كيف يمكن فهم التحالف المصرى-الإريترى-الصومالى؟
16-10-2024

شيماء حسن على
* باحث دكتوراه كلية الدراسات الإفريقية العليا

فى الحادى عشر من أكتوبر الجارى ومن قلب العاصمة "أسمرة"، أعلنت مصر، وإريتريا، والصومال إنشاء تحالف ثلاثى وتشكيل لجنة مشتركة من وزراء خارجية الدول الثلاث للتعاون الاستراتيجى فى كافة المجالات، ويأتى هذا الإعلان فى أعقاب جملة من التصريحات والتصريحات المضادة و زيادة حدة التوترات المتصاعدة بين الصومال، وإريتريا، ومصر من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، على خلفية قيام الأخيرة بتوقيع مذكرة تفاهم مع إقليم "أرض الصومال" الانفصالى يضمن لها الوجود على البحر الأحمر وبناء قاعدة بحرية عسكرية، مقابل الاعتراف بأرض الصومال كدولة، فى سابقة لم تحدث من قبل، وهى الخطوة التى رفضتها دول الجوار والقوى الدولية والإقليمية والاتحاد الإفريقى، وعلى هذا الأساس، تناقش الورقة الموقف الإثيوبى وأسباب التحالف الثلاثى وتداعياته على الاستقرار فى القرن الإفريقى.

إثيوبيا والأطماع فى القرن الإفريقى:

وفقًا لما حددته "الوثيقة الاستراتيجية للمياهين" التى أصدرها المعهد الإثيوبى للشئون الخارجية، فإن لإثيوبيا مصالح جيوسياسية واقتصادية وأمنية فى الجسمين المائيين، وقد حددت الوثيقة سياسات إثيوبيا فى التعاطى مع الإشكاليات التاريخية والمعاصرة حول قضية الوصول البحرى، وملف مياه نهر النيل، وقد تبنت مفهوم "حتمية الوصول البحري" سواء بالطرق السلمية" أو "بالقوة" إذا لزم الأمر، مع ضرورة “الاستغلال” الأمثل لنهر النيل، وتبنّيه عقيدةً سياسيةً مركزيةً تقوم على أن البحر والنهر يُحدّدان مستقبل إثيوبيا.[1]

وفعليًا، فقد صرح رئيس الوزراء "آبى أحمد" فى 13أكتوبر 2023 فى بث تليفزيونى، بأن مسألة الوجود على البحر الأحمر والوصول إلى المياه الدافئة هى مسألة حياة أو موت (وجودية)، سواء ما يتعلق بالبحار أو الأنهار، وهى التصريحات التى ساعدت على إثارة مزيد من التوترات مع الجوار الإثيوبى (الصومال وإريتريا)، والقاهرة من جهة أخرى، ويمكن القول إن إثيوبيا قد سعت بطرق عديدة إلى إغراء جوارها الإقليمى الساحلى على تنفيذ اتفاقات على غرار الاتفاق مع أرض الصومال عبر الحصول على ملكية حصص فى سد النهضة الإثيوبى أو الخطوط الجوية الإثيوبية، إلا أن هذا العرض لم يواجه باستجابة جدية من الدول، إذ وصفته "إريتريا" بأنه أمر مبالغ فيه.

التحركات المصرية والاستجابة الإثيوبية:

يبدو أن رئيس الوزراء الإثيوبى "آبى أحمد" لا يرحب بأى تحركات مصرية فى القرن الإفريقى، ولا حتى بالتعاون بين الصومال ومصر، حتى لو كانت مصالح "مقديشو" تقتضى ذلك،فمنذ أن أعلنت مصر ترحيبها بالمشاركة بقوات حفظ السلام فى الصومال ووقعت بروتوكولا عسكريا واتفاقية دفاع مشترك مع الصومال يقتضى بناء وتطوير قدرات القوات العسكرية الصومالية، والمساهمة فى جهود مكافحة الإرهاب والقرصنة والتهديدات الأمنية، فقد أصدرت الخارجية الإثيوبية بيانا تعتبر أن التحركات المصرية -ضمنيا- تزعزع استقرار منطقة القرن الإفريقى، على الرغم من أن الصومال قد سعت لعقد اتفاقات أمنية وعسكرية مع تركيا،إلا أن التقارب المصرى-الصومالى لا تنظر له إثيوبيا بارتياح إطلاقا.[2]

وبمجرد وصول أولى شحنات وقوات العسكرية المصرية نهاية أغسطس الماضى، فقد جاءت تصريحات الرسميين الإثيوبيين لتتوعد القوى التى تهدد استقرار الإقليم -بحسب وصفه- واعتبرت "أديس أبابا" أن هذا الموقف لن يثنيها عن التحرك، وفى خطوات تصعيدية تفسر هذا الموقف، حاولت إثيوبيا ان تزيد من قواتها العسكرية فى عدة مناطق عسكرية سواء فى إقليم "الأوجادين"، أو مناطق "غالمودوغ"، و"بيدوة" فى إقليم "بونت لاند".[3]كما جاءت التحركات الإثيوبية فى سبيل منع وصول العتاد والجنود المصريين من مقديشو إلى جنوب غرب الصومال والسيطرة على المطارات العسكرية فى "لوق"، و"دولو"، و"باردير".[4]

وواقع الأمر، أن الاستجابة الإثيوبية على التحركات المصرية، تشى بأن رئيس الوزراء "آبى أحمد" يتبع استراتيجية الهروب إلى الأمام، إذ إن الداخل الإثيوبى يعانى من استمرار الانقسامات والصراعات العرقية سواء فيما بين العرقيات المختلفة أو فيما بينها وبين الحكومة الفيدرالية، ففعليا، تجددت الاشتباكات بين ميليشيا "فإنو" التى تتبع إثنية "الأمهرة" وبين قوات الحكومة الفيدرالية، كما أن الحكومة الفيدرالية لم تستطع قمع تمرد جيش التحرير التابع لعرقية الأورومو، أضف إلى ذلك السلام الهش فى إقليم "تيجراي"، فضلا عن الأوضاع الإنسانية والاقتصاد المتردى.[5]

وفى محاولة منه لحشد الداخل الإثيوبى ولملمة شتات الجبهة الداخلية، يحاول "آبى أحمد" مواجهة خصومه الخارجيين كما يحلو له دائما أن يصور، وذلك فى ظل توقف مفاوضات سد النهضة نهاية العام الماضى مع مصر، والتوترات مع "إريتريا" على خلفية تراجع "آبى أحمد" عن اتفاقه السابق فيما يخص مشكلة أراضى "وليكت" الواقعة غرب إقليم "تيجراي" المتنازع عليها، بل وحشد القوات الإثيوبية والإريترية على الحدود، والتوترات مع الصومال بعد الحديث عن تقنين اتفاقه مع إقليم "أرض الصومال"، وتصاعد نبرة التهديدات بين الجارتين.[6]

التحالف الثلاثى.. التوقيت ودلالاته:

جاءت القمة الثلاثية بين رؤساء الدول الثلاث، بعد سلسلة من الاجتماعات والزيارات المتبادلة بين الأطراف الثلاثة، على مستوى الاستخبارات وعلى المستوى الوزارى أيضا، إذ سبقت القمة الرئاسية، زيارة رئيس جهاز المخابرات المصرى، ووزير الخارجية للعاصمة الإريترية، ثم تكللت بإعلان هذا التحالف عبر القمة الرئاسية الثلاثية، ويمكن القول إن توقيت الإعلان عن هذا التحالف له دلالاته عديدة، أبرزها:

1.  تعديل ميزان القوى فى القرن الإفريقى لصالح التحالف الثلاثى: بشكل عام، تلعب التحالفات دورًا كبيرًا فى ميزان القوى النسبية بين الفواعل الرئيسية فى الإقليم، وقد تنضم الدول إلى تحالفات لتقوية موقفها أمام قوة منافسة أو للحفاظ على أمنها القومى، وبالفعل هو ما تسعى إليه الصومال وإريتريا فى مواجهة خصمهم التقليدى، إذ تعول الدولتان على دور مصرى أكبر فى الإقليم.

فجاءت هذه الخطوات لتؤكد على دور مصر كلاعب إقليمى فى منطقة القرن الإفريقى، خاصة أنها جاءت فى أعقاب تأكيد الملء الخامس لسد النهضة وتصديق جنوب السودان على اتفاقية "عنتيبي"، ومساحة تحركات مصر كوسيط فى الأزمة السودانية، لحماية المصالح الوطنية لصالح الأطراف المتحالفة.[7]

2. تعزيز قوة الردع: يمكن اعتبار هذا التحالف خطوة فى سبيل تحقيق الردع لخصومهم التقليديين سواء كانوا دولا أو جماعات من دون الدول، وبمعنى آخر تطمح أسمرة ومقديشو فى تحقيق ردع الجارة الإثيوبية والحركات الإرهابية من جهة أخرى.

3. تحقيق المصلحة الوطنية وتعزيز النفوذ وحماية المصالح الاستراتيجية:

يسعى كل من الأطراف الثلاثة لحماية مصالحها الوطنية الحيوية والاستراتيجية، وذلك على النحو التالي:

(أ‌)  بالنسبة لمصر فهى تواجه جملة من التهديدات بداية من خطر تهديد أمنها المائى بعد أن أكملت إثيوبيا بناء السد الإثيوبى وأتمت ملء 51 مليار والذى تعتبره القاهرة (سد النهضة) خطرا وجوديا يهددها، وبعد الإعلان عن دخول اتفاقية "عنتيبي" حيز النفاذ[8]، أضف إلى ذلك التوترات فى "البحر الأحمر" و"مضيق باب المندب" وعسكرة البحر الأحمر -بعد معركة طوفإن الأقصى- فضلا عن تهديدات الجماعات الإرهابية والقرصنة، وبالتالى فلمصر مصلحة أمنية تقتضى التعاون مع "الصومال" و"إريتريا"، ولقطع الطريق أمام أى محاولات إثيوبية لإنشاء قاعدة عسكرية.

(ب‌) بالنسبة للصومال فهى تسعى لمواجهة الأطماع الإثيوبية فى أراضيها، وتدخلاتها فى الشأن الداخلى، والتصدى لمحاولاتها دعم الانفصاليين من جهة ومن جهة أخرى إفساد مذكرة التفاهم مع إقليم أرض الصومال "صومالى لاند"، وبالتالى فالطرف الصومالى يحاول أن يجمع شتات اتحاده الفيدرالى ويسعى لمواجهة حركات مسلحة وميليشيات إرهابية والمحاولات الانفصالية، وبناء جيش قوى ومؤسسات قادرة على استعادة وممارسة السلطة، وفى سبيل ذلك تسعى لإقامة علاقات وتحالفات لمساعدتها فى هذا الأمر، وبالتالى فإن الصومال لديها مصلحة دفاعية مصيرية وينبغى أن تعمل لتحقيقها.

(ج) بالنسبة "لإريتريا" هى أيضا تسعى لمواجهة الأطماع الإثيوبية فى أراضيها، فعلى الرغم من محاولات الصلح بين الجارتين بل ودعم "أسمره" الحكومة الإثيوبية فى حربها ضد إقليم "تيجراي"[9]، فيبدو أن هذه المحاولات اتسمت بالهشاشة وعدم صمودها أمام الأطماع الإثيوبية الحقيقية فى الرغبة لتوسيع رقعة الأراضى الإثيوبية والاستيلاء على أراضى دول الجوار لمحاولة الوصول للموانئ على البحر الأحمر وبناء أسطولها البحرى.

ختامًا، يشكل التحالف الثلاثى خطوة فى سبيل تعزيز النفوذ المصرى وحماية المصالح الحيوية للدول الثلاث، ومن جهة أخرى تعديل ميزان القوى فى القرن الإفريقى لصالح الطرف المصرى، لمواجهة التحديات الداخلية، ومن جهة ثالثة مواجهة الطموحات الجيوسياسية الإثيوبية فى أراضى جيرانها الإقليميين، والوصول للمياه الدافئة فى البحر الأحمر، وتحقيق الردع، وبالتالى تحقيق الاستقرار فى منطقة تزخر أساسا بمختلف الصراعات والأزمات السياسية، وعلى أى حال، يظل تحقيق هذا الاستقرار مرهونا بتحركات اللاعبين الإقليمين الذين من شأنهم دعم هذا التحالف.

المراجع:


[1]ربيع محمد محمود،" تحليل استراتيجى لوثيقة معهد الشئون الخارجية الإثيوبي: إدارة نهر النيل والبحر الأحمر فى السياسة الإثيوبية"، تاريخ الاطلاع 13 أكتوبر 2024، متاح على الرابط التالي:https://qiraatafrican.com

[2]"بيان إثيوبيا عن الصومال بعد تصريح السيسى يشعل تفاعلا وتكهنات"، سى إن إن العربية، تاريخ الاطلاع 13 أكتوبر 2024، متاح على الرابط التالي:https://2u.pw/1Ijq1rxU

[3]" الصومال تدين نقل إثيوبيا شحنات أسلحة إلى أرض البنط"، روسيا اليوم، تاريخ الاطلاع 13 أكتوبر 2024، متاح على الرابط التالي:https://goo.su/zglz

[4]" إثيوبيا-الصومال.. القوات الإثيوبية تسيطر على مطارات فى منطقة غيدو لمنع وصول أسلحة مصرية"، أجانزيا الإلكترونية، تاريخ الاطلاع 13 أكتوبر 2024،متاح على الرابط التالي:https://goo.su/2feq1

[5]"Ethiopia’s Ominous New War in Amhara",Crisis Group, Access ,14 Oct.2024,at:https://2u.pw/l0pJhnix

[6]"The Stakes in the Ethiopia-Somaliland Deal",Crisis Group, Access ,14 Oct.2024,at:https://2u.pw/cOQWeU6

[7]محمد عبد الكريم، "اتفاقية التعاون العسكرى بين مصر والصومال: علاقات تاريخية وتحديات مشتركة"، قراءات إفريقية، تاريخ الاطلاع 13 أكتوبر 2024، متاح على الرابط التالى: https://2u.pw/pX54nBPd

[8]"وزير المياه الإثيوبي: تفعيل اتفاقية "عنتيبي" يضمن "الاستخدام العادل للنيل"،الميادين، تاريخ الاطلاع 13 أكتوبر 2024،متاح على الرابط التالي:https://www.almayadeen.net/

[9]"الصراع فى تيغراي: إريتريا تعترف بمشاركة قواتها فى القتال فى الإقليم الإثيوبي"،بى بى سى، تاريخ الاطلاع 13 أكتوبر 2024،متاح على الرابط التالي:https://2u.pw/eICoio8g

 


رابط دائم: