في إطار استكمال المخطط المُحكَم بعناية ممتد الأجل للنيل من الحضارة المصرية القديمة ومزاعم ربطها بالأفارقة أصحاب البشرة السوداء، أعلن متحف المتروبوليتان على صفحته الرسمية عن تنظيمه لمعرض يستكشف كيف تفاعل الفنانون السود مع مصر القديمة على مدار الـ 150 عامًا الماضية، حيث يقدم معرض "الهروب إلى مصر: الفنانون السود ومصر القديمة، 1876-الآن" ما يقرب من 200 عمل فني توضح الطرق العديدة التي كانت بها مصر القديمة مصدر إلهام وهوية للفنانين السود وغيرهم من الشخصيات الثقافية (وفقاً لتضليلهم).
كان هذا هو عنوان الإعلان عن المعرض المزعوم الذي افتتح في 17 نوفمبر الجاري ويمتد حتى 17 فبراير 2025، أي أربعة أشهر من التغذية العقلية والروحية المزيفة والمستمرة بمزاعم ما يروجون له من ربط للحضارة المصرية القديمة بأصحاب البشرة السوداء، متبعين في ذلك نظرية وقع وتأثير قطرات الماء على الصخرة.
وكما هو الحال بالنسبة لنظرية الاضطهاد المعتادة من أبناء العم وهي النظرية مضمونة النتائج لمن تسول له نفسه مجرد التجرؤ والتشكيك في محارق الهولوكوست وأفران غاز هتلر،السلوك المسمى "بمعاداة السامية"، وهو الأمر الذي وصل إلى مرحلة التقاضي ليس فقط على المستوى المحلي للدول بل وصل إلى مرحلة التقاضي الدولي، وهو الأمر الذي تحقق دولة الاحتلال من ورائه الكثير من المكاسب المالية على مدار الزمان.
ويتجدد الأمر استخداماً للنظرية نفسها للنيل من حضارتنا وتاريخنا العظيم، فأصبح كل من تسول له نفسه مجرد التشكيك في ادعاءات "حركات الأفروسنتريك" وداعميها من الكيانات الدولية، المفتراة كذباً على ربط كل إنجازات الحضارة المصرية القديمة بالأفارقة أصحاب البشرة السوداء تحديدًا، فإنه يوضع في إطار معاداة الإنسانية وممارسة العنصرية العرقية.
هذا هو الوضع المضلل المدلس حرفيًا، فإن حضارتنا تُسلَب من بين أيدينا ونحن مكتوفو الأيدي خوفًا من اتهامات باطلة، ومُجبَرون على الصمت حتى لا نُتَّهَم بجريمة العنصرية، وبرغم كامل علم صانعي المخطط أن الأمر أبعد ما يكون عن هذا، لأن الدولة المصرية الثابتة الحدود منذ الأزل عُرِفَت على مدار آلاف السنين بأن جينوم المصريين شمل العديد من العرقيات بمختلف الملامح وألوان البشرة والشعر والعيون، ومنهم بالطبع أهالينا في جنوب الصعيد والنوبة بملامحهم الداكنة المميزة والمائلة إلى الملامح المصرية الدقيقة، لا الغليظة كما هو الحال بالنسبة لملامح المواطنين الأفارقة.
هذا إلى جانب إثبات كل علماء الجينات الدوليين أن جينات المصريين في أجناس العالم كله، وبالتالي وإن جاز القول ومع اختلاف الموقف، فإننا سنستعير مقولة الرئيس السادات –رحمه الله- فلينتسبوا هم لمصر لا مصر لهم.
ومن الجدير بالذكر أن متحف المتروبوليتان هو متحف للفنون يقع بجانب سنترال بارك في نيويورك، تم تأسيسه عام 1870 ، ويعتبر من أشهر وأضخم متاحف العالم، يحتوي على آثار من جميع الحضارات البشرية.
ويعد متحف المتروبوليتان للفن أكبر متاحف الولايات المتحدة وهو الأكبر في مدينة نيويورك بل من أكبر المتاحف في العالم، وتبلغ مساحته أكثر من مليوني قدم مربع ويضم أكثر من 3ملايين قطعة من الفن الحديث والقديم من مختلف دول العالم، مقسم إلى عدة أجنحة كل جناح فيها يخص اتجاها معينا من الحضارة والفنون، ومن هذه الأجنحة(فنون الشرق الأدنى العريق - فنون إفريقيا وأقيانوسيا والأميركتين - فنون آسيا– الجناح الأمريكي – لوحات أوروبا – وجناح الفن المصري القديم الذي يضم أعمالا من المرحلة الأولى للمملكة الجديدة في مصر القديمة)، ولا يقتصر الجناح المصري على أعمال السيراميك والقطع الطينية بل يضم مجموعة من التماثيل والبورتريهات لملوك المملكة الجديدة في مصر القديمة.
ومن هذا المنطلق، وبعد محاولات متعددة ومتكررة من حركة الأفروسنتريك والداعمين لها، والولايات المتحدة على رأسها مستخدمة في ذلك مواطنيها المؤثرين من ذوي الأصول الإفريقية، كالمغنيين وصناع السينما والكرتون، وعلماء الآثار وتجارها، مستغلين في ذلك انفرادهم بفنون التسويق العالمي، وقدراتهم الكبيرة في صنع رأي عام مع أو ضد بحسب الرغبة، فهم بالطبع يمتلكون دفة الإعلام والدعاية الدولية، حان الوقت لأن يكون التحرك على مستوى مؤسسي، لا فردي ولا جماعي من قبل متخصصي الآثار فقط.
الأمر يتعلق بماضى الأمة وحاضرها ومستقبلها، هويتنا في خطر، والمتربصون لاهثون لاستغلال أية نقاط ضعف، سواء ظرفية زمنية أو مكانية، ولن نسامح أنفسنا ما حيينا إن حَلَّ الزيف مكان الحقيقة، وتبدلت الأحوال في ليلة وضحاها، فالراغبون في بسط سطوتهم على الأماكن المقدسة، هم أنفسهم الراغبون في فرض سيطرتهم على منابع الحضارات، لأنهم ببساطة لا أصحاب دين، ولا أصحاب تاريخ، ولا أصحاب حضارة، لكنهم وبكل جدارة واحترافية مبدعون في سرقة كل ما سبق.
رابط دائم: