أبعاد الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وتأثيره على الأمن الإقليمي
20-10-2024

د. عبير فاروق عبدالعزيز
* دكتوراه في العلوم السياسية

يُعد الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي من أبرز وأعقد النزاعات في التاريخ الحديث؛ حيث يتداخل فيه التاريخ والسياسة والدين، وأحلام وأطماع ومخطط التوسعات الإسرائيلية، ليشكل لوحةً معقدةً من التوترات المستمرة. منذ بداية القرن العشرين، شهدت فلسطين صراعاتٍ على مدى طويلٍ؛ مما جعل منها ساحة صراعٍ تجاوزت حدودها نتيجةً لأطماع هذا الكيان لتؤثر على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. ورغم تعدد العوامل التي ساهمت في تأجيج هذا الصراع، إلا أن فهم جذوره التاريخية والسياسية لبلورة حلولٍ مستقبليةٍ يساهم في تحقيق السلام الدائم وتسوياتٍ عادلة، حيث يعد هذا الصراع خطرًا حقيقيًّا على الاستقرار الإقليمي نتيجة السياسات الإسرائيلية العدوانية، التي تجاوزت آثارها الحدود الفلسطينية حتى وصلت إلى لبنان وسوريا.

كما تأتي اغتيالات شخصيات بارزة مثل (إسماعيل هنية، وحسن نصر الله، ويحيى السنوار) كخطواتٍ منسقةٍ لإحداث فراغٍ وارتباكٍ داخل القيادة، بالإضافة إلى جرائم قتل وتفجير أعدادٍ كبيرةٍ من اللبنانيين، غير الإصابات بجراحٍ خطيرةٍ عن طريق استراتيجية الحروب السيبرانية، مما يهدد الأمن الإقليمي والمخاطر الحقيقية الناتجة عن همجية هذا الكيان، ناهيك عن  انتهاكاتٍ واسعةٍ لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة وغزة، بما في ذلك عمليات التهجير القسري، والهجمات العسكرية على المدنيين وقتلهم، وتدمير المنازل. هذه السياسات تُزيد من معاناة الشعب الفلسطيني، وتُزيد من الاستياء في المنطقة؛ مما يسهم في زعزعة الاستقرار، بالإضافة إلى مدى تأثيرها على الاقتصاد في المنطقة. ويتطلب التصدي لهذه المخاطر توحيد الجهود الدولية والعربية لفرض ضغوطٍ وعقوباتٍ على الكيان الإسرائيلي من أجل التراجع عن سياساته العدوانية.

عندما ينظر الجميع إلى الصراع الدائر حول المنطقة وكأنه بعيدٌ عنهم أو أنهم ليسوا جزءًا من المعادلة، فإن هذا خطأٌ فادح؛ حيث إننا جزءٌ أصيلٌ من هذا الصراع، إذ ينظر الآخرون إليه كتوسعٍ شاملٍ، وجزءٍ من استراتيجياتهم، تأخذ كل جزءٍ على حدة. إذا لم نفهم جذور هذا الصراع فلن نستطيع إدراك أنفسنا وأدوارنا فيه بشكلٍ صحيح. ولفهم جذور هذا الصراع، من الضروري قراءة العوامل التاريخية، والسياسية، والاجتماعية، والدينية التي ساهمت في نشوئه وتطوره.

الجذور التاريخية:

فلسطين عبر التاريخ وأهميتها الدينية:

لم يكن احتلال فلسطين عام 1948 هو الأول، بل سبقته حملاتٌ صليبية، بدأت عام 1095 عندما دعا البابا الناس للقيام بحملةٍ عسكريةٍ ضد المسلمين في فلسطين. كانت أوروبا تعاني من الفقر؛ مما دفع بعض الناس -حتى غير المتدينين- للانضمام إلى هذه الحملة تحت راية الدين، فقد كفَّرَ البابا من لم يلتحق بها، ومنح غفرانًا جزئيًّا للمشاركين بدعوى تحرير الكنيسة الشرقية.

على الرغم من ذلك، لم يكن هناك من ينكر الأطماع في خيرات هذه الأرض، حيث وصفها البابا بأنها "تفيض لبنًا وعسلًا". بعد نجاح القائد المسلم عماد الدين زنكي في تحرير البلاد العربية من الفرنجة، نشأت حملاتٌ صليبيةٌ جديدةٌ؛ مما أدى إلى استمرار الصراع.

تلا ذلك ظهور فكرة الصهيونية التي استهدفت اليهود كعنصرٍ يمكن استغلاله؛ نظرًا لتهميشهم في المجتمعات الأوروبية. نشأت الحركة الصهيونية من جذورٍ بروتستانتية في القرن السابع عشر، وتطورت لاحقًا لتصبح يهوديةً علمانيةً في منتصف القرن التاسع عشر، حيث دعت إلى إقامة دولةٍ يهوديةٍ في فلسطين كحلٍّ اقتصادي.

تحتل المدينة القديمة في القدس -التي تبلغ مساحتها كيلو مترًا واحدًا- أهميةً كبرى لدى جميع الديانات؛ فهي محاطة بأربعة أحياء: الإسلامية، واليهودية، والمسيحية، والأرمنية. يسميها اليهود مدينة الملك داوود، وتضم معالم مثل حائط المبكى، المعروف عند المسلمين بحائط البراق، والذي يعتبر مقدسًا عند المسيحيين أيضًا؛ حيث يرتبط بصلب المسيح. إضافةً إلى أهميتها الكبيرة للمسلمين المرتبطة بقبة الصخرة والمسجد الأقصى([1]).

(1) العهد العثماني (1517 - 1917):

كانت فلسطين جزءًا من الإمبراطورية العثمانية لأكثر من 400 عام. خلال هذا الفترة، كانت المنطقة متعددة الثقافات والأديان؛ حيث عاش المسلمون، والمسيحيون، واليهود في تناغمٍ نسبي.

(2) الاحتلال البريطاني ووعد بلفور (1917):

بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، انتقلت فلسطين تحت الانتداب البريطاني. في عام 1917، أصدر وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور وعدًا بدعم إقامة "وطنٍ قوميٍّ لليهود" في فلسطين، وقد جاء هذا الوعد دون استشارة السكان العرب؛ مما أدى إلى انعدام الثقة بين الفلسطينيين والبريطانيين.

(3) الهجرة اليهودية:

فى خلال فترة الانتداب، زادت الهجرة اليهودية إلى فلسطين بشكلٍ كبير؛ مما ساهم في توتر العلاقات بين اليهود والعرب. ونتج عن هذه الهجرة أن تأسست المنظمات الصهيونية مثل "الهستدروت" و"الهاجاناه"، والتي كانت تهدف إلى تعزيز الاستيطان اليهودي.

(4) الجذور السياسية:

أ- النكبة (1948):

في 14 مايو 1948، أُعلِنَت دولة إسرائيل؛ مما أدى إلى النكبة، حيث تم تهجير نحو 7000000 فلسطيني من ديارهم. يُعتبر هذا الحدث نقطة تحولٍ رئيسية في الصراع؛ حيث فقد الفلسطينيون أراضيهم وهويتهم.

ب- الحروب العربية-الإسرائيلية:

تلت النكبة عدة حروبٍ، أبرزها حرب 1967 التي أدت إلى احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة. هذا الاحتلال أسس لقضية حقوق الإنسان الفلسطينية المستمرة، وأدى إلى تفاقم مشاعر الغضب بين الفلسطينيين.

ج- الجذور الاجتماعية:

·   تطور الهوية الفلسطينية بعد النكبة:

بدأت الهوية الفلسطينية تتشكل بشكلٍ أقوى، حيث أصبحت النضالات من أجل الاستقلال والعودة جزءًا من الوعي الجماعي. انتشرت الروايات حول المقاومة والحق في العودة؛ مما عزز من شعور الوحدة والانتماء بين الفلسطينيين.

·  الانقسامات الداخلية:

شهدت الساحة الفلسطينية انقساماتٍ بين الفصائل (مثل فتح وحماس)؛ مما أثر سلبًا على وحدة الشعب الفلسطيني. ولم يفوت الكيان المحتل هذه الفرصة، بل عمل على استغلالها لصالحه لتثبيت أقدامه أكثر وأكثر في الأراضي الفلسطينية.

وبالنظر لجذور الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، يتضح أنه ليس مجرد صراعٍ على الأرض فحسب، بل هو صراعٌ معقدٌ يعكس تحدياتٍ تاريخيةً، وسياسيةً، ودينيةً عميقةً، وسياساتٍ توسعيةً. إن فهم هذه الجذور يفتح المجال لإدراكٍ أعمق لطبيعة الصراع، وضرورة التعامل معه بجدية، والحذر من هذا الكيان. يتطلب الأمر من المجتمع الدولي التكاتف لإيجاد حلولٍ عادلةٍ ومستدامةٍ تأخذ في الاعتبار حقوق الفلسطينيين، كما يجب أن نستفيد من دروس الماضي، ونتجنب تكرار الأخطاء التي أدت إلى تفاقم الصراع.

السلام الحقيقي لا يتحقق من خلال الحلول السطحية أو قرارات الشجب والتنديد، بل يحتاج إلى حوارٍ شاملٍ وإرادةٍ صادقةٍ دوليةٍ لمصلحة المنطقة. إن مستقبل المنطقة يعتمد على قدرتنا على تحقيق المصالحة، وحفظ الحقوق، وتعزيز ثقافة السلام، وخلق بيئةٍ تعزز التعايش المشترك. يجب أن تكون الخطوات المقبلة مدفوعة بفهمٍ عميقٍ للجذور التاريخية والاجتماعية لهذا الصراع، مما يساهم في بناء مستقبلٍ أفضل للأجيال القادمة.

في عام 1965، بدأ الفلسطينيون بتشكيل فرق المقاومة؛ مما أُطلق عليها مرحلة جديدة من الصراع العربي الإسرائيلي. شهدت تلك الفترة تصاعد الحروب العربية الإسرائيلية، حيث لعبت الولايات المتحدة دورًا بارزًا في دعم الكيان الإسرائيلي. بعد هيمنة الجمهوريين على المجلسين الأمريكيين، أصبح المؤيدون للصهاينة في موقعٍ يؤثر بشكلٍ كبيرٍ على صنع القرار في الولايات المتحدة، وتعزز هذا الدعم من خلال السيطرة اليهودية على مراكز الدراسات والأبحاث، ولجان العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فضلًا عن وزارات الدفاع والخارجية. وكان من بين الأمثلة البارزة لهذا الدعم ما حدث في حرب يوم الغفران (1973)، عندما شنت مصر وسوريا هجومًا منسقًا على إسرائيل. في تلك الحرب، حصل الكيان الإسرائيلي على 22 ألف طن من الأسلحة المتطورة والعتاد العسكري؛ مما ساهم في تعزيز قدراته العسكرية. تُظهر هذه الأحداث كيف أن العلاقات السياسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة وإسرائيل قد أثرت بشكلٍ كبيرٍ على مسار الصراع؛ مما أضاف تعقيداتٍ جديدةً للواقع الفلسطيني والعربي.

أوجه التشابه بين قيام الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية (مقارنة أكثر دقةً مع التواريخ المتعلقة بقيام الدولة الأمريكية والكيان الصهيوني):

1) الاحتلال والاستعمار:

الولايات المتحدة: بدأت عمليات الاستعمار الأوروبي في القرن السابع عشر، وازداد الاحتلال مع استيلاء المستعمرين على أراضي الهنود الحمر حتى القرن التاسع عشر. تم توقيع معاهدة غوادالوب هيدالغو عام 1848م، والتي أنهت الحرب الأمريكية- المكسيكية، ونتج عنها مزيدٌ من الاستيلاء على الأراضي([2]).

الكيان الصهيوني: تأسس في 14 مايو 1948م بعد وعد بلفور الصادر في 2 نوفمبر 1917م، الذي أعلن دعم الحكومة البريطانية لإقامة "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين([3]).

٢) الدعم الدولي:

الولايات المتحدة:حصلت على دعمٍ من الدول الأوروبية، وخاصةً خلال الحروب مع البريطانيين في القرن الثامن عشر([4]).

الكيان الصهيوني: حصل على دعمٍ دوليٍّ كبيرٍ بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصةً من الولايات المتحدة.

3) القمع والمقاومة:

الولايات المتحدة: شهدت مقاومةً من قِبَل الهنود الحمر طوال فترة الاستعمار، مثل معركة ليتل بيغ هورن عام 1876م. واستمر الصراع مع الهنود الحمر حتى أوائل القرن العشرين، مع سياسات الإبادة في العراق وسوريا، والثقافة الاستعمارية.

الكيان الصهيوني: بدأت المقاومة الفلسطينية في الخمسينيات، مع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وتفاقم الصراع مع حرب عام 1967. ولا يزال الصراع العربي- الإسرائيلي مستمرًّا منذ عام 1948، مع حروبٍ متعددةٍ مثل حرب 1948، وحرب 1967، وحرب 1973، وحتى الآن.

4) التأثير على السياسة الأمريكية:

-    الولايات المتحدة: تأثير القوى الاستعمارية الأوروبية على السياسة الأمريكية حتى استقلالها في عام 1776.

-   الكيان الصهيوني: ازدادت هيمنة اللوبي الصهيوني على السياسة الأمريكية بعد حرب 1967؛ حيث أصبح دعم الكيان جزءًا أساسيًّا من السياسة الخارجية الأمريكية.

-   الولايات المتحدة:

·        1776: إعلان الاستقلال الأمريكي مدعومًا من فرنسا وبلدانٍ أوروبيةٍ أخرى.

·        1783: انتهاء الحرب الثورية الأمريكية مع معاهدة باريس.

-   الكيان الصهيوني:

·        1945م: انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبدء الدعم الأمريكي القوي للصهيونية.

·        1947م: قرار الأمم المتحدة رقم 181 لتقسيم فلسطين الذي وافقت عليه القوى الغربية.

-   الولايات المتحدة:

·        1860-1890م: حروب الهند، حيث تم قمع الهنود الحمر عسكريًّا.

·        1890م: مذبحة ونديدني (Wounded Knee) كعلامةٍ على نهاية المقاومة العسكرية.

-   الكيان الصهيوني:

·        1948-1949م: النكبة، وطرد الفلسطينيين من أراضيهم([5]).

-   الولايات المتحدة:

·        القرن التاسع عشر: توسع الأراضي تحت مفهوم "القدر المحتوم".

-   الكيان الصهيوني:

·        1967م: بعد حرب الأيام الستة، زادت أمريكا من دعمها العسكري والاقتصادي لإسرائيل بشكلٍ ملحوظ.

·        1973م: حرب أكتوبر، وزيادة الدعم الأمريكي لإسرائيل.

·        1982م: غزو لبنان، وزيادة العنف ضد الفلسطينيين.

·        2000م: اندلاع الانتفاضة الثانية، مع تصاعد الصراع.

ردود الفعل الدولية تجاه انتهاكات الكيان الصهويني وأثرها:

هناك رفضٌ إقليمي، ودولي، وشعبي، وعالمي للانتهاكات التي يقوم بها الكيان الغاصب، وسياسات الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية الداعمة له، مع غياب الموقف الموحد والحازم لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وغياب دور الجامعة العربية، وتباين مواقف الدول العربية.

يجب استغلال الرفض الإقليمي، والدولي، والشعبي لتكوين جبهةٍ جديدةٍ تغير من سياسات صنع القرارات الدولية القائمة للتخلص من الهيمنة الأمريكية على العالم، بالإضافة إلى توحيد المواقف العربية والإسلامية تجاه قضايا المسلمين عامةً وفلسطين خاصةً؛ كونها تمثل مقدمةً لاستعادة حقوق المسلمين المغصوبة.

تعتبر أوضاع الفلسطينيين في فلسطين المحتلة قبل أحداث "طوفان الأقصى" كارثية بالفعل. منذ احتلال عام 1948، فقد الفلسطينيون العديد من حقوقهم الأساسية، بما في ذلك الحريات والأراضي، وتعرضت المجتمعات الفلسطينية لأساليب قمعية أدت إلى تدهور أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، مع استمرار انتهاك حقوقهم الإنسانية. مارست الحكومة الإسرائيلية أقصى درجات الإكراه والاضطهاد، حيث تم التضييق عليهم في فرص العمل لإجبارهم على مغادرة وطنهم، هذا الأمر أسفر عن تهجير نحو 800 ألف فلسطيني، بالإضافة إلى التهجير الداخلي من المناطق التي يسيطر عليها الاحتلال. خلال فترة النكبة، دُمّرت 531 قرية ومدينة، وارتكبت 70 مجزرة. بين عامي 2000 و2016م، اُستُشهد 10369 فلسطينيًّا على يد قوات الاحتلال، وتم اعتقال نحو 100000 آخرين دون تمييز([6]).

هذه الظروف أسهمت في تفاقم المعاناة اليومية للفلسطينيين، وأثرت على حياتهم بشكلٍ جذري، بالإضافة إلى تخريب الآثار التاريخية لطمس الهوية، إذ عملت العصابات الصهيونية قبل عام 1948م على تنفيذ مذبحة دير ياسين، وهي عملية إبادة وطرد جماعي نفذتها في نيسان 1948م مجموعتا الإرغون وشتيرن الصهيونيتان في قرية دير ياسين الفلسطينية غربي القدس. كان معظم ضحايا المجزرة من المدنيين ومنهم أطفال، ونساء، وعجزة، ويتراوح تقدير عدد الضحايا بين 250 و360 حسب المصادر العربية والفلسطينية و109 حسب المصادر الغربية([7]).

في أحداث غزة الأخيرة، تباين الموقف الأوروبي بين الدول التي ظهر بعضها داعمًا للكيان بقوةٍ -مثل ألمانيا- وبين معارضٍ لها -مثل إسبانيا-، كما ظهر تعارضٌ آخر بين ممثلي الاتحاد نفسه، حيث تعارض موقف رئيسة المفوضية الأوروبية من الداعمين للكيان مع موقف ممثل شؤونه الخارجية الرافض لسياسة الكيان. لكن الصفة الغالبة على أوروبا هي دعمها للكيان وإدانة حماس.

يُلاحَظ أيضًا أن شعوب أوروبا والولايات المتحدة على الأغلب ضد حكوماتها التي أيدت مواقف الكيان، وقد تبين ذلك من خلال المظاهرات الرافضة للإبادة والمجازر التي ترتكبها الصهيونية. وكعقابٍ جماعيٍّ للشعب الفلسطيني على ما حدث يوم 7 أكتوبر، فقد قرر الاتحاد الأوروبي وقف المساعدات الإنسانية، الأمر الذي رفضته بعض دول الاتحاد؛ وهو ما حدا به التراجع عن قراره، وإعادة رسم سياسة إيصال المساعدات بالشكل الذي يحمي فيه الكيان، وعدم وصولها لغزة التي تسيطر عليها حماس.

طوفان الأقصى ومواقف الدول والشعوب الغربية:

كشفت الأحداث الدائرة في فلسطين المحتلة تأكيدًا واضحًا على الدعم الغربي والأمريكي لحكومة الكيان الغاصب، الذي أظهر زيف ادعاءات حقوق الإنسان التي يزعمها الغرب، والتي كانت في بعض محطات العلاقات الدولية دعوة للتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، لدرجة أن ذهبت بعض الدول الأوروبية -مثل بريطانيا، وإيطاليا، وألمانيا- إلى إدانة المقاومة الإسلامية الفلسطينية من الشعب الفلسطيني، وإظهار الكيان الغاصب الذي يمارس الإبادة في صورة الضحية المغلوبة على أمرها، وبررت أفعال دولة الكيان على أنها دفاعٌ مشروعٌ رغم حجم الانتهاكات التي يمارسها، والتي وصلت إلى المستشفيات، والمدارس، ومنظمات الإغاثة.

فيما دعت فرنسا -نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية التي تعرضت لها- إلى تغيير موقفها من المطالبة بتشكيل تحالفٍ دوليٍّ ضد حماس إلى المطالبة بحماية المدنيين وتحقيق هدنةٍ إنسانية، إلا أنها لم تُدِن الكيان الغاصب. وهذا الموقف مشابهٌ -إلى حدٍّ ما- لمواقف النمسا والمجر اللذين عرقلا قرار الجمعية العامة بوقف إطلاق النار في غزة، ثم عادا إلى المطالبة به. ومن اللافت للنظر مواقف النرويج، وإسبانيا، وأيرلندا، وبلجيكا التي أدانت جميعها الانتهاكات الصهيونية بحق الفلسطينيين.

استطاعت حكومات الدول الغربية وبعض وسائل الإعلام التأثير على الرأي العام وتصوير الكيان بصورة الضحية بعد طوفان الأقصى، إلا أنه وبعد أيامٍ بدأت الحقائق تتكشف، والفظائع تصل لجمهور الدول الغربية؛ مما غَيَّرَ الصورة الذهنية لما يحصل في فلسطين من إباداتٍ، وهو ما أدى إلى قيام تظاهرات في لندن أمام البي بي سي، وهي رسالة جلية إلى اعتراض المتظاهرين على هذه القناة التي قلبت الحقائق، وغَيَّرَت قناعات الناس بصورةٍ سلبيةٍ أدت إلى دعم الكيان رغم انتهاكاته، ليتحول الأمر بعدها إلى تظاهراتٍ منددةٍ بالإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.

وبعد أن فقدت وسائل الإعلام هذه ثقة الجمهور، وبدأ يبحث عن الوسائل البديلة –الصادقة الأمينة- لنقل ما يجري في فلسطين، تغير حجم التأييد للفلسطينيين إلى أربعة أضعاف مقابل المؤيدين للكيان الغاصب؛ وهو ما كان سببًا لتحريك الشارع البريطاني.

كما شاركت الجامعات الأمريكية بالمظاهرات المنددة بالعدوان الصهيوني، والتي تطورت فيما بعد إلى الاعتصام ونصب الخيام، الأمر الذي قابلته الشرطة الأمريكية باعتقال أعدادٍ منهم. وقد طالبوا بوقف الإبادة الجماعية، وإنهاء الاعتداء الصهيوني، والضغط على الكيان الغاصب من خلال وقف الاستثمارات ومقاطعة الجامعات المؤيدة للحرب في دولة الكيان.

ووصلت المظاهرات المنددة للإبادات الصهيونية للفلسطينيين إلى ١٥ ألف مظاهرة في ۱۸دولة أوروبية، كانت حصة بريطانيا منها (٢٥٠٠٠٠) متظاهر، فيما كشفت المظاهرات الطلابية الأمريكية والأوروبية زيف ادعاء الديمقراطية الغربية، ليس بسبب اعتقال الشرطة للطلبة فقط، وإنما أيضًا بسبب موقف رئيس البرلمان الأمريكي الذي اقترح إقالة رئيسة جامعة كولومبيا؛ متهمًا إياها بعدم الجدية في منع التظاهر، وهو ما عَرَّضها للمساءلة أمام لجنةٍ في الكونجرس الأمريكي، رغم أنها كانت سببًا في إدخال الشرطة الأمريكية إلى الحرم الجامعي.

 كانت الولايات المتحدة صمام أمان الكيان الغاصب بسبب امتلاك الأولى حق النقض (الفيتو)؛ لذا يشعر الكيان أنه في منأى من الحساب إزاء المجازر التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني، إذ عمد رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعاقة جميع القرارات التي تدين الأعمال الصهيونية وتمنع محاسبته، وتبرير الاعتداءات الصهيونية بأنها دفاعٌ مشروعٌ عن النفس، وهو ما لا تعارضه باقي الدول الأعضاء في مجلس الأمن؛ كونهم يعتبرونه حقًّا مشروعًا، بالإضافة إلى إدانة حركات المقاومة الفلسطينية، حيث ينحصر موقف المجلس في أغلب الأحيان في مطالبة الطرفين بوقف التصعيد دون العمل على وقفه. وقد عملت الولايات المتحدة على إلغاء دور مجلس الأمن في حل المشكلة الفلسطينية ووقف الاعتداءات الصهيونية، وحرف مساره إلى تقديم اقتراحاتٍ لا تتناسب مع أهمية الدول الأعضاء فيه، والاكتفاء بقراراتٍ شكليةٍ مثل قرار الهدنة الإنسانية لأيام لإدخال المساعدات لغزة المحاصرة، ورغم هذا لم تنفذ دولة الكيان القرار، ولم يصدر بحقها أي عقوبة.

صدر عن مجلس الأمن تسعون قرارًا يتعلق بالقضية الفلسطينية، بدءًا بالقرار رقم 42 في 5 مارس 1948م، وانتهاءً بالقرار رقم 2728 في 25 مارس 2024م. توزعت هذه القرارات ما بين 18 دعوة، و12 مطالبة، و13 إدانة، و7 قرارات شجب، بالإضافة إلى الاستنكار والإعراب عن القلق والتأسف والتوصيات. وقد تميزت هذه القرارات بضعفها، وعدم التزام الكيان بتنفيذها، مقابل عدم معاقبته على عدم احترام الشرعية الدولية.

رغم كل هذه الأزمات، يبقى الإيمان بالنصر هو السلاح الأقوى، ويؤكد على ذلك القرآن الكريم، حيث وعد الله بأن النصر آتٍ، وأن تأخيره لا يعني عدم تحققه.

في ظل الصراعات الحالية، هل أدركنا الآن أسباب وأهداف تسلح الدولة المصرية، وتنوع وتعدد مصادر السلاح، والتطوير والتحديث الشامل في بنية القوات المسلحة بأكملها في ظل الصراعات، حيث يتعين على الدول العربية تعزيز قدراتها العسكرية وتطوير استراتيجياتٍ دفاعيةٍ لحماية حقوقها، كما يتطلب الوضع الراهن وعيًا استثنائيًّا وتحركاتٍ جادة من الدول العربية لمواجهة التحديات، وتنفيذ استراتيجياتٍ دفاعيةٍ قويةٍ لحماية حقوقها ومصالحها في مواجهة التهديدات المتعددة.

المصادر والمراجع:

-صالح محسن محمد، القضية الفلسطينية خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة، بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، ١٤٣٣ه/ 2012م، ص ص١١، 12.

-حجاب حنين، من هم الهنود الحمر، موقع موضوع الإلكتروني، ۱۲يونيو 2019. https://mawdoo3.com

-نوفل أحمد سعيد، دور إسرائيل في تفتيت الوطن العربي، بيروت، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، ط۲، ۲۰۱۰، ص ص٢٢-٢٤.

-زلوم عبد الحي يحيى، حروب البترول الصليبية والقرن الأمريكي الجديد، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات.

-مركز المعلومات الوطني، أوضاع الشعب الفلسطيني من خلال الأرقام والحقائق الإحصائية، عشية الذكرى التاسعة والستين لنكبة فلسطين، والذي يصادف الخامس عشر من أيار ۲۰۱۷.

-جواد الحمد،  "في الذاكرة الإنسانية: الشعب الفلسطيني ضحية الإرهاب والمذابح الصهيونية"، مركز دراسات الشرق الأوسط، 1995. QID: Q124256616.

 

  1. -Kana'ana and Zeitawi, The Village of Deir Yassin, Destroyed Village Series, Berzeit University Press.

الهوامش:

 ([1]) صالح محسن محمد، القضية الفلسطينية خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة، بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، ١٤٣٣ه/ 2012م، ص ص١١، 12.

([2]) حجاب حنين، من هم الهنود الحمر، موقع موضوع إلكتروني، ۱۲يونيو ۲۰۱۹ https://mawdoo3.com

([3]) نوفل أحمد سعيد، دور إسرائيل في تفتيت الوطن العربي، بيروت، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، ط۲، ۲۰۱۰، ص ص٢٢-٢٤.

([4])زلوم عبد الحي يحيى، حروب البترول الصليبية والقرن الأمريكي الجديد، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط١، ٢٠٠٥.

([5])مركز المعلومات الوطني، أوضاع الشعب الفلسطيني من خلال الأرقام والحقائق الإحصائية، عشية الذكرى التاسعة والستين لنكبة فلسطين، والذي يصادف الخامس عشر من أيار ۲۰۱۷.

([6]) جواد الحمد، 1995م، "في الذاكرة الإنسانية: الشعب الفلسطيني ضحية الإرهاب والمذابح الصهيونية"، مركز دراسات الشرق الأوسط. QID: Q124256616.

([7])Kana'ana and Zeitawi, The Village of Deir Yassin, Destroyed Village Series, Berzeit University Press.


رابط دائم: