السبت 18-2-2012
عرض :أحمد زكريا الباسوسي- باحث علوم سياسية
تتقدم قضية التعامل مع الأقباط في مصر أجندة أولويات المرحلة التي تمر بها البلاد، لاسيما بعد سقوط مبارك ونظامه، والذي كان يتعامل بشكل غير منضبط مع حقوق الأقباط، ناهيك عن عدم التوازن المفرط، والاعتماد على الحلول الوقتية للمشكلات التي تطفو على السطح من حين لآخر، دون الاهتمام بإيجاد حلول جذرية، من شأنها أن تجنب البلاد العديد من المخاطر التي تعرضت لها في الفترات السابقة.
وفي هذا السياق، تأتي أهمية رسالة الدكتوراه " سياسات التضمين والتهميش .. دراسة الحالة المصرية (1991- 2008)"، والتي نوقشت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة في 2011 ، وتتعرض الرسالة بالشرح والتحليل المفصل إلى كيفية تعاطي الدولة والمجتمع لمطالب الأقباط في مصر؟.
العلاقة بين التهميش والاستبعاد:
في إطار محاولة التفرقة بين مفهومي التهميش والاستبعاد، أكدت الباحثة أن مفهوم التهميش هو مفهوم أوسع من الاستبعاد، حيث عرفت الباحثة التهميش بأنه "عملية استبعاد من المشاركة الفعالة في المجتمع"، إلا أنها في الوقت ذاته قد أشارت إلى التهميش كمفهوم يرتبط عند البعض بظاهرة الفقر، ويرتبط عن البعض الآخر بفكرة انعدام الفاعلية، وغياب الدور والمشاركة الفاعلة في المجتمع.
أما الاستبعاد كمفهوم، فهو ظاهرة خطيرة، نظرا لكونه يمس مختلف أطياف المجتمع، ويؤثر في مدي اندماجهم فيه، ولكنه أيضا "ثقافة" قد تمثل عاملا مساعدا لظهور التفاعلات ذات الطابع العنيف والممنهج. ولهذا، تبنت الدراسة تعريف الاستبعاد بأنه "تمييز ضد بعض الأفراد أو الجماعات في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، مما يؤثر في وضع هؤلاء الأفراد والجماعات داخل هيكل القوة المجتمعية".
وعلى صعيد مؤشرات قياس مدي إدراك المواطن القبطي لشعوره بالاستبعاد، أشارت الباحثة لوجود ثلاثة أبعاد رئيسية يمكن الاعتماد عليها، وهي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
فعلى الصعيد الاقتصادي، أشارت الدراسة إلى عدة مؤشرات، منها العمل والدخل. وفي الإطار الاجتماعي، ركزت الباحثة في تحليلها على معدل الهجرة للخارج، والحرمان من الوظائف الحكومية بسبب الديانة، ومعوقات الحصول على الحقوق.أما على الصعيد السياسي، فقد اعتمدت على أربعة مؤشرات، هي ممارسة حق الانتخاب، وعضوية الأحزاب، والترشح، وحرية الرأي والتعبير.
المطالب الرئيسية للأقباط
وقد أجملت الدراسة المطالب الملحة والرئيسية للأقباط في ثلاثة محاور رئيسية، هي: المحور الاقتصادي الذي ركز على مطلب تقلد الوظائف الحكومية العليا، والمحور الاجتماعي، الذي دار حول ضرورة توافر العدالة في الفرص الإعلامية، وإنهاء العمل بلائحة 1938، والبدء بالعمل، طبقا للائحة 1981 الموحدة والمتعلقة بالأحوال الشخصية لغير المسلمين، والسماح للعائدين للمسيحية بتغيير دياناتهم في البطاقات الشخصية، وحذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي، وإعادة الأوقاف القبطية، وتضمين التاريخ القبطي في مناهج التعليم.
أما المحور السياسي والمؤسسي، فقد تمحورت المطالب حول تفعيل مشاركة الأقباط في العمل العام، وإلغاء المادة الثانية من الدستور، والإسراع بإصدار القانون الموحد لدور العبادة.
نتائج الدراسة:
وفي هذا النسق، توصلت الباحثة إلى سبع نتائج رئيسية هي على النحو التالي:
أولا- إن الدولة والمجتمع شريكان في عملية تهميش مطالب الأقباط، وذلك لأن البنية المجتمعية في مصر تكرس وتغرس بذور التفرقة بين أصحاب العقائد والديانات المختلفة، من خلال أسلوب تربيتها والقيم التي تنشر في النشء.كما أن المجتمع ذاته هو الذي يملك رد الدولة عن هذا الأسلوب القائم على التفرقة، وذلك لأن مسألة فصل الدولة عن سياقها المجتمعي أمر غير صحيح.
ثانيا-إن فصل مشاكل الأقباط المصريين عن السياق المجتمعي الخاص بها هو العنصر الفاصل الذي من شأنه أن يفرز مفهوم "الأقلية"، الأمر الذي يسهم في رسم صورة للمجتمع بأنه منقسم إلى فئتين، بناء على الدين الذي ينتمي إليه كل فرد في المجتمع، وذلك يتنافي تماما مع الدور الذي من المفترض أن تقوم به الدولة الرشيدة، وهو دمج العناصر المجتمعية في بوتقة واحدة تتسم بالمساواة والحرية والعدالة.
ثالثا- إن الدولة والمجتمع هما عنصران مكملان لبعضهما بعضا. فإذا سيطرت الدولة على المجتمع، فإن ذلك يصيب المجتمع بالضعف والوهن ويقضي على الحريات فيه.
وإذا سيطر المجتمع على الدولة، أدي ذلك إلى ضياع هيبتها، وبالتالي عدم قدرتها على أداء مهامها التي نشأت من أجلها، وهي الحفاظ على المجتمع وحرياته، وتوفير قدر كبير من الانسجام بين العناصر المكونة له، بعض النظر عن الديانات أو الطوائف التي ينتمون لها.
رابعا- إن العلاقة بين المجتمع والدولة في مصر في المرحلة الراهنة قد أصبحت تتسم بقدر كبير من التآكل، بحيث أصبح الطرفان ضعيفين في مواجهة بعضهما بعضا. فالدولة ضعيفة، لأنها أصبحت غير قادرة على إحداث التكامل والانسجام بين عناصرها، والمجتمع ضعيف لأنه غير قادر على إجبار الدولة على القيام بدورها في إدماج المجتمع قدر الإمكان.
إلا أن الباحثة تري أن الأمل لا يزال قائما، على اعتبار أن العلاقة بين المجتمع والدولة تنطوي على عدة تفاعلات دينامكية وحركية.
خامسا- إن العلاقة بين الدين والدولة في مصر لا تسير دائما وفقا لمعايير مستقيمة، فهي علاقة غالبا ما تتأثر بعدة عوامل، منها ما هو اجتماعي، وما هو تاريخي، وهو له جذور طائفية.
سادسا- إن مفهوم "المواطنة" يتسم بحالة من الضعف والوهن، خاصة على الصعيد الاجتماعي، وذلك لأن الفرصة لم تتح للعمل بشكل جماعي لمواجهة الممارسات ذات الطابع الاستبعادي أو التهميشي، التي كان يمارسها النظام السابق خلال فترة الدراسة.
سابعا- إن استمرار الحديث عن "الدين"، باعتباره قضية محورية، من شأنه أن يفرز مزيدا من الجماعات ذات النزعة الدينية الطائفية في المجتمع.
وأخيرا، قدمت الباحثة عدة توصيات، لعل أبرزها: تمرير مشروع قانون ازدراء الأديان، وتمرير قانون حظر التمييز بين المواطنين، وتكوين لجنة بحيث تكون معنية بشئون الأديان، وأخيرا إعادة تعريف ظاهرة الاستبعاد بأسلوب ييسر من إيجاد سبل لمواجهته.
رابط دائم: