مستهدفات حوكمة المنظومة الضريبية في مصر وتأثيرها
22-9-2024

عائشة غنيمي
* خبير اقتصادي ومسئول برامج وعلاقات دولية

تولى الدولة المصرية أهمية بالغة صوب تسريع وتيرة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الماليةلتعزيز بنية الاقتصاد الكلى، وتنافسية بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية واستغلال الفرص الواعدة التى تُوفرها المشروعات القومية والتنموية الكبرى، تحقيقًا لأهداف التنمية الشاملة والمستدامة، إلى جانب توطيد حوكمة الإنفاق العام وتنمية الإيرادات العامة للدولة المصرية بشكل مُستدام، مع الأخذ فى الاعتبار توسيع نطاق شبكة الحماية الاجتماعية.

وتلعب السياسات المالية دورا محوريا فى الحفاظ على الاستقرار المالى والاقتصادى من حيث تقليص عجز الموازنة العامة للدولة وتخفيض الدين العام، مع ضمان حوكمة تمويل الاستثمارات، وتعزيز الحياد التنافسى، وزيادة القاعدة الإنتاجية،  وتنافسية الصادرات من سلع وخدمات، فضلا عن تمكين القطاع الخاص بما يسهم فى تسريع وتيرة التنمية الاقتصادية المستدامة، مع الأخذ فى الاعتبار ترشيد ورفع كفاءة وجودة الإنفاق العام وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية لمواجهة الضغوط التضخمية العالمية والتداعيات السلبية الناجمة عن الأزمات العالمية والإقليمية.

الجدير بالذكر أنه على صعيد حوكمة  تعظيم الإيرادات العامة، تعتبر مصر من أوائل الدول عالميا التى تطبق استراتيجية  الإيرادات متوسطة المدى   (MTRS)للفترة من 2020/2021 حتى 2023/2024.حيث تعد آليـة للمتابعـة والتنفيـذ لضمـان القيـام بالإصلاحات الضريبيـة وغيـر الضريبيـة المُسـتهدفة علـى المـدى المتوسـط وضمان أكبر قدر من فاعلية وكفاءة الجهود المبذولة لزيادة الإيرادات العامة. إذ تضمن الاستراتيجية استمرار تطوير وإصلاح النظام الضريبى من خلال ثلاثة محاور رئيسيةالمحور الأول: السياسات الضريبية – المحور الثانى: الإدارة الضريبية والإجراءات التنظيمية – المحور الثالث: القوانين والتشريعات الضريبية.

وتشكل الإيرادات الضريبية عنصرا رئيسيا فى الإيرادات العامة بالموازنة، حيث ارتفعت حصيلة الضرائب فى الموازنة العامة بنسبة 34.4% خلال الفترة من يوليو 2023 وحتى نهاية أبريل 2024، حيث بلغت الإيرادات الضريبية نحو 1241.3 مليار جنيه مقارنة بنحو 923.7 مليار جنيه خلال الفترة نفسها من العام المالى الماضى، بزيادة بلغت قيمتها نحو 317.6 مليار جنيه.

وتتلخص أبرز إصلاحات الإيرادات الضريبيةفى تبسيط الإجراءات الضريبية، واستمرار جهود الميكنة، ووضع منظومة جيدة لإدارة الضرائب للحد من التهرب الضريبى، والاســتمرار فــى توســيع القاعــدة الضريبيــة مــن خــلال زيــادة معــدلات الحصــر والتركيــز علــى ضــم الاقتصــاد غيــر الرســمى، والحــد مــن الإعفــاءات الضريبيــة والجمركيــة بصــدور القانــون رقــم 159 لعــام 2023 لتحقيــق العدالــة والشــفافية، وإنشاء مكاتـب تحصيـل ضريبـى متخصصـة للتعامـل مـع كبـار وصغـار المموليـن وبعـض الأنشـطة الأخـرى كل علـى حـدة.

وجاءت أهم أولويات سياسات الإصلاح على جانب الإيرادات العامة لموازنة 2024/2025 فى الآتى:

·الضرائب العقارية حيث تطوير نظم المعلومات والحصر والفحص والتعامل مع المواطنين، وتحمل وزارة المالية الضريبة العقارية المُستحقة على المصانع.

·الجمارك ومن أهمها: تكثيف جهود تيسر الإفراج الجمركى عن البضائع بالموانئ المصرية، واســتكمال منظومــة النافــذة الواحــدة.

·وكذلــك التطبيقــات وقواعــد البيانــات بيــن الجمــارك والجهــات ذات الصلــة "نظام الشباك الواحد الإلكترونى" لتبسيط الإجراءات أمام المستوردين، وتطبيق نظم إدارة المخاطر الجمركية.

وعلى هدى ما تقدم، تسعى الحكومة المصرية لمواصلة جهود حوكمة المنظومة الضريبية بما يعزز من الاستقرار المالى والاستثمارى. وعليه، أطلقت وزارة المالية مبادرة "التسهيلات الضريبية"، والتى تهدف إلى القضاء على التحديات التى تواجهها المنظومة الضريبية، ومن ثم وضع خطة ممنهجة واستراتيجية طويلة المدى تضمن الاستمرار فى منهجية الإصلاح تحقيقا لأفضل الممارسات الدولية، مما يسهم فى جذب مزيد من الاستثمارات وتسريع وتيرة نمو الاقتصاد المصرى.

وتتضمن "مبادرة التسهيلات الضريبية" عدد 20 إجراء من الإجراءات ذات الأولوية والتى انبثقت من واقع التحديات التى يواجهها دافعو الضرائب من ممولين ومستثمرين، بما يضمن زيادة حصيلة الوعاء الضريبى والحد من التهرب الضريبى والعمل على دمج القطاع غير الرسمى فى القطاع الرسمى وزيادة الاستثمارات. وقد تضمنت الحزمة الأولى من الإجراءات المدعومة بآليات تنفيذعلى النحو الآتى:

1.وضع نظام متكامل للممولين الذين لا يتجاوز حجم أعمالهم السنوى 15 مليون جنيه يتضمن كافة الأوعية الضريبية(ضريبة دخل – قيمة مضافة – دمغة – رسم تنمية موارد الدولة)، ويقرر مجموعة من الحوافز والإعفاءات والتسهيلات من أجل وضوح الرؤية وتحديد الحقوق والالتزامات وتسهيل اتخاذ القرار بالانضمام لهذا النظام المتكامل.

2.تفعيل منظومة المقاصة المركزية للتيسير على الممولين والمسجلين فى إجراء التسويات اللازمة لأرصدتهم وتحقيق السيولة اللازمة لمزاولة نشاطهم.

3.وضع حد أقصى لغرامات التأخير بحيث لا يجاوز 100% من أصل الضريبة، بغرض عدم تحميل الممول أو المسجل بأعباء ضريبية ناتجة عن تأخر المصلحة فى إجراءات الفحص الضريبى.

4.تشجيع غير المسجلين ضريبيا من الأشخاص (طبيعى أو اعتبارى) بالتسجيل بمصلحة الضرائب المصرية مع عدم مطالبتهم بأى مستحقات ضريبية عن الفترات السابقة لتسجيلهم بالمصلحة.

5.السماح للممولين الذين تعذر عليهم تقديم الإقرارات الضريبية فى المواعيد القانونية من عام 2020 حتى عام 2023 بتقديمها خلال مدة زمنية محددة دون التعرض للعقوبات المقررة قانونا، والتى تعد بمثابة فرصة لتصحيح الأوضاع والامتثال الطوعى لأحكام القوانين الضريبية.

6.إتاحة إمكانية للممولين بتقديم إقرارات ضريبية معدلة عن عام2020حتى عام 2023 فى حالة وجود سهو أو خطأ أو إغفال بيانات لم يتم إدراجها فى الإقرار الأصلى دون التعرض للجزاءات المقررة قانونا، والتى تعد بمثابة فرصة لتوفيق الأوضاع قبل الخضوع لعملية الفحص.

7.رفع حد الالتزام بتقديم دراسة تسعير المعاملات بين الأشخاص المرتبطة ليصبح 30 مليون جنيه بدلا من 15 مليون جنيه سنويا، لتخفيف الأعباء عن فئة أكبر من الممولين لتمكينهم من التوسع وزيادة حجم أعمالهم.

8.تطوير وتحسين منظومة رد الضريبة على القيمة المضافة لمضاعفة حالات رد الضريبة لخمسة أمثال وزيادة عدد المستفيدين منها، وتقليص المدة الزمنية اللازمة لإجراء عملية الرد.

9.تشكيل مجلس استشارى للفتاوى والآراء الضريبية لتوحيد الفتاوى الصادرة عن قطاع البحوث الضريبية وإعداد أدلة بالمباديء المستقر عليها ونشرها على الموقع الإلكترونى للمصلحة.

10.زيادة فعالية الدور الذى تلعبه منظومة الرأى المسبق والتى منحها القانون صلاحية إصدار قرارات ملزمة للمصلحة بشأن موقف المعاملات التى يرغب الممولون والمسجلون فى إتمامها ولها آثار ضريبية مستقبلية، بغرض توضيح المعاملة الضريبية لهذه التعاملات ومساعدة المستثمرين نحو إعداد دراسات الجدوى اللازمة لمشروعاتهم فى إطار من الوضوح والشفافية والإلمام بأحكام القوانين الضريبية.

11.زيادة فعالية الدور الذى تقوم به وحدة دعم المستثمرين التابعة لمكتب رئيس مصلحة الضرائب المصرية والتى تختص بحسب قرار إنشائها بالرد على كافة الاستفسارات المقدمة من المستثمرين بشأن المعوقات والمشكلات التى يواجهونها على مستوى تطبيق التشريعات الضريبية والتشريعات ذات الصلة، بالإضافة إلى اتخاذ الاجراءات التنفيذية اللازمة بالتنسيق مع القطاعات المختصة داخل المصلحة للقضاء على كافة معوقات التنفيذ أولوية للملتزمين.

12.تبسيط الإقرارات الضريبية وتخفيض عدد صفحاتها، لأغراض تخفيف الأعباء عن الممولين والمسجلين فى ضوء توافر المعلومات لدى المصلحة من خلال المنظومات الإلكترونية.

13.إلغاء الإقرارات غير المؤيدة مستنديا مرحليا، لغرض إدراج كافة الممولين الملتزمين بتقديم الإقرارات الضريبية ضمن نظام الفحص بالعينة.

14.التوسع فى نظام الفحص بالعينة ليشمل المراكز الضريبية، تأكيدا على الحرص نحو تخفيف الأعباء على الممولين وعدم خضوعهم للفحص الضريبى بشكل سنوى، وإنما سيكون الفحص وفقا لمعايير اختيار العينة السنوية للفحص.

15.النشر المسبق للمستندات المطلوبة للفحص الضريبى، والذى يعد خطوة مهمة لتوفير الوقت والجهد ومنح الممولين والمسجلين الفرصة للتجهيز لعملية الفحص قبلها بوقت كاف.

16.وضع نظام استقصاءات رأى لقياس مدى رضاء الممولين عن خدمات المصلحة من خلال جهات محايدة.

17.تحديث الموقع الإلكترونى لمصلحة الضرائب المصرية وتزويده بكافة إصدارات المصلحة بشكل دورى من تعليمات وقرارات وقوانين وغيرها لضمان سهولة وصول المعلومات إلى كافة أطراف المجتمع الضريبى.

18.إعداد أدلة إرشادية للفحص بحسب النشاط لتوحيد آليات الفحص الضريبى على مستوى كافة مأموريات المصلحة.

19.إصدار أدلة إرشادية تتضمن حقوق وواجبات المستثمرين وكافة الحوافز والمزايا الواردة بالقوانين الضريبية والقوانين ذات الصلة.

20.إنشاء بوابة لشكاوى الممولين تابعة لرئيس المصلحة للتعامل معها بشكل فورى وسريع.

هذا إلى جانب  ضرورة الأخذ فى الاعتبار أهمية الاستثمار فى رفع كفاءة العاملين بمصلحة الضرائب المصرية بما يماثل المعايير والممارسات الدولية، وبحث سبل توفير ممكنات تطوير سير عملهم وتحسين أوضاعهم بشكل يتناسب مع الأعباء والمسئوليات الموكلة لهم، فضلا عن التدريب على استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى والتوسع فى المنظومات الإلكترونية.

وتجدر الإشارة إلى أنه قد تم تطبيق العديد من الإصلاحات الجذرية الهادفة ومن بين هذه الإصلاحات: توسـيع القاعـدة الضريبيـة، وتحسـين كفـاءة وعدالـة المنظومـة الضريبـة فى التجـارة الإلكترونية، والرســوم والضرائــب الخضــراء، والضرائــب علــى المجــالات الضارة بالصحــة والبيئــة، ودمــج القطــاع غيــر الرســمى، والاهتمام بنشــاط الحصــر والتســجيل والمهــن الحــرة وضريبــة الدخل. هذا إلى جانب التوســع فــى عمليــة ميكنــة وتبســيط إجــراءات تحصيــل الإيرادات والمدفوعــات الحكوميــة وإدارة الأصول والمخاطــر، وميكنــة ودمــج منظومــة الضرائــب والضريبــة العقاريــة والجمــارك، وســرعة رد الضريبــة. هذا إلى جانب إجراء إصلاح تشريعى للقوانين الضريبية والتى تسهم فى زيادة الوعاء الضريبى وتوسيع القاعدة الضريبية ترسيخا للعدالة الاجتماعية.

أخيرا وليس آخرا، إن مبادرة "التسهيلات الضريبية" تؤكد على النهج التشاركى التى تتبعه الدولة المصرية من حيث الوقوف على التحديات وبحث العقبات التى قد تعرقل نجاح الإصلاحات الهيكلية المالية، من خلال مواصلة جلسات الاستماع الضريبى والمشاركة الفعالة فى جلسات الحوار الوطنى وإشراك القطاع الخاص وصغار رجال الأعمال والمستثمرين.

إن تحقيق العدالة الضريبية وتعزيز حوكمة المنظومة الضريبيةمن المستهدفات ذات الأولوية سعيًا إلى منظومة ضريبية أكثر تطورًا وتحفيزًا وجذبًا للاستثمار بما يواكب التطورات العالمية والتداعيات المطردة جراء الأزمات السياسية والاقتصادية فى منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذى يسهم بشكل كبير فى خلق بيئة أعمال فى الدولة المصرية تتسم بالثقة واليقين والاستقرار من خلال  إرساء دعائم الحوكمة والشفافية والنزاهة، مما يساعد فى تشجيع المستثمرين على توسيع أنشطتهم فى مصر بما يتسق مع ما تبذله الدولة من جهود دؤوبة لتطوير هيكل الاقتصاد صوب آفاق أرحب لمعدلات نمو مستدام، يقوده القطاع الخاص.


رابط دائم: