تدفع التطورات المتلاحقة للصراع العنيف فى منطقة الشرق الأوسط، إلى محاولة العودة للوراء لفهم الجذور الحقيقية للمزاعم الدينية والسياسية التى يتم الارتكان إليها فى كثير من الأفعال ومحركات الأحداث الكبرى التى تتعلق بالكيان الإسرائيلى الذى تم زرعه فى المنطقة فى بدايات القرن الماضى.
اليهودية هى ديانة توحيدية، تضم التقاليد الروحية والثقافية والقانونية الجماعية للشعب اليهودي، وتستند فى تعاليمها إلى التوراة كنصها الأساسى والتى أنزلت على موسى عليه السلام حسب المعتقدات اليهودية، ويُعد موسى عليه السلام أعظم الأنبياء على الإطلاق فى اليهودية.
كما أن مفهوم الإله عندهم يشتمل على ثالوث مكون من «الرب والشعب والأرض»، ويؤمن اليهود بأن الله لم يرسل أنبياء بعد عام ٤٢٠ قبل الميلاد، وينتظر اليهود مجئ المسيح المخلص فى نهاية العالم الذى سيخلصهم من الشتات وسيعيد إنشاء مملكة إسرائيل وسيملك لأقاصى الأرض وسيقيم الوصايا، وسيبنى هيكل سليمان وسيسود السلام العالمى حتى يسكن الذئب مع الحمل، ويؤمنون بأن المسيح لم يأت حتى الآن.
وعندما بعث موسى برسالة التوحيد إلى بنى إسرائيل وفرعون مصر وقومه، وذلك فيما بين القرنين ١٣-١٤ قبل الميلاد تقريبا، آمن بها بنو إسرائيل إلا قليلا منهم، وهنا نشأت الديانة اليهودية.
وسميت اليهودية بذلك نسبة إلى اليهود، وقد تعددت أسباب تسمية اليهود بهذا الاسم ؛ فقيل فى ذلك أقوال منها:
١ـ إنهم سموا يهودًا نسبة إلى يهوذا بن يعقوب، الذى ينتمى إليه بنو إسرائيل الذين بعث فيهم موسى عليه السلام فقلبت العرب الذال دالًا.
٢- نسبة إلى الهَوَد: وهو التوبة والرجوع، وذلك نسبة إلى قول موسى عليه السلام لربه: إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف: ١٥٦] أي: تبنا ورجعنا إليك يا ربنا. وقال ابن منظور: الهود بمعني: التوبة، هادَ يهود هودًا، وتهوَّد أى: تاب ورجع إلى الحق؛ فهو هائد.
٣- نسبة إلى التقرب والعمل الصالح، قال زهير بن أبى سلمى:
"سوى رَبَعٍ لم يأتِ فيه مخافةً
ولا رهقًا من عابد متهود".
فالمتهود: يعنى المتقرب، والتهود يعني: العمل الصالح.
٤- من الهوادة، وهى المودة، فكأنهم سموا بذلك؛ لمودة بعضهم بعضًا.
وتطورت اليهودية بعد ذلك وانقسمت إلى مملكتين وهما مملكتا إسرائيل فى الشمال ويهوذا فى الجنوب وذلك فى أواخر القرن السادس قبل الميلاد، وبالتالى تعتبر اليهودية من أقدم الديانات التوحيدية.
كما تضم اليهودية مجموعة واسعة من النصوص والممارسات والمواقف اللاهوتية وأشكال التنظيم، فالتوراة هى جزء من النص الأكبر المعروف باسم التناخ أو الكتاب المقدس العبري، وأحكام وشرائع التوراة التى تشرحها الشريعة الشفوية وتسمى "الهلاخاه" والتى تمثلها النصوص اللاحقة مثل المدراش والتلمود.
وتوجد فى اليهودية مجموعة متنوعة من الحركات الدينية، والتى تنص معظمها على أن الله كشف قوانينه ووصاياه لموسى على جبل سيناء.
وتتراوح أعداد أتباع الديانة اليهودية بين ١٤.٥ مليون إلى ١٧.٤ مليون معتنق فى جميع أنحاء العالم، حيث إن تعداد اليهود فى حد ذاته يعدّ قضية خلافية حول قضية «من هو اليهودي؟».
ويمتد تاريخ اليهودية لأكثر من ٣٠٠٠ سنة. وكان يُشار إلى العبرانيين وبنى إسرائيل باسم «يهود» وفى كتب لاحقة فى التناخ وهو " العهد القديم " استبدل بمصطلح اليهود بعد ذلك مصطلح " أبناء إسرائيل ".
ولليهود عدة أسماء منها:
١- اليهود.
٢- بنو إسرائيل: وإسرائيل لقب يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.
وقال ابن عباس رضى الله عنه أن معناه: (عبد الله).
لأن كلمة ( إسرا ) بمعنى عبد، وكلمة ( إيل ) بمعنى اسم الله أى إنه مركب من كلمتين هما: إسرا، وإيل، كما يقولون:
بيت إيل.
٣ـ الذين هادوا: كما قال عز وجل: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ". [البقرة: ٦٢].
وقال: "إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ". [المائدة: ٤٤ ].
٤- أهل الكتاب: إشارة إلى اسمهم المتأخر خاصة بعد ظهور عيسى عليه السلام، وتميزهم عن أتباعه النصارى.
ولذلك يطلق هذا الاسم عليهم وعلى النصارى؛ إشارة إلى أن الله أنزل عليهم كتابًا من السماء، وهو التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى عليهما السلام.
وعلى أية حال فمصطلح اليهود أشمل من بنى إسرائيل؛ لأنه يطلق على الذين اعتنقوا الديانة سواء كانوا من بنى إسرائيل أو من غيرهم.
فى حين أن بنى إسرائيل وهم ذرية يعقوب عليه السلام قد يكون منهم اليهودي، أو النصراني، أو المسلم، أو سواهم.
ولليهود تسعة وثلاثون سفرا من أسفارهم معتمدة يطلق عليها "العهد القديم" وهى أربعة أقسام:
(١) التكوين: ويختص بتاريخ العالم.
(٢) والخروج: ويختص ببنى إسرائيل فى مصر وخروجهم منها.
(٣) والتثنية: ويختص بأحكام الشريعة اليهودية، وسفر اللاويين ويختص بشئون العبادات.
(٤) وسفر العدد: ويختص بإحصاء اليهود لقبائلهم وجيوشهم وأموالهم.
أما القسم الثانى من العهد القديم: فيتكون من اثنى عشر سفرا، خاصة بتاريخ بنى إسرائيل بعد استيلائهم على أرض كنعان (أرض فلسطين حاليًا).
والقسم الثالث من خمسة أسفار تختص بالأناشيد والعظات، والرابع من سبعة عشر سفرا كل منها يختص بتاريخ نبى من أنبيائهم بعد موسى.
أما التلمود: فهو مجموعة شروح للشرائع المنقولة شفاهة عن موسى، وهما تلمودان: واحد تم تدوينه فى فلسطين، والثانى كتب فى بابل.
وانقسم اليهود إلى أكثر من فرقة، اختلفت فيما بينها حول الأخذ بأسفار العهد القديم والأحاديث الشفوية لموسى أو إنكار بعضها. وأهم هذه الفرق خمس فرق:
الفريسيون (الربانيون)، الصدوقيون، والسامريون، والحسديون، والقراءون (الكتابيون المتمسكون بالأسفار)، ويعرفون أيضا بالعنانيين نسبة إلى مؤسسها عنان بن داود).
ولم يبق من هذه الفرق إلا الربانيون والقراءون، وبينهما اختلافات شديدة حول الطقوس والشرائع والمعاملات.
أما اليهود المعاصرون فينقسمون بين "سفارديم": وهم اليهود الشرقيون -بمن فيهم ذوو الأصول العربية والأسبان والبلقان، و"أشكنازيم": وهم اليهود الغربيون.
كما قدر أيضًا عدد السكان اليهود فى العالم بنحو ١٤.٣ مليون، أو ما يقرب من ٠.٢ % من مجموع سكان العالم. وإسرائيل هى موطن لنحو ٤٣ % من جميع اليهود فى العالم، ويقيم نحو ٤٣ % من يهود العالم فى الولايات المتحدة وكندا، ويعيش معظم النسبة المتبقية فى أوروبا، إلى جانب مجموعات أخرى من الأقليات المنتشرة منهم فى جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، وآسيا، وإفريقيا، وأستراليا.
• وهنا يأتى تساؤل مهم يدور فى أذهان الكثيرين، وهو هل هناك فرق بين اليهودى والصهيوني؟
والإجابة: نعم هناك فرق كبير وشاسع بينهما:
فاليهودى هو من يدين بالديانة اليهودية، أما الصهيونى فهو من يدعم الأيديولوجيا الصهيونية التى تؤيد تأسيس حكم يجمع شتات اليهود من جميع نواحى العالم لاستيطان أرض فلسطين بالقوة، وإقامةِ دولة يهودية مزعومة بها تسمَى زورًا بـ"إسرائيل"، ووفق ذلك يكون الإسرائيلى هو المواطن الذى يسكن دولة فلسطين المحتلة (إسرائيل).
فهناك فرق كبير بين اليهودية كديانة والصهيونية كحركة سياسية وكيان استعمارى متطرف.
ولابد أن أشير إلى نقطة مهمة وهى أن كثيرا من اليهود فى الغرب يعارضون سياسات إسرائيل ويرفضون الصهيونية بكل أشكالها ويعارضون أيضًا وجود دولة تسمي "إسرائيل".
•• والصهيونية هى:
اسم لحركة وأيديولوجية تعبر عن رغبات وطموحات الشعب اليهودى فى العصر الحديث وفى مقدمتها "العودة إلى أرض إسرائيل" أى ( فلسطين ) على حدّ تعبير هذه الحركة.
وكان أول من استخدم هذا المصطلح المفكر والكاتب اليهودى نتان بيرنبويم (1864 - 1937)، مقتبسا المصطلح من كلمة "صهيون" للإشارة إلى الحركة المتجددة التى تؤيد "عودة" الشعب اليهودى إلى فلسطين وتحقيق أحلامه وأُمنياته، والتى أطلق عليها اسم "محبو صهيون" (حوففى تسيون)،
حيث كان الهدف الرئيسى للحركة هو إعادة إنشاء وطن قومى يهودى ومركز ثقافى فى فلسطين من خلال تسهيل عودة اليهود من الشتات، وكذلك إعادة إنشاء دولة يهودية (ما عُرف عادة بالدولة العلمانية ذات الأغلبية اليهودية)، مع تحقيق هدفها عام 1948 بإنشاء إسرائيل.
ووُصفت الصهيونية بأنها أحد أشكال الاستعمار الاستيطانى فيما يتعلق بفلسطين والقضية الفلسطينية. وكثير من آباء الصهيونية أنفسهم وصفوها بالاستعمار، مثل زئيف جابوتينسكى وهو قيادى فى الحركة الصهيونية والقائل إن "الصهيونية مغامرة استعمارية ".
والواقع أن الصهيونيين استطاعوا الاستفادة من المعتقدات الدينية وتسخيرها لخدمة التوجهات السياسية التى نادت بها الحركة الصهيونية.
وقد أقرّ اسم "الصهيونية" فى المؤتمر الصهيونى الأول الذى عقد فى بازل فى سويسرا فى عام ١٨٩٧.
وتعود جذور الصهيونية إلى قرون ماضية من حيث أشكال التعبير، إذ ظهرت حركات يهودية تنادى بـ "العودة إلى أرض إسرائيل". وكانت هذه الحركات تثير الحماس فى نفوس اليهود بأن " الخلاص قريب جد "، مستغلة الظروف الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية التى كان يمر بها اليهود فى مختلف الدول التى كانوا يعيشون فيها.
والواقع أن مجيء اليهود إلى فلسطين فى السابق كان لأهداف دينية خالصة، مثل الحج والتبرك من قبور الأولياء والصديقين اليهود أو للموت والدفن فى الأرض المقدسة. ولكن من الواضح أن مثل هذا التوجه قد تغير ابتداءً من النصف الثانى من القرن التاسع عشر فى أعقاب ظهور تيارات وحركات فكرية وسياسية وأدبية يهودية، ثم صهيونية، دعت بوضوح إلى الهجرة إلى فلسطين على أساس قومى لتجسيد فكرة "إعادة بناء صهيون" و"تحقيق آمال الشعب اليهودى بالعيش فى وطن أجداده".
وقد ظهرت بوادر الحركة الصهيونية من خلال كتابات مجموعة من المفكرين اليهود الدينيين والسياسيين أمثال الحاخام يهودا حى القلعى (1798- 1878) والحاخام تسفى هيرش كاليشر (1795-1874) وغيرهما ممن دعوا إلى هجرة يهودية فى مطلع القرن التاسع عشر إلى فلسطين وإقامة مستوطنات ووضع الأُسس الثابتة "لتجديد ملك اليهود".
وظهرت أطروحات من قبل عدد من المفكرين اليهود الآخرين، أمثال موشى هيرش (1812-1875)، ممن نادوا بضرورة تحقيق استقلال ثقافى - حضارى لليهود باعتبارهم "أقلية قومية لها ميزة خاصة" ضمن إطار الدولة الاشتراكية. وظهر تيار صهيونى آخر نادى بوجوب اندماج اليهود فى المجتمعات الأوروبية التى كانوا يعيشون فيها ومحاربة الشعور بالغربة والحياد. وظهر تيار آخر فى الصهيونية رأى أن الحل الوحيد لمشكلة اليهود يتحقق فقط عن طريق توطينهم فى فلسطين، وهو ما يُرضى الدول الأوروبية التى ستتخلص من إرث مسألة اليهود.
وتعمق الجدل والنقاش داخل التيارات اليهودية - الصهيونية فى القرن التاسع عشر إلى أن وجه الصحفى المجرى اليهودى ثيودور زئيف هرتزل دعوة إلى عقد المؤتمر الأول للحركة الصهيونية فى عام 1897 فى بازل - سويسرا. ولهذا، يُعتبر هرتزل المؤسس الحقيقى والفعلى للحركة الصهيونية، فكرًا وممارسة. والواقع أن هرتزل قد اقتنع، بعد اطلاعه على مجريات الأمور والأحداث السياسية الدولية، بضرورة الاعتماد على دولة كبيرة ذات نفوذ واسع لتأمين الأرض والاستيطان للصهيونيين، فحاول - مع السلطان العثمانى ومع القيصر الألمانى - تجنيد الدعم اللازم لتحقيق المشروع الصهيوني، ولكن دون جدوى. إلا أن هرتزل لم ييأس من متابعة المحاولات فأجرى اتصالات مع القيصر الروسى ومع البابا ومع شخصيات سياسية عالمية أخرى، وعلى الرغم من كل هذا مراده لم يتحقق فى عهده، إنما وضعت محاولاته الدءوبة المسألة اليهودية فى مقدمة القضايا التى ستقف أمام الدول العظمى حينما يحين الوقت لاتخاذ قرارات مهمة. وبالفعل، تتوجت مساعى هرتزل وخلفائه من بعده، وفى مقدمتهم حاييم وايزمان، بالحصول على تصريح بلفور فى عام 1917.
وقد تعرضت الحركة الصهيونية إلى عدة انقسامات، فظهرت تيارات متنوعة ومنها الصهيونية الدينية، والصهيونية العملية، والصهيونية السياسية وغيرها.
والمتتبع لنشاطات الحركة الصهيونية على وجه الإجمال يجد أن الصهيونية نجحت فى تحقيق مشروع بازل الذى أسسه هرتزل، وهو المشروع الذى حول القضية اليهودية من مجرد قضية أقلية مغمورة إلى مسألة عالمية تحتاج إلى اعتراف بوجودها وتطلب حلًا لها.
ثم بعد ذلك نجحت الحركة الصهيونية فى إقامة مؤسسات لها، مثل "كيرن هيسود" (الصندوق التأسيسي) و"كيرن كييمت" (الصندوق القومى اليهودي) وغيرهما.
وسعت هذه المؤسسات إلى جمع الأموال والتبرعات من أثرياء اليهود بغية شراء وامتلاك الأراضى فى فلسطين وإقامة المستوطنات اليهودية عليها، لتكون نواة للدولة اليهودية المزمع تأسيسها والإعلان عنها فى المستقبل.
كما أقامت "الوكالة اليهودية، التى تشكل الجهاز التنفيذى للحركة الصهيونية، والتى أصبح من أبرز مهامها بعد قيام دولة إسرائيل، تشجيع هجرة اليهود من مختلف أنحاء العالم إلى فلسطين، وجمع الأموال ورعاية مصالح اليهود فى العالم وتوطيد العلاقات معهم.
وتحقق بعد ذلك المشروع الصهيونى فى عام 1947 عندما اتخذت الأمم المتحدة قرارها رقم 181 الداعى إلى إنشاء دولتين فى فلسطين الواحدة يهودية والثانية عربية، والمعروف باسم "قرار التقسيم". وأما على أرض الواقع، فقد نجحوا فى الإعلان عن دولتهم هذه فى عام 1948، وأخذت مختلف الدول المؤيدة لها بالاعتراف بها.
وتعرضت الحركة الصهيونية إلى قرار أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى عام 1975 اعتبرها حركة عنصرية، لكن القرار ألغى فى عام 1992. واعتبر العرب والمؤيدون للقضية الفلسطينية أن الحركة الصهيونية حركة استعمارية غربية عنصرية.