سياسات تعزيز الأمن القومى الاقتصادى المصرى
16-10-2024

عائشة غنيمي
* خبير اقتصادي ومسئول برامج وعلاقات دولية

إن انتهاج سياسات اقتصاد الحرب يُعد إحدى الآليات الاستراتيجية المهمة لتأمين اقتصاديات الدول النامية والمتقدمة والناشئة ضد المخاطر الاقتصادية، خاصة فى ظل اتساع دائرة الحروب وتفاقم النزاعات وتغلل الصراعات على الساحة الإقليمية والدولية. وذلك بما يضمن الحفاظ على الأمن القومى الاقتصادى، وتعزيز شبكة الحماية الاجتماعية، والحفاظ على تسريع وتيرة تحقيق أهداف التنمية المستدامة خاصة فى الدول النامية والناشئة. وتجدر الإشارة إلى أن الحروب والنزاعات والصراعات أدت إلى عرقلة جهود تنمية اقتصادات الدول النامية والناشئة خاصة فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.

وفى ضوء النظريات الاقتصادية ، ظهر مُصطلح "اقتصاد الحرب" فى الحرب الأهلية الأمريكية "1861-1865"، التى تُعد أول النماذج المعروفة لتطبيق اقتصاد الحرب، وبزغ هذا المصطلح خلال الحرب العالمية الأولى والثانية، فى خطاب للرئيس الأمريكى روزفلت الذى نادى بالتحوّل إلى قوى عسكرية مبنية على أسس اقتصاد الحرب، وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من أكثر الدول تطبيقًا لاقتصاديات الحرب فى فترات متلاحقة، أبرزها الحرب العالمية الأولى والثانية، وحرب فيتنام.

وتهدف نظرية اقتصاد الحرب إلى تحقيق التوازن بين الحاجة إلى تحقيق الأهداف العسكرية والآثار الاقتصادية الناتجة عن الحروب، وبزغت هذه النظرية بشكل موسع حديثًا نتيجة لتفاقم النزاعات والصراعات إقليميًا.ويُعرفاقتصاد الحرب"War Economy"بأنه مجموعة من إجراءات الطوارئ التى تتخذها الدولة لتعبئة اقتصادها للإنتاج خلال فترة الحرب، من خلال وضع نظام لإنتاج الموارد وتعبئتها وتخصيصها لدعم المجهود الحربى. كما يعرف "اقتصاد الحرب"بتوظيف الاقتصاد كجزء مهم من استراتيجية الحرب التى تخوضها الدولة ، بحيث يكون التركيز على توجيه مواردها الاقتصادية لتلبية احتياجات قواتها المسلحة ودعمها اللوجستى. ويُعرف أيضًا "اقتصاد الحرب" بأنه إجراءات اقتصادية تتخذها الدول عندما تتأثر أوضاعها الاقتصادية بحروب مُحيطة بها وانخراطها فى هذه الحروب كأحد الأطراف. وتتمثل إجراءات اقتصاد الحرب فى تدبير السلع الأساسية، وترشيد الإنفاق الحكومى، والحد من الرفاهية، وتخفيض نسبة الواردات، وتشجيع الإنتاج والتصنيع المحلى وزيادة معدلات الادخار، مما يسهم فى زيادة الإنتاج المحلى وتوجيه الإيرادات العامة للأولويات الاقتصادية بهدف الحفاظ على المستوى المعيشى للمواطنين وتحقيق التنمية المستدامة.

 وعليه، فإن اقتصاد الحرب لا يؤثر على الدعم العينى والنقدى المُقدم لمستحقيه من الفئات الاجتماعية الأولى بالرعاية ، بل يوطد من شبكات ضمان الحماية الاجتماعية ، وضمان توفير السلع الأساسية لكافة المواطنين. الأمر الذى يعزز من استدامة المبادرات التنموية التى تهدف إلى تحقيق حياة كريمة للمواطنين، وتقوية عماد القوى البشرية ومن ثم القوى العسكرية والأمنية.

والجدير بالذكر، أن إجراءات اقتصاد الحرب لا تقتصر فقط على الدول التى تنخرط كأحد الأطراف فى الحروب والصراعات والنزاعات، بل أيضًا على الدول التى قد تتأثر سلبًا اقتصاديًا بشكل مباشر أوغير مباشر من جراء التداعيات الاقتصادية والمالية الناجمة عن اندلاع هذه الحروب والصراعات والنزاعات التى تتسبب فى زعزعة الاستقرار السياسى، ومن ثم تهديد الأمن القومى والاقتصادى والاجتماعى خاصة فى الدول المجاورة لهذه الاضطرابات السياسية والأمنية، والتى تؤثر بشكل رئيسى على سلاسل الإمداد وحركة التجارة الإقليمية والدولية والملاحة الجوية وأيضًا حركة السياحة وزعزعة استدامة تدفق الاستثمار الأجنبى المباشر وغير المباشر.

وتتخذ كل دولة التدابير اللازمة فى حالة انتهاج سياسات "اقتصاد الحرب"، بما يتوافق مع أوضاعها الداخلية على صعيد الوضع الاقتصادى، والسياسى ، والاجتماعى محليًا.

وتتميز سياسات اقتصاد الحرب بأهميتها فى حوكمة إدارة الموارد واستراتيجية التخطيط الاقتصادى الكفء لتعزيز الأمن القومى الاقتصادى والحفاظ على عملية التنمية الاقتصادية بما يدرأ التداعيات السلبية الاقتصادية عن المواطنين ويقيهم من معاناه تحمل المزيد من الأعباء الاقتصادية.

وتعتبر الدولة المصرية من الدول الفاعلة وذات ثقل جيوسياسى واقتصادى فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، ولكن تجابه مصر العديد من التحديات والمخاطر الأمنية والسياسية التى تحيط حدود الدولة المصرية على خريطة الشرق الأوسط، وذلك جراء اتساع دائرة الصراعات والنزاعات واندلاع الحرب فى غزة واستمرار زعزعة الاستقرار السياسي إقليميًا ودوليًا.

لقد بذلت الدولة المصرية ومؤسساتها المختلفة جهودا دءوبة للحفاظ على الأمن القومى المصرى وتأمين الحدود المصرية والحفاظ على استقرار وأمن الدولة، وذلك من خلال القضاء على براثن الإرهاب المحلى والدولى وتجفيف منابعه على أرض الدولة المصرية، مع توطيد دور مصر الريادى فى المنظمات الإقليمية والدولية سواء فى منظمة الأمم المتحدة، أو الاتحاد الإفريقى، أو جامعة الدول العربية، أو صندوق النقد الدولى، أو البنك الدولى، مع احترام المواثيق والمبادئ الدولية فى تحقيق السلم والأمن الدوليين والأمن الجماعى، وحماية حقوق الإنسان واحترام الاتفاقيات الدولية والإقليمية والانخراط الإيجابى فى تحقيق التنمية والسلام فى كافة الفعاليات والمحافل الدولية والإقليمية. الأمر الذى رسخ حاجزًا منيعًا يحيط حدود الدولة من مخاطر أى اختراق أمنى أو عسكرى سواء مباشر أو غير مباشر. هذا إلى جانب الدور المحورى الذى تلعبه الدولة المصرية فى الوساطة الدبلوماسية وإتباع نهج الدبلوماسية متعددة الأطراف والدبلوماسية الوقائية مع استمرار المساعى الحميدة للدولة المصرية لدرء تفاقم الحروب والنزاعات والصراعات فى المنطقة.

وعلى صعيد التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والأمنية، لم تتوقف فى مصر عجلة الإصلاحات الاقتصادية وبرامج التنمية الاجتماعية وتحقيق التنمية السياسية وتعبئة قدرات الجيش المصرى والشرطة المصرية وبناء القواعد العسكرية المتطورة وتسليح الجيش المصرى بأحدث الأسلحة والذخائر ذات القدرات والطاقات التكنولوجية المبتكرة والمتطورة بما يواكب تطورات الثورة الصناعية الرابعة والخامسة.

وتجدر الإشارة إلى أن مصر تمتلك خلال الفترة الحالية الاحتياطات الاستراتيجية الكافية التى تجعلها تتعامل مع سيناريوهات اقتصاديات الحرب ، ويرجع ذلك إلى توافر المخزون الكافى من التموين والإمداد والاحتياطى النقدى الأجنبى المطلوب. وهناك مخزون من السلع الإستراتيجية يكفى حتى 15 شهرًا خاصة مخزون القمح الذى تعاقدت الحكومة المصرية على كميات كبيرة منه خلال الفترة الماضية.

والجدير بالذكر، أن نجاح القيادة السياسية فى احتواء الأزمات المُحتدمة والمُتلاحقة منبثقا عن الوعى الوطنى الراسخ للرأى العام المحلى وعمق الهوية الوطنية فى أبناء المجتمع المصرى الذى يجسد نسيجا وطنيا متماسكا يساند جهود الدولة المصرية فى تحقيق التنمية الاقتصادية والعسكرية معًا، من أجل الحفاظ على أمن واستقرار وسلامة أراضى الوطن من مخاطر اتساع دائرة النزاعات والصراعات والحروب التى تحيط بالدولة المصرية.

أخيرًا وليس آخرًا، إن اتباع سياسات اقتصاد الحرب يعزز من الأمن القومى الاقتصادى المصرى وذلك من خلال التخطيط الاقتصادى الكفء من حيث تعظيم الاستغلال الأمثل لموارد الدولة المصرية، وتقوية بنية الاقتصاد المصرى من خلال توسيع القاعدة الإنتاجية حيث تشجيع التصنيع المحلى للحد من الواردات وتحقيق المزيد من الاكتفاء الذاتى الذى يقى من مخاطر اضطراب سلاسل الإمداد إقليميًا ودوليًا. الأمر الذى يسهم فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة والحفاظ على موارد الدولة والحد من الاستهلاك غير الرشيد، فضلًا عن استمرار جهود توطين التنمية من خلال إيلاء الأولوية للاستثمارات طويلة الأجل وذات الصلة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة فى القرى والمدن واستمرار تطوير رأس المال البشرى والقوى العسكرية والبنية الأساسية والتكنولوجية.

دائمًا وأبدًا يصطف المجتمع المصرى بكافة أفراده مع القيادة السياسية المصرية والجيش المصرى منذ عقود وعقود، يشارك فى التفهم والتعامل مع الأزمات والحروب لحماية أرض الوطن وبناء المجتمع والاقتصاد المصرى، إذ الوعى الوطنى السليم يشكل حجر الأساس لبناء الجمهورية الجديدة التى تنعم بالعدالة والاستقرار والتنمية المستدامة للأجيال القادمة لتكون طاقة النور للسلم والأمن محليًا وإقليميًا ودوليًا.

 


رابط دائم: