن ذلك، اتخذت الحكومة التدابير اللازمة لزيادة فعالية القنوات المؤسسية للتشاور مع منظمات المجتمع المدنى، باعتبارها شريكًا رئيسيًا فى تعزيز وحماية حقوق الإنسان.
كذلك، أطلقت مصر، كخطوة إلى الأمام، فى سبتمبر 2021، أول استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان على الإطلاق، تهدف إلى تعزيز الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والسياسية والثقافية داخل البلاد. تنبع أهمية هذه الوثيقة من كونها أول استراتيجية وطنية متكاملة لحقوق الإنسان فى مصر. تُبنى على التقدم المحرز، وتأخذ فى الحسبان الفرص والتحديات على المستوى الوطنى، وتمثل دليل دامغًا على التزام مصر، على أعلى مستوى، بمعالجة قضايا حقوق الإنسان. تعكس مبادرة إعداد الاستراتيجية اقتناعات وطنية بضرورة اتباع نهج شامل لتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية؛ وهو نهج موجه برؤية واضحة وتخطيط استراتيجى، حيث يتضمن برنامجًا محددًا وخطة مدتها خمسة سنوات من عام 2021 إلى 2026.
نتيجة للعمل الدءوب على المسارات الأربعة للاستراتيجية، تم إحراز تقدم كبير فى مجال الحقوق المدنية والسياسية، وفى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن حقوق المرأة والطفل والشباب والمسنين والأشخاص ذوى الإعاقة. من الأمثلة البارزة على ذلك إلغاء تمديد إعلان حالة الطوارئ فى مصر عام 2021.
قادت اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان عملية إعداد الاستراتيجية، حيث تم إنشاء اللجنة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2396 لسنة 2018، وتتولى مهمة «وضع ومتابعة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وخطط العمل لتنفيذها من قِبل الجهات ذات الصلة». يمثل إنشاء اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان خطوة تحولية فى الجهود المؤسسية التى تبذلها مصر للتعامل مع قضايا حقوق الإنسان بطريقة منهجية باستخدام نهج شامل بقيادة وطنية محورها المواطن.
فضلًا عن ذلك، تتبنى مصر رؤية تنموية متكاملة (استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030)، التى تقوم على إعمال حقوق الإنسان الأساسية كمحور للتنمية. إن ما حققته مصر على صعيد حماية وتعزيز حقوق الإنسان جزء من عملية بناء شاملة، مبنية على إرادة سياسية صلبة، تدفعها المبادئ والقيم العليا. وتؤمن الحكومة المصرية بأن حشد الجهود فى جميع المجالات يمكن أن يضمن تقدمًا مستقرًا ومطردًا نحو تعزيز الحكم الرشيد، وسيادة القانون والديمقراطية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
فى الذكرى السادسة والسبعين لاعتماد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، أكدت مصر من جديد التزامها بالعمل بشكل بنّاء من أجل تقديم إسهامات مجدية فى النظام الدولى لحقوق الإنسان، وكذلك تحسين حقوق الإنسان على المستوى الوطنى، سعيًا لتحقيق تطلعات الشعب المصرى. وتؤكد مصر عزمها على إقامة جمهورية جديدة تُعلى قيم المواطنة، والمساواة، والديمقراطية، وسيادة القانون.
من هنا، تستعد مصر ومنظمات المجتمع المدنى والمنظمات الحقوقية للاستعراض الدورى الشامل لملف حقوق الإنسان المزمع عقده فى جنيف فى الشهر الحالى، ويعد آلية فريدة من نوعها، ضمن آليات مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، حيث تتم دعوة كل دولة عضو لإجراء استعراض شامل لسجلها فى مجال حقوق الإنسان. ويتم التخطيط للاستعراض الدورى الشامل فى دورات تمتد من 4 إلى 5 سنوات، بحيث يتم تقييم إنجازات الدول فى مجال حقوق الإنسان باستمرار.
كما سبقت الإشارة، تعد مصر مشاركًا مهمًا فى صياغة النظام الدولى لحقوق الإنسان والنهوض به، فمصر عضو مؤسس فى الأمم المتحدة، وهى دولة طرف فى جميع المواثيق الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، كما أن لمصر دورًا فعالًا فى تعزيز وحماية حقوق الإنسان منذ عقود طويلة على جميع الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية، فقد شاركت فى مفاوضات صياغة ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمى لحقوق الإنسان، فضلًا عن مختلف مواثيق حقوق الإنسان.
إضافة إلى ذلك، فإن لدى مصـر مجموعـة كبيرة من الخبراء المسـتقلين الذين تم انتخابهم لعضوية مختلف الهيئات الخاصــة بمعاهدات حقوق الإنسان من أجل تعزيز مبادئ حقوق الإنسان.
بالتالى، تمتلك مصر الهيكل الأساسى لمنظومة حقوق الإنسان الدولية والبرنامج الخاص بها، ومن ثم فهى حريصة على تنفيذ جميع المعايير المعترف بها دوليًا، سواء كانت سياسية، أو مدنية، أو اجتماعية، أو اقتصادية أو ثقافية، فهى معايير عالمية أسهمت فى بلورتها جميع المجتمعات والأديان. حيث تولى مصر اهتمامًا خاصًا بمبادئ تعزيز الديمقراطية، وسيادة القانون، والحكم الرشيد، وأهداف القضاء على الفقر، ومكافحة العنصرية، والتمييز العنصرى، وكراهية الأجانب، وتعزيز التسامح الثقافى والدينى، والنهوض بحقوق المرأة والطفل، والأشخاص ذوى الإعاقة، فضلًا عن التوعية بقيم حقوق الإنسان على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
فى هذا الصدد، بات واضحًا أن الحكومة المصرية تمتلك الإرادة السياسية القوية للوفاء بمسئولياتها تجاه شعبها من أجل تحقيق تطلعاته، وقبل كل شيء منحه حقوقه كاملة لبناء مستقبل أفضل، وذلك من خلال إجراء الإصلاح السياسى والاجتماعى والاقتصادى، المرتكز على تعزيز حقوق الإنسان بالمفهوم المصرى الشامل الذى لا يقصرها على الحقوق السياسية والقانونية فحسب، وإنما العمل على حمايتها، وهو الأمر النابع من شعورنا بأن ما نفعله هو ما يجب علينا القيام به، وليس نتيجة ضغوط خارجية، لأن هذا هو ما يستحقه الشعب المصرى.
إن جميع الدول فى العالم، من دون استثناء، تسعى إلى التعامل مع أوجه القصور لديها فى مجال حقوق الإنسان من حيث السياسات والقوانين وآليات التنفيذ من أجل منح مواطنيها تلك الحقوق بشكل كامل، وحمايتهم من الانتهاكات، وتوفير آليات حماية ذاتية، بما فى ذلك الكشف عن الانتهاكات وتقديم الجناة إلى العدالة. ومن ثم، لا يمكن لأى دولة أن تعتقد بأنها تملك السلطة الأخلاقية لإعطاء دروس للآخرين فى مجال حقوق الإنسان.
لذلك، فإن أى حوار بشأن حقوق الإنسان لا بد أن يكون فى الاتجاهين. فمصر تولى اهتمامًا كبيرًا بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، وهو الأمر المنصوص عليه فى الدستور المصرى، ومواثيق حقوق الإنسان الدولية والإقليمية التى صدقت عليها، والتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من منظومتها القانونية المحلية. بالإضافة إلى ذلك، تتمتع مصر بمجتمع نابض بالحياة، وحريات غير مسبوقة للصحافة، وسلطة قضائية قوية ومستقلة، ومحكمة دستورية عليا تعنى بدستورية القوانين، وتعمل كحَكم بين مختلف الهيئات الحكومية، ونيابة عامة مستقلة وغير متحيزة، وهى جزء من السلطة القضائية. تمتلك مصر أيضًا مجتمعًا مدنيًا نشطًا، يؤدى دورًا لا غنى عنه كشريك للحكومة، من أجل تحقيق التنمية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية على المستوى الوطنى. هذه الاستراتيجية المصرية، التى تهدف لتمكين المواطن من حقوقه كاملة، هى محط استهداف وسائل وأدوات ومنصات الإعلام المعادى، تلك التى لم تتوقف عن تشويه هذه التجربة المصرية الرائدة، التى تتحقق يومًا بعد الآخر، على الرغم من كل التحديات والتهديدات والمخاطر المحيطة بالدولة.
نحن نسعى باستمرار إلى الارتقاء بمستوى إنفاذ حقوق الإنسان على المستوى الوطنى، ونقوم بذلك من خلال بناء مؤسسات مستقلة، مثل المجلس القومى لحقوق الإنسان، والمجلس القومى للمرأة، والمجلس القومى للطفولة والأمومة، والمجلس القومى لذوى الإعاقة، وكذلك من خلال إنشاء وتعزيز الآليات الوطنية للعلاج والتعويض، وبناء قدرات كل من ضباط الشرطة، ومسئولى إنفاذ القانون، والقضاة، والمدعين العموم، والمحامين، والصحفيين، وتعزيز ثقافة تضمين مباديء حقوق الإنسان من خلال دمج تلك المبادئ فى المناهج التعليمية، وتعزيز الوعى العام من خلال وسائل الإعلام.
ولمَّا كان الإصلاح فى أى مجتمع هو عملية مستمرة، وليست حدثًا فريدًا، فيجب أن تكون عملية الإصلاح وطنية المنشأ حتى تكون مستدامة ومستمرة، ويجب أن تنطلق فى أى مجتمع من الداخل، حتى تعكس التوافق الوطنى، وخصوصية المجتمع الاجتماعية والثقافية. فى هذا الصدد، تسعى جهود الدولة المصرية للتصدى للأفكار الأصولية، ومواجهة الفقر، والبطالة، وتأثير الاضطرابات التى شهدتها البلاد بعد 25 يناير 2011، وما تبعه من أحداث. إلى جانب ذلك، تقع مصر فى منطقة تشهد اضطرابات، من حروب وحالة عدم الاستقرار، تجعلها تواجه تحديًا فى سبيل تحقيق سلام عادل ودائم يضمن حق الفلسطينيين الأصيل فى تقرير مصيرهم، وإقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشرقية. كذلك، تواجه مصر الواقع المظلم المتمثل فى الإرهاب الذى يهدد تمتع مواطنيها بجميع حقوق الإنسان الخاصة بهم، بدءًا من أبسط الحقوق الأساسية، وهى الحق فى الحياة. ويستمر النضال المصرى على الأصعدة كافة من أجل حماية الدول الوطنية، العربية والإفريقية، وحماية مؤسساتها الوطنية من التدمير، والحفاظ على سيادتها الوطنية على كامل أراضيها، مع الالتزام الكامل بمبدأ عدم التدخل فى الشأن الداخلى لأى دولة. تمارس مصر كل هذا الدور، وهى ملتزمة تمامًا بمبادئ القانون الدولى العام، ومتَّبعة منظور التوازن الاستراتيجى فى إدارة تفاعلاتها مع كل محيطها المتأزم.
وعلى الرغم من تلك التحديات والمخاطر والتهديدات، تواصل مصر جهودها فى سبيل تحقيق مستقبل أفضل لمواطنيها، والوفاء بالتزاماتها لحمايتهم من مخاطر الإرهاب وتحقيق التوازن الدقيق بين مكافحة الإرهاب وحماية الحقوق والحريات، حيث تطمح من خلال استراتيجية حقوق الإنسان إلى بناء دولة حديثة، يتمتع فيها كل فرد، رجلا كان أو امرأة ، مسلما كان أو مسيحيا، شابا كان أو عجوزا، حضريا كان أو ريفيا، فى جميع أنحاء مصر، بحقوق متساوية.

لذا، أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أكثر من مرة، وفى أكثر من مناسبة ولقاء على: «أن مصر تمتلك الإرادة السياسية والتصميم على المضى قدمًا، والبناء على إنجازات الماضى ودروسه». فقد خلقت الثورات والتطورات السياسية التى شهدتها مصر منذ عام 2011 واقعًا جديدًا، وأدت إلى ظهور ثقافة ووعى بحقوق الإنسان من جانب جميع المصريين، ما فرض على الدولة المصرية بذل كل الجهود لتحسين أدائها، ومسابقة الزمن سعيًا لتعزيز وتحديث مؤسساتها لتمكينها من تنفيذ استراتيجيتها الإنمائية الشاملة بفعالية وكفاءة، التى تعد حقًا أصيلًا من حقوق الإنسان وجزءًا لا يتجزأ منها. من هنا، ترحب مصر (قيادة ومؤسسات وشعب) بكل أوجه التعاون الدولى الذى يسهم فى تحقيق هذا الهدف، من خلال الحوار البنّاء مع الشركاء لتحقيق الغاية النهائية لتمكين الشعب من كامل حقوقه.

فى هذا السياق، يهمنا استعراض ما يلى:
ملامح الإطار التشريعى لحماية حقوق الإنسان بمصر.
حقق الدستور المصرى (2014) نقلة نوعية كبيرة على مستوى كفالة الحقوق والحريات الأساسية باشتماله على مبادئ حقوق الإنسان كافة وتأكيده أن النظام السياسى يقوم على احترام حقوق الإنسان وترسيخ قيم المواطنة والعدالة والمساواة، إلى جانب نصه على أن «التمييز جريمة يعاقب عليها القانون»، وأن «الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلًا ولا انتقاصًا، ولا يجوز لأى قانون تقييدها بما يمس أصلها وجوهرها». أيضًا، اتخذ الدستور المصرى منحى أكثر تقدمًا فى مجال ضمان الوفاء بالالتزامات الدولية لمصر فى مجال حقوق الإنسان، حيث قرر -لأول مرة- وضعًا خاصًا للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان بنصه على: «تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها».
نجد كذلك أن البنية التشريعية الوطنية زخرت بالعديد من الضمانات اللازمة لتعزيز واحترام حقوق الإنسان، وقطعت مصر شوطًا فى سبيل تعزيز الاتساق بين القوانين الوطنية من جانب، والمبادئ والضمانات الواردة فى الدستور والاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان المنضمة إليها مصر. من جانب آخر، يتم بذل جهود مستمرة للبناء على هذا الزخم التشريعى، سواء من خلال إدخال تعديلات على بعض التشريعات القائمة أو استحداث تشريعات جديدة.
فى السياق نفسه، تمتلك مصر بنية مؤسسية متكاملة لتعزيز احترام وحماية حقوق الإنسان، مثل إنشاء اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان فى نهاية عام 2018، التى شكلت إضافة مهمة فى هذا الشأن، ودليلًا على الإرادة السياسية الأكيدة لتفعيل الإطارين الدستورى والتشريعى لحماية الحقوق والحريات العامة، وتعزيز تنفيذ الالتزامات الدولية والإقليمية لمصر فى هذا المجال.
على صعيد التخطيط الاستراتيجى، تم إطلاق أول استراتيجية وطنية متكاملة لحقوق الإنسان، وتعد المبادرة بإطلاق هذه الاستراتيجية ترجمة لاقتناعات وطنية بضرورة اعتماد مقاربة شاملة وجدية لتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
ترتكز «استراتيجية التنمية المستدامة (رؤية مصر 2030)» على إعمال الحقوق الأساسية للإنسان بوصفه محور العملية التنموية، وتسعى إلى تحقيق التنمية الشاملة من خلال بناء مجتمع عادل يتميز بالمساواة والتوزيع العادل لفوائد التنمية، وتحقيق أعلى درجات الاندماج المجتمعى لكافة الفئات، وتعزيز مبادئ الحوكمة.
من هنا، تشهد الدولة المصرية اهتمامًا كبيرًا تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى بحقوق الإنسان والمواطن، وحتمية تمتعه بحقوقه الأساسية بمفهومها الشامل فى ظل مناخ من الديمقراطية وسيادة حكم القانون وكفالة الحريات العامة والخاصة. فمصر تتحدث عن منظومة متكاملة لحقوق الإنسان، تبدأ فى حق الإنسان فى الأمن، والصحة، والتعليم، والتكافل الاجتماعى، وحق الإنسان فى الحياة، والهواء النظيف، حيث تتعامل مصر مع هذا الملف بموضوعية ومنظور شاملين.
أيضًا، تفخر مصر بأنها من أولى الدول التى وقعت الاتفاقيات الدولية التى تتعلق بالمرأة والطفولة وذوى الإعاقة، وترجمت الدولة المصرية اهتمامها بحقوق الإنسان -كما أوضحنا- بنماذج من الدستور المصرى الصادر عام 2014، الذى أكد حقوق فئات من المواطنين كذوى الإعاقة والأطفال والمرأة، وجاء تمثيل البرلمان معبرا عن كل فئات المجتمع المصرى.
كذلك، جاء قرار دولة رئيس مجلس الوزراء د.م. مصطفى مدبولى بإنشاء اللجنة الوزارية للعدالة الاجتماعية، تأكيدًا لرغبة الحكومة فى التحقق من متابعة تنفيذ السياسات الحكومية فى مجال الرعاية والحماية الاجتماعية، وتلبية لأهم مطلب من مطالب المواطنين فى 30 يونيو، كما وافق مجلس الوزراء على لائحة قانون العمل الأهلى رقم 149 لسنة 2020.
تحقق ذلك من خلال الاستهداف الجغرافى للفقر، وخدمات الفئات الأَولى بالرعاية، سواء السيدات أو الأطفال أو ذوى الإعاقة، عبر الوصول بخدمات برنامج الدعم النقدى «تكافل وكرامة» إلى 5.2 مليون أسرة على مستوى الجمهورية، والتعامل مع 30 ألف طفل من أطفال الشوارع منذ انطلاق البرنامج فى منتصف عام 2016 ، ودور المرأة والشباب فى التعاطى مع قضايا المجتمع والمشاركة بفعالية بشكل عام عبر عملية تنمية الوعى بما يعكس اهتمام الدولة بكل أطيافها بحقوق مواطنيها بهدف تحقيق أهداف سياسات العدالة الاجتماعية وتحقيق الضمان الاجتماعى لتأمين الطبقات الأَولى بالرعاية.
ولمَّا كانت حقوق الإنسان ليست مجرد خطاب، وإنما مؤشرات إلى مدى ترسيخ هذه الحقوق على أرض الواقع، فقد حرصت مصر على التعامل مع الفقر، ليس بمفهومه المعتاد «أنه فقر مادى أو فقر للأموال»، لكن تعاملت معه كفقر متعدد، فربطت الأحقية فى الحصول على الدعم النقدى للأسر الأولى بالرعاية بانتظام أبنائهم فى الصفوف الدراسية، ضمانًا لحصولهم على حقهم فى التعليم، كما ربطته أيضًا بتنفيذ زيارات دورية لمكاتب الصحة، ضمانًا لحصولهم على رعاية طبية تضمن سلامتهم الصحية.
كذلك، تعد المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» نموذجًا يحتذى به لمساعدة الأسر الأولى بالرعاية فى القرى الأكثر احتياجًا، وتعد تقديرًا للريف المصرى، والتجمعات والقرى الأكثر احتياجًا، وإدراكًا بأن ثمار التنمية يجب أن تشملهم لتلبى احتياجاتهم وترفع المعاناة عن كاهلهم، حيث تهدف المبادرة وتوجيهات الرئيس إلى تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بالقرى الفقيرة وتوفير الخدمات الأساسية بها، ودعم الفئات الأولى بالرعاية للإسهام فى تحسين مؤشرات الحماية الاجتماعية والتشغيل، وربط تلك المؤشرات بخطة التنمية المستدامة 2030.
كذلك، اهتمت الحكومة بتوجيه الدعم للفئات الأكثر فقرًا والعمالة غير المنتظمة للحد من تداعيات عملية الإصلاح الاقتصادى وجائحة كورونا عليها. أيضًا، رفعت قيمة الدعم النقدى لبرنامج «تكافل وكرامة» ليصل إلى 41 مليار جنيه فى العام المالى 2024/2025. بناء على هذا التراكم، أسفر ذلك عن صدور قانون الضمان الاجتماعى فى 3 ديسمبر 2024 تأكيدًا لالتزام الدولة بحقوق الطبقات الأولى بالرعاية، وتقنينًا لاستحقاتهم.
أما عندما نتطرق إلى التطور الذى شهده ملف حقوق المرأة وتمكينها على وجه الخصوص على المستويات التشريعية والتخطيطية والإجرائية، فسنجد أنه قد تم الدفع بحقوق المرأة فى مواد الدستور؛ كإطار حاكم وفقًا لمرجعية خطاب وتوجيه الرئيس، بما يمكن الاحتكام إليه، حيث تم تجسيد الإيمان بدور المرأة بوضوح، استرشادًا باستخدام الرئيس بشكل متكرر مصطلحات، مثل «عظيمات مصر»، و«صانعات السعادة» للتعبير عن مكانة المرأة فى المجتمع المصرى، ودورها فى 30 يونيو و3 يوليو عام 2013، وتحمُّلها عبء الإصلاح الاقتصادى، رغم شدة وطأته على الأسرة المصرية.
إنَّ «استراتيجية التنمية المستدامة (رؤية مصر 2030)» تستفيد منها المرأة كمواطن، وهى خاصة بتمكين المرأة، وتشمل أبعادًا سياسية واقتصادية واجتماعية، فضلًا عن حمايتها من العنف، وترجمة كل ذلك فى خطط وسياسات تراعى حساسية النوع الاجتماعى. انعكاسا لهذا الحراك فى ملف حقوق الإنسان، وترجمة لتمكين المرأة فى كافة المجالات، صدر قرار من مجلس القضاء الأعلى فى 25 أكتوبر 2021، بقبول طلبات تعيين عدد من القاضيات لشغل وظائف رئيس محكمة (أ)، ورئيس محكمة (ب)، ودرجة قاضٍ بالمحاكم الابتدائية من الدرجات المناظرة بهيئتى النيابة الإدارية وقضايا الدولة. ويعد توفير فرص العمل من خلال المشروعات القومية، التى أطلقتها الدولة، نوعًا من أنواع حقوق الإنسان، وهو الحق فى الحياة.
تأتى السياسات المصرية المتبعة متفقة مع جميع المواثيق الخاصة بحقوق الإنسان، وتسبق دولًا عديدة فى هذا الملف. على مدى أكثر من عشر سنوات، تولى مصر اهتمامًا كبيرًا وغير مسبوق بالمواطن وحقوقه الأساسية, إذ اعتبرته القيادة السياسية، ممثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى، وسائر سلطات الدولة، المحور الأساسى لاهتمامها عبر كل ما يقدَّم على أرض مصر من إنجازات ونجاحات وتشريعات، فى ضوء استراتيحية بناء الإنسان. فقد بات هناك حرص على الاهتمام بحقوق الإنسان وحريات المواطنين بمفهومها الشامل، بكل أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وغيرها، بما يوفر الحياة الكريمة المستقرة للمواطنين جميعا فى ظل مناخ من الديمقراطية، وسيادة حكم القانون، وكفالة الحريات العامة والخاصة.
أما على مستوى الحريات السياسية، فقد كفلت الدولة حرية إنشاء الأحزاب التى تعبر عن جميع الاتجاهات والآراء، وأصبح فى مصر أكثر من مئة حزب تعبر عن آرائها وتؤدى رسالتها بكل حرية، ونجحت الدولة فى الوفاء بالاستحقاقات الدستورية على مدى السنوات الماضية، على رأسها الانتخابات الرئاسية، وانتخابات مجلس النواب لدورتين، وإجراء تعديل دستورى، وإنشاء غرفة ثانية للبرلمان (مجلس الشيوخ ) وإجراء انتخابات لها. جرت كل هذه الاستحقاقات وسط تعديلات جديدة فى قوانين الانتخابات ذات الصلة، على نحو أسفر عن تمثيل أعداد كبيرة من الأحزاب السياسية بصورة غير مسبوقة، وكذلك زيادة كبيرة فى تمثيل المرأة والشباب وذوى الاحتياجات الخاصة والعمال والفلاحين والمصريين بالخارج فى ضوء ضوابط قانونية تضمن تمثيلهم.
أيضًا، كفلت الدولة حرية عمل منظمات المجتمع المدنى، التى تمثلت فى قانون الجمعيات الأهلية ولائحته التنفيذية، والتى ألغت عقوبة الحبس فيما يتعلق بنشاط الجمعيات الأهلية وأقرت حق تأسيس الجمعيات بالإخطار، فضلًا عن العديد من النصوص التى تُيسر عمل تلك الجمعيات وتمكينها من أداء دورها فى خدمة المجتمع.
كذلك، توسعت الدولة المصرية فى حماية حقوق المواطنين بمفهومها الشامل، بحيث لا تكون مقصورة على الحقوق السياسية فحسب، وإنما تمتد أيضًا للحقوق الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، عبر سلسلة المبادرات –كما سبقت الإشارة- التى انحازت فيها للفقراء ومحدودى الدخل على نحو لم تعرفه مصر من ذى قبل. فى هذا السياق، كفلت الدولة العلاج الأساسى للمواطنين جميعًا عبر مبادرات عدة، من بينها (100 مليون صحة)، والكشف المبكر عن العديد من الأمراض، مثل السرطان وغيره، والقضاء على فيروس «سى»، والعديد من الأمراض التى كانت تزهق أرواح الملايين من أبناء مصر، وإنشاء منظومة تأمين صحى شامل، تم البدء فى تطبيقها بالفعل بعدد من المحافظات، تمهيدًا لتطبيقها فى جميع أنحاء مصر.
من جانب آخر، أعلت مصر من شأن سيادة القانون فى سائر المحاكمات التى تجرى على أراضيها، حيث تمت محاكمة المتهمين جميعًا أمام قاضيهم الطبيعى فى المحاكم ذات الاختصاص، ولم تعرف على الإطلاق أو يوجد فى قوانينها ما يسمى محاكمات سياسية، كما يروج لذلك تنظيم الإخوان الإرهابى زورًا وبهتانًا. كذلك، وعلى الرغم من المعركة التى خاضتها وتخوضها مصر ضد الإرهاب الأسود بكل شجاعة وبسالة على الصعيدين الفكرى والعملياتى، وهو ما شهد به العالم أجمع، فإنها حريصة كل الحرص على احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وكفالة حريات الرأى والفكر والتعبير، كما حرصت الدولة على أن تتضمن مؤسساتها ذات الصلة إدارات خاصة بحقوق الإنسان، لكى تسهر دومًا على كفالة وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، سواء فى وزارة الخارجية، أو العدل، أو الداخلية.

آليات الدولة المصرية لرعاية حقوق الإنسان:
وضعت الأمم المتحدة منذ القرن العشرين قواعد وأسسا لحماية حقوق الإنسان وتمتعه بالحريات الأساسية. فقد تضمن ميثاق الأمم المتحدة عددًا من النصوص الخاصة بحقوق الإنسان، كما تضمن الإعلان العالمى لحقوق الإنسان عام 1948، الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، الحقوق والحريات الخاصة بالأفراد، والذى أيدته 48 دولة من بينهما مصر، كما أسلفنا، بالإضافة إلى العهدين الدوليين لحقوق الإنسان لعام 1966، العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

فى إطار الحرص على ضمان تعزيز وحماية حقوق الإنسان، أنشأت الدولة الآليات الوطنية التى تعمل على إنفاذ مبادئ ومعايير حقوق الإنسان على المستوى العملى، نذكر منها:
أولًا- الدساتير المصرية:
خطت مصر فى القرن العشرين، وفى الوقت الحاضر، خطوات فعالة للمحافظة على حقوق الإنسان، من خلال الدساتير المتعاقبة، بداية بدستور 1923، مرورًا بدستور 1956، ثم دستور الجمهورية العربية المتحدة 1958 بعد قيام الوحدة بين مصر وسوريا، ودستور 1971، وانتهاءً بدستور 2014. وقد حظيت هذه الدساتير بضمانة خاصة ونصوص ومواد تعمل على الحفاظ على حقوق الإنسان، وفقًا للاتفاقيات الدولية والإقليمية الخاصة بحقوق الإنسان.
ولأن الدستور فى مصر هو الوثيقة الأسمى والأعلى فى إطار النظام القانونى الوطنى، وبحكم الطبيعة القانونية للوثيقة الدستورية كعقد اجتماعى بين السلطات بالدولة والمواطنين، فهو الوثيقة الوحيدة التى تصدر باستفتاء ينتهى بموافقة الشعب عليها. فقد تناولت الدساتير المصرية المتعاقبة والمعاصرة لحركة حقوق الإنسان مبادئ حقـوق الإنسان وحرياته الأساسية المقررة بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان فى نصوصها، وهو ما منح تلك المبادئ أعلى مستوى من الحماية بوصفها نصوصًا دستورية تعلو مرتبة عن أية أدوات تشريعية أخرى أدنى مرتبة منها.
لعل ذلك ما عكسه دستور 2014، الذى اشتمل على ضمانـات قانونيـة كفيلـة بتعزيـز احتـرام وحمايـة حقـوق الإنسان، حيث نص فى المادة (53) على: «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر».
فعقب أحداث 25 يناير 2011 مرت البلاد بتطورات وأحداث سياسية مهمة، حيث شهدت البلاد مرحلة انتقالية صدرت خلالها عدة إعلانات دستورية، ثم صدر دستور فى 25 ديسمبر2012، لم يحظ إصداره بتوافق وطنى لما شابه من ابتعاد عن ثوابت الهوية المصرية وخصوصيتها الوسطية، ثم قامت ثورة 30 يونيو 2013، حيث أقرت القوى الوطنية فى 3 يوليو خريطة الطريق، التى بموجبها تم تعطيل العمل بدستور 2012، وتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا رئاسة البلاد كرئيس مؤقت، وتشكلت لجنة وطنية لإعداد الدستور الجديد للبلاد، حيث أعدت اللجنة الدستور الجديد، وطُرح فى استفتاء شعبى، وحظى بموافقة الشعب المصرى بأغلبية كبيرة جاوزت 98% وصدر فى يناير 2014.
تضمنت نصوص الدستور مستجدات جوهرية ومهمة على الهيكل السياسى للبلاد، وعلى أوضاع وصلاحيات السلطات الوطنية فيها من أجل تلبية طموحات الشعب المصرى بما يتناسب مع التضحيات التى قدمها، ولتحقيق آمال المستقبل من خلال إرساء دعائم الديمقراطية والحكم الرشيد وتعزيز احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ووضع الحلول الدستورية المناسبة لتلافى الظروف والمعوقات والسلبيات التى عانتها البلاد، وأدت إلى قيام ثورتيه المشار إليهما، وضمان عدم تكرارها.
وقد عبرت ديباجة دستور 2014 -التى تشكل مع جميع نصوصه عملًا بالمادة (227) نسيجًا مترابطًا، وكلًا لا يتجزأ، وتتكامل أحكامه فى وحدة عضوية متماسكة- عن الاتجاهات والمرتكزات الرئيسية التى سار على هديها المشِّرع الدستورى فى هذا المجال، التى جاءت مؤكدة للمنزلة الرفيعة لجميع مبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ونورد منها ما يلى: «نحن نؤمن بأن لكل مواطن الحق بالعيش على أرض هذا الوطن فى أمن وأمان، وأن لكل مواطن حقًا فى يومه وفى غده، نحن نؤمن بالديمقراطية طريقًا ومستقبلًا وأسلوب حياة، وبالتعددية السياسية، وبالتداول السلمى للسلطة، ونؤكد على حق الشعب فى صنع مستقبله، هو وحده مصدر السلطات، الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية حق لكل مواطن، ولنا ولأجيالنا القادمة السيادة فى وطن سيد. نحن الآن نكتب دستورًا يجسد حلم الأجيال بمجتمع مزدهر متلاحم، ودولة عادلة تحقق طموحات اليوم والغد للفرد، نحن الآن نكتب دستورًا يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنية، نكتب دستورًا نغلق به الباب أمام أى فساد وأى استبداد، ونرفع الظلم عن شعبنا الذى عانى طويلًا، نكتب دستورًا يؤكد أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، وأن المرجع كلمة الدستورية العليا فى ذلك الشأن، وفى تفسيرها لما تتضمنه مجموع أحكامها، نكتب دستورًا يفتح أمامنا طريق المستقبل، ويتسق مع الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى شاركنا فى صياغته ووافقنا عليه، نكتب دستورًا يصون حرياتنا، ويحمى الوطن من كل ما يهدده أو يهدد وحدتنا الوطنية، نكتب دستورًا يحقق المساواة بيننا فى الحقوق والواجبات دون أى تمييز».
من خلال هذه المرتكزات العملية والمنطلقات الفكرية والمقدمات المنطقية، تبلورت الرؤية الوطنية المصرية لمبادئ حقوق الإنسان فى الحرص على النص عليها بالدستور، ومنحها ضمانات خاصة فى حالة المساس بها تكفل معاقبة المسئولين عن ذلك، وكفالة الدولة لتعويض الضحية عنها، فضلًا عن توفير الملاذات الآمنة للمدافعين عن حقوق الإنسان فى جميع أرجاء المعمورة بمنح من تعَّرض منهم للاضطهاد حق الالتجاء السياسى لمصر.

ثانيًا- الاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان التى انضمت إليها مصر:
1- الاتفاقيات الدولية:
تتعدد الاتفاقيات الدولية التى انضمت إليها مصر، سواء السابقة على الإعلان العالمى لحقوق الإنسان أو اللاحقة عليه، حيث كانت لمصر مشاركة فعالة فى إقرار حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ويتمثل ذلك فى توقيع العديد من الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرياته، من أبرزها:
- اتفاقيتا السخرة لعامى 1930و 1957( اتفاقيتا منظمة العمل الدولية رقما 29 و105).
- الاتفاقية الدولية لإزالة كافة أشكال التفرقة العنصرية 1965.
- الاتفاقية الدولية لقمع جريمـة الفصل العنصرى 1973.
- الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين (الأمم المتحدة 1951).
- البروتوكول الخـاص بتعديـل الاتفاقيـة الدوليـة الخاصـة بوضع اللاجئين (1967).
- العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية(1966)، والعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966).
- الاتفاقيـة الدوليـة للقضـاء علـى كافـة أشـكال التمييز ضـد المرأة (1969).
- الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة (1952).
- الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والأشكال الأخرى من المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة (1984).
- الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل (1990).
- الاتفاقية الدولية لمناهضة الفصل العنصرى فى الرياضة (1985).
- الاتفاقية الدولية لحقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (1990).

2- الاتفاقيات الإقليمية:
- اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية المتعلقة بمشكلات اللاجئين فى إفريقيا لسنة 1969.
- الميثاق الإفريقى لحقوق الإنسان والشعوب (1981).
- الميثاق العربى لحقوق الطفل (1983).
- الميثاق الإفريقى لحقوق الطفل ورفاهيته (1990)، وقد بدأ العمل به (1999).

ثالثًا- وسائل تحقيق العدالة الوطنية:
أقامت الدولة المصرية العديد من وسائل الإنصاف الوطنية الداخلية والمسئولة عن إرساء مبادئ حقوق الإنسان، وقد أعطى النظام القانونى المصرى مكانة خاصة لمبادئ حقوق الإنسان على المستويين الدستورى والقانونى. من جهة أخرى، قام القضاء بدوره بإسباغ الحماية القضائية لحقوق المصريين وحرياتهم، وأولها الحق فى الحياة، وفى الاعتقاد، وفى التعبير، وفى الملكية الخاصة، واللجوء إلى القضاء. وقد أنشأت الدولة وسائل وآليات فعالة لتحقيق العدالة للأفراد والوصول إلى أعلى مستويات لحقوق الإنسان، تتمثل فى: قانون العقوبات المصرى الذى يحدد النصوص العقابية الخاصة بالأفعال المجَّرمة بموجب المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ويحدد العقوبات التى يمكن توقيعها على من يثبت ارتكابه لها، والنيابة العامة التى تعد فرعًا مهمًا من السلطة القضائية، وتتولى مسئولية التحقيق والادعاء فى الدعاوى الجنائية، والمحكمة الدستورية العليا، حيث أضفت الحماية القضائية الدستورية لمبادئ حقوق الإنسان التى ينص عليها الدستور، كما أرست المعانى والمفاهيم التى تضمنتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ومحكمة النقض التى أدت دورًا مهمًا فى إرساء المبادئ الرئيسية لحقوق الإنسان والحريات العامة. وقد انعكس كل ذلك على أحكام القضاء العادى، ومحاكم مجلس الدولة كل فى مجال اختصاصه.

رابعًا- الآليات الوطنية العاملة فى حقوق الإنسان:
بذلت الدولة جهودًا مكثفة من أجل نشر واحترام حقوق الإنسان، والعمل على تنفيذ الاتفاقيات الدولية والإقليمية التى انضمت إليها مصر. فى سبيلها لذلك، أنشأت الدولة العديد من الآليات الوطنية، هى:
- المجلس القومى للأمومة والطفولة.
- المجلس القومى للمرأة.
- الإدارة العامة لشئون حقوق الإنسان بوزارة العدل.
- إدارة شئون حقوق الإنسان بوزارة الخارجية.
- اللجنة العليا لحقوق الإنسان بوزارة الداخلية.
- لجنة حقوق الإنسان بوزارة الشئون الاجتماعية.
وتعمل هذه الآليات كل فى مجال اختصاصه من أجل تحقيق النهوض بالالتزامات المصرية فى مجال حقوق الإنسان.

خامسًا- المجلس القومى لحقوق الإنسان:
فى سياق اهتمام الدولة بحقوق الإنسان، أنشأت المجلس القومى لحقوق الإنسان، وأصدرت القانون رقم 94 لسنة 2003 بإنشاء المجلس، الذى يهدف إلى تعزيز وتنمية حقوق الإنسان، والإسهام فى ضمان ممارسة هذه الحقوق والحريات، والعمل على حل الشكاوى المتعلقة بها، والمشاركة بالمقترحات والتوصيات فى المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان على الصعيدين الوطنى والدولى، ومتابعة تنفيذ الاتفاقيات الدولية وتطبيقها. وقد تم طرح توصيات المجلس بهدف تعزيز احترام وحماية حقوق الإنسان ونشر ثقافتها فى البلاد، كما أبدى المجلس اهتماماته بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك الحقوق الاجتماعية والاقتصادية التى تعد حجر الزاوية لحقوق الإنسان، وعمَل على الارتقاء بحقوق الإنسان والوصول إلى التطبيق الأمثل لها وفقًا للاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان.
وافق مجلس النواب نهائيا على مشروع القانون المقدم من الحكومة لتعديل القانون رقم 94 لسنة 2003 بإنشاء المجلس القومى لحقوق الإنسان، وذلك فى مايو 2017. وشملت التعديلات المواد «الأولى والثانية والثالثة والسابعة والتاسعة والعاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة»، حيث أدخل المُشرع تعديلًا على المادة الأولى بتأكيد استقلالية المجلس القومى لحقوق الإنسان، بعدما كان يتبع مجلس الشورى، على أن يكون مقره الرئيسى القاهرة أو إحدى المحافظات المجاورة لها، وجاء نصها: «المجلس القومى لحقوق الإنسان مجلس مستقل، يهدف إلى تعزيز وتنمية وحماية حقوق الإنسان والحريات العامة بمقتضى أحكام الدستور، وفى ضوء الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية التى تصدق عليها مصر، وترسيخ قيمها، ونشر الوعى بها، والإسهام فى ضمان ممارستها، ويشار إليه فى هذا القانون بـ «المجلس». كذلك، بات المجلس يتمتع بالشخصية الاعتبارية، والاستقلال الفنى والمالى والإدارى فى ممارسة مهامه وأنشطته واختصاصاته، ويكون مقر المجلس فى محافظة القاهرة أو إحدى المحافظات المجاورة لها، وله الحق فى إنشاء فروع ومكاتب فى جميع محافظات الجمهورية.»
تضمنت تعديلات المادة الثانية تشكيل المجلس القومى لحقوق الإنسان من 25 عضوًا بخلاف الرئيس ونائب الرئيس مع تحديد مدة عمله بأربع سنوات بدلًا من ثلاث سنوات، مع تأكيد عدم جواز تعيين أى منهم بالمجلس لأكثر من دورتين متتاليتين، وتنص على:
«يُشكَّل المجلس من رئيس ونائب للرئيس وخمسة وعشرين عضوًا ممن يختارهم من بين الشخصيات العامة المشهود لها بالخبرة والاهتمام بمسائل حقوق الإنسان، أو من ذوى العطاء المتميز فى مجال حقوق الإنسان، وذلك لدورة مدتها أربع سنوات، ولا يجوز تعيين أى منهم بالمجلس لأكثر من دورتين متتاليتين».
إلى جانب ذلك، تم تعديل المادة الحادية عشرة من مشروع القانون المقدم من الحكومة بإنشاء المجلس القومى لحقوق الإنسان، ويتضمن خضوع موازنة المجلس القومى لحقوق الإنسان لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات.
فى 29 ديسمبر 2021، أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى قرارًا جمهوريًا بإعادة تشكيل المجلس القومى لحقوق الإنسان، لمدة أربع سنوات مقبلة برئاسة السفيرة مشيرة محمود خطاب، والسفير محمود كارم محمود نائبًا للرئيس.
فى هذا السياق، وفى إطار عمل المجلس، تحرص مصر دائمًا فى 16 نوفمبر من كل عام على الاحتفال باليوم العالمى للتسامح، الذى تدعو الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول الأعضاء إلى الاحتفال به بهدف تحقيق السلام وتوفير حياة لائقة بالإنسان فى مختلف الثقافات والأديان. احتفاءً بهذه المناسبة، دائمًا ما يؤكد المجلس القومى لحقوق الإنسان أن احتضان مصر للقيم ولمفاهيم التسامح، كان ولا يزال مصدر القوة للمجتمع، وأحد أسباب الاستقرار والتنمية التى تشهدها البلاد، سواء من جانب تعزيز الحرية الدينية للجميع، أو دعم ثقافة الحوار والتفاهم بين الأديان، أو مكافحة خطاب الكراهية والتعصب، وأن مصر دائمًا على مر العصور تفتح ذراعيها للتعددية والثراء والتنوع الثقافى، الأمر الذى أسهم فى تعزيز قوة مصر الناعمة. ويثمن المجلس دائمًا أن مواصلة التعليم فى مجال التسامح أصبحت ضرورة مُلحة، لذلك يجب أن تسهم السياسات والبرامج التعليمية فى تعزيز التفاهم والتضامن والتسامح بين الأفراد. فالتسامح هو احترام وقبول وتثمين التعددية التى تتسم بها ثقافة عالمنا اليوم، وهو الاحتفال بالثراء الذى تتسم به أشكال التعبير، وإدارة أمورنا الحياتية، وتعدد الآراء ووجهات النظر بشأن الاعتقاد والأعراق والسياسات والتى تمثل ألوان المجتمعات المختلفة. فقد بات من الأهمية بمكان إدراك أن تنوع السلوك الإنسانى، والثقافات العالمية والحريات الأساسية يجعل العالم أكثر جمالًا، كما أن تنامى العنف الذى تشهده العديد من المجتمعات قد زاد من الأهمية الحيوية للتسامح بمفهوميه الإيجابى والتفاعلي؛ ليصبح التسامح هو احترام حقوق الآخرين وحرياتهم، بما يتعدى مجرد الواجب الأخلاقى ليصبح أحد متطلبات العصر الذى نعيشه.
لذا، دائمًا ما تؤكد البيانات الصادرة عن المجلس أن الدول مسئولة عن سن التشريعات التى تكفل المساواة فى التمتع بحقوق الإنسان ودعم التسامح ونبذ العنف، ويعد التعليم أداة رئيسية تمهد الطريق لتحقيق هذا الهدف، وأن المجتمع المصرى، بجميع أطيافه وبحضارته الممتدة عبر العقود، يعزز القيم والمفاهيم الخاصة بالتسامح الدينى والتعايش السلمى.

مرتكزات الرؤية الوطنية المصرية لمبادئ حقوق الإنسان:
إن مصر بحكم تكوينها الحضارى الفريد وتاريخها المتميز والممتد عبر آلاف السنين، والذى صنع وصاغ هويتها الوطنية التى امتزجت بقيم الأنبياء وما سطرته الكتب والرسالات السماوية الثلاث، ونتيجة لعضويتها فى الأمم المتحدة منذ إنشائها، وعضويتها كذلك بجامعة الدول العربية آنذاك (عام 1945)، كانت مؤهلة حضاريًا وقوميًا ودينيًا وثقافيًا وسياسيًا لكى تكون من الدول التى شـاركت بجدية فى إعداد وصياغة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، الصـادر عـن الأمم المتحدة فى 10 ديسمبر 1948 ووقعته وقت صدوره.
إن الشريعـة الإسـلامية الغراء باعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع، على نحـو ما نصـت عليـه المادة الثانية من دستور 1971، وما تلاه من دساتير حتى الدستور الأخير فى عام 2014، أتت سواء بالقرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة بقيـم ومبادئ وأحكام تشكل نظامًا اجتماعيًا متكاملًا يضمن للإنسان فى كل زمان ومكان، وأيًا كانت عقيدته وبدون تمييز أو تفرقة، حقوقه وحرياتـه فى كافـة مناحى الحياة، وهى بذلك تسبق منذ أربعة عشر قرنًا جميع ما استقرت عليه المجتمعات الإنسانية وما توافق عليه المجتمع الدولى الآن من مبادئ فى هذا الصدد. وقد ساعد ذلك مصر -دون شك- على إيجاد مناخ مواتٍ وضاغط للوقوف بقوة إلى جانب كل الجهود الدولية أو الإقليمية الداعية إلى تكريم الوجود الإنسانى على الأرض، ونبذ كل صور التفرقة والتمييز والعنف والقهر، والدعوة إلى القضاء عليها، ونشر قيم الخير والمحبة والتسامح واحترام الآخر والعدالة والسلام.
- وقت إعداد دستور عام 1971، كانت مصر موقعة بالفعل على العهدين الدوليين للحقـوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الصادرين عن الأمم المتحدة فى عام 1966. يعتبر كل من العهدين سالفى الذكر بمنزلة الاتفاقيتين الأم لمبادئ حقوق الإنسان وحرياته، والصياغة القانونية الأممية الأولى لمبادئ الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى قواعد قانونية دولية ملزمة تشكل الأساس للشرعية الدولية لتلك المبادئ. يؤكد ذلك أن مصر كانت حريصة على سرعة إقرار الشرعية الدولية لمبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وداعمة لتناولها من خلال القواعد القانونية الدولية الملزمة على الصعيد الدولى.
- اتساقًا مع رؤية مصر القومية ونظمها القانونية وتقاليد وأعراف شعبها وتكوينها الثقافى والحضارى المتمثل فى سعيها وجهودها عبر تاريخها لمساندة قضايا حقوق الإنسان، فقد انضمت بالفعل لعدد من الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان التى كانت قائمة ونافذة المفعول، مثل اتفاقيات جنيف الأربع الخاصة بالقانون الإنسانى الدولى، واتفاقية مكافحة إبادة الجنس البشرى والمعاقبة عليها، والاتفاقية الدولية للاجئين، واتفاقيتى منظمة العمل الدولية لمكافحة السـخرة (1930 و1957)، واتفاقية مكافحة الرق والاتفاقيات المكملة لـها، والاتفاقية الدولية لمكافحة الاتجار فى البشر، واستغلال دعارة الغير، واتفاقية التفرقة العنصرية.
- ألقى الحصاد التاريخى للتجربة المصرية الوطنية، بما تملكه من رصيد حضارى فريد، وما تتمتـع به شخصيتها القومية من سمات خاصة، وقبول على الصعيد الدولى، على عاتق مصر مسئوليات مهمة على الصُعد الدولية والإقليمية والعربية، وقد أدى ذلك إلى حتمية مشاركتها بفعالية فى كافة مناحى الجهود الدولية، ما جعل لها وضعية ومسئولية خاصة إزاء الدول، لا سيما على الصعيدين العربى والإفريقى بوصفها الدولة النموذج المقتدى بها فى هذا المضمار.

 مصر والتفاعل مع حقوق الإنسان على المستوى الدولى:
ينطلق تفاعل وزارة الخارجية المصرية، خلال السنوات العشر الأخيرة (2014-2024)، مع قضايا حقوق الإنسان على المستوى الدولى، من رؤية متكاملة تتأسس على بناء قنوات للحوار والتعاون مع مختلف الأطراف والآليات ذات الصلة، وتعكس الاهتمام الخاص الذى توليه مصر لهذه القضايا، واحترامها لاتفاقياتها وتعهداتها الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان، وقد عكسها الدستور المصرى بشكل كامل.
وبتولى السيد الرئيس منصبه، فى يونيو 2014، أكد رؤية والتزام مصر فى هذا الإطار، خاصة مع الإعداد لمشاركة مصر فى آلية المراجعة الدورية الشاملة بمجلس حقوق الإنسان الذى يعد أرفع هيئة داخل منظمة الأمم المتحدة فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان. تتناول الآلية المذكورة تقييما شاملا لقضايا وملفات حقوق الإنسان بمختلف الدول الأعضاء فى المنظمة، بما فى ذلك جميع الحقوق والالتزامات الدولية المرتبطة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك من خلال ثلاثة تقارير: (التقرير الوطنى الذى تعده كل دولة / تقرير الأمم المتحدة الذى يشمل آراء اللجان التعاهدية وأصحاب الولايات الخاصة / تقرير المنظمات غير الحكومية والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بالدولة المعنية بالمراجعة).
قبل مؤتمرات المراجعة، التى تنعقد بجنيف، يناقش مجلس حقوق الإنسان مختلف أبعاد التقرير المصرى، وما يتضمنه من بيانات ومعلومات، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدنى وشركاء التنمية، وكذلك ما توفره آليات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان من بيانات وتقييم للأوضاع فى مصر، وتحركات الدولة لضمان اتساق المنظومة القانونية الوطنية مع التزامات مصر الدولية بهدف توفير الحماية اللازمة لمختلف حقوق مواطنيها بما يشمل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومد شبكة الحماية لتشمل كافة قطاعات المجتمع. فى مؤتمرات المراجعة الثلاثة طوال هذه الفترة، قبلت مصر تقريبًا نحو 82% من التوصيات التى قٌدمت إليها، بما يؤكد انفتاح الدولة المصرية الإيجابى للتفاعل مع مختلف المقترحات التى قُدمت لها ودراستها بشكل منهجى لتعظيم الاستفادة منها، والتزامها فى الوقت نفسه بالعمل من أجل تعزيز الأجندة الوطنية لحماية حقوق المواطن المصرى، وتفعيل الضمانات الدستورية المختلفة.

1- عضوية مصر بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة:
جاء انتخاب مصر لعضوية مجلس حقوق الإنسان، فى أكتوبر 2016، تأكيدًا للتقدير الدولى لما اتخُذ من خطوات وإجراءات لإعلاء قيم حقوق الإنسان وسيادة القانون فى مصر، وتتويجًا لدور وجهود الدبلوماسية المصرية فى إبراز التقدم المحرز فى هذا الشأن على الرغم من الواقع الإقليمى الصعب الذى تعيشه المنطقة. إن مجلس حقوق الإنسان –كما أشرنا- هو هيئة حكومية دولية، تابعة لمنظمة الأمم المتحدة، ويتألف من 47 دولة مسئولة عن تعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها فى أنحاء العالم كافة.
فى هذا السياق، تقدمت مصر بالعديد من المبادرات سُجلت فى أوراق عمل مجلس حقوق الإنسان، واللجنة الثالثة بالجمعية العامة، ومنظومة الأمم المتحدة بشكل عام، وذلك فى إطار السعى لضمان تطوير المنظومة بشكل يأخذ فى الحسبان الرؤية المصرية التى تبحث عن العدالة وعدم التمييز ووقف ازدواجية السياسات، بما يحقق توازنًا فى الوقت نفسه فى الأجندة الدولية المعنية باحترام حقوق الإنسان، لتعكس أهمية القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتدعم قدرة الدول النامية على مواجهة التحديات المختلفة، وعلى رأسها التحديات التنموية، وتحقيق الاستقرار الاجتماعى، ومكافحة الإرهاب، والجريمة المنظمة.
فى هذا الصدد، تقدمت مصر بعدد من المبادرات فى مجالات أثر الإرهاب على التمتع بحقوق الإنسان، والحق فى العمل، وإعادة رءوس الأموال المنهوبة إلى الدول التى خرجت منها هذه الأموال، فضلًا عن التنسيق مع الدول النامية فيما يتعلق بالقضايا المختلفة المرتبطة بالحق فى التنمية، على غرار الحق فى التعليم، والحق فى الصحة، والحق فى الغذاء والحد من الفقر.
لذا، تتمتع مصر بحضور مؤثر وفعال بالعديد من اللجان التعاهدية المعنية بحقوق الإنسان، حيث يشارك فى بعض هذه اللجان خبراء مصريون على درجة عالية من الكفاءة، بما يساعد على تحقيق التوازن المطلوب فى عمل هذه اللجان، ويضمن تمثيل المواقف الإفريقية والعربية والإسلامية، وغيرها من الدول النامية داخل منظومة الأمم المتحدة.
2- تقرير مصر الطوعى إلى مجلس حقوق الإنسان فى جنيف:
تقدمت مصر بتقرير نصف المدة الطوعى إلى مجلس حقوق الإنسان فى جنيف، فى مارس 2018، قبل تقديم تقرير المراجعة الدورية الثالثة فى عام 2019، لتؤكد حرصها على الوفاء بالتزاماتها الدولية، ومحاربة الإرهاب، ومضيها قدمًا فى اتجاه تحقيق طموحات شعبها نحو إقامة نظام ديمقراطى يدعم حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ويتطلع إلى المزيد من التقدم والتنمية. ذكر التقرير أن مصر حرصت على التصدى للإرهاب من دون الإخلال بضمانات حقوق الإنسان، وكان ذلك على محورين، الأول يجابه الفكر، والآخر يواجه الإرهابيين، فصدرت القوانين التى تستوعب جميع أشكال الإرهاب وتمويله مع توفير المحاكمة العادلة، مثل القانون رقم 8 لسنة 2015، والقانون رقم 94 لسنة 2015، بالإضافة إلى إنشاء المجلس القومى لمواجهة الإرهاب والتطرف. أيضًا، تناول التقرير إنجازات مصر فى العديد من مجالات دعم وتعزيز حقوق الإنسان، حيث جاء التقرير فى ثلاثة عشر محورًا تناولت جهود الدولة فى تنفيذ التزاماتها الدولية فى مجال حقوق الإنسان متمثلة فى الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحماية حقوق المرأة وتمكينها، وحقوق الطفل، وذوى الإعاقة، والشباب، واللاجئين والمغتربين، ومكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين، والاتجار فى البشر، ومكافحة الفساد، واحترام حقوق الإنسان فى سياق مكافحة الإرهاب، والتعاون مع الآليات الدولية. وفيما يلى بيان ببعض الجهود، التى قامت بها مصر خلال الفترة من عام ٢٠١٥ حتى نهاية عام 2024.
أ- «حياة كريمة» تعكس تطبيق حقوق الإنسان فى مصر:
تهدف المبادرة إلى جعل المواطن المصرى يشعر بتحسن فى مستوى المعيشة، وهو ما يجب نشره والتعريف به على نطاق واسع. وقد توجهت مصر فى الفترة الماضية لفتح قنوات مع أبنائها فى الخارج ويصل عددهم إلى عشرة ملايين مصرى، يمكن بناء جسور معهم ليصبحوا منصات تواصل وحائطًا ضد أى محاولات لتشويه مصر أو لاختراق الأمن القومى. وقد تعرضت مصر لمحاولات كثيرة للنَّيل من النسيج الوطنى من خلال الإرهاب وغيره من الصور، لكن ما يحدث اليوم على الأرض من إنجازات يأتى انطلاقًا من الإيمان الراسخ بقوة الهوية، وليس من العرقية والعنصرية اللتين نراهما فى بلاد حولنا تهتز بسبب الانتماءات العرقية والعصبية فمصر تتميز بقوة الهوية المصرية والنسيج الوطنى. ومنذ عام 2016 حتى الآن، لم تستطع القوى الخارجية -التى لها أجندات أو معادية لنا- النيل من النسيج الوطنى، وتصدت مصر للإرهاب وراح شهداء من كل الفئات العمرية من الصعيد والدلتا والقاهرة، المسلم والمسيحى، والغنى والفقير، وكلهم من أبناء الشرطة والقوات المسلحة، لذلك، فشلت كل المحاولات للنيل من مصر.
تستهدف المرحلة الأولى من «مبادرة حياة كريمة»، التى أطلقها الرئيس إعداد البنية الأساسية والارتقاء بالخدمات وبمستوى معيشة المواطن فى كل المجالات وتطوير المجتمع، وهى المبادرة التى تحولت لاحقًا إلى مشروع قومى، بحيث تكون نواة لعدة مبادرات وستتبعها خلال الفترة المقبلة مبادرات لتأهيل المواطن. وهناك حق أصيل من حقوق الإنسان وهو أن يكون للمواطن حد أدنى من الخدمات، مثل الرعاية الصحية، ومياه الشرب، وطرق صالحة، وتعليم جيد وهى الحقوق الأصيلة للإنسان. وإذا لم توفر الحد الأدنى لحقوق الإنسان، فستظهر حالة من عدم الرضا، فالحق فى الحياة من أهم حقوق الإنسان. لذا، تعد محاربة الإرهاب إعلاءً لأعلى حقوق الإنسان، وهو الحق فى الحياة، وخلق مجتمع صالح يتطلب بنية أساسية وخدمات صالحة.
ب- مشروع قانون حقوق المسنين – 21 نوفمبر 2021:
حرصت الحكومة على إعداد تنظيم تشريعى متكامل يعكس تبنيها لسياسات تعبر بوضوح وبشكل قاطع عن وضع حقوق المسنين، الواردة فى مادة 83 من الدستور موضع التنفيذ، وذلك من خلال سياسات وآليات لتوفير حياة كريمة للمسن تماشيًا مع إطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وحقوق كبار السن.
يعد ذلك استكمالًا للمسار التنموى القومى الذى يرسخ مبادئ تأسيس الجمهورية الجديدة، وتحقيق أهداف رؤية مصر2030. تلزم الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان الدولة بـأن تراعـى فـى تخطيطهـا للمرافـق العامـة احتياجـات المسـنين، وأن تشجع منظمـات المجتمـع المدنـى علـى المشـاركة فى رعايـة المسـنين.
تضمن القانون حق المسن فى الحصول على مساعدة ضمانية شهرية، حال عدم حصوله على معاش تأمينى، واستهدف مشروع القانون ضمــان حقــوق المســنين صحيًا واقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا وترفيهيًا، وتوفيـر معـاش مناسـب يكفـل لهـم حيـاة كريمـة، إلى جانب تمكينهـم مـن المشـاركة فـى الحيـاة العامـة، كما تضمن مشروع القانون أيضًا نشــر آليــات الثقافــة الإلكترونية فــى مراكــز المســنين لتمكينهــم ثقافيا لتهيئــة الثقافــة الذاتيــة بأيســر الوســائل، وكذلك إتاحـة الهيئـة العامـة لتعليـم الكبـار الفرصـة للمسـنين لمواصلـة التعليـم فـى المراحـل الإعدادية والثانويـة، وصولا للتعليم الجامعى.
أهداف المشروع:
- مراعاة الدولة فـى تخطيطهـا للمرافـق العامـة احتياجـات المسـنين، وأن تشـجع منظمـات المجتمـع المدنـى علـى المشـاركة فـى رعايـة المسـنين.
- منح الدولة معاشًا ضمانيًا لكبار السـن بدءًا مـن الخامسـة والستين أو لمـن يعانون عجزًا أو مرضًا مزمنًا، وليس لهم دخل ولا يتقاضون معاشـًا تأمينيًا.
- إنشـاء دور الرعايـة الخاصـة بكبـار السـن، وافتتـاح أنديـة رعايـة نهاريـة لهـم، وإطلاق وثيقـة مكتوبـة خاصـة بحقـوق المسنين، بالتعـاون مـع منظمات المجتمـع المدنـى.
- التوسع فى برامج الحماية الاجتماعية الممنوحة للمسنين، وزيادة المخصصات المالية المتاحة لمؤسسات الرعاية الاجتماعية الحكومية، وتعزيــز التفتيش عليها، وتعزيز حصول كبار السن على الرعاية الصحية المناسبة.
- تمكيـن كبـار السـن مـن المشـاركة فـى الحيـاة العامـة، وتعزيـز مشـاركتهم فـى صياغـة السياسـات الخاصة بهم، وتنظيم حوار مجتمعى سـنوى يسـتهدف تحديد الفجوات، ومجالات الاهتمام، وسـبل التفاعـل الملائمة مـع قضايـاهم، وتعزيـز فـرص حصولهـم علـى التعليم، وتعزيـز مشـاركتهم فـى الحيـاة الثقافيـة، وتعزيز المساعدة القضائية لهم، وتسهيل ولوجهم لسبل التقاضى، وتشجيع التوسع فى إنشاء دور رعاية للمسنين.
- يتيح مشروع القانون حقوقا متكاملة للمسنين كالرعاية الصحية، وتسهيل صرف المعاشات، وتوفير رفيق للمسن فى منزله.
- الإعفاء الجزئى من تذاكر وسائل المواصلات وغيرها، والحق فى الرعاية النفسية، وإعادة التأهيل للمسن.
- إنشاء صندوق بوزارة التضامن الاجتماعى يسمى «صندوق رعاية المسنين»، تكون له الشخصية الاعتبارية العامة، ويتبع الوزارة المختصة، ويكون تحت إشراف رئيس مجلس الوزراء، ويجوز لمجلس إدارة الصندوق إنشاء فروع أخرى له فى المحافظات.
ج- الخطة الوطنية للطفولة والأمومة – 21 نوفمبر 2021:
يحقق كل من الإطار الاستراتيجى للطفولة والأمومة، والخطة الوطنية للطفولة والأمومة ( 2018-2030)، رؤية متكاملة للنهوض بأحوال الطفولة والأمومة وتحقيق المصلحة الفضلى للطفل فى إطار رؤية مصر 2020-2030، وفقًا لما ينص عليه الدستور وقانون الطفل والاتفاقيات الدولية والإقليمية التى صدقت عليها مصر.
أصدرت الأمانة الفنية للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان تقريرًا عن الجهود الوطنية لتعزيز حقوق الطفل، فى مختلف المجالات، بمناسبة اليوم العالمى للطفل، الذى يوافق 20 نوفمبر من كل عام.
يأتى التقرير فى إطار احتفال مصر بالأيام الدولية لحقوق الإنسان، وتأكيدًا لالتزام الدولة المصرية بضمان وتعزيز حقوق جميع المواطنين فى إطار وفائها بالاستحقاقات المنصوص عليها دستوريًا، وبتعهداتها الدولية فى هذا المجال.
شهدت مصر العديد من التطورات التشريعية العام الماضى لتعزيز حقوق الطفل، من بينها: صدور قانون جائزة الدولة للمبدع الصغير، وإدخال تعديلات تشريعية على قانون العقوبات لمواجهة التنمر، وتشديد العقوبات لمواجهة جرائم تشويه الأعضاء التناسلية للإناث (الختان)، فضلًا عن إنشاء مكتب حماية الطفل فى إدارة التفتيش القضائى بمكتب النائب العام.
أيضًا، أطلقت وزارة التضامن الاجتماعى «الاستراتيجية الوطنية للرعاية البديلة للأطفال والشباب» (2021-2030)، التى تهدف إلى توفير أفضل رعاية بديلة للأطفال والشباب، والارتقاء بجودة الحياة لهم، إلى جانب ما نصت عليه «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان» من مستهدفات لدعم حقوق الطفل.
كذلك، تبنت الحكومة المصرية بعض السياسات والبرامج من أجل دعم وتعزيز حقوق الأطفال، فى مجالات الرعاية الصحية والتعليم، وكذلك جهود المجلس القومى للطفولة والأمومة على جميع الأصعدة، فضلًا عن أدوار الجهات الوطنية الأخرى فى مجالات مكافحة ظاهرتى زواج وعمالة الأطفال.
فى سياق متصل بهذه المناسبة، دعا الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامى الدول الأعضاء وأجهزة المنظمة ذات الصلة والمنظمات الدولية وغير الحكومية إلى تكثيف جهودها فى مواجهة التحديات التى تواجه الأطفال، خاصة الأطفال اللاجئين والنازحين، وأولئك الذين يعيشون تحت الاحتلال والنزاعات المسلحة، فى ظل الإجراءات التى تتخذها الدول لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، حيث أشار الأمين العام إلى أن ضمان حقوق الأطفال هو ضمان لمستقبل المجتمعات.
جاء ذلك خلال احتفال المجتمع الدولى باليوم العالمى للطفل، فى العشرين من نوفمبر من كل عام منذ عام 1954، بهدف تعزيز التعاون الدولى، ورفع الوعى حول حقوق الأطفال، وتحسين رفاهيتهم فى جميع أنحاء العالم، ودعم الأولويات الأساسية من أجل حماية حقوق الأطفال.
د- حقوق ذوى الهمم:
فى إطار جهود الدولة لتعزيز المشاركة المجتمعية وتوفير أفضل الخدمات والرعاية لذوى الهمم، كلف الرئيس عبدالفتاح السيسى بتوفير مزيد من الدعم والرعاية لذوى الاحتياجات الخاصة، ، وزيادة الوعى بقضاياهم ومشكلاتهم وحلها، كما يستعرض الرئيس دائما جهود تعزيز منظومة رعاية ذوى الاحتياجات الخاصة، وخطوات إصدار بطاقة الخدمات المتكاملة لهم، وكذا أنشطة الوزارة لرعاية وتمكين ودمج فاقدى الرعاية.
يأتى فى مقدمة المبادرات التى تعد شاهدة على انحياز الدولة المصرية لذوى القدرات الخاصة ، ورفع التهميش الذى عانته تلك الفئة لفترات طويلة ، المبادرة الإنسانية التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى بإعلانه أن عام 2018 هو عام ذوى الإعاقة، وما أعقبها من مبادرات حكومية وشعبية لدعم تلك الفئة ودمجهم بصورة كاملة فى المجتمع.
فقد طرحت الحكومة «بطاقة الخدمات المتكاملة»، وهى بطاقات يستفيد منها 13 مليون شخص من ذوى الإعاقة، للحصول على حقوقهم فى القانون، من تأمين صحى، ومعاش، وتوفير فرص عمل، حيث تم إصدار الدفعة الأولى التى يصل عددها إلى 500 ألف بطاقة للأشخاص الذين خضعوا للكشف الطبى الوظيفى المميكن الذى يثبت الإعاقة ويحدد نوعها ودرجتها.
مطلع عام 2019، صدر القانون رقم 11 لسنة 2019، بشأن المجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة، الذى منح المجلس الاستقلال الفنى والمالى والإدارى، والحق فى إبلاغ السلطات العامة عن أى انتهاك يقع ويتعلق بمجال عمله.
منذ أن انتهجت الدولة، تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، التحاور مع الشباب من خلال تنظيم مؤتمرات الشباب على مستوى المحافظات المختلفة، لم يخل مؤتمر واحد من تمثيل مشرف لذوى الاحتياجات الخاصة والإعاقة من المشاركة فى حضور مؤتمرات الشباب وتقديم آرائهم وأطروحاتهم المختلفة إزاء كل القضايا المطروحة للنقاش ، فضلًا عن تقديم الدعم الكامل لهم.
يعد المجلس القومى المشار إليه من أكبر مراكز تأهيل اأشخاص ذوى الاحتياجات الخاصة، عربيًا وإفريقيًا، فضلًا عن جهود وزارة التربية والتعليم فى العمل على دمج ذوى القدرات الخاصة فى المدارس. ويأتى القرار بتولى الإذاعى القدير، رضا عبدالسلام، منصب رئاسة إذاعة القرآن الكريم، ليصبح أول رئيس لإذاعة القرآن الكريم من ذوى الهمم، بعد إسهاماته العظيمة فى إذاعة القرآن الكريم على مدار 30 عاما، بارقة أمل جديدة وانتصارا كبيرا لهم.
تم إعلان تأسيس صندوق استثمارى خيرى برأس مال مليار جنيه، يحمل اسم «صندوق عطاء لدعم ذوى الإعاقة»، وأعلنت الحكومة منذ شهر نوفمبر عام 2019 فتح باب المساهمة المجتمعية فيه بهدف تقديم الدعم المادى لذوى الاحتياجات الخاصة لشراء الأجهزة التعويضية والمستلزمات الخاصة بهم.
منح الرئيس عبدالفتاح السيسى وسام الرياضة من الطبقة الثانية لعدد من لاعبى التايكوندو ولاعبى رفع الأثقال، كما منح الرئيس وسام الرياضة من الطبقة الثالثة للاعبى رفع الأثقال.
مولت الحكومة 150 مشروعًا لتطوير تكنولوجيا المحمول والحاسب الآلى والبرامج المساعدة لذوى الإعاقة، وتوفير الإتاحة المعلوماتية على المواقع الإلكترونية الرسمية من خلال إتاحة إمكانات قراءة هذه المواقع بالبرنامج الناطق لذوى الإعاقة البصرية.
أيضًا، أنشأت وزارة التربية والتعليم فصولا جديدة لاستيعاب جميع الأشخاص من ذوى الهمم فى المراحل التعليمية المختلفة، وتم إنشاء 30 فصلًا جديدًا بمدارس ذوى الإعاقة، إلى جانب إتاحة قاعات رياض أطفال وتجهيز غرف مصادر التعليم، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبى واليونيسيف، مع تدريب المعلمين. وفى مرحلة التعليم الجامعى، صدر قرار المجلس الأعلى للجامعات بقبول الطلاب ذوى الإعاقة السمعية فى الجامعات المصرية بما يتسق مع الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة.
كذلك، وفرت وزارة التضامن الاجتماعى مكاتب التأهيل الاجتماعى لذوى الإعاقة، وهى مكاتب موزعة على كل أنحاء الجمهورية تستقبل طالبى التأهيل من جميع الأعمار ومن مختلف الفئات وإجراء الدراسات والفحوص، الاجتماعية والنفسية والطبية والمهنية والتعليمية، لهم بواسطة فريق التأهيل الذى يضمه المكتب.
من أهم الخدمات التى تقدمها مكاتب التأهيل توفير الأجهزة التعويضية سواء أطراف صناعية أو كراسى متحركة أو عكاز، وتدريبهم على مهن مناسبة، وذلك بإلحاق الأشخاص ذوى الإعاقة بمراكز التأهيل الشاملة أو مراكز تدريب قريبة من أماكن إقامتهم.
هـ- إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان:
أطلق الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، فى سبتمبر 2021، الاستراتيجية الوطنية الأولى لحقوق الإنسان، التى تهدف لتعزيز الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية داخل البلاد.
تعد استراتيجية حقوق الإنسان أول استراتيجية ذاتية متكاملة وطويلة الأمد فى مجال حقوق الإنسان فى مصر، إذ تتضمن تطوير سياسات وتوجهات الدولة فى التعامل مع عدد من الملفات ذات الصلة بحقوق الإنسان، والبناء على التقدم الفعلى المحرز خلال السنوات الماضية فى مجال تعظيم الحقوق والحريات والتغلب على التحديات فى هذا الإطار. وقال الرئيس السيسى: إن إطلاق الاستراتيجية يعد نقطة مضيئة فى تاريخ مصر، معتبرا إياها خطوة جادة على سبيل النهوض بحقوق الإنسان فى مصر. وأوضح أن الرؤية المصرية لحقوق الإنسان تستند إلى عدد من المبادئ الأساسية، أبرزها أن جميع الحقوق والحريات مترابطة ومتكاملة، وأن ثمة ارتباطا وثيقا بين الديمقراطية وحقوق الإنسان، مع أهمية تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، وبين حق الفرد والمجتمع، وضرورة مكافحة الفساد لضمان التمتع بالحقوق والحريات.
تمثل الاستراتيجية الوطنية خطوة كبيرة للأمام، إذ تشتمل على برنامج وخطة عمل محدد على مدار خمس سنوات بدءًا من عام 2021 حتى 2026. تتضمن الاستراتيجية المصرية أربعة محاور رئيسية، هى الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق المرأة والطفل، وذوى الإعاقة، والشباب، وكبار السن، والتثقيف وبناء القدرات فى حقوق الإنسان.
فى كل محور من هذه المحاور، هناك برنامج عمل، جزء منه يتضمن بعض الإجراءات التنفيذية، والآخر اقتراح تعديلات تشريعية جديدة من أجل أن تتوافق مع هذه الاستراتيجية، وسيكون دور البرلمان الإسهام من الجانب التشريعى لكى تتوافق التشريعات الجديدة مع الاستراتيجية الوطنية، ودور آخر يتمثل فى الرقابة على أداء الحكومة فى تفعيل هذه الاستراتيجية من أجل أن يأتى التطبيق على الأرض بما يليق بالإنجاز الكبير الذى حدث.
و- 2022 عام المجتمع المدنى:
فى خضم إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، أعلن الرئيس السيسى عام 2022 «عاما للمجتمع المدنى»، داعيًا إلى مواصلة العمل، جنبًا إلى جنب مع مؤسسات الدولة المصرية، لتحقيق التنمية المستدامة فى كافة المجالات، ونشر الوعى بثقافة حقوق الإنسان، إسهامًا فى تحقيق آمال وطموحات الشعب المصرى.
جاء إطلاق الاستراتيجية فى ظل وجود كوكبة من المجتمع المدنى، والأحزاب، والبرلمان، والحكومة، ليدل على فكرة المشاركة والحوارات المجتمعية التى تمت طوال السنوات السابقة، حيث راعت هذه الاستراتيجية فى إعدادها أن تحصل على مختلف الآراء، سواء كان مجتمعا مدنيا، أو أصحاب المصلحة، ما يدل على أن الحوار بين الدولة والمجتمع المدنى لتحسين أوضاع حقوق الإنسان يمكن أن ينتج آثارًا كبيرة يأتى على رأسها تلك الاستراتيجية، بما يؤكد أن هناك ضرورة لتعزيز الحوار بين الدولة والمجتمع المدنى لكى يصبح جزءًا من الحل لأى مشكلة، ويسهم فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
 ز- مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد:
جاء مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد كنتيجة تسلسل التعديلات الدستورية التى أُدخلت على دستور ٢٠١٤. تطلبت هذه التعديلات إعادة النظر فى العديد من القوانين، لا سيما قانون الإجراءات الجنائية بحسبانه أداة تنفيذ قانون العقوبات، وبما يكفل التوافق مع النصوص الدستورية، وبما يتصل اتصالًا وثيقًا بحماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين. تهدف التعديلات الدستورية إلى تعزيز حقوق الإنسان وضمان الحريات العامة، حيث تم تعديل القانون ليكون أكثر توافقًا مع هذه المبادئ. وأهمها: تضمين النص الإجرائى ضمانات واضحة لكفالة المحاكمة العادلة، بما يكفل حق الدفاع، والحق فى الاستعانة بمحامٍ، وحق المتهم ودفاعه فى الوثوق على ما ينسب إليه من اتهام وتنفيذ جميع الإجراءات الخاصة بمحاكمته بدءًا من مرحلة التحقيق وانتهاءً للحكم الذى تصدره المحكمة الجنائية المختصة. كذلك، تضمن مشروع القانون الجديد نصوصًا تحقق التوافق والتوازن بين الحق فى التعبير وإبداء الرأى بما لا يصطدم بالنصوص الجنائية فى قانون العقوبات. إن مشروع القانون تضمن الاتجاه للحد من مدد الحبس الاحتياطى، فى الوقت نفسه الذى اعتنق فيه الالتجاء للتدابير البديلة للحبس الاحتياطى من منطلق التخفيف من وطأة إجراء الحبس الاحتياطى حتى لا يستطيل للحد الذى يجعل منه عقوبة فى حد ذاتها، لا إجراءً تستلزمه التحقيقات وإجراءات المحاكمة الجنائية، فضلًا عن تنظيم حالات التعويض الجابر للمتهم حال التقرير بحبسه احتياطيًا، إن أسفر ذلك عن استحقاقه للتعويض الملائم عن تلك الفترة التى قُيدت فيها حريته إبان خضوعه للحبس الاحتياطى، تحقيقًا للغاية من كونه تدبيرًا احترازيًا وليس عقوبة.
فى السياق نفسه، تم تنظيم إجراءات التحقيق والمحاكمة من خلال الوسائل الإلكترونية، ما من شأنه إحداث نقلة نوعية فى هذا الإطار، وبما يضمن مواكبة التطور التقنى. كذلك، أُعيد تنظيم حق الطعن فى الأحكام الغيابية عن طريق المعارضة، بالشكل الذى يُحقق التوازن بين كفالة الحق فى التقاضى وضمانات حق الدفاع، وبين كفالة تحقيق العدالة الناجزة وسرعة الفصل فى القضايا. وقد تضمن مشروع القانون عدة مواد، لعل أهمها ما جاء فى المواد من ٥١٧ إلى ٥٢٢ المتعلقة بحماية المجنى عليهم والشهود والمتهمين والمبلِّغين، وأيضًا التعويض عن الحبس فى المادتين ٥٢٣ و524. كذا، تضمن القانون إجراءات التحقيق عن بعد فى المواد من ٥٢٥ إلى ٥٣٢، وكذلك حساب المدد ، والمساعدة القضائية والإجراءات التى تتَّبع فى حالة فقد الأوراق أو الأحكام فى مواده من ٥٣٣ إلى ٥٤٠. فى الإطار نفسه، استهدف مشروع القانون ما من شأنه حماية الأمن القومى للبلاد، من خلال تحديد وتعيين الجرائم المتعلقة والمتصلة اتصالًا وثيقًا باعتبارات الأمن القومى، مع توفير ضمانات تكفل عدم الافتئات على الحقوق والحريات اللصيقة بحق المواطن. كما راعى مشروع القانون التوازن بين الحقوق والأمن، من خلال وضع آليات لمساءلة الجهات المسئولة عن تنفيذ القانون.
الجدير بالذكر أن مشروع القانون الذى أعده خبراء قانونيون وحقوقيون، من لجان الشئون الدستورية والتشريعية والدفاع والأمن القومى وحقوق الإنسان بمجلس النواب، وممثلون عن مجلس الشيوخ، وبعض الخبراء والقضاة والمستشارين وأعضاء هيئة التدريس والمحامون، وممثلون عن الجهات والوزارات المعنية، والمجلس القومى لحقوق الإنسان والمجتمع المدنى، قد تم بهدف ضمان أن يعكس القانون المُعد احتياجات المجتمع وتطلعاته. نجد أيضًا أن مشروع القانون جاء متسقًا مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ما يعزز من موقف مصر على الساحة الدولية، ويعكس التزامها بحقوق الإنسان، وأيضًا بما يحقق عددًا من النتائج المستهدفة فى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، خاصة فى المحور الأول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
هنا، لا بد أن نشير ونضع فى الحسبان أن كل ذلك يحدث فى أرض الواقع، على الرغم من أن مصر خاضت حروبا على الإرهاب بدأت بشكل مكثف منذ عام 2013، بعد الإطاحة بفاشية تنظيم الإخوان الإرهابى فى ثورة شعبية، حيث اتخذت إجراءات صارمة لمواجهة التنظيمات الإرهابية، خاصة فى سيناء، والتى توجت بالعملية سيناء 2018، الأمر الذى كلف الدولة استشهاد العديد من المدنيين وضباط وأفراد الجيش والشرطة المدنية، وكذلك استهداف الممتلكات الخاصة والعامة ومحاولات التخريب لزرع الفتنة الطائفية فى مصر. فقد قامت كل من القوات المسلحة والشرطة بتنفيذ عمليات عسكرية ضد التنظيمات الإرهابية فى سيناء، ما أدى إلى القضاء على العديد من العناصر الإرهابية، فضلًا عن تعزيز التعاون الدولى، حيث اشتركت مصر مع دول أخرى فى مجال مكافحة الإرهاب، بما فى ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريب. من ناحية أخرى ، انتهجت مصر المنظور التنموى، لمعالجة الأسباب الجذرية للإرهاب من خلال تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فى المناطق المتأثرة.

دلالات التوجه المصرى لتفعيل الاهتمام بحقوق الإنسان:
من المهم تفهم أن وضع ميثاق لاستراتيجية حقوق الإنسان بمفهومها الشامل يؤكد أنه لا حرية شخصية وسياسية دون تنمية اجتماعية وتعليمية وحرية عقيدة وتثقيف الشعوب بمفهومى «حقوق الإنسان والأمن القومى» مجتمعين، فما يحدث فى مصر من تنمية مجتمعية وإصلاح اقتصادى وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بمفهوم مصرى وطنى هو ترجمة لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة. وهذا يدلل على ما يأتى:
أولًا- ترى مصر ضرورة أن تنظر الدول الخارجية إلى ملف حقوق الإنسان فى مصر وفقًا لما تشهده من تهديدات عملت على زعزعة الاستقرار وبث الفتنة فى المجتمع المصرى، فالدولة المصرية بعد أحداث 25 يناير 2011 حتى قيام ثورة 30 يونيو 2013، مرت بالعديد من التحديات، منها تحديات اقتصادية، وتحديات إرهابية، وانتكاسات لبعض مؤسسات الدولة، ما استدعى اتخاذ قرارات فى اتجاهات وأولويات محددة فرضتها الظروف الراهنة آنذاك. وعلى الرغم مما مرت به مصر من أحداث وتغييرات متلاحقة فى تلك الفترة، فإنه بمجرد عودة الاستقرار فى عام 2014، ومع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى قيادة البلاد، بدأت الدولة المصرية فى التعاطى مع جميع الملفات برؤى وطنية تراعى مختلف أبعاد حقوق الإنسان، وتستند إلى ركائز أساسية، بما فى ذلك «الارتباط الوثيق بين الديمقراطية وحقوق الإنسان» و«الموازنة بين الفرد والحقوق الاجتماعية».
ثانيًا- رفض مصر القاطع تسييس ملف حقوق الإنسان، ودائما ما ترد على الانتقادات الخارجية تجاه حقوق الإنسان بموضوعية، وفقًا لما هو كائن من تطورات على أرض الواقع، وليس للافتراضات التى يدّعونها وفقًا لمعلومات مغلوطة تستقيها منظمات دولية مسيَّسة من قطاعات فى الداخل والخارج، لها أجندات غير وطنية، وأيضًا رفض مصر محاولات منظمات حقوق الإنسان الأجنبية لجذبها والابتعاد عن هويتها، والتركيز فقط على جانب واحد من جوانب حقوق الإنسان، وهى الحقوق السياسية، كدليل على إتاحة حقوق الإنسان، متناسين بأن لكل دولة محددات وفقًا لتحدياتها، وثقافة واحتياجات وأولويات شعبها.
ثالثًا- حجم الإصلاحات التى دعت إليها وثيقة الاستراتيجية المكونة من 78 صفحة، والتى صدرت فى 11 سبتمبر عام 2021، ويمتد أفقها الزمنى حتى سبتمبر 2026، نجدها قد شملت إصلاحات قانونية لحماية الحقوق المدنية والسياسية، وتدريب موظفى الدولة بهدف غرس الشعور بالوعى والالتزام بحقوق الإنسان داخل مؤسسات الدولة.
رابعًا- احترام الدولة المصرية لحقوق الإنسان وتعزيز الكرامة الإنسانية، ليس للمصريين فحسب، وإنما أيضًا للاجئين والمهاجرين وتوفير أسباب الحياة الإنسانية لهم ودمجهم فى المجتمع المصرى وتمتعهم بجميع الخدمات التى يحصل عليها المواطن المصرى رغم ما ينطوى عليه ذلك من أعباء اقتصادية على كاهل الدولة المصرية، رغم أن مصر من البلدان المتلقية لأدنى مستويات التمويل بشأن اللاجئين.
خامسًا- حرية تشكيل الأحزاب والنقابات العمالية والجمعيات الأهلية، ومن ذلك إعلان عام 2022 عامًا للمجتمع المدنى، وذلك لحماية الحقوق المدنية وتعزيز المشاركة فى الحياة السياسية والعامة، ما يتيح الفرصة لإدارة حوار وطنى حول أوضاع الأحزاب والنقابات، وعدم اقتصار مفهوم المجتمع المدنى على الجمعيات الخيرية.
سادسًا- إن التطور الحادث فى ملف حقوق الإنسان جاء عاكسًا لسماع واستجابة الدولة وقيادتها السياسية لمجمل الرؤى والأطروحات التى صدرت من جميع منظمات حقوق الإنسان والمراكز البحثية، التى كان أبرزها التوصيات التى خرجت من مؤتمر «حقوق الإنسان.. بناء عالم ما بعد الجائحة»، وذلك فى إطار خطة شاملة لتطوير التشريعات والقوانين استجابة للتطورات والتحديات المستجدة، وتوسيع المجال السياسى عبر تشجيع الشباب على الانضمام للأحزاب، وممارسة العمل السياسى الحزبى لصقل قدراتهم السياسية بطريقة تمكِّنهم من تولى المناصب القيادية فى المستقبل.
سابعًا- حرص مصر على تعزيز حقوق الإنسان، حيث قال الرئيس عبدالفتاح السيسى: إن مصر تحرص على تعزيز حقوق الإنسان لمواطنيها، وتبذل لتحقيق هذه الغاية جهودا حثيثة فى إطار من احترام مبادئ المواطنة وسيادة القانون، وذلك خلال الكلمة التى ألقاها فخامته، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى 21 سبتمبر 2021 ، مضيفًا: أن الدولة المصرية تدرك تماما أن الإنسان المصرى يأتى فى القلب من منظومة التنمية الشاملة التى تحرص على تنفيذها إعلاءً لكرامته وضمانا لحقوقه وحرياته.
أيضًا، أوضح الرئيس السيسى أن منظومة حقوق الإنسان، فى الآونة الأخيرة، فى مصر عكست تطورًا جليًا اتصالًا بما يتضمنه الدستور المصرى وتعديلاته من مواد تضمن الحقوق والحريات العامة، وما إلى ذلك من انعكاسات على تحديث التشريعات ذات الصلة، مشيرًا إلى أن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التى أطلقتها مصر بناء على تشاور مجتمعى وبإسهام من المجتمع المدنى، هى خير دليل على المقترب الشامل والبنَّاء الذى تنتهجه مصر إزاء موضوعات وقضايا حقوق الإنسان.

مما سبق، تأتى مراجعة ملف مصر الحقوقى للمرة الرابعة أمام آلية الاستعراض الدورى الشامل، التابع لمجلس حقوق الإنسان فى جنيف فى يناير 2025، وذلك فى إطار المراجعة الدورية الشاملة التى بموجبها تراجع كل دول العالم ملفها فى حقوق الإنسان من دون استثناء. وتمتلك الدولة المصرية العديد من الإنجازات التى تحققت على الأرض بفضل الجهد الدءوب من القيادة السياسية، ومختلف السلطات والمؤسسات والهيئات والمنظمات المعنية.
وإذا كانت هذه هى المرة الرابعة التى يخضع فيها التقرير المصرى لعملية المراجعة الأممية، فإن ذلك يعبر عن النهج التفاعلى الذى تتبعه الدولة المصرية مع آليات حقوق الإنسان، الدولية والإقليمية، ووفاءً بالتزاماتها الواردة فى معاهدات حقوق الإنسان التى صدقت عليها، بما يسهم فى تعزيز الجهود الوطنية التى تهدف إلى تحسين المناخ العام للحقوق والحريات فى مصر.
يهُمنا هنا أن نؤكد هذا المنهج التفاعلى المؤسسى فى مصر، الذى تبنى استراتيجية مكنتها من تحقيق التوازن بين ضرورات الأمن القومى فى مواجهة الخطر الإرهابى من جانب، ومقتضيات حماية حقوق الإنسان وتحقيق الديمقراطية ذات الخصوصية من جانب آخر، والتى تعبر عن المجتمع المصرى والتجربة المصرية الوليدة بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وتُوجت بتدشين الجمهورية الجديدة وقت احتفالية إطلاق المشروع القومى لتطوير الحياة فى الريف المصرى المعروف بمشروع «حياة كريمة».
تقوم هذه التجربة على التوفيق بين حماية الأمن القومى فى مواجهة الإرهاب، والتمكين لحقوق الإنسان والديمقراطية من خلال تسريع معدلات التنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتمكين المرأة والشباب، وتحسين جودة الخدمات الرئيسية المقدمة للمواطن المصرى من سكن، وصحة، وتعليم، ونقل، ومواصلات، وطرق، ومشروعات تنموية قومية عملاقة تستوعب أعدادًا كبيرة من العاطلين عن العمل، وفرض سيادة القانون دون تمييز، وإعلاء المواطنة المصرية، وإصلاح وتجديد الخطاب الدينى، ومكافحة الفساد، كل ذلك دون إغفال أن الهدف الرئيسى لكل ما سبق هو مكافحة الإرهاب، وباعتبار أن تحقيق كل ما سبق يعد الضمانة الحقيقية لمجابهة التطرف ومكافحة الإرهاب، وذلك فى إطار مظلة أمنية قوية تسهم فى تحقيق الأمان والاستقرار، وحماية حدود الأمن القومى للدولة فى مختلف اتجاهاته الاستراتيجية الحيوية الرئيسية الأربعة، تنفذها باحترافية شديدة قواتها المسلحة الشريفة وشرطتها المدنية المنوط بها إنفاذ القانون، حمايةً للجبهة الداخلية، وضمانًا لاستقرار واستمرار عملية التنمية.
فحقوق الإنسان يجب ألا تعيش بمعزل عن حقوق الدولة، وألا تنتقص من سيادتها، وإنما يجب أن تتعايش مع حقوق الدولة فى حماية أمنها القومى، والحق فى تحقيق أعلى معدلات الأمن والاستقرار للمواطنين، وكذا عملية التنمية. كما لا ينبغى فهم ما تتخذه الدولة من سياسات لتأمين جبهتها الداخلية خارج سياقه، وأن يكون هناك إدراك بأن أهداف حماية حقوق الإنسان لا تتضارب ولا تتعارض مع أهداف التدابير الفعالة المتعلقة بمكافحة الإرهاب العائد بقوة ليضرب فى الإقليم فى ظل غطاء من الدعم يعيد تدوير آليات إسقاط الدول الوطنية نفسها، وذلك باستخدام مظلة الحقوق المدنية والسياسية، بما يعد مساسًا بسيادة الدول الوطنية.
إن تحقيق الأمن القومى يجب أن يفهم فى سياق تعزيز وحماية وتوفير السبل للحياة الكريمة للمواطنين. فاحتفال مصر بالذكرى السادسة والسبعين للإعلان العالمى لحقوق الإنسان، الذى صدر فى باريس، فى 10 ديسمبر 1948، وكانت مصر من أولى الدول الموقعة له، لا يتصور معه لأى مدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان فى الدول، الغربية والعربية، أن يجتزئه فى جوانبه السياسية والقانونية فحسب، ويهمل باقى مكونات التجربة المصرية التى تعد استثناءً فى محيطيها العربى والإقليمى.
كذلك، يجب عليه عدم التوقف أمام الديمقراطية التمثيلية الانتخابية فحسب، من دون إعداد شامل للمشهد. ومن دون أن يدرك أنه قبل البحث عن الناخبين وحريتهم فى اختيار ممثليهم، يجب أن توجه التمويلات فى الأطر الشرعية لإيجاد مجتمع ديمقراطى فعال، مجتمع لديه من الوعى والثقافة والرفاهية مرتكزات تشجعه على المشاركة بدرجاتها المختلفة منذ تنشئته الأولى، مجتمع يتمتع بدرجات عالية من الحقوق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية ذات الطبيعة الوطنية الخاصة، تلك التى تمكِّنه من أن يكون على درجة الرفاه والتقدم نفسها فى المجتمعات الغربية، مجتمع لا توجه التمويلات لداخله مرة أخرى عبر قنوات غير شرعية لإعادة إنتاج وعى زائف، سيقود حتمًا إلى مشاهد فوضوية تخريبية توجد أدلتها الواقعية، القديمة والمتجددة، فى الكثير من أراضى بلدان المنطقة الآن.
 على الجميع إدراك أن تعظيم قدرة الدولة على حماية أمنها الداخلى والخارجى، مع تحقيق أعلى معدلات للتنمية الإنسانية الشاملة، وتطويع كل مقدرات الدولة لتطوير قواها الشاملة، بحيث يتم تأمين قدراتها على التقدم والازدهار، هو طريقها الوحيد لمواجهة الأزمات والتحديات والتهديدات والعدائيات المختلفة، بما يمكِّنها فى النهاية من تحقيق أهدافها القومية، الأمر الذى يقود فى النهاية للتكامل بين الأمن القومى ومقتضياته من جهة، والديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة أخرى.
إنَّ الأمر ليس كما النموذج الذى تحاول من خلاله بعض القوى الغربية الإخلال بالأمن القومى واختراق سيادة الدول الوطنية، عبر الاستخدام المُضلل للقيم النبيلة لحقوق الإنسان، وتوظيفها كرأس الحربة لاختراق الوعى الجمعى وتزييفه بين شعوب هذه الدول، وإنما على الجميع إدراك أن لكل دولة خصوصيتها وتجربتها التى يجب على الجميع احترامها بين الأمم.
أما عن مصر، فيجب على الجميع تفهُّم أنها حريصة على أن تؤكد أنها دولة مدنية حديثة، ولتجربتها خصوصية مستمدة من مكوناتها الثقافية والهوياتية والحضارية، التى تفرض عليها منظومة قيمية مختلفة فى رؤية حقوق الإنسان، ترتكز على الإطار الشامل والجامع لها، خاصة مع تأسيس الجمهورية الجديدة منذ ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ الشعبية العظيمة -التى خلصَّت المصريين من شر سيطرة تنظيم الإخوان الإرهابى على الحكم- ومرت بعدها البلاد بمرحلة انتقالية، إلى أن وضعت دستورها عام ٢٠١٤، وأجرت وفقًا لمواده ولوائحه، استحقاقات انتخابية متعددة وفقًا للتعديلات التى تمت فيه، ما بين انتخابات رئاسية ٢٠١٤ و٢٠١٨ و2024، وبين استحقاقين برلمانيين، الأول كان لغرفة تشريعية واحدة (مجلس النواب ٢٠١٥)، والآخر لغرفتين (مجلسا الشيوخ والنواب ٢٠٢٠)، وذلك بعد إقرار نظام الغرفتين، وفقًا للتعديلات الدستورية عام ٢٠١٩.
فبالإضافة إلى الحريات السياسية والقانونية والديمقراطية وحقوق الإنسان، على الغرب أن يدرك أن توفير التعليم الجيد، والمسكن الجيد، والعلاج الجيد، والوعى الجيد، والطرق الجيدة، ومدن المستقبل الذكية الجيدة، كل ذلك يعد أيضًا من حقوق الإنسان٠
ولا ينبغى فى هذا الخصوص أن نغفل عن أن المنطقة التى نعيش فيها منطقة مضطربة للغاية، ولا يمكن للمعايير الغربية أن يتم القياس بها على حالتنا، وأن أى تناول لحالة حقوق الإنسان فى مصر، يجب أن ينطلق من منطلقات صحيحة فى البداية، يتم من خلالها رصد الإيجابيات والجهود التى تبذلها الدولة المصرية لتعزيز حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، واستعراض جهود التنمية والمشروعات العملاقة التى أنجزتها، خلال السنوات القليلة الماضية، دعمًا لقدراتها على توفير حياة كريمة للمواطنين، إضافة إلى جهدها فى مكافحة الهجرة غير الشرعية وما يرتبط بها من جرائم الاتجار بالبشر والمخدرات، فضلًا عن جهود الدولة المصرية فى مكافحة التطرف والإرهاب، واستضافتها عددًا كبيرًا من اللاجئين يطلق عليهم الرئيس «ضيوف مصر» وتتحمل فى سبيل ذلك عبئًا لا تتحمله نظيراتها فى الإقليم أو خارجه.

ختامًا، بالعودة إلى ديسمبر 2020، نجد أن إجابة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى عن أحد الأسئلة الموجهة إليه، فى المؤتمر الصحفى المشترك مع الرئيس الفرنسى ماكرون، أثارت تساؤلًا يطرحه العديد من المفكرين والمنظِّرين فى نظم الحكم على مستوى العالم، يتعلق بإشكالية العلاقة والحدود الفاصلة بين الديمقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان من جهة، والحقوق السيادية للدول من جهة أخرى، وهى الإشكالية الأجدر بالبحث والتأصيل من قِبل خبراء وأساتذة نظم الحكم والعلاقات الدولية فى الدول العربية والإفريقية والآسيوية، التى لا تتوافق بالضرورة مع المعايير الكاملة للديمقراطية الليبرالية الغربية، بغية التوصل لتأطير مختلف يعالج طبيعة نظم الحكم بها، وتراعى أولوياتها الوطنية ذات الخصوصية الثقافية، والمجتمعية، والاقتصادية، والسياسية المعبرة عن معتقدات مجتمعاتها وهوياتها الحضارية، بما يقودها فى النهاية لتحقيق مصلحتها القومية، المتمثلة فى بلوغ أعلى معدلات التنمية الإنسانية المستدامة العادلة، وحفظ وصون أمنها القومى، بعيدًا عن التأثر بهوى البعض من نخبتها بالنموذج الغربى.
فمصر دولة كبيرة ومستقرة، وعدد سكانها ضخم، وتستطيع أن تقود الاستقرار والتعاون مع باقى دول المنطقة والإقليم وتُعلى من قيمهمًا، وأن تكون النواة لنشر القيم الحقيقية للتعايش السلمى التعاونى الذى يحترم حقوق الإنسان بمفهومه الشامل، ولا ينتقص من سيادتها أو يهدد أمنها القومى. وحال تقييم وضعية حقوق الإنسان بها، يجب أن يتم ذلك بالنظر للظروف التى تمر بها كل دول المنطقة من تفشى الإرهاب، الذى يمكن أن يقوض كل مقومات التنمية، إضافة لما فرضته جائحة كورونا، والأزمة الروسية-الأوكرانية، ثم القضية الفلسطينية، وتمدد الصراع إقليميًا إلى لبنان وسوريا، من تداعيات باتت تمثل تحديًا رئيسيًا أمام الأمن الغذائى، وارتفاع معدلات التضخم، وتوقف سلاسل الإمداد والتوريد، فضلًا عن اضطرابات الأسواق المالية، ما يمثل فى النهاية تهديدًا بأزمة اقتصادية عالمية، ستزداد خلالها معاناة دول الجنوب بما يهدد أمنها واستقرارها أكثر فأكثر.
يقينًا، نحن دولة دستورية تحترم شعبها، وحريته، وحقوقه، فى ظل أوضاع قلقة ومضطربة تكاد تعصف بأمن الإقليم، بل والعالم بأكمله. يجب على الغرب أن يضطلع بدوره فى الوقوف بجوار الدول النامية لجدولة ديونها، بما يراعى الأزمة الاقتصادية العالمية بصورة عادلة، ووفقًا لأطروحات يمكن أن تقلل من فجوة الديون كأطروحة مبادلة الديون، لا أن يعمق من آثارها عبر الضغط من خلال تبنى تقارير مسيَّسة قد لا تخدم إلا أغراض القائمين على إعدادها.


رابط دائم: